ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 20 من 23

العرض المتطور

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    حياكم الله تعالى وبيَّاكم

    ثقافة الحمير، مقالة نظمت أفكارها في ذهني وبقي أن أقوم بطباعتها
    وأنوي فعل ذلك في الغد إن شاء الله تعالى، ما لم يأتِنا أي عائق...

    ثقافة الحمير أنطلق فيها من الآية الكريمة
    ومن وصف الله عز وجل من آتاهم العلم ثم رفضوه
    بقوله تعالى:
    {مثل الذين حُمِّلُوا التوراة ثم لم يَحْمِلُوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا}

    محاولًا أن أنظر في بعض آثار هؤلاء في مجتمعاتنا
    من نالوا علمًا ما، أو تبوأوا منصبًا ما (بواسطة مثلًا) وهم فيه لا يفهمون شيئًا أبدًا

    ملتقانا مساء الغد بمشيئة الله تعالى
    تابعونا

    الكاتب: د. عمر قزيحه
    القلمون _ طرابلس/لبنان

    2019م



  2. 3 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)


    ثقافة الحمير
    الكاتب: د. عمر قزيحه
    في 16 _ 11_ 2019م

    تشهد بلادي من السابع عشر من الشهر الماضي، شهر تشرين الأول، عام 2019م، ثورة تشمل مناطقها كافة تقريبًا، ثورة انطلقت ضد الظلم الفادح بفرض ضرائب عشوائية، والتلويح بموازنات عامة لن تكون (شعبوية)، وإجراءتها ستكون (موجعة) قليلًا، وبغض النظر عن انخفاض القدرة الشرائية، وما أشارت إليه بعض المواقع الإخبارية من إغلاق حوالي 213 مركز تجاري في بيروت وضواحيها، خلال سنة وأشهر مضت، إلا أن الموازنة باتت تنظر إلى جيوب الموظفين العامين، وتقترح خفض جزء من رواتبهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد!
    ولا أذكر هذا إلا لأصف الجو العام الذي دعانا في لبنان إلى هذه الثورة السلمية، التي لم يحمل فيها أيٌّ من المتظاهرين سلاحًا، بل خرجوا يطالبون بالعيش الكريم فحسب، وضمان الشيخوخة، إذ نرى بعض المتقدمين في السن يبحثون في النفايات عما يأكلونه، وهذه مشكلة كبرى نقع فيها، غير أن اللافت في النظر في هذه الثورة، أنه وفي أيامها الأولى، فوجئ الكل براقصة من الأصدقاء العرب، وليست بلبنانية، أتت لتشارك المتظاهرين، فوقفت في العاصمة بيروت، أمام أحد المساجد، بلباس فاضح جدًا، لا يكاد يستر أكثر مما يبين لترقص (تضامنًا) مع المتظاهرين!
    لقد وصف الله تعالى بني إسرائيل الذين آتاهم الكتاب بما فيه من الآيات البينات، بقوله في سورة الجمعة: {مثل الذين حُمِّلُوا التوراة ثم لم يَحْمِلُوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا}، وذلك لأنهم تجاهلوا العمل بأحكامها، فكان مثلهم كثل الحمار يحمل الكتب الضخمة، لكنه لا يستفيد من حمله إياها، ولا تنفعه بشيء، ولا تزيده حكمة أو علمًا.
    ونحن هنا لا نتهم الناس بأنهم حمير لا سمح الله! بل إننا نعرض إلى حالات لم يكن أصحابها فيها كفؤًا، ونعرض إلى حالات أخرى ربما نصف تصرف أصحابها بالغباء، وسنوضح ذلك جهارًا في موضعه المناسب إن شاء الله تعالى، لكن ما عدا ذلك، نحن نذكر الفعل ونستنكره فحسب، لا أكثر ولا أقل.
    وعلى سبيل الاستنكار، هذه الراقصة تعرف يقينًا أنها ربما كانت حرة في أن تستخدم جسمها في حركات الرقص، وإن كان هذا لا يرضي ربها، لكنها تعرف يقينًا، كذلك، أن عليها احترام الناس، واحترام بيوت الله عز وجل، ووقوفها بهذا الشكل في الشارع تأباه الفطرة السليمة، فما بالها إذ تقف كذلك أمام بيت من بيوت الله عز وجل، وهي لا تستر من جسدها سوى أقل القليل، وفوق ذلك تتمايل بجسدها لترقص؟؟ وهل يكون (التضامن) بهذه التصرفات التي لا تحترم دينًا ولا خلقًا عامًا؟
    وعمومًا أرى أنها تستحق ما تعرضت إليه من الضرب من قبل المتظاهرين، ولا أتعاطف معها إطلاقًا، بكل تأكيد.
    ولكنْ، ما شأن الحمير في المجتمعات العربية؟ من منا لم يسمع بقصة مغزاها عدم استطاعتنا إرضاء الناس جميعًا، وهي قصة جحا وابنه و(الحمار)؟ وللعلم إن جحا ربما يكون شخصية حقيقية، لكن ليس هذا مجال بحثنا، بل إننا ننظر في ثقافة (الحمار) في تأدية الحكمة المطلوبة، إذ ركب جحا الحمار وترك ابنه يمشي، فاعترض الناس لأنه أب قاس بلا قلب، فركب الابن ومشى جحا، فاعترض الناس، لأنه ابن بلا تربية، فركب الاثنان، فاعترض الناس، لأنهما ذوا قلب قاسٍ لا يرحم، فمشى الاثنان، فاعترض الناس، لأنهما مجنونان! أمامهما الحمار ويمشيان، فغضب جحا وحمل الحمار، فاعترض الناس، لأن جحا يركبه الحمار بدلًا من أن يركب هو الحمار!!
    وبغض النظر عن جحا وشخصيته الحقيقية، نجد في أدبنا العربي قصة (إما أن يموت الحمار وإما أن يموت الملك)، ومفادها أن ملكًا أحمق، كان عنده حمار يعتز به، فأراد تعليمه القراءة والكتابة، وانبرى لذلك رجل متحمسًا، أنذره الملك بقطع عنقه لكنه لم يستسلم، وحين رجع إلى بيته، سألته أخته إن كان مجنونًا ليضع نفسه في هذا الفخ، فَرَدَّ مبتسمًا بانتصار، إنه طلب من الملك مهلة عشر سنوات لِيُرْجِعَ إليه الحمار يقرأ ويكتب، مقابل أن يُجْرِي عليه من المال ما يحتاج إليه، إكرامًا للحمار طبعًا! وخلال هذه السنوات العشر: (إما أن أموت أنا وإما أن يموت الحمار وإما أن يموت الملك)!
    نرى أن ثقافة الحمار تبرز لدينا هنا، على أنه حبيب قلب الملوك، والذين ينتظرون منه تحقيق المستحيل، ويرهقون الناس حولهم بالطلب المستحيل أن يحولوا الحمار بني آدم، ومن قبيل ذلك قصة سبق وقرأتها عن عصر مضى، لكني فقدت أثرها، ولم أستطع التحقق من أصلها، والطلب فيها كان نفسه، الوالي يريد أن يعلِّم حماره القراءة، فيتطوَّع شخص من حاشيته، بشرط أن يُجْرِي له الوالي ما يشاء من المال، وذلك ليستطيع القيام بـ(واجب الحمار)، متعهدًا بتنفيذ طلب الوالي خلال خمسة أشهر لا أكثر!
    في تلك القصة، الوالي يوافق، لكن على ارتياب، لكنه يُنْذِر الرجل المتطوع بقطع عنقه إن كان يلعب ويلهو مع الوالي، لكن الرجل يمضي في طريقه، وخلال الأشهر الخمسة يحيا في بذخ بفضل ما يأخذه من بيت المال، ولكنْ، ويا للعجب العجاب، يرجع الرجل بالحمار في نهاية المهلة، ويطلب من الملك اختباره، يضع الملك كتابًا أمام الحمار، فإذ به يُفاجَأ وحاشيته جميعًا، بأن الحمار مد حافره يقلب صفحات الكتاب، وينظر في كل صفحة وينهق نهيقًا متصلًا، ثم يقلب إلى الصفحة الثانية وينظر وينهق، كأنه يقرأ المكتوب، ونال الرجل لذلك مكافأة سخية!
    باختصار، سواء صحت القصة أم لا، فليس هذا الجوهر الأساس، بل ما فيها من استغلال (ثقافة الحمير) في أنفس بعض الناس، فهذا الوالي يظن في حماره القدرة على القراءة، وبالتالي لا بد من تنفيذ رغبته، ولو أنها مستحيلة، مقابل أن نكافئ أنفسنا بالمال الوفير، وبكل بساطة الرجل كان يأتي بصحائف كبيرة مثل الكتب، ويضع بين صفحاتها الشعير، ويفتحها أمام الحمار ليأكل! وبعد ذلك يضعها ويتركها فيفتحها الحمار وحده ويأكل، وإن فتحها ولم يجد فيها شيئًا نهق معترضًا، ومن هنا تأتي المعادلة الثلاثية: ملك أحمق، رجل ذكي، حمار جائع، لِتُشَكِّلَ أمامنا ثقافة نادرة من نوعها، وهي (ثقافة الحمير).
    ولنترك مثل هذه القصص، سواء أكانت صحيحة أم مجرد قصص للطرائف، لننظر في مكانة الحمير وثقافتها فعلًا، في الشعوب القديمة، فهذا آخر خلفاء بني أمية، يقضي سنتين وأشهرًا في الحروب، لينال من الناس آنذاك لقب (الحمار)، وذلك مكافأة له على صبره طبعًا! ويا لها من مكافأة تمثلت له في هذا اللقب الذي حفظته الأجيال المتعاقبة ودوَّنته كتب التاريخ!
    وفي العصر العباسي، كان للحمير دور آخر بالغ الأهمية! فهذا الجاحظ يحدثنا في كتابه (البيان والتبيين، ج1، ص 69)، عن (أبو دبوبة)، ومن هو (أبو دبوبة)؟ إنه شخص يمتلك موهبة نادرة من نوعها، كان يقف كل يوم في باب الكوفة، وينهق! نعم، كان ينهق نهيقًا طويلًا، فتتجاوب معه الحمير في الكوفة، الكبير منها والصغير، السليم والمريض، ولا تتجاوب مع حمار من بني جنسها لو أنه نهق! ولكنْ، مع (أبو دبوبة) الوضع يختلف، والحمير تردد خلفه النهيق، وبكل طاعة! ولمجرد الذكر كان لهذا الرجل (أبو دبوبة) موهبة أخرى في النباح، لِتَرُدَّ معه الكلاب جميعها، ولكنه كان يعتمد إثبات مواهبه بالنهيق أكثر من النباح، حتى اشتهر بذلك!
    وربما يكون من المستساغ قليلًا أن نتقبل فكرة وقوف رجل ينهق كأنه قائد الحمير، وهي تكرر النهيق خلفه، لكن أن نرى الحمار العاشق المتيَّم، الذي مات حبًا وهوى؟ بل وينظم الأشعار في محبوبته الحمارة؟ فهذه مشكلة أخرى تصنف في ثقافات الحمير عبر العالم!
    إنه حمار (أبي العنبس الصيمري)، وهذا المتوكل يسأل أبا العنبس، كيف مات حمارك؟ ولا يتردد الأخير في وصف حماره وصفًا غريبًا، فحماره عنده من العقل أكثر مما عند القضاة أنفسهم، وحماره مات من دون أن يعرف أبو العنبس سبب موته، حتى رآه في المنام، فأخذ أبو العنبس يُذَكِّرُ حماره بأفضاله عليه، إنه ينقي له الشعير قبل أن يطعمه إياه، ويسقيه الماء البارد، فيقول الحمار إنه رأى، عند باب الصيدلاني، أتانًا (حسناء)! وإنه عشقها! واشتد عليه الوجد فمات كمدًا، وإذ بالحمار يغني، بل ينظم شعرًا عروضيًا موزونًا، من بحر مجزوء الرمل:
