ولكن، هذه القيم الفنية العامة، وليس لنا أن نذكرها بهذا الشكل، بل علينا أن نحدِّد القيم من خلال المعاني التي نقرأها، إذ إنهم لا يطلبون منكم، أيها الطلاب، تسميع القيمة غيابيًا، بل تحديدها مما تقرأونه وتفهمونه من المعاني والأفكار، ولنعطِ المثال الآتي:
_ (رجع الطالب إلى بيته هاتفًا: لقد نجحتَ لقد نجحت)!
لا نقول القيمة التعبير عن الهدوء العقلي! بل إننا نحدد القيمة من خلال المعنى، يتبيَّن لنا أن الولد منفعل وسعيد، إذًا القيمة هنا: (تبيان مدى انفعال الولد وسعادته بسبب نجاحه).

ولا نكتفي بتحديد القيمة بـ(الانفعال) دائمًا، بل إنه من الأفضل تحديد سبب هذا الانفعال، ولنأخذ المثال الآتي كذلك:
_ خرج الولد من بيته مسرعًا، ولم ينظر إلى طريقه جيدًا، وكادت تدعسه سيارة، وأمه تصرخ برعب، ولكنَّ رجلًا ألقى بنفسه أمام إطارات السيارة لينقذ الولد، فهتفت الأم بلهفة، وهي لا تكاد تصدق عينيها: (أنتَ أنقذتَ ولدي، لا أدري كيف أشكرك).
القيمة هنا: (تبيان مدى انفعال الأم وتأثرها لإنقاذ الرجل ابنَها من الموت)، ولا نقول (الهدوء العقلي) كونها جملة خبرية!

ويمكن للأساتذة التوسع في تدريس تلاميذهم أمثلة عن الجمل الإنشائية وقِيَمها من خلال المعاني المباشرة خلال دروس النحو، ولهم في درسَي (التعجب) و(الاستفهام) مجال واسع، كما قد ذكرنا ذلك في ملحوظاتنا حول القواعد، ونقدِّم، كذلك، أمثلة أخرى، فلو قلنا عن شخص ما (إن مطبخ بيته نظيف تمامًا)، فإن قيمة الكناية هنا ليست القدرة التأثيرية، أو التخفيف، فحسب، بل إننا نشرح الصورة البيانية: (إن مطبخ بيته نظيف تمامًا) كناية عن البخل، أو عن الفقر الشديد (بحسب المعنى الذي نقرأه ونستنتجه)، وقيمتها: القدرة التأثيرية، من ناحية كونها للتلميح عن حالة هذا الشخص (الفقر/البخل) بدلًا من التلميح بذكر هذه الصفة، والتخفيف، عبر الإتيان بألفاظ مخففة (مطبخ/بيت/نظيف) بدلًا من الألفاظ الثقيلة على الآذان (بخيل/فقير).

إذًا، علينا تحديد المعنى والفكرة الرئيسة التي يريدها الكاتب، قبل أن نشرح الصورة البيانية أو نحدد قيمتها، أو قيمة أي وجه من الأوجه البلاغية، كأن نقول مثلًا: "فلان ثقيل الدم"، كناية أنه سمج لا يُطاق، لكن لو قلنا مثلًا: "قالت الأم لابنها أَلَمْ تجد سوى هذا الرفيق ثقيل الدم ليزورنا"؟
ثقيل الدم كناية عن أنه سمج لا يُطاق كما أوضحنا، لكن القيمة المعنوية هنا، تبيان انزعاج الأم من زيارة رفيق ابنها ثقيل الدم، وإذا ما غيَّرنا المثال إلى: "قالت الأم لابنها هنيئًا لكَ هذا الرفيق، إنه مثلك ثقيل الدم"! فالقيمة المعنوية هنا، تفيد سخرية الأم بمصاحبة ابنها رفيقًا سمجًا مثله، والأمر كذلك بالنسبة إلى باقي الصور البلاغية.
ولنأخذ التشبيه مثالًا: (وجهه كالبدر نورًا)، ليس المطلوب هنا سرد القيم الفنية، بل تحديدها من خلال المعنى المباشر: (تجميل صفة جمال وجه الممدوح)، و(المبالغة في تصوير مدى ما يتمتع به هذا الشخص من من جمال الوجه)، و(تحويل المعنى المجرد "الجمال" إلى صورة حسية نستطيع رؤيتها "نور البدر").