القصيدة الضائعة _ مقالة نقدية بقلمي (عمر قزيحة)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي القصيدة الضائعة _ مقالة نقدية بقلمي (عمر قزيحة)

    القصيدة الضائعة

    يومًا ما، من سنوات بِعَادٍ في مَرِّ الزمان، طلب مني أستاذ كنت قد تعرفته حديثًا أن أعيره كتابًا في النحو، وذلك لأنه يدرس في معهد خاص، وعندهم اختبار قريب في مادة نحو، وقد سمع بكتاب معين أنه مهم جدًا، وبما أنني أستاذ لغة عربية فإنه يطلب الكتاب مني.
    ولا أعلم هل كوني أستاذ لغة عربية، يُفتَرَض بي أن أمتلك كل كتب النحو الموجودة في المكتبات؟ ولو أخذنا بهذا المنطق لامتلكت كل كتب البلاغة العربية وكل كتب علوم العروض، كذلك كل كتب الصرف، ولكن رغم هذا، لبَّيْتُ له طلبه، ولا يعني هذا أنني كنت أمتلك الكتاب، لكني أخبرته _ من دون أن أكذب في هذا _ أنني سأبحث له عنه في مكتبة والدي، ورغم أنني لم أجد الكتاب، إلا أنني حللت المشكلة ببساطة، بشرائه من أول مكتبة تبيع الكتب في المنطقة المجاورة، ولم يكن شرائي الكتاب لأجل صديقي الجديد هذا فحسب، بل لأنني أحببت قراءته بنظرة نقدية، لأرى هل فعلًا هذا الكتاب (مهم جدًا)، أم لا.

    ولكني لم أشبع فضولي في وقته، وذلك لأن صديقي الجديد لا يمتلك وقتًا كافيًا، إذ إن الاختبار قريب كما قال لي، فَقَدَّمْتُ إليه الكتاب منبِّهًا إياه على ضرورة إعادته إليَّ فور الانتهاء منه، ولقد وافق بحماسة هاتفًا إنه سيعيد الكتاب بعد ثلاثة أيام على أبعد تقدير، إذ سَيَتَقَدَّم إلى الامتحان بعد يومين مساء، وفي اليوم الثالث سيكون الكتاب عندي، جديدًا لامعًا كما استلمه مني.
    ربما تتوقعون أن الأخ بدأ بمرحلة المماطلة الشهيرة في مثل هذه الحالات، وهذا صحيح، لكنه ليس موضع مقالتنا، إذ بدا لي؛ آنذاك؛ كأننا نعيش مرحلة سيناريو سخيف يُصِرُّ المخرج على إعادته يوميًا، أو أن المدرسة تحولت إلى محطة تلفزيونية تعرض حلقة سخيفة وتكررها يوميًا، والمشهد بسيط جدًا، أنا أدخل غرفة الأساتذة، والأخ يضرب جبهته بيده، مصدرًا صوتًا ملؤه الأسى والحسرة، هاتفًا بعده بكلمتين: (ياه، لقد نسيت)!

    ورغم ذلك، لا زلنا بعيدين عن موضع قصتنا التي نحن بصددها، إذ أتى الأخ بغتة إليَّ في الملعب الخالي، بعد حوالي شهرين ونصف الشهر، حينما علم أنني سأترك تلك المدرسة إلى مدرسة أخرى، وربما لا أراه بعدها، يحمل إليَّ كتابًا مهترئًا ممزق الأطراف، عديم الغلاف، والخربشات تملأ صفحته الأولى التي تبدو وكأنها تعرضت إلى زلزال عنيف، وإذ رأى نظرتي الغاضبة إليه، أسرع يهتف مؤكدًا: (لا علاقة لي، لست أنا من فعل ذلك)!

    وبما أنه كان قد أخبرني من قبل أنه يعيش وحده هذه الأيام، ليصفو ذهنه إلى اختباراته المتعددة ودراسته الإضافية في المعهد الخاص، وسيبقى كذلك حتى نهاية السنة الدراسية، فإنني افترضت تلقائيًا أن الأشباح هي التي لعبت بهذا الكتاب، وأرادت أن تؤكد أنه في عالمها الخفي يعيش الرسامون، والمشاغبون، وآكلو لحوم البشر، أقصد آكلو أغلفة الكتب، ولقد رددت ساخرًا، متسائلًا عن تلك الأشباح المشاغبة، ليسألني الأخ الذكي بدوره: (أية أشباح؟ من يشاغب)؟ لأسأله بحزم: (إذًا، من فعل هذا بالكتاب)؟

    وكان الرد الرائع، تقمص الأخ شخصية الواعظ الغبي فعلًا، ليقول لي، وهو يَهُزُّ رأسه بحكمة القرون الغابرة: (من كتم علمًا ألجمه الله بلجام من نار)، لذا؛ أنهى الأخ اختباراته، وأتى بالكتاب اليوم التالي فعلًا، لكن لا لِيَرُدَّه إليَّ، بل ليعطيه إلى زميلة أخرى كانت قد سألته عن هذا الكتاب، ربما قبل أن يسألني هو عنه، وربما عرف بعنوان الكتاب منها، فوعدها به! هكذا بكل بساطة! وإذ أخذه مني قرأ ما يريده، وعاد به إلى تلك الزميلة، هاتفًا أنه قد نسي الكتاب، وهو يضرب جبهته بيده، ويصدر صوت الـ(ياه)، والكتاب في حقيبته، ينتظر انتهاء دوامي ليعطيه إلى تلك الزميلة، وذلك لتقرأ فيه وتُفَادَ، وينال هو _ وأنا معه _ الحسنات، ويا لسعادتي بما حققتُه من حسنات، وأنا لا أعلم!
    ولا أتهكم هنا بالحسنات، ولكن هذا كلامه، بل إنه أخبرني أنني محظوظ فعلًا، لأنني لم أدخل في الوعيد النبوي الذي ذكره لي، وعاد يكرره ويؤكده كلما تكلم بضع كلمات: (من كتم علمًا ألجمه الله بلجام من نار)، قال هذا، وهو يناولني الكتاب، فألقيتُ به بين يديه بعنف، قائلًا له بسخرية لاذعة: (ما رأيك أن أعطيك عنوان بيتي)؟ فهتف متحمسًا، وهو يكاد يتواثب في مكانه سعيدًا: (لماذا؟ لأزورك وتتوطَّد أواصر صداقتنا الأخوية)؟

    وبِغَضِّ النظر عن صداقتنا (الأخوية) هذه، وأواصرها (الخفية)، واللتين لا أعلم عنهما شيئًا إطلاقًا، إلا أنني لم أتوقف عند هذا الأمر كثيرًا، بل تجاوزته، لأتابع متهكمًا: (بل لتنزل إلى بيتي ليلًا، وتسرق ما تجده من المال _ هذا إن وجدتَ شيئًا _ وذلك لتوزعه على الفقراء، كي لا أدخل في من ينكرون قول الله عز وجل: {وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}"!
    ولا أعلم إن كان هذا الأحمق يريد قول شيء ما هنا، ولا يعنيني إن كان يريد ذلك أم ابتلع السخرية في حلقه، إذ انطلق لساني ينظم فيه شعرًا، آسف أنه لم يكن معنا من يدونه، ولم يكن في وقتنا الواتس أب لأسجله برسالة صوتية إلى أحد أفراد عائلتنا مثلًا، بل كان القليل من يمتلكون الهواتف المحمولة، ولكني في تلك القصيدة أغرقت جبهته بالعرق خجلًا لما ضَمَّنْتُه معانيها من السخرية اللاذعة، وأنا أصف ذكاءه النادر، في تحويل طلب زميلته إليَّ أنا، ومقدرته على تقمص شخصية الببغاء الآلي الأصلي، تصنيع ألمانيا أو فرنسا، لا الصين أو تايوان، لِيُرَدِّد عنوان الكتاب وأنه مهم، من دون أية أخطاء!

    وأَثْنَيْتُ _ في قصيدتي الضائعة هذه _ على قلبه الذي أحس بالوجيبْ، وعينيه اللتين بدأتا بالنحيبْ، إذ يعطي الكتاب إلى زميلتنا الغريبْ، التي بَكَتْ بدورها لفعله العجيبْ، وامتدحتُ عقله الرهيبْ الذي أوحى إليه أن عيون الناس جميعًا عمياءْ، وآذانهم إذ يسألون أصحاب المكتبات عن الكتاب صمَّاءْ، ما عداي أنا وحدي، نجوتُ من مرض العمى عن رؤية الكتاب، والصمم عن سماع إجابة أصحاب المكتبات عنه، لأكون المنقذ الذي أتى إليه بجبال من الحسنات، إذ أخذ الكتاب مني وأعطاه إلى زميلته، ولقد تأثر غلاف الكتاب حزنًا لهذا الموقف النبيل، فانزوى خجلًا وبكى، حتى تلاشى، وهاجت صفحته الأولى تريد أن تهرب بدورها، فأمسكت بها أمها الحنون، (الصفحة الثانية)، مستعينة بأخواتها (خالات الصفحة الأولى)، فأصيبت هذه الصفحة بمرض نفسي جعلها تقضم أصابعها وتلطم وجهها، وتنوح وتسوحْ، وتذهب وتروحْ، حتى باتت كأنما أصيبت بزلزال عنيفْ، لا يبقى بعده أحد يستطيع أكل رغيفْ!

    أؤكد مرة أخرى أنني حزنت إذ لم أدون هذه القصيدة، لروعة معانيها، وفرادة أسلوبها، ولا أثني على نفسي، بل أنا أرى ذلك انطلاقًا مما أكتب، وأقيس الأمور بمقياس أسلوبي اللغوي والأدبي، لأرى أن هذه القصيدة من روائع ما نظمتُه، ولم يعنِ لي شيئًا إطلاقًا أنه حاول الانصراف فلحقت به (متحفًا) إياه بالأبيات التي تنهمر من لساني على رأسه، ولم أتوقف إلا بعدما انتهيتُ منها تمامًا.
    ولكن، بعدما زادتني الحياة خبرة، والأيام حكمة، ومصائبها حنكة، وجدت أن كثيرًا من القصائد لا زالت ضائعة فعلًا، حتى لو لم أنظمها، من أمثال هذا الأحمق وأشباهه ونظائره جميعًا، ممن يَتَسَتَّرون بالدين تَسَتُّرًا، كما فعل هو إذ استخدم الحديث النبوي الشريف ليقنعني أنه محسن كريم، لا لص غبي، فلقد رأينا _ بعد ذلك _ بمرور الأيام والسنوات، حالات منكرة تستحق أن ننظم فيها قصائد الثناء هذه، وربما تتضاءل إزاءها حالة هذا الأخ، على غرابتها، إذ تبقى حالة فردية، أما ما رأيناه بعدها فكان حالات مؤذية، وبعضها يحصل في بيوت الله عز وجل.

    يومًا ما، تذكر بعض الأولاد، الذين قرأوا كتابًا أو اثنين، فنصبوا أنفسهم علماء، أن الصلاة لا تصح من دون (محاذاة المناكب)، وأظن أنه قد نبت لهم قرون الاستشعار، إذ أخذوا جميعًا يفكرون بالطريقة نفسها، وتحولت عملية الصلاة إلى عملية ركل الأقدام، والدوس عليها، بل ومحاولة احتجازها بين أقدامهم، ويا ويل من يقف ليصلي عن يمين أحدهم!
    بل إننا ذات يوم، كنا نقف في الصف الثاني، وأحد هؤلاء الأذكياء اللماحين يقف أمامنا مباشرة، وعن يمينه رجل بلغ من الكِبَر عتيًا، ولا يزال يصلي كل أوقاته في المسجد، ولكن تلك الصلاة كانت ملحمة حقيقية، ارتفعت فيها تأوهاته الأليمة رغمًا عنه، وذلك الصبي الواقف بجواره، لا يعنيه أن فارق السن ربما يزيد على الستين سنة، أخذ يركل ساق المسكين، ثم داس عليها ليصدر المسنُّ صوتًا كأنما يختنق، وبعدها حاول احتجازها بين قدميه، وتحولت الصلاة فعلًا إلى معركة بين الرجل المسكين لاستعادة ساقه، وذلك الصبي الأخرق لركلها والدوس عليها واحتجازها!
    وإذ انتهت الصلاة انطلق العجوز يصرخ بأعلى صوته، خلاف عادته، إذ كان يبدأ التسبيح وذكر الله عز وجل بصوت هامس، لكننا لا نلومه إذ أخذ يسأل الولد هل أصيب بالجنون؟ أم أنه تحول إلى حمار بشري؟ ولماذا في هذه الحالة لا يُرَكِّب لنفسه أذنين طويلتين ويبدأ بالنهيق ليعرفه الجميع على حقيقته؟ ولا نستغرب هذا السباب فعلًا، لما أصاب المسكين، الذي يتجاوز الثمانين، لَيَرُدَّ عليه الولد بسماجة، طالبًا إليه أن يحترم بيت الله تعالى، سائلًا إياه كيف يتضايق من تطبيق السنة النبوية؟ وألم يسمع بقول النبي à: (حاذوا بين المناكب)، وكان هذا كافيًا لينفجر العجوز في نوبة صراخ جديدة، متسائلًا عن التيوس التي لا تعرف رؤوسها من أقدامها!

    ولقد أخطأ العجوز خطأ فادحًا، إذ أخبر الولد الأحمق أن المناكب هي الأكتاف، حتى لو أنه فعل ذلك، وهو ينصرف من المسجد، فلقد جمع بينهما تجاور جديد في الصلاة مرة أخرى، ولئن سلمت ساق العجوز هذه المرة، إلا أن كتفه وذراعه لم تسلما، فلقد أخذ الولد يضرب الكتف بالكتف بعنف شديد، حتى قطع الرجل صلاته، وانصرف وهو يَسُبُّ الحمقى ويلعنهم!

    مثل هذه الحالة ضاعَتْ قصيدتها، حتى لو لم أنظمها، فضياعها يتمثل فعلًا في عدم نظمها، إذ إن مثل هذه العبقريات النادرة تستحق قصائد المديح النادرة، ولا يعني هذا أنني كنتُ دائمًا في موقف المتفرج، فلقد حصل أننا إذ نكبِّر تكبيرة الإحرام، وثب هذا الأحمق ليقف بجواري، وما كدنا نبدأ الصلاة حتى ضرب كتفه بكتفي، ورغم أنني كنتُ ضعيف البنية إلى حد كبير آنذاك، إلا أنني رددتُ بحزم، لكن بعد صبر مطول، بعد عدد لا أحصيه من هذه الضربات، وأنا أحاول التركيز في صلاتي، وإذ عجزت عن ذلك، رددت كتفي لأضرب رقبته بها، فأنا أطول منه، وهو يمد جسمه إلى الأعلى ليضرب كتفي، أما أنا فلم أعانِ أية مشكلة في هذا، ومع صوت الـ(أووو) الذي انطلق من حلقه، كنت أمسك به بيدي وأقذف به إلى الخلف، ولم يخطئ توقعي والحمد لله، وأدركْتُ ذلك من دون أن أستدير لأرى ذلك طبعًا وأفقد صلاتي، إذ وقف بدلًا منه شاب آخر، لأرى بعين الخيال الشباب في الصف الذي خلفنا يقذفون بذلك الأحمق خارج صفهم، وربما خارج المسجد، إذ إنني نظرت بعينيَّ جيدًا في كل أنحاء المسجد بعد الصلاة ولم أجد له أثرًا، وسلمت كل الأيادي التي ساهمَتْ في تقاذفه كأنه كرة قدم انتهى مفعولها!

    ولا أبالغ إطلاقًا في ما أقوله هنا، وهي حادثة خارج نطاق روايتنا زمانيًا، وإن لم تكن خارج أحداث مقالتنا، فلقد سَمِعْتُ بها من أناس متفرقين، وسألْتُ عنها من يعرفها ومن شهدها من أهل الثقة، أحد هؤلاء الحمقى خرج بـ(حقيقة) غريبة، مفادها: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}، كأننا لا نقرأ كتاب الله تعالى، ووحده من يفعل، وتمادى الغبي إلى درجة عبوره الشوارع من دون أن ينظر لا يمينًا ولا يسارًا، خاصة إذا أراد النزول إلى أحد المساجد في قريتنا، يتعيَّن عليه عبور طريق ليست طويلة، لكنها بكل الأحوال طريق مقسومة قسمين لمرور السيارات، فكان يجري في نزلة الطريق ثم يعبرها بأقصى سرعة، من دون أن يبالي بالتأكد هل هناك سيارات أم لا، وليت الأمر توقف به هنا، بل أقنع به ولدًا صغيرًا، ظن الأخير أنه سيمتلئ إيمانًا وتقًى، وورعًا وحكمة، إذا ما انطلق يعبر الطريق ليصلي في المسجد من دون أن يؤمن طريقه، ولقد انطلقا _ يومًا ما _ معًا لينزلا في النزلة كالمجانين ويسرعا بالعبور، لكن الشاب كان أسرع من الولد فَعَبَر بسلام، أما الولد فوجد نفسه يُقْذَف إلى الخلف قَذْفًا عنيفًا، ويسقط أرضًا عاجزًا عن النهوض، وأظن أنه بكى ألَمًا، لكني أعتقد أنه بكى قهرًا إذ نظر إليه ذلك الأرعن متمتمًا بحكمة أنه يجب أن يلحق بالصلاة جماعة، وتركه ملقى على الأرض وتابع طريقه إلى المسجد!

    صاحب السيارة هرب بالتأكيد، والولد يشعر بآلام هائلة في ساقه، ولا يكاد يستطيع تحريكها، والحمد لله أن صراخه جذب بعض الشباب المتجهين إلى المسجد، فأسرعوا نحوه وتمكنوا من إيقاف سيارة أجرة ليأخذوه إلى المستشفى، ويدفعوا أجرة الطبيب الذي عايَنَه، وأجرة تجبير ساقه المكسورة، ولقد مَرَّ وقت طويل حتى شُفِيَتْ ساقه هذه، ولكنْ لم يَمُرَّ أي وقت قبل شفائه من الحِكَم الإيمانية التي تُستَخْدَم في غير مواضعها لِيُضِلَّ بها الحمقى المخدوعين بها حمقى سواهم، ويَضُمُّوهم إلى قائمتهم التي كانت تتَّسع باطراد!

    وتلك الليلة وأنا عائد إلى بيتي بعد صلاة العشاء، لحق بي ولد من هؤلاء، يسألني ما رأيي في مسألة فقهية معينة، فأجبْتُه أنني لم أدرس الفقه حتى أجيبه، وإذ أخذ يتحدث عن الإثم اللاحق بي لأنني لم أدرس كل المسائل الفقهية، أخرسته مذكرًا إياه: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}، ولكن الخرس لم يستمر لديه طويلًا، بل سألني بذكاء فذ، ماذا أفعل لأعلم بيان هذه المسألة، ولم يستسلم إذ أخبرته أنني لا أريد بيانها لأنها لا تعنيني لا من قريب ولا من بعيد، فعاد يسألني لو احتجتُ إلى بيان شيء ما، كيف أتصرف، أجبتُه متضجرًا أنني أسأل إمام المسجد أو الإمام الفلاني عنها، فهتف منتصرًا: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله}، فسألتُه ساخرًا ماذا يفعل هو، فأجاب أنه يسأل فلانًا الفلاني تحديدًا، وذلك لأنه: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، علمًا أن هذا الفلان لم يدرس من العلوم الشرعية شيئًا على الإطلاق، ولا أدعي هنا أنني رددتُ عليه، وإن كنتُ على ذلك بقادر بفضل الله، إذ كان قد انضمَّ إلى المحادثة طرف ثالث، وانفجر يصرخ في هذا الولد ويَسُبُّ غباءه، بل وأجبره على الاستدارة ليركله في مؤخرته ركلة قوية، كان رنينها صوتًا عذبًا في أذني!

    لم تكن هذه الحالة أهون ما رأيتُهُ قطعًا، بل إنني رأيتُ من الحالات ما لا يمكن هضمه عقليًا بسهولة، ومن مثيل ما نذكر، شاب كاد يُدْخِل كل الشباب وآباءهم وأجدادهم وآباء أجدادهم النار، وذلك لأن كل واحد فيهم حينما تزوج ترك عروسه ترتدي فستان العرس، وهو حرام لأنه تشبه بالنصارى، ولا أبدي رأيي هنا، ولا أتكلم تاريخيًا أن البنت عادة ترتدي أجمل فستان يحلو بعينيها في مناسباتها السعيدة، وأن أول من ارتدى هذا الأبيض ملكة إنكلترا ونالت التقريع من الناس كونه لباس الحداد لديهم، وأن ملكة اسكتلندا حينما ارتدت اللون الأبيض في زفافها نالت إعجاب الحاضرين، ومن وقتها انتشر الأمر، وبات الفستان الأبيض كأنه من تقاليد الأعراس، ولكن ليس هذا بموضع الكلام، بل إن هذا الشاب نفسه حينما تزوج، أقام عرسًا كبيرًا _ وقد كان يُنْكِر الأعراس لما فيها من الغناء والرقص حتى لو أن ذلك للنساء وحدهن _ ورآه بعض الشباب ينطلق بعروسه في سيارته إلى بيته، وهي ترتدي الفستان الأبيض، وحينما رآه أحدهم بعد ذلك في مكان ما، سأله ألم يكن يقول إن هذا حرام لا يجوز؟ فكيف إذًا ترك عروسه ترتـ... ليقاطعه الأحمق صارخًا بجنون تام: (أتتكلم على عِرْضِي؟ من سمح لك بالكلام على الأعراض)؟ أما ما العلاقة بين العِرض وبين الاستفسار عن تناقض كبير بين إقرار الأحمق أن عددًا لا يُحصى منا داخل جهنم لا محالة، وفعله الأمر نفسه، فلا أحد يعلم ذلك!

    كثير من تلك الحالات نظمْتُ فيه أشعارًا لكنها كانت قصيرة المدى، وليست معلقة حقيقية كتلك التي نظمتُها في المتبرع بالعلم الموجود في الكتاب الذي اشتريتُه أنا من دون إذني، ولكن...

    هناك أمر يحيرني فعلًا، ولا أجد له تعليلًا رغم مرور سبع عشرة سنة كاملة مكتملة على بدء هذه الحوادث، واستمرارها معنا حوالي عشر سنوات أخرى من بعدها، لماذا كلما نظمْتُ _ في مثل هذه الحالات _ قصائد ساحرة، بمعانٍ ساخرة، وألفاظ باهرة، يحمرُّ وجه متلقيها عن آخره، كأنما تحول فتاةً مهذبة تستمع كلام غزل بحقها؟ أو لعله يظنُّ نفسه سرطان البحر... المسلوق طبعًا!
    هذا الأمر لم أجد له أدنى إجابة مقنعة، فهل أجدها لدى أحدكم يا ترى؟!

    عمر قزيحة: 27/3/2019م: الساعة: 22:54 دقيقة ليلًا.




  2. 4 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,615
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: القصيدة الضائعة _ مقالة نقدية بقلمي (عمر قزيحة)

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    شيء يدخل العجب صراحةً،
    ما بالهم هكذا!!،
    تصرف ذاك الذي أخذ الكتاب يغيظ فعلاً
    كيف سمح لنفسه أن يتصرف بالكتاب بلا أذن!!،
    وعذر أقبح من ذنب، استغفرالله،،
    أما الذي جلس يركل كبير السن
    قهرني فعلاًXxx
    وكله كوم واللي عبر الشارع كوم ثاني!!،
    كيف ترك الصبي منطرحاً وهو السبب!!،
    صراحة مدري كيف!!،
    عقول ما يعلم بحالها إلا الله
    كيف تفكر وماذا تعلمت منذ خُلقت!!،
    يالله جنبنا حالهم
    الحمدلله الذي عافانا مما ابتلاهم به،
    وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا،
    يارب بصرنا بما ينفعنا ولا تجعل حالنا كحالهم!!،
    ويارب نعوذ بك من الجهل، ويارب زدنا علما،

    ربي يبارك بك أستاذ،
    كعادتك أسلوب جميل وشيق
    على تأثيره إلا أنه ممتع!،
    سلمت يارب
    في حفظ المولى،،
    ~

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: القصيدة الضائعة _ مقالة نقدية بقلمي (عمر قزيحة)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    شيء يدخل العجب صراحةً،
    ما بالهم هكذا!!،
    تصرف ذاك الذي أخذ الكتاب يغيظ فعلاً
    كيف سمح لنفسه أن يتصرف بالكتاب بلا أذن!!،
    وعذر أقبح من ذنب، استغفرالله،،
    أما الذي جلس يركل كبير السن
    قهرني فعلاًXxx
    وكله كوم واللي عبر الشارع كوم ثاني!!،
    كيف ترك الصبي منطرحاً وهو السبب!!،
    صراحة مدري كيف!!،
    عقول ما يعلم بحالها إلا الله
    كيف تفكر وماذا تعلمت منذ خُلقت!!،
    يالله جنبنا حالهم
    الحمدلله الذي عافانا مما ابتلاهم به،
    وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا،
    يارب بصرنا بما ينفعنا ولا تجعل حالنا كحالهم!!،
    ويارب نعوذ بك من الجهل، ويارب زدنا علما،

    ربي يبارك بك أستاذ،
    كعادتك أسلوب جميل وشيق
    على تأثيره إلا أنه ممتع!،
    سلمت يارب
    في حفظ المولى،،
    ~

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    كانت تصرفاتهم مستفزة جدًا، ونَفَّرَت الكثيرين من الالتزام ومن المساجد
    وقد شهدنا ما هو أشد فداحة من هذا كذلك، والله المستعان
    لدعائكِ الطيب نقول آمين يا رب
    سلمكِ الله وحفظكِ من كل سوء

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...