    هَامَ قَلْبِي بِأَتَانٍ___ عِنْدَ بَابِ الصَّيْدَلَانِي
    تَيَّمَتْنِي يَوْمَ رُحْـنا___بِثَنَايَاهَا الحِسَانِ
    وبِخَدَّيْنِ أسِيْلَيْــ
    ___نِ كَلَونِ الشَّنْقَرَانِي
    فَبِهَا مُتُّ ولَو عِشْــ___تُ إِذًا طَالَ هَوَانِي
    ويسأل المتوكل ما هو (الشنقراني)؟ فيقول الصيمري إن هذا غريب الحمير، أي هذا كلام خاص بالحمير لا يفهمه سواهم، وقال إنه سأل حماره في المنام عن ذلك، فلم يفسر له، بل رد قائلًا: (هذا من غريب الحمير، فإذا لقيتَ حمارًا فاسأله)!
    وحتى الآن الأمر هين ومقبول، لكن المسعودي في مروج الذهب، ج4، ص 10، يذكر أن "طَرِبَ المتوكل وأمر الملهين والمغنين أن يُغَنُّوا في ذلك اليوم بِشعر الحمار، وفرح في ذلك اليوم فرحًا شديدًا، وسُرَّ سرورًا لم يُرَ مثله، وزاد في تكرمة أبي العنبس وجائزته"!
    ولا مشكلة في أن ينال الصيمري جائزة لهذه القصة الطريفة، لكن أن يُرسِل المتوكل الملهين والمغنيين ليغنوا في (ذلك اليوم) شعر الحمار، فهذه ثقافة جديدة من ثقافات اللهو والتسلية، لم نكن نعرف لها مثيلًا قبل الآن!
    ونرجع إلى عصرنا الحديث، ماذا قلنا قبل الآن عن الخليفة الأموي الأخير؟ يبدو أن اللقب هذا لا يتوقف عندنا، نحن العرب فحسب، فهذا آرييل أورتيغا، لاعب الأرجنتين الدولي السابق، أثار إعجاب الجماهير بسبب اندفاعه بقوة وإخلاص داخل الملعب، بين اللاعبين، رغم قامته القصيرة وحجمه الأقرب إلى البدانة، فكان أن أعطته جماهيره لقب الجحش، أو (الحمار الصغير) كتعبير عن إعجابها به! ولم يشفع لهذا (المسكين) أنه (نطح) حارس مرمى هولندا في ربع نهائي مونديال 1998 برأسه، ونال البطاقة الحمراء، إذ لم تغير الجماهير نظرتها إليه، ولا لقبه الذي (يستحقه بنظرها)!!
    ولماذا نستفيض يمينًا ويسارًا في كل الاتجاهات ونترك الحوادث الشخصية التي مررنا بها مع بعض الناس، ممن نستنكر فعالهم، وإن كنا لا نصفهم بأي وصف مهين أو مسيء، لكننا نستغرب فعلًا وضعهم مواضع مسؤولية، وهم لا يفهمونها، أو لا يفهمون بالشكل العام، أو يتصرفون بتصرفات رعناء، انطلاقًا من حماسة عاطفية لا تستند إلى الواقع أمامهم، حتى لو لم يكونوا موظفين بالفعل؟
    فها أنا ذا، يومًا ما، ومعي أحد أطفال أختي، أريد أن أساعد في تيسير أمره في معاملة ما، وإذ بالحارس على باب المؤسسة يسألني من يكون هذا الولد؟ وذلك لأنه في المعتاد، يُمْنَع دخول الأطفال، لكن لهذا الولد وإخوته وضع متميز ولا يحق لأحد منعهم، أخبرته أن هذا الولد، قد (مات) أبوه، وهو من (شهداء) المؤسسة العسكرية، وإذ بالموظف يهتف كأنه اكتشف اكتشافًا ما: (عرفتك، عرفتك)!
    نظرت إليه بتركيز، ترى هل هو تلميذ سابق لي، وقد تذكرني الآن؟ لكن أعتقد أن عينيَّ اتسعتا عن آخرهما، إعجابًا به وانبهارًا، وهو يتابع بحماسته هذه: (أنت أبوه)! أطلقْتُ من فمي صفير إعجاب طويل، مع أني لا أحب الصفير في المعتاد، لكن لم أجد وسيلة أخرى للتعبير عن (ذهولي) بهذه الثقافة الفذة في رأس الحارس، وهتفت به بأسلوب جاد لا أثر للمزاح فيه: (أحسنت، أحسنت! نعم، أنا أبوه! خرجت من القبر وأتيتُ إليك بالولد لأقوم بإنجاز معاملته وأذهب إلى قبري وأنام مرتاحًا فيه مرة أخرى)!
    ورغم ذلك أجاب الأخ أنه لم يفهم، فدفعتُه بيدي جانبًا، وأنا أقول له: (ابتعد، ليس عندي وقت للعب معك الآن، أنا مشغول كما ترى)، ودخلتُ لأزور عدة مكاتب هناك، واحدًا تلو الآخر، حتى أنجز المعاملة المطلوبة، وذهني غير متفرغ لسماع الترهات، المتمثلة في الإجابات العبقرية الفذة!
    وبما أنني ذكرت كون الولد ابن رجل من (شهداء المؤسسة العسكرية)، فإنه من المعروف لدينا، في منطقتنا، وفي كل الوكالات الإخبارية، أن عناصر داعش دخلت بلادنا من سنوات، وكان لها موقعة قاسية مع الجيش، ومن نتيجتها أسر عدد من عناصرنا العسكرية، ومن ضمنهم صهري رحمه الله، وما أذكر هذا إلا لأمر أثار في نفسي مزيجًا من الشفقة والغضب، الغضب من الناظر، والشفقة على زميلة لي في التدريس لم أرها من قبل، ولا أعرف حتى اسمها، لما نالها بسبب محاولة الناظر أن يعرِّفنا أنا وإياها!
    تلك ثانوية في منطقة بعيدة، علَّمْتُ فيها ست سنوات، أو لنقل علَّمتُ فيها أربع سنوات وبداية الخامسة، قبل أن ينخفض برنامجي هناك إلى يوم واحد فحسب، ومن دون تدريس، إذ ملأت نصابي القانوني في التدريس كاملًا في ثانوية أخرى قرب منطقتي، وفي السنة المذكورة هذه، السنة الخامسة، انضم عدد من المعلمين إلى الثانوية البعيدة، وبالتأكيد لن أعرفهم، ولكنْ، في أحد الأيام التي عندي دوام هناك، أمسك بي أحد النظار، وكان يحبني فعلًا، وأراد أن يُعَرِّفَنِي الزملاء الجدد، وذلك توددًا، مع أنني كنت راغبًا عن ذلك، ولكنه أخذني معه إلى غرفة المعلمين، وما كاد يرى إحدى هؤلاء المعلمات الجدد، حتى اتجه نحوها، وانتظر حتى بدأت تشرب قهوتها، ليصرخ في وجهها مشيرًا إليَّ: (انظري إليه! هذا الرجل، صهره مع داعش)!
    وهَبَّتِ المسكينة من مكانها صارخة برعب: (ولي!! لماذا؟ لماذا؟ لـ... لـ...) واختنق صوتها مما أصابها، وخشينا عليها من أن تقع مغشيًا عليها، فأسرعت أوضح لها: (ليس معهم، هو عسكري، لكنهم خطفوه، ليس منهم، اطمئني)، وهنا عاد إليها الاطمئنان لتتذكر فقط أنها تشم رائحة اللحم المشوي _ كما قالت لنا لاحقًا _ وتقفز من مكانها صارخة بألم شديد، بسبب القهوة التي نزلت على رقبتها مع صياح الناظر المتودد!!
    ولئن كاد الناظر يتسبب لهذه المسكينة بالحريق، فإنه كاد يتسبَّب لي بالقتل مرة أخرى وهذا اليوم يتكرَّر في الأسبوع التالي، وها أنذا أصل إلى ثانويتي هذه، لكن متأخرًا عن الحصة الأولى، إذ إن دوامي هناك ما يعادل حصتين، لكن من دون تدريس كما سبق وأوضحْتُ، قلت لعلي بهذا التأخير لا أرى هذا الناظر (المتحمس)، لكني فوجئتُ به ينتظرني في غرفة المعلمين، وزميلة جديدة أخرى كانت تأكل الكاتو من صحن بلاستيك، لكن معها سكينة عادية (لا سكينة بلاستيك)، وإذ بالناظر يهتف، بل يصرخ في وجهها كالرعد الهادر: (انظري إليه، انظري)، نظرت المسكينة غير فاهمة شيئًا، وفمها مليء بالكاتو، وإذ به يشير إليَّ صارخًا باللهجة ذاتها: (هذا، صهره مع داعش)!
    ووثبت المسكينة والسكين في يدها تكاد تولجها في عنقي من دون أن تنتبه، وهي تصرخ في توحش: (كيف؟ لماذا؟ متى؟ كيف)؟ أسرعت أهتف بها وأنا أبتعد بقدر المستطاع عن مرمى السكين، والموت يتراقص أمام عيني: (صهري في الجيش، في الجيش، لكنه مخطوف، مخطووووووف من قِبَلِهِم)، ورغم ذلك ظلت السكينة على مرمى سنتيمرات من رقبتي المسكينة، قبل أن تبعدها مني، ولم ينفعها صراخها بعد ذلك، حسرة على قطع الكاتو التي وقعت على الأرض مع قفزها المجنون ذاك!
    وربما تكون أسوأ ثقافة بالفعل، هي ثقافة (الأمانة) التي تأتي في غير موضعها، لِتُسَبِّبَ الأذى للآخرين والضرر، ونشعر نحن براحة الضمير، لأننا (أدَّينا الأمانة) حتى لو كنا أدَّيناها في غير وقتها أو مكانها!
    يومها، وكان هذا اليوم بعيدًا جدًا في مسرى الزمان، لا أذكر هل مضى عليه ربع قرن أم أقل من ذلك قليلًا؟ ولكني أذكر أنني وشخص ما، دخلنا أحد الأفران في ضيعتنا، وكان رفيقي يريد أن يشتري عددًا من (الكرواسان)، ولقد فعل، وأعطى العامل هناك ورقة نقدية، وأرجع إليه الأخير ما تبقى له من المال.
    وإلى هنا والأمر بسيط، لولا أن انتبه صاحبي، بعدما غادرنا الفرن، إلى أن العامل أعاد إلينا (ألف ليرة زائدة)، أي ثمن قطعة كرواسان واحدة، وقرَّر الفتى أن يذهب سريعًا إلى الفرن لِ(يــَرُدَّ الحق) إلى العامل، فنصحْتُهُ ألا يفعل ذلك (الآن)، وركَّزْتُ له على كلمة (الآن)، فصاحب الفرن موجود، ولو علم بخطأ العامل فسيقف الأخير موقفًا بائسًا فعلًا، ولكن الفتى ركبه العناد، فأسرع إلى الفرن راكضًا، وأنا خلفه أناديه، ليدخل هاتفًا بالعامل، مخبرًا إياه أنه أرجع إليه ألف ليرة زائدة، و(ها هي الألف)، و(الأمانة ثقيلة لا تحملها الجبال)، ليحتقن وجه العامل، وينفجر صاحب الفرن في وجهه متهمًا إياه بالغباء وانعدام الفهم، وأنه لا يمكن الاعتماد عليه، ووجدها فرصة طيبة له، لينعت العامل عنده بنعوت الحمار وكل ما يَمُتُّ إليها بِصِلة، وبعد ذلك طرده نهائيًا، لكن ليس في وقتها تمامًا، بل بعد أيام قليلة، وأتى بعامل آخر!
    ولا أعرف هل لهذه (الأمانة الزائدة عن حدها) سبب أساسي؟ أو للدقة هل هي السبب الوحيد، فهي حتمًا سبب أساسي، أم أن هناك أسبابًا أخرى تضافرت كذلك ليجد الشاب نفسه من دون عمله؟ لكني أعرف أن صاحبنا تسبب له بكثير من الأذى، معنويًا على الأقل، وما أصعب أن تصف شابًا ما بأنه حمار، لهفوة بسيطة وقع فيها من دون أن يدري ذلك أو يقصد!
    وما تزال مقالتنا (ثقافة الحمير) مستمرة إن شاء الله تعالى،
    فإلى الملتقى في الجزء الثاني في الغد، بما أنني لم أستطع نهائيًا طباعته اليوم بعدما أنهيت الجزء الأول.


    عمر قزيحة: الساعة السابعة إلا ربعًا صباحًا.



  4. #3

    الصورة الرمزية سلمى1415

    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المـشـــاركــات
    3,365
    الــــدولــــــــة
    الجزائر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    و عليكم السلام رحمة الله و بركاته
    ماشاء الله طرح مميز أستاذ عمر و تحليل راااائع
    لطالما ابتعدت عن اي نقاش سياسي ليس لشيء و لكن لأريح رأسي من نقاش يكاد ينعدم فيه الوعي و الحكمة, خصوصا أننا شهدنا قبلكم مظاهرات سلمية
    شخصيا لست ضد المظاهرات ابدا لكن رأيي من رأيك , داخل الحشود تعددت الشخصيات و اختلفت النوايا, حتى اكاد أجزم أنك لو تسأل أي شخص عن هدفه من التظاهر و ماذا يريد لن تجد سوى 1 أو 2 % من الناس اجاباتهم تحمل مغزى منطقي و الباقي تعددت أسبابه : من كرهت المكوث في البيت فخرجت مع صديقاتها , من تشاجرت مع زوجها فخرجت في المظاهرة لتنسى همّها , من تبحث عن فارس أحلامها ....و و و الخ
    حتى مرة سألَتْني فتاة كانت معي في الترامواي لماذا لا تأتي الى المظاهرة فأجبتها, إن كان عن حب البلد فالأولى أن أذهب إلى المختبر و أنهي بحثي الدراسي لعلي أكتشف شيء يفيد الناس و يمنعهم من عدة أمراض , و أنتِ ماذا ستفعلين في المظاهرة قالت بصراحة لا شيء نجتمع نحن الشباب و نغني ثم نذهب إلى البيت ....فقلت رجاءا لا تنسو تنظيف الطرقات قبل عودتكم الى بيوتكم ......و طبعا لما ذهبتُ الى الجامعة وجدتهم في اضراب و كان هناك مجموعة من الشباب يمثلون الطلبة يمنعون أي أحد من الدخول ...هممت أن أدخل قاطعني أحدهم بيده و قال إلى أين قلت الى المختبر عندي عمل تطبيقي هام و مذركتي لا تستطيع الانتظار فتخرّجي سيكون بعد أشهر قليلة , فنظر لي باستغراب و قال ادخلي ......لا أدري لماذا صار منظور الناس ضيق إلي هذه الدرجة .....أليس العلم هو من يرفع الانسان و به تتقدم البلاد ...
    أما عن ثقافة الحمير التي ذكرتها فنحن فعلا نعيشها .....يعطون الاختصاص لغير أهله أما من يستحق ذلك فيتركونه إلى أن يأخذ الله أمانته ....

    أنار الله دربك و جعلك نبراسا تنير عتمة من حولك
    في حفظ الرحمن



  5. #4

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,484
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)


    دوّنتُ أكثر من ملاحظة ....
    لي عودة إن شاء الله أستاذ

    في أمان الله







  6. #5

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,484
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)


    السلام عليكم أستاذ
    على الشبكة العنكبوتية هناك مقالات حول "خريطة برنارد لويس " مؤرّخ وباحث إسراتيجي بريطانى عمل مع الكنغرس الأمريكي الخريطة تبين تفكيك وتقسّم الدول العربية من خلال إستغلال الأحداث لتأليب المجتمعات وبث الفتنه لنشر الحقد الطبقي بين فئات المجتمع الواحد لتعميق الخلافات وضرب استقرار الشعوب وسلامتها
    لينتهي الأمر بالتقسيم ومن بين هذه الدول لبنان



    أول الشرارة كانت من تونس يعني من بلدي وأهل مكة أدرى بشعابها متشرّد بائع على عربة بدون رخصة قانونية عديم الأخلاق يهين إمرأة عَون في البلدية يخدش حياءها فردة فعلها كانت عادية فصفعته وأمام هستيريته وغضبه وكيف لإمرأة أن تصفع رجل حرق نفسه والغريب في الأمر أن والدته وأخته بعد الحادثة وماصار من أحداث أسكنوهما في إحدى الضواحي الراقية لتونس العاصمة ثم هجّروهما إلى كندا حيث السعادة والهناء !! فصُناع القرار هيّجوا الناس وأحدثوا القلائل ولسان حالهم قول الامام الشافعي إذا هبّت رياحك فاغتنمها أُستعملت المنابر الإعلامية المعروفة عالميا للتجييش وقلب الحقيقة فخرج الرعاع مسلبي العقول ولقنهم شعارت رنانة إلى أن صارت أحداث مؤسفة قتل وسفك دماء إلخ ونهاية الحلقة قالو "الإعلام الخارجي" أن رئيس تونس هرب بل تماشيا مع الموضوع والحمير صدّق الناس نهم أطردوا رئيس دولة قوية في أمنها لا وتلكم المنابر الإعلامية أخرجت إشاعة هي صحيحة بالنسبة لمسلوبي العقول أن الرئيس في طائرته معلق في السماء وكل مرة يتجه إلى دولة وترفضه والحال أن وجهته محددة مُسبقا ...
    9 سنوات بعد،،أصبحنا في لا دولة تم تمييع رموز بُناة الوطن رأينا السواد في كل شيء بعد ماكان شعب مُتحفظ أصبح المواطن المحافظ يذهب بساقيه إلى نشر فضائحه علنا فضلا عن خدش الحياء في كثير من منبر إعلامي حى أن سمعنا على الهواء أكثر من مرة سب الجلالة أما عن الحالة الإقتصادية وتدني القدرة الشرائية فحدث ولا حرج
    مثال يتكرر في لبنان إستحمار الناس وقيادتهم للوصول إلى نتيجة مدبرة بليل فوضى تناحر تدني مستوى معيشي،،،
    ومن هذا المنطلق الراقصة ومافعلته ليس عبثا بل هناك من وراءها وفق إستراتيجية ذات أبعاد رمزية توضع في إطارها تمهيدا لأشياء قادمة وقد حدث في بلادنا أكثر من هذا فهذه الراقصة على الأقل إرتدت مايستر بعضا منها
    بخصوص إقتباسك من مروج الذهب فالمسعودي معروف مذهبه وباتالي ستجد الكثير من القصص التي لا تصح قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج (4/84) : (( ... وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلاَّ الله تعالى ، فكيف يوثقُ بحكايةٍ منقطعةِ الإسناد ، في كتابٍ قد عرِفَ بكثرة الكذِب ... )).
    أختم بقول الله عزّ وجل: ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )
    [البقرة : 120]
    .
    شكرا على جرأة الطرح
    تحية من القلب




  7. #6

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,621
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~

    لا أدري بما أعلق،
    فالحال يزداد سوءا،
    يارب خلصنا مما نجد،
    واكتب لنا الخير واصرف الشر عنا،
    اكتم في نفسي الكثير،
    وأسألك ربي،
    وحدك من تعلم!!،
    يارب

    ما شاء الله الموضوع جميل جداً،
    يجذبنا لكتابة مقالة يوماً ما، هذا إن أصبحت بربع مستواها،
    ما شاء الله تبارك الرحمن،
    بوركت يارب
    ~


  8. #7


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Moroboshi Dai مشاهدة المشاركة

    السلام عليكم أستاذ
    على الشبكة العنكبوتية هناك مقالات حول "خريطة برنارد لويس " مؤرّخ وباحث إسراتيجي بريطانى عمل مع الكنغرس الأمريكي الخريطة تبين تفكيك وتقسّم الدول العربية من خلال إستغلال الأحداث لتأليب المجتمعات وبث الفتنه لنشر الحقد الطبقي بين فئات المجتمع الواحد لتعميق الخلافات وضرب استقرار الشعوب وسلامتها
    لينتهي الأمر بالتقسيم ومن بين هذه الدول لبنان



    أول الشرارة كانت من تونس يعني من بلدي وأهل مكة أدرى بشعابها متشرّد بائع على عربة بدون رخصة قانونية عديم الأخلاق يهين إمرأة عَون في البلدية يخدش حياءها فردة فعلها كانت عادية فصفعته وأمام هستيريته وغضبه وكيف لإمرأة أن تصفع رجل حرق نفسه والغريب في الأمر أن والدته وأخته بعد الحادثة وماصار من أحداث أسكنوهما في إحدى الضواحي الراقية لتونس العاصمة ثم هجّروهما إلى كندا حيث السعادة والهناء !! فصُناع القرار هيّجوا الناس وأحدثوا القلائل ولسان حالهم قول الامام الشافعي إذا هبّت رياحك فاغتنمها أُستعملت المنابر الإعلامية المعروفة عالميا للتجييش وقلب الحقيقة فخرج الرعاع مسلبي العقول ولقنهم شعارت رنانة إلى أن صارت أحداث مؤسفة قتل وسفك دماء إلخ ونهاية الحلقة قالو "الإعلام الخارجي" أن رئيس تونس هرب بل تماشيا مع الموضوع والحمير صدّق الناس نهم أطردوا رئيس دولة قوية في أمنها لا وتلكم المنابر الإعلامية أخرجت إشاعة هي صحيحة بالنسبة لمسلوبي العقول أن الرئيس في طائرته معلق في السماء وكل مرة يتجه إلى دولة وترفضه والحال أن وجهته محددة مُسبقا ...
    9 سنوات بعد،،أصبحنا في لا دولة تم تمييع رموز بُناة الوطن رأينا السواد في كل شيء بعد ماكان شعب مُتحفظ أصبح المواطن المحافظ يذهب بساقيه إلى نشر فضائحه علنا فضلا عن خدش الحياء في كثير من منبر إعلامي حى أن سمعنا على الهواء أكثر من مرة سب الجلالة أما عن الحالة الإقتصادية وتدني القدرة الشرائية فحدث ولا حرج
    مثال يتكرر في لبنان إستحمار الناس وقيادتهم للوصول إلى نتيجة مدبرة بليل فوضى تناحر تدني مستوى معيشي،،،
    ومن هذا المنطلق الراقصة ومافعلته ليس عبثا بل هناك من وراءها وفق إستراتيجية ذات أبعاد رمزية توضع في إطارها تمهيدا لأشياء قادمة وقد حدث في بلادنا أكثر من هذا فهذه الراقصة على الأقل إرتدت مايستر بعضا منها
    بخصوص إقتباسك من مروج الذهب فالمسعودي معروف مذهبه وباتالي ستجد الكثير من القصص التي لا تصح قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج (4/84) : (( ... وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلاَّ الله تعالى ، فكيف يوثقُ بحكايةٍ منقطعةِ الإسناد ، في كتابٍ قد عرِفَ بكثرة الكذِب ... )).
    أختم بقول الله عزّ وجل: ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )
    [البقرة : 120]
    .
    شكرا على جرأة الطرح
    تحية من القلب




    وعليكمم السلام ونسأل الله الأمن والأمان... حياك الله

  9. #8


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Moroboshi Dai مشاهدة المشاركة

    دوّنتُ أكثر من ملاحظة ....
    لي عودة إن شاء الله أستاذ

    في أمان الله



    حفظك الله

  10. #9


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلمى1415 مشاهدة المشاركة
    و عليكم السلام رحمة الله و بركاته
    ماشاء الله طرح مميز أستاذ عمر و تحليل راااائع
    لطالما ابتعدت عن اي نقاش سياسي ليس لشيء و لكن لأريح رأسي من نقاش يكاد ينعدم فيه الوعي و الحكمة, خصوصا أننا شهدنا قبلكم مظاهرات سلمية
    شخصيا لست ضد المظاهرات ابدا لكن رأيي من رأيك , داخل الحشود تعددت الشخصيات و اختلفت النوايا, حتى اكاد أجزم أنك لو تسأل أي شخص عن هدفه من التظاهر و ماذا يريد لن تجد سوى 1 أو 2 % من الناس اجاباتهم تحمل مغزى منطقي و الباقي تعددت أسبابه : من كرهت المكوث في البيت فخرجت مع صديقاتها , من تشاجرت مع زوجها فخرجت في المظاهرة لتنسى همّها , من تبحث عن فارس أحلامها ....و و و الخ
    حتى مرة سألَتْني فتاة كانت معي في الترامواي لماذا لا تأتي الى المظاهرة فأجبتها, إن كان عن حب البلد فالأولى أن أذهب إلى المختبر و أنهي بحثي الدراسي لعلي أكتشف شيء يفيد الناس و يمنعهم من عدة أمراض , و أنتِ ماذا ستفعلين في المظاهرة قالت بصراحة لا شيء نجتمع نحن الشباب و نغني ثم نذهب إلى البيت ....فقلت رجاءا لا تنسو تنظيف الطرقات قبل عودتكم الى بيوتكم ......و طبعا لما ذهبتُ الى الجامعة وجدتهم في اضراب و كان هناك مجموعة من الشباب يمثلون الطلبة يمنعون أي أحد من الدخول ...هممت أن أدخل قاطعني أحدهم بيده و قال إلى أين قلت الى المختبر عندي عمل تطبيقي هام و مذركتي لا تستطيع الانتظار فتخرّجي سيكون بعد أشهر قليلة , فنظر لي باستغراب و قال ادخلي ......لا أدري لماذا صار منظور الناس ضيق إلي هذه الدرجة .....أليس العلم هو من يرفع الانسان و به تتقدم البلاد ...
    أما عن ثقافة الحمير التي ذكرتها فنحن فعلا نعيشها .....يعطون الاختصاص لغير أهله أما من يستحق ذلك فيتركونه إلى أن يأخذ الله أمانته ....

    أنار الله دربك و جعلك نبراسا تنير عتمة من حولك
    في حفظ الرحمن


    بارك الله بكِ
    وأنا لم أقصد بها السياسة
    لكني انطلقت منها لمواقف اجتماعية متعددة
    ونسأل الله تعالى صلاح الأحوال، والوعي والحكمة، كي لا نبقى آخر الأمم...
    حفظكِ الله تعالى من كل سوء

  11. #10


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    ثقافة الحمير _ الجزء السادس
    الكاتب: د. عمر قزيحه
    في 6_ 1_ 2020م

    لستُ، الآن، من محبي متابعة التلفزيون وقنواته كافة، على اختلافها وتنوعها، وأشير إلى أنني في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة لم أكن أشغل التلفزيون إلا لمشاهدة باب الحارة ومقاطع من المونديال، ومنذ انتهى مونديال 2018م، ألغيت الريسيفر من بيتي ولم أشغل التلفاز مرة واحدة إطلاقًا.
    على أن الوضع معي لم يكن كذلك منذ سنوات طوال مَضَتْ، وأذكر قبلها أنني كنت أحب متابعة الكثير عبر التلفاز، وكنت أدخل ترددات يدوية أؤلفها بنفسي في جهاز الريسيفر بدلًا من بحث الشبكة، وبعضها ينجح، ومعظمها لا ينجح، لأقوم بتوليف الترددات الناجحة حتى لو لم أكن أتابع قنواتها، أو أفكر حتى في ذلك، لكنها هواية خَبَتْ مع الأيام وبمرور الزمان.
    ما يعنينا هنا بعد هذا التمهيد، أن أقول إنني يومًا ما اشتركت مع شخص عندنا في اشتراك خاص، على أساس أنه يقدم إلينا 99 محطة بين فضائية وأرضية، مفتوحة ومشفرة مثل art الحكايات وقناة مختصة بالحيوانات، لكن كل هذا كان كلامًا عائمًا، فعدد القنوات الفعلي لم يكن يبلغ ال 20 قناة، وشاشة الرؤية تعيسة جدًا، وإضافة إلى ذلك بينها قنوات أجنبية بولونية وغيرها لا تعني لأحد شيئًا على الإطلاق.
    وما زلنا لم ندخل صلب موضوعنا بعد، لقد طلبت من صاحب الاشتراك أن يوقف الخدمة عندي، ومَرَّ يومان قبل أن تختفي قنواته بغتة، لكني فوجئتُ برجوعها بعد يوم أو اثنين، وباختفائها بعد ذلك ثم رجوعها، فكان أن توجهتُ إلى مكتبه لأسأله عن سبب ذلك، فأخبرني غاضبًا أن أحد الجيران يسرق الكابل المخصص لمنزلي ليشاهد هو القنوات مجانًا، وكل مرة صاحب الاشتراك يرسل بالعامل عنده لإعادة الكابل، وهذا الجار لا يتوقف عن السرقة، لكأننا في مسلسل الكر والفر بين الصديقين العدوين (توم) و(جيري) مثلًا!
    قلت للرجل إنه هو المخطئ، فأنا طلبت منه أن يوقف الخدمة لأنها لا تعني لي شيئًا، كنت حقيقة أريد متابعة قنوات الحيوانات، والغابات، وما يُعرَض فيها من بدائع خلق الله، ولكن بهذه الشاشة الرديئة الأمر مستحيل، لم أذكر صاحب الاشتراك بهذه التفاصيل في وقتها ولكني ذكرتُه بأنني طلبت أن تتوقف الخدمة، فكان رَدُّه أنه لن يوقفها ولتذهب الأموال إلى الجحيم، المهم الصحبة الطيبة والأخوة الصادقة، وما إلى تلك المحاضرات التي لا تقدم أي شيء ولا تؤخر، فأنا لم أطلب ما طلبت لأنني عاجز ماديًا عن دفع هذا المبلغ البسيط لِيَرُدَّ بهذا الرد الذي يشعرك كأنك تسمع تضحية نادرة من نوعها في هذا العالم!
    وليس في موقفه عنوان مقالتنا، بل ما حدث بعدها بأيام، حين ذهب العامل ليفصل الكابل عن بيت اللص، وقد كان اللص موجودًا في بيته هذه المرة، ينتظر قدوم العامل في كمين محكم! وكان أن هجم عليه مثل وحش ثائر ليلكمه في أنفه لكمة قوية أسال له الدم بها، واجتمع الجيران وتعالى الصراخ، ولم أفهم كيف للص أن يبرز نفسه بهذا الأسلوب الغريب بدلًا من أن ينزوي ويستحي؟ ما لم تكن ثقافة الوقاحة في ذهنه قد فاقت كل الحدود المألوفة وغير المألوفة حتى، لكني فهمت كيف تحول أرنبًا مذعورًا يكاد يقبِّل الأيدي والأقدام، حين أتى صاحب المصلحة بنفسه ليخبره بأنه سيرفع عليه دعوى قضائية، بل اثنتان، واحدة لسرقته الكابل الخاص بأحد زبائنه _ أنا ولا فخر _ وثانية لاعتدائه على عامله، وبعد التوسلات والتعهدات كان لي كلمتي في الموضوع، فالرجل مستعد لأن (يمون) على عامله بعدم الشكوى، في حال وافقت أنا على ألا أشتكي على اللص الذي يسرقني!
    وبما أنني منذ البداية لم أكن أريد الاستمرار في هذه الخدمة ولا يعنيني أمر وجودها من عدمه، فإنني وافقت على عدم رفع شكوى على هذا اللص، ولكن ومن باب التحدي له من قبل صاحب الاشتراك أن يجرؤ على مد يده مرة ثانية، ظلت الخدمة مستمرة عندي حوالي سنة إضافية، بالمجان، فقط لـ(يرى) الرجل، هل سيعود اللص إلى طبيعته أم أنه ما يزال يرتجف خوفًا!!
    وقد ذكرنا الريسيفرات، فلنستمر بها قليلًا، بما يَصُبُّ في موضوع مقالتنا، ولنذكر نماذج ثلاثة سراعًا، أولها حين أردتُ مرة شراء ريسيفر بدلًا من واحد جديد عندي احترق بسبب تصرف أهوج من شخص ما، ليس المجال مجاله هنا، وكنت أبحث بين المحلات، وفي ذهني، آنذاك، فكرة جيدة عن أنواع الريسيفرات وأسعارها، دخلت أحد المحلات أسأله عن الأنواع عنده، ليجيب بفخر لا أدري من أين أتى به، إنه لا يبيع سوى نوع واحد فحسب، وكل الأنواع الأخرى هراء! ومن بعد ال Echo sat فلتخرس الريسيفرات!
    واختياري هذا النموذج ليكون ضمن ثقافة الحمير لا علاقة له بنوع الريسيفر، بل إنها نوعية كنت أراها ممتازة لمتانتها، ولكن ما أكد لي أن البائع يأخذ بثقافة الحمير بالفعل، أنه طلب مبلغًا أغلى بكثير من المتوقع في الريسيفر، مدعيًا أن ذلك لأنه يتبع مبدأ (سوفتاوير عليه هو، وسوفتاوير يأخذ أجرته من الزبون)! فسألتُه مستنكرًا (وهل هذا النوع يستقبل سوفتاوير يا هذا)؟ ليسألني بغضب: (كيف عرفتَ ذلك)؟ كدت أنصرف، فإذ به يهتف أنه سينقص لي من ثمن الريسيفر 10 دولارات (مثلما هي)، على ألا (أخرب بيته) وأخبر الناس بأنه (يكذب) عليهم في هذا الأمر! و(يخدعهم بهذا المصطلح)! لكني رفضتُ عرضه السخي هذا، أولًا لأنه كذاب مخادع، وثانيًا لأن السعر عنده رغم العرض المغري في وجهة نظره ما يزال أغلى من السعر الحقيقي، وانصرفت وهو ينعي حظه وأن أحدًا لم يشتر من عنده مرتين، ذلك أن الريسيفرات التي يبيعها تخرب بسرعة لأنها ليست جيدة، فهو يبيعها مستعملة على أنها جديدة، أو ربما يخربها أنه يقوم بوصلها بالإنترنت، أو ربما... ولم أسمع حديثه (الحزين) المتبقي، بل تركته (يجتر ذكرياته) وفق (ثقافته) التي يحاول بها أن يستغبي زبائنه، من دون وازع من أخلاق أو رادع من ضمير!
    والجدير ذكره أنني اشتريت النوعية ذاتها الــ Echo sat لكن بإصدار أحدث، وبأقل بعشرين دولارًا كاملة، من مكان آخر، وذلك بعد دقائق معدودات من مغادرتي المحل الأول الذي يتميز صاحبه بامتلاكه ثقافة مستفزة من نوعها، ثقافة الغش والكذب والخداع والدجل.
    والأمر بالأمر يُذكَر، صاحب محل ريسيفرات في مكان آخر وزمان آخر _ وكنت أسأل لشخص ما لا لنفسي هذه المرة، يقف أمام محله _ وما يكاد يلمح شخصًا متجهًا نحوه حتى يهتف به متحمسًا: (هل تريد أفضل ريسيفر في العالم؟ حجم صغير ومواصفات خيالية؟ إنه ال open sky سعره 350 دولارًا فقط)، وقد شهدتُ له مفاصلة مع زبون، حاول أن يُنقِص من السعر قليلًا فلم ينجح وانصرف خائبًا، فسألتُ البائعَ ساخرًا من يظن نفسه؟ وكل هذا الريسيفر _ في ذلك الوقت _ كان مبيعه في السوق عند أغلى شخص 35 دولارًا فحسب، فمن أين أتى بالصفر الزائد، ليضاعف المبلغ عشرة أضعاف؟ وإذ به يَرُدُّ بابتسامة انتصار، وكأنه حقق إنجازات فريدة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، إنه لا يفعل ذلك اعتباطًا، بل إن هذا الريسيفر تم تسويقه فترة ما بمثل هذه الأسعار، بدعوى أنه يفتح قنوات مشفرة على القمر القبرصي، قنوات ألعن من قنوات القمر الأوروبي بكل ما فيها من السوء والمنكر، وذلك وفق كلام البائع، فلم أتابع تلك القنوات في حياتي كلها لأحكم أيها الألعن والأسوأ بينها، ولكن هذا الريسيفر توقف عن فتح المشفر، فانهار سعره، بل رجع البائعون بسعره إلى حقيقته، بدلًا من هذا (النصب) على الناس، لكن بعضهم _ ومنهم هذا الأخ _ ما يزال يحاول النصب ولكن وفق مبدأ (استحمار) الزبون، لعله قد سمع عن أن هذا الريسيفر هو الأغلى في العالم، وأراد أن يمتلك الأغلى باعتباره زبون (كلاس)! وإذا نجح البائع ولو مع شخص أو اثنين كل أسبوع، فيا للسعادة الغامرة!
    وما نزال في هذا الموضوع على استفزاز بعض أحداثه وطرافة بعضها الآخر، وهذا شاب عرفناه قديمًا، كان عنده ريسيفران اثنان، سبق واشتراهما من محل ما عندنا منذ سبع سنوات، وإذ نتكلم عن العام 2006م الآن، فإن سبع سنوات مضت، تعني أننا ما نزال في العام 1999م، وأيامها كانت أسعار الصحون الفضائية، وكل ما يتعلق بها بما في ذلك الريسيفرات أسعارًا نارية بحق، ولكن (اكتشف) هذا الشاب في العام 2006م أن هناك ريسيفرات يمكن من خلالها مشاهدة قنوات الشوتايم والأرت وغيرها، وأسعارها قريبة من 45 دولارًا فحسب، بينما هو اشترى هذين الريسيفرين معًا بحوالي 250 دولارًا من سبع سنوات (فقط)، ولا أدري حقيقة هل هو بالفعل أحمق أم أنه أراد أن يتغابى بسماجة على صاحب المحل؟ لقد عاد إليه بالريسيفرين طالبًا منه أن يردهما له لأنهما لا يعجبانه! اشتراهما عام 1999م، وأراد أن يرجعهما عام 2006م، اشتراهما جديدين وأراد أن يعيدهما مستعملين، اشتراهما أيام كانت الأسعار نيرانًا كاوية، ويريد أن يعيدهما والأسعار أخف بكثير، اشتراهما كإصدار حديث من الشركة، واليوم هما إصداران قديمان، بل إن سعر الإصدارات الجديدة قد انخفض كثيرًا، خاصة مع الأنواع الأخرى التي تفتح القنوات المشفرة هذه، ورغم كل هذا انفجر يصرخ في وجه صاحب المحل الذي لا يريد شراءهما، مطالبًا إياه بأن يعيد إليه (حقه) كاملًا غير منقوص، وإلا فإن مصيره إلى النار إن شاء الله، وبئس المصير! وكان أن خرج من المحل مطرودًا بمنتهى الغلظة، ولا شفقة عليه طبعًا!
    ويومًا ما، في ختام كلامنا ضمن ثقافة الحمير عن الريسيفرات، وليس في ختام مقالتنا بالكامل، فما يزال لدينا أحداث لم نذكرها بعد، كنت مع رفيق لي يبحث عن ريسيفر جديد، وإذ بصاحب محل يهتف في وجهه بحماسة إن عنده الريسيفر الذي يفتح قنوات الجزيرة الرياضية مجانًا! وأذكر آنذاك أنهما كانتا قناتين فحسب، لكنهما مشفرتان، وتفتحان مجانًا كل عدة أسابيع يومين أو ثلاثة!
    وزيادة في ادعاء (التقى) تابع البائع قائلًا إنه لا يضمن، ولا أحد يضمن في العالم، استمرار بث القناتين مجانًا على هذا الريسيفر (الخيالي)، فربما تتوقفان بعد ثوانٍ، وربما تبقيان شهورًا وسنوات، وربما... وقاطع البائع (أوهامه) هذه بنفسه، ذاكرًا رقم مبيع كفيل بإصابة الأصحاء بسكتة قلبية، ولكني لمحت التردد في نفس رفيقي واللهفة على شراء المعجزة الفريدة هذه، فقلت له بصوت مسموع، وأنا أقصد بكلامي البائع صاحب الثقافة المستفزة، المتمثلة في التدليس والخداع: (لكني أعلم أن هاتين القناتين تفتحان مجانًا بنفسهما يومين أو ثلاثة وتعودان إلى التشفير بعدها، ويتكرر هذا كل عدة أسابيع، و...) خبت اللهفة من عيني الفتى، وأشار إليَّ برأسه لننصرف، وإذ بالبائع يهتف بأرقام بِعَدٍّ تنازلي، كأنه شرير في فلم كرتون ينتظر انفجار قنبلة زمنية! ليصل بسعر الريسيفر إلى 1/5 ما طلبه فيه أولًا، ونحن نمضي، وربما لو توقفنا لنسمع باقي العروضات لنال كل منا بضع مئات من الدولارات مقابل أن يحمل الريسيفر معه مجانًا ويمضي به إلى بيته، ومشاهدة سعيدة يتمناها له البائع الدجال!!
    لقد كان لثقافة الحمير دورها الريادي البارز، في ما يبدو، في صياغة الكثير من الأحداث والتصرفات عند كثير ممن لا يفهمون كيف يتصرفون، ولا معنى وجودهم كَبَشَرٍ ووجود الآخرين كَبَشَرٍ كذلك، ومن ذلك قصة جَرَت أحداثها منذ سنوات قلائل خَلَتْ، مع غريب سكن وعائلته منطقتنا مستأجرًا بيتًا في بناية صغيرة، ومنطقتنا فيها الكثير من الغرباء فعليًا، لكن هذا الرجل لم يهدأ، ومن اليوم الأول بدأت مشاكل النساء، بين امرأته وامرأة جار في البناية، له بيت يملكه فيها، ويعيش في منطقته هذه منذ ولادته بأمان وسلام، غير أن هذا الغريب (كسر) له روتين حياته، وبات صراخ المرأتين على شرفات المنازل أمرًا من مستلزمات الحياة اليومية، للأسف الشديد!
    بل إن الأمر تطور إلى أبعد من ذلك وأكثر سخافة، شاب في بناية مجاورة يوقف (الجيب) الخاص به، لتأتي المرأة الغريبة تسأله بـ(غباء) منقطع النظير، أو بثقل دم لا مثيل له: ماذا تقصد من إيقافك (الجيب) قرب سيارتي، هل (تلطش) أم ماذا؟
    وبكل جدية أجابها الشاب: (بالتأكيد، وهكذا يخطف الجيب سيارتك ويتزوجان ويُرزقان بالبنين والبنات من السيارات، ويصبح عندنا أسطول سيارات مجاني، من دون أن ندفع ولا ليرة)!
    وإذ هَمَّت حضرتها بالاعتراض، تابع بحزم: (هذا المكان لبنايتنا، وهذا الموقف لسيارتي، وأنا أوقفها هنا منذ سنوات، وأبي يفعل ذلك من قبلي، ربما من قبل أن تولدي حتى، فماذا تريدين)؟
    فكان أن غادرت المرأة وهي (تبرطم) بكلمات غير مفهومة، غير أن ثقافة الحمير في ذهنها وذهن زوجها لم تتوقف هنا، بل إن الأمر تطور إلى حرب العصابات! لقد (استأجر) هذا الرجل الغريب عدة رجال، وجاؤوا إلى منزله تباعًا وعلى وجه السرعة والسرية، ليكمنوا فيه، وأرسل ابنه ليستفز الجار، ولم يتردد هذا الابن في سباب جاره والبصق على الأرض حينما رآه، رغم أنه أكبر سنًا من والده، لقد افترض الجار الغريب أن هذا الأمر سيدفع بابن جاره إلى أن يخرج ليثأر لكرامة أبيه فيهجم عليه الرجال ويضربونه ويكسرون عظامه!
    ولكن ابن منطقتنا كان حكيمًا، حَيَّد نفسه وابنه عن الصراع المباشر، حتى وهو لا يعلم بكمين الجار الأبله، وإذ فشل الجار في مسعاه، انطلقت امرأته إلى شرفة المنزل تسب المرأة الأخرى بألفاظ نابية قذرة، وخرج ابنها يشارك في السباب هذه المرة، وهنا تطورت الأحداث بأسلوب لم يتوقعه أحد، كان أحد الشباب عندنا خارجًا من مقهى قريب وسمع هذا السباب الشائن، فهتف في وجه الابن أن ما يفعله عيب من سبابه امرأة جاره، وأنه لا يجوز له أن يسب بهذه الألفاظ النابية حتى لو كان يكلم عدوًا فما الحال إن كان سبابه موجهًا إلى امرأة؟ وبسرعة البرق اندفع رجال الشر خارج البيت وقد ظنوه ابن غريمهم ليكلمه أحدهم لكمة متوحشة كادت تفقأ عينه!
    ولم يحسب هؤلاء الحمقى حسابًا لأحد، لم تدرك عقولهم التي سيطرت عليها ثقافة الحمير شيئًا، لم يتخيلوا قطعًا أن هذا الشاب الذي ضربوه هذه الضربة ينتمي إلى إحدى الأجهزة الأمنية عالية المستوى في البلد! ولكن كان لهم أن يتوقعوا أن أحدًا لن يسكت لهم، فمن الطبيعي ألا يتدخل أحد في صراع كلامي بين امرأتين، أما أن يخرج شاب لِيَسُبَّ امرأة ويشتمها، وأن يخرج رجال مثل قطاع الطرق ليضربوا من ينهاه عن ذلك؟ ولم يكن ابن الجهاز الأمني بحاجة إلى أن يدافع عن نفسه فعليًا، مع أنه ضرب اثنين من المعتدين بعنف شديد، ردًا على عداونهما، فلقد امتلأ المكان فجأة بالشباب، ودارت معركة قاسية، مثل معارك الحارات الدمشقية في المسلسلات الدرامية السورية، معركة وصفها بعض من رآها، بأنه رأى قطاع الطرق هؤلاء يطيرون في الهواء قبل أن يقعوا أرضًا، ولا يعني هذا راحتهم، فما يكادون يقعون حتى يطيروا مرة أخرى! وبصعوبة تمكن هؤلاء الحمقى من الفرار إلى البناية ليحتموا في بيت مضيفهم، الذي أخذ يسب حماقتهم وتسرعهم، وكيف تحركوا بدون (أوامره) لهم؟ ولكن انسحابهم لم يكن ليعني النهايات السعيدة، فالشباب خارجًا لم يتراجعوا، وظلوا يصرخون فيهم أن يخرجوا بسرعة، وإلا... فما كان من هؤلاء المعتدين إلا أن اتصلوا بأنفسهم بمخفر الدرك ليرسل لهم دورية تستلمهم وتعتقلهم!
    بل إن الأكثر طرافة في الأمر أنهم كانوا يخرجون واحدًا تلو الآخر، يحتمي أحدهم بعناصر الدرك وهو ينظر إلى الشباب الغاضبين الثائرين بخوف شديد، وأسمع، وربما لم يكن هذا صحيحًا، أن كلًا منهم ناله صفعتان عنيفتان على وجهه من قبل بعض الشباب قبل أن يصعد في سيارات الدورية، ولكن ماذا عن الغريب صاحب هذه المشاكل كلها، ومستأجر هؤلاء الأغبياء؟ لم يكن هناك أحد مستعد لتحمل (إبداعات) عقله بما فيها من (ثقافات الحمرنة) هذه، فأمهلوه حتى الغد مساء للمغادرة، وإلا فإنهم سيخرجونه بالقوة، ولا ألومهم في هذا إطلاقًا، وكان لهم ما أرادوا، ولا رَدَّه الله إلينا مرة أخرى!
    ومقالتي هنا اجتماعية حتى لو كنت أذكر فيها أحد السياسيين، فأنا لا أذكره كسياسي ولا فعاله ولا ما الذي لم يفعله حتى، بل لا أذكر أي شي يخصه، إلا وفاته، إذ بدأ الكلام بعدها عن أنه (قديس) ظهر وجهه بوضوح على سطح القمر بعد (إعدامه)، ما يعني أنه (على قيد الحياة) لكن على سطح القمر!
    وشخص ما هنا أخذ يؤكد لنا في كل لحظة، أن هذا لا يعني سوى كون هذا الرجل من أولياء الله الصالحين، وإذ انكشفت الأمور بعد ذلك، وقيل إن أستراليا فعلت ذلك، بتوجيهها أشعة ليزر نحو سطح القمر تحمل صورة الرجل، سمعنا من يهمس بانبهار أن الله تعالى يَسَّر له حتى أعداءه ليكونوا في خدمته، بل إن أحدهم أعلن بغباء يتصف بفرادة لا نظير لها إن أستراليا نجحت في ذلك، لأن الرجل من أولياء الله الصالحين، ولولا هذا لما تمكنت أستراليا من فعل شيء، ولو استعانت بكل مدافع الليزر في العالم!
    حاولوا أن تحللوا هذا المنطق، إذا صحَّ وأسميناه منطقًا:
    أ_ الرجل ظهر وجهه على ظهر القمر، هكذا فجأة بدون سبب منطقي، لأنه من أولياء الله الصالحين!
    ب_ لم يظهر الوجه من تلقاء نفسه، أستراليا فعلت هذا باستخدام تقنية الليزر، إذًا هو من أولياء الله الصالحين، والدليل على هذا نجاح أستراليا ومدافع الليزر معًا!
    أعتقد أن هذا ينتمي إلى ثقافة نتكلم عنها كثيرًا هذه الأيام، أليس كذلك؟
    وما يزال عندنا المزيد، فإلى الملتقى عبر مشاركتنا الأخيرة في الجزء السابع والأخير حتمًا في سلسلة (ثقافة الحمير)، إن شاء الله تعالى..
    عمر قزيحه: 6_1_2020م: الساعة: 6:45 دقيقة صباحًا.

  12. #11

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,621
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Thumbs up رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    أهلاً أستاذ :"),

    سأعلق على الجزء الجديد لأنو للتو قرأته
    ولم أنسى بعد الأحداث عكس ما قبله، يلزمني إن كنت سأعلق عليه قراءته مجدداً!!
    ولا نقول إلا الحمدلله ربي يزيد عقلي ثباتاً وذاكرتي كذلك
    ربي يستر لا تصير علامة على تدهور الذاكرة!!
    ما بالنا ذكرياتنا المؤلمة نتذكرها تذكراً وكأنها منقوشة في عقلنا نقشاً
    لا حول ولا قوة إلا بالله
    ربما الشيطان من يجتهد في تذكيرنا إياها!!
    نعود للجزء هذا

    يُغَلون الأسعار ويلعبون علينا
    وهذا مشاهد يعني لما يرون إني فتاة يزيدون السعر
    هذا في الأشياء الغير مسعرة!!
    لا أدري لماذا هم هكذا؟!

    أما سارق الكبل، استغفرالله
    وصل الأمر إلى هذا الحد من التجرأ و.....
    والله ما أبغى أتكلم عنه
    بس فعلاً شيء!!

    أما الجار المؤذي الحمدلله الذي رد شره!
    نعوذ بالله من الشرور وأهله وأبعدهم ربي عنا

    ياربي بس حال مؤسف أن نرى مثل هذه النماذج!
    ربي يبعدنا عن السيئين من البشر!

    جمال في الصياغة والأسلوب!
    ما شاء الله، وكالعادة!
    بورك فيك يارب
    وزادك ربي من فضله
    بانتظار الجزء القادم
    فلا تتأخر علينا
    في حفظ المولى،،

    ~



  13. #12


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    أهلاً أستاذ :"),

    سأعلق على الجزء الجديد لأنو للتو قرأته
    ولم أنسى بعد الأحداث عكس ما قبله، يلزمني إن كنت سأعلق عليه قراءته مجدداً!!
    ولا نقول إلا الحمدلله ربي يزيد عقلي ثباتاً وذاكرتي كذلك
    ربي يستر لا تصير علامة على تدهور الذاكرة!!
    ما بالنا ذكرياتنا المؤلمة نتذكرها تذكراً وكأنها منقوشة في عقلنا نقشاً
    لا حول ولا قوة إلا بالله
    ربما الشيطان من يجتهد في تذكيرنا إياها!!
    نعود للجزء هذا

    يُغَلون الأسعار ويلعبون علينا
    وهذا مشاهد يعني لما يرون إني فتاة يزيدون السعر
    هذا في الأشياء الغير مسعرة!!
    لا أدري لماذا هم هكذا؟!

    أما سارق الكبل، استغفرالله
    وصل الأمر إلى هذا الحد من التجرأ و.....
    والله ما أبغى أتكلم عنه
    بس فعلاً شيء!!

    أما الجار المؤذي الحمدلله الذي رد شره!
    نعوذ بالله من الشرور وأهله وأبعدهم ربي عنا

    ياربي بس حال مؤسف أن نرى مثل هذه النماذج!
    ربي يبعدنا عن السيئين من البشر!

    جمال في الصياغة والأسلوب!
    ما شاء الله، وكالعادة!
    بورك فيك يارب
    وزادك ربي من فضله
    بانتظار الجزء القادم
    فلا تتأخر علينا
    في حفظ المولى،،

    ~


    نسأل الله تعالى أن يُبعد عنا كل مؤذٍ ولص... وكل جار سوء
    حفظكِ الله

  14. #13


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    الجزء السابع
    ترى هل نُصَنِّفُ أحداث مقالة ثقافة الحمير المتنوعة كاستراحة كلامية طريفة، تزيل بعض الهموم من النفس وتروِّح عنها؟ أم نصنفها على أنها إضاءات اجتماعية حول أمور معينة ومشاكل ربما نستطيع دراستها ومعالجتها يومًا ما؟
    في هذا الموضوع، أترك الحكم لمن يقرأ، وأكتفي بعرض الأحداث فحسب، بما أراه يندرج في قائمة (ثقافة الحمير)، ويصنف ضمن بنودها، ومن ذلك شخص من طراز لا أستطيع تصنيفه بسهولة، ألَّف كلامًا فارغًا، وجعله حديثًا، ونسبه إلى جبريل، بكل وقاحة، وفيه من المنكرات ما فيه، فهو الدعاء المكتوب حول عرش الرحمن وعلى حيطان الجنة وأبوابها وجميع ما فيها، يكفي أن يقرأه العبد مرة واحدة في حياته لتزول كل الذنوب والخطايا، بل إن الملائكة تتقرب إلى الله ببركة هذا الدعاء، يكفي أن تقرأه مرة لتأمن من عذاب القبر والطعن والطاعون وتنتصر ببركة الدعاء على أعدائك، وتبعث إلى جوار إبراهيم وجوار محمد، والأكثر سوءًا في هذا الكلام كله، الادعاء الأحمق أن (من قرأ هذا الدعاء بإخلاص قلب ونِيَّة على جبل لَزَالَ من موضعه أو على قبر لا يعذِّب الله تعالى ذلك الميت في قبره، ولو كانت ذنوبه بالغة ما بلغت)، الحمد لله أنهم لم يواصلوا التخريف لِيَدَّعُوا أنه لا يُعَذَّب يوم القيامة كذلك حتى لو كان من أصحاب السعير!
    غير أن الأكثر سوءًا والأشد فداحة في كلامهم أنهم يصفون الله تعالى بالكلام الآتي: ......
    لا أستطيع حقيقة تخيل وجود من يصف الله تعالى بأن اسمه الطهر المتر! لكن الأكثر فداحة من هذا وسوءًا، حينما كتبت مرة ردًا على هذا التخريف في صفحتي الشخصية في الفيس بوك، دخل شخص ليفسر لنا، وليته ظل ساكتًا لكان خيرًا له وأولى، أن (المتر) تعني (المزار الشمالي المقدس)؟ وهل يوصف رب العالمين بأن اسمه المزار الشمالي المقدس؟؟ مسحت الرد وصاحبه، إذ إنني لم أكن مستعدًا لتلقي هذه الجرعة (الإبداعية)، والأفضل أن أتركها لصاحبها يستمتع بها كما يشاء بعيدًا مني!
    وإذا أردنا أن نتحدث عن مثل هذه المواضيع، فإننا لن ننتهي، كل مَنْ (يخترع) كلامًا غبيًا وينشره على أنه حديث نبوي، أو حديث قدسي، تجد الكثيرين ينشرونه له على أنه كلام صحيح، وليس هذا بمجال اعتراضنا حقيقة، إنما الاعتراض على بعض الأذهان من أصحاب الثقافات موضوع مقالتنا، إذ تُبَيِّن لهم أين الخطأ وبالدليل، فيثورون غضبًا، ذلك لأن (الحديث) أثر في مشاعرهم كثيرًا لذلك قاموا بنسخه عندهم، وهل تأثير أي تخريف يجعله حديثًا نبويًا؟ فلتتأثر به وبهرائه كما تشاء، لكن أن ترفض الحق فقط لأنك تأثرت بالتخريف، فالله المستعان.
    ربما نجد الكثير من ينشرون كلامًا مخترعًا على أنه حديث نبوي، لكنهم يفعلون ذلك بحسن النيَّة، ومن دون علمهم بما فيه، على أنهم إذ يعلمون الحق يرجعون إليه، وهؤلاء يستحقون التقدير والثناء، على أننا لا نحترم أصحاب الحماقة والغباء، ممن أشرنا إلى فعالهم هذه، ونؤكد مرة أخرى أننا لو أردنا أن نركز على هذا الموضوع وحده فحسب، لربما امتدت المقالة عشرات الأجزاء، أو حتى مئات!
    غير أننا سنشير إلى ما نريده فحسب مما يخدم مقالتنا الآن، يومًا ما كنا في باص منطلقين إلى مراكز عملنا، وأخذ السائق يتحدث عن أصحاب السحر، الملاعين الكاذبين الحقراء، الذين يخدعون الجهلة البسطاء، وهم يتعاملون مع الجن، وكل الجن شيطان رجيم، وكدنا ننبهر بحديثه الإيماني (العميق)، لولا أن استطرد بتوحش مباغت: (كلهم كذلك، كلهم، إلا فلانًا الفلاني، هذا جاري، لذلك هو الوحيد بينهم الذي يحق له التعامل مع الجن، لأنه إنسان طيب يخاف الله)!!
    ما شاء الله! يحق لهذا الإنسان أن يتعامل مع الجن لأنه جارك؟ ماذا لو يكن يحيا في هذه (النعمة) العظيمة، وحضرتك (المباركة) ليست بجاره، هل كان سيدخل في قائمة المغضوب عليهم الملعونين إذًا في هذه الحالة؟ ولأنك جاره بات مباركًا في عمله المحرَّم هذا؟ ثم هل تبلغ الحماقة فعلًا هذا المبلغ في ذهنك لتصدق نفسك في كلامك المتناقض المتهالك، أنه يحق له (التعامل مع الجن)، كونه (يخاف الله)؟ أيحق له أن يعصي الله تعالى لأنه يخاف الله؟ ومن لا يخاف الله إذًا لا يحق له أن يعصي الله؟! منطق معكوس ممزق الزوايا والأطراف، عفن الصميم بأكمله!
    وللطب حكايته في موضوعنا، حكاية كوميدية سوداء قاتمة، بوجود عدد ولو قليل من بعض الأطباء ممن باعوا ضميرهم، أو من ممرضين لا يفهمون شيئًا في أصول الإنسانية في عملهم، ومن ذلك طبيب ما طلب مني سكانر، لَبَّيْتُ طلبه، ليعلن بفخر شديد حينما رآها أنها متوافقة تمامًا وتشخيصه العظيم في العيادة، ويوم العملية الجراحية عاد يفرد صورة السكانر أمامه، ويصرخ ويكاد يولول على لحظة، ليؤكد أن هذه سكانر (أخرى) غير التي رآها في العيادة، وأنا كنت قد تعرضت إلى البنج، ولولا ذلك لقمت من مكاني وعدت أدراجي إلى بيتي، لأنجو بروحي من هذا الهراء الأحمق، ولم يكن كلامي هذا وهمًا تحت تأثير البنج، بل إنه عاد يكرِّره في عيادته أكثر من مرة بعد ذلك.
    والمصيبة حينما نزع لي، في عيادته، الفتيل بعنف شديد، سبَّب لي نزيفًا دمويًا حادًا وإغماءً قاسيًا، عاد يسألني بعدها باستغراب: (لماذا نزل الدم من أنفك حينما نزعتُ لك الفتيل)؟ لأرد ساخرًا من هذا الذكاء الذي يملأ رأسه بناء على الثقافة التي نحدثكم عنها: (معك حق، لماذا نزل الدم "فقط" من أنفي؟ لمساتك "الناعمة" هذه كفيلة بأن يتفتَّت أنفي بأكمله ويتهاوى مثل الهياكل العظمية في أفلام الكرتون)! ولا أعرف لماذا لم يعجبه هذا الرد؟ أنا أرى أنه رد مناسب جدًا، وفي موضعه تمامًا، من دون أدنى جدال في هذا!
    وما كنا لنتوقف عند كل تفاصيل هذا العبقري الألمعي بالتأكيد، لكني أذكر شيئًا من ملامح ثقافته بما يتناسب ومقالتنا هنا، إذ كان يشير إلى بخاخة الأوتروفين، وكان ثمنها آنذاك دولاران فحسب، أو ثلاثة آلاف ليرة لبنانية، مدعيًا أنها تأتيه بصفة خاصة من فرنسا، وكل قطرة منها تكلفه دولارًا كاملًا!
    على أن الألعن من هذا، وبمراحل، حينما اضطررت إلى الذهاب إليه بعد ذلك بسنوات قلائل، لأن ما فعله من التخريب لم يستطع أحد معالجته أو حتى فهم أسبابه، فكان أن استخدم (المنظار الطبي) وثمنه يقترب من ربع معاشنا، ولو أنه استخدمه بهدف العلاج لكان ذلك هينًا، ولكنه نظر فيه ليعلن بثقة أن اللوزتين عندي ملتهبتان _ وكان قد سجل في ملفي لديه منذ الزيارة الأولى أنهما تلتهبان كثيرًا _ بل وحدَّد لي موعد العملية الجراحية التي سيستأصل فيها هاتين اللوزتين لأرتاح من مشاكل البلغم وضيق التنفس!
    وربما يبدو لنا هذا طريفًا نوعًا ما، أن يستأصل اللوزتين فأرتاح أنا مما أعانيه من المشاكل المذكورة، لكني إذ أخبرته أنني استأصلتهما فعلًا منذ سنة كاملة، هتف مثل أي مجنون رسمي، سائلًا إياي بذهول: (ما الذي رأيتُهُ "أنا" داخل فمك إذًا)، رددْتُ بالتهكم ذاته: (هل تسألني أنا)؟ وعاد الطبيب يُدخل منظاره في أنفي، ليدَّعي ادعاءً غريبًا، ولا أمزح في ما أذكره هنا نهائيًا، ولو بدا لكم ذلك غريبًا، بل لو بدا لي أنا نفسي أنه غريب، لقد ادَّعى الطبيب أنه يرى مطرح اللوزتين (الكيس الأخضر)، ما خدعه وجعله يظنه التهابًا في اللوزتين!
    وتوالتِ (الإبداعات) مما يصنف في ثقافة مقالتنا، فاللوزتان بقيت منهما قطعة صغيرة، هي التي تحولت إلى هذا اللون الأخضر، وبعدها تنموان لتكبرا كما كانتا! وكأننا في فلم سخيف غبي من أفلام دراكيولا مثلًا! ومن هذا الهراء انطلق إلى هراء أسوأ بمراحل وفق رأيي، لقد انحنى حتى كاد (ينطح) أسفل ساقي، وهو يصرخ مثل سيلفر في جزيرة الكنز (هذا هو)! حتى توقعت أنه وجد كنزًا مختبئًا في ساقي! أم لعله وجد شخصًا ما هناك؟ كلا الفرضيتين مستحيلة، ولكن لا! لن نظلمه رجاء، كان يبحث عن الفاريس (الدوالي) لأنها سبب البلغم بكل تأكيد، لكنه لم يجدها، وصدقوني إنني أشعر بالأسف أحيانًا لأني لم أحرك قدمي لأركله ركلة ينسى فيها من يكون وأين هو، لعلي _ على الأقل _ أكون قد أذقْتُهُ ولو قليلًا من الآلام التي تسبب لي بالكثير منها من قبل، وآخر ما (أبدع) به حضرته و(تميز)، أن عرض عليَّ دخول المستشفى ليجري لي عملية تضييق المعدة، وهو طبيب أنف أذن حنجرة!!
    وأؤكد أنني لم أذكر سوى نزر يسير مما (تفضل) به حضرته علينا من (الألمعية العقلية) التي تجاوزت حدود المنطق، وتفوقت زمانيًا ومكانيًا على كثيرين سواه، لكني لم أمُرَّ بشيء يُذكَر، إذا ما ذكرتُ أن صديقًا لي استيقظ من المخدر الكامل، واستعاد وعيه تمامًا، وهم يستأصلون له اللوزتين! ولا أستطيع أن أصف لكم الألم المتوحش الذي أخذ يعصف به في تلك اللحظات الرهيبة، وهو عاجز حتى عن الصراخ، وكم عانى ذاك المسكين إذذاك، إلى أن أسرع طبيب البنج يخدره مرة ثانية، بل إلى أن أخذ المخدر مفعوله لينام، صاحبنا بعد أن رأى الموت بعينيه لبشاعة ما أصابه من الألم الذي لا يرحم!
    إنه الموت نذكره الآن، إنه الموت الذي رأيتُهُ عيانًا لا وصفًا أو سردًا، وهي عملية جراحية بعد ثلاثة عشر سنة ونصف السنة قد مرَّت على تاريخ العملية الأولى، وهذا الطبيب يبدو أنه قطع شريانًا حيويًا في عمليته الخرقاء، والله أعلم، ولم يمضِ وقت طويل على استعادتي وعيي، إلا ودفق دموي أحمر قانٍ يندفع من فمي بعنف، وأتت الممرضة مسرعة بعد أن ذهبت أختي إليها تستدعيها، وكان أن فتح الله عليها بــ(أووووه! كل هذا دم)؟ وبكل بساطة (أفادتنا) حضرتها بمنتهى الغباء، بأنها لا تعلم ماذا يمكن لها أن تفعل سوى تنظيف الغرفة من الدم، وأكثر من ذلك هي لا تعلم شيئًا!
    بناء على طلبنا تم الاتصال بالطبيب، وأعلن أنه سيعيدني إلى غرفة العمليات وبسرعة لإجراء عملية ثانية، وإذ خرج دفق دموي ثانٍ من فمي، يفوق سابقه بأضعاف، إذ جعل مساحة لا يستهان بها من غرفتي تسبح بالدم، عادت الممرضة تصرخ بانبهار بعد أن استدعتها أختي مرة أخرى: (أووووه! كل هذا دم)؟ ولكنْ، لا تظلموها، لم تبق على (تناحتها) السابقة، بأن كل دورها يقتصر على تنظيف الغرفة من الدم، فحتى تنظيف الغرفة من الدم أمر بات غير مطروح في حساباتها، وهي لم تفعل ذلك حقيقة من قبل، بل اكتفت بالقول إنها ستفعل ذلك، أما الآن، فإن ثقافة موضوعنا تتبلور أكثر في ذهننا، فالممرضة (قرَّرت) أن الدم (يجب) أن يبقى مكانه ليراه الطبيب! ولا أعلم الإفادة المرجوة هنا! فالطبيب عرف ما حصل وطلب تجهيز غرفة العمليات مجددًا، فما الداعي إلى إبقاء الدم يملأ أرض الغرفة؟ لا يوجد سبب إلا أن هذه الممرضة تنبلة حقيقية، وبحق غبية، وهذا وفق أهون ما نصف به تصرفاتها وآراءها!
    غير أن افتراضنا (التنبلة) فيها لا ينفي أبدًا أنها لا تتميز بالثقافة التي نطرحهاا! أنا الذي تقيَّأت الدم الأحمر القاني وذهبت في غيبوبة مرتين قبل العملية الثانية، وتقيأت الدم الأحمر القاني بعدها، تأتيني الحمقاء ومعها صينية طعام تعلن بكل حماقة أن هذا الطعام لي! لم تقتنع أختي بفضل دراساتها المخبرية، وسألتها لتتأكد، فأكدت لها الممرضة أن الطعام لي فعلًا وخرجت! لحقت بها أختي فوجدت طبيبة الطوارئ التي كانت تستغل كل وقت فراغ عندها لتأتي لتتابع وضعي وتطمئن عني، سألتها أختي هل الطعام لي؟ وردَّت باستنكار إن الأكل ربما يعجِّل بنهايتي! بل إن الشرب نفسه أمر غير مأمون العواقب، وسألت الطبيبة تلك الممرضة ألم تخبرنا بأن الطعام لأختيَّ اللتين ترافقانني وليس لي؟ فأجابتها بوقاحة نادرة في الكذب: (بلى، أخبرتهم بذلك)!
    هل هذه حماقة أم إهمال؟ أم الأمران معًا؟ أم أن كلمة حماقة وصف بسيط فعلًا؟ أعتقد هذا! إ لو أنني صدقتها وأكلت لربما قضيت نحبي، وهي تعلم يقينًا أن الأكل ليس لي، وتكذب بكل وقاحة واستهتار، فمن يستحق أن نصنِّفه ضمن جزء الختام إن لم نصنِّف حضرتها ضمنها؟
    وأختم حديث الأطباء بـ(بطلة) هذه الحوادث التي نذكرها وزميلات لها، تلك الوصفة الطبي الإلزامية التي يكتبها الطبيب لكل مريض يغادر المستشفى، رأينا في قائمة الدواء فيها استخدام دهن ما ثلاث مرات يوميًا، وادعت الحمقاء الغبية أن هذا الدهن يكون داخل الأنف، لذا كل ما علينا نزع الضماد والقيام بعملية الدهن وإعادة الضماد، كذلك ادعت أن الطبيب هو الذي قال ذلك! وإذ سألنا زميلة لها، ممرضة ثانية بعد ذلك عن الدواء، قالت إننا ندهن به عظمة الأنف والطبيب هو الذي قال ذلك! علمًا بأن الطبيب المسكين لم يكن قد فتح فمه بكلمة حول ذلك التخريف مع أيٍّ من هاتين الحمقاوين! ونزعنا الضماد بأنفسنا مسألة غير جيدة خاصة بعملية تقويم غضروف الأنف، وبوجود الفتيل، وكل ما في الأمر أن هذا الدهن نستخدمه من بعد نزع الطبيب الضماد والفتيل، ثلاث مرات يوميًا، بأن ندهن به داخل الأنف، والطبيب ترك خبرًا بهذا للطاقم التمريضي المسؤول عن الطابق الذي أنا فيه، وبالكامل، ما يدفع بنا إلى (الإعجاب) الشديد بما تتميز به هاتان الفتاتان من ذكاء فذ، ودهاء نادر، تستحقان به جائزة ما، من نوع ما، لن أذكره هنا، بكل تأكيد!
    عطلة نيسان عندنا تعتبر من الأعياد الرسمية التي يصل إلينا فيها الراتب قبل بدءها، وفي تلك السنة الحزينة، سنة 2016م، تقاضينا رواتبنا في 23 نيسان، وتوفيت الوالدة رحمها الله ليلة 29 نيسان، وبما أننا نتقاضى الراتب مسبقًا، فهذا يعني أننا تقاضينا راتب أيار، ليصل إلينا، بعد ذلك بأيام قلائل، خبر مستعجل من المالية المركزية في بيروت، أنه يتوجب علينا أن نعيد إليها راتب الوالدة لأنه ليس من حقها! ولو أنها ماتت في 1 أيار لكان الراتب من حقها، لكن بما أن الموت حصل قبل أن ينتهي شهر نيسان فإن الراتب من حق المالية لا من حق الوالدة وورثتها!
    لم تكن الوالدة رحمها الله قد سحبت معاشها من البنك، وقد كانت في المستشفى تعاني الأمرين يومئذ، سحبنا لها المعاش بناء على طلب المالية، وتوجهت به إليهم في بيروت، وكنا في رمضان، لأجد أمامي مشكلة سخيفة، فأنا لا أستطيع دفع المبلغ في صندوق المالية إلا بناء على وصل خاص من موظف واحد لا ثاني له هنا، وحضرته غائب!
    بحثنا في كل المكاتب عن حل لهذه المشكلة، ووصلنا إلى رئيسة المالية شخصيًا، ولم نستفد شيئًا، فرجعنا من حيث أتينا، لنرجع بمشوار ثانٍ بعد أيام، ويتكرر الموقف نفسه مرة ثانية، ومن بعدها الثالثة والرابعة، وصولًا إلى التاسعة! في المشوار التاسع وجدنا حضرته! وهذا بعد جهد جهيد بين مالية طرابلس ومالية بيروت، وتواصل مباشر معه، وإرسال صورة هوية أمي له، ويبدو أنه أراد (تسريع) معاملتنا، فجهز الوصل لي من قبل أن أصل، أخذت الوصل منه واتجهت إلى المصعد، ثم انتبهت إلى أمر غريب جدًا، الاسم اسم أمي، لكن اسم والدها وعائلتها لم أسمع بهما من قبل قط، أي أنني ذاهب إلى صندوق المالية لأدفع عن اسم وهمي لا وجود له على الأرجح، ولو وُجِد فهو بكل الأحوال ليس أمي أنا!
    رجعتُ إلى هذا الموظف الأحمق لأراجعه في الاسم الوهمي، وما كاد يراني، ومن قبل أن أبتدره بأية كلمة، حتى أخذ يتأفف، وقال لي: (اذهب وادفع، لن يعترضوا عليك في الصندوق، وإذا اعترضوا ارجع إليَّ لنعدِّل الاسم)، لم أحد أحتمل هنا، فقلت له بصوت يقطر غضبًا وحزمًا: (اسكت! تسعة مشاوير وحضرتك غائب، وبعد ذلك تكتب اسم أمي خطأ؟ وتعرف أنك كتبته خطأ ولا تبالي بهذا؟ أأنت أحمق أم أبله أم غشيم؟ تفضل صحح الاسم فورًا)!
    عاد الأبله يتأفف للعمل الذي لا ينتهي، فطلبت منه مرة أخرى أن يسكت! وقد كان ذلك بفضل الله! أخذت الوصل الصحيح ونزلت إلى الصندوق لأدفع المبلغ، ففوجئت بأن علينا غرامة مقدارها 11000 ليرة لبنانية، وذلك بسبب التأخر في الدفع! لم أعد أفهم مدى البلاهة في عقل هذا الفتى حتى يغيب كل ما يحلو له، وبعد ذلك يخترع أسماء وهمية! دفعت الغرامة واستلمت منهم ورقة رجعت بها إلى هذا الموظف لأسلمه إياها، فأخبروني أنه انصرف! أي أن كل دوامه لم يَزِدْ فيه عن ربع ساعة، إذا بالغنا في التقدير طبعًا، ويشكو بعدها ضغط العمل! بأي منطق نستطيع أن نفهم هذا ونتفهمه؟
    أمثال هؤلاء أعتبرهم لا أحترمهم، لأني لستُ مستعدًا للمجاملة إطلاقًا في مثل هذه المواضيع، ويكفينا ما نالنا من تسعة مشاوير في شهر رمضان، في الحر والزحام، وهو يتغيَّب عن عمله باستهتار، وحينما يأتي يمارس عمله باستهتار، على أنني لا ألومه كثيرًا رغم هذا، فاللوم الأكبر يقع على إدارته التي تترك له المجال ليستهتر كما يريد سواء أكان غائبًا عن مكان عمله أم موجودًا فيه!
    ويومًا ما، كنا في مكان ما، وإذ بزميلة لنا تسأل ملهوفة شخصًا كان يتكلم كأنه علَّامة الزمان وإمام العصر والأوان، تخبره عن غرض لها ضاع، وما يمكن لها أن تفعل، وإذ به يجيب بثقة إن الغرض سيرجع سيرجع، وليس في ذلك من شك أبدًا، ولكنْ، عليها هي أن تتوضأ وتصلي لله تعالى ركعتين اثنتين بخشوع، وبعدهما من قبل أن تقوم، وهي ما تزال قاعدة مكانها، تردد: (يا حفيظ) مئة وعشرين مرة بالتمام والكمال، وما إن تُنْهِي المرة الأخيرة حتى يأتيها الشيطان ليخبرها أين الغرض الضائع!
    أي أنه، وببساطة تامة، عليها أن تلجأ إلى الله تعالى، تتوضأ لأنه أمرها أن تتوضأ إذا أرادت الصلاة، وعليها أن تصلي لله تعالى، وتنادي الله تعالى بعد الصلاة، ليرسل الله إليها الشيطان كثوابٍ لوضوئها وصلاتها! ولا تعليق من عندي على هذا الكلام على الإطلاق!!
    ومرة من سنين قليلة، كنت كذلك في مكان لم أُرِدِ الذهاب إليه مسبقًا، ووجدتُ نفسي فيه فجأة، وإذ بالأخ صاحب المكان يحدثنا كيف أنه كان (محسودًا) في شبابه لجماله وصباه، وكيف أن الحسد جعل بلاط بيته يتفجر ويتكسر! فلم أعُدْ أعرف من المحسود هنا، هو أم بلاط بيته! ولعل الأخير _ أي البلاط _ أكثر منه جمالًا وتميزًا في الحلاوة! ولكنْ، ليس هنا بيت القصيد إطلاقًا، بل إن الأخ تابع بحماسة يخبرنا أنه ذهب إلى رجل (صالح) وأعطاه ذاك الأخير بعض (الطلاسم) ليضعها في بيته وينام، وكذلك ليس هذا ما نقصده بتناسب قصته وعنوان مقالتنا، وفجأة، والأخ نائم، يُفْتَح باب الخزانة بعنف شديد ويخرج منه مخلوق مخيف، وهو (يجعر) كأنه غوريللا مثلًا، فخاف الأخ وولى فرارًا من بيته، وفي اليوم التالي حكى للرجل (الصالح) وفق رأيه الأبله، ما حصل، وإذ بالأخير يصرخ في وجهه متهمًا إياه بأنه حمار أحمق أبله، فهذا (الغوريللا المهذب) هو خادم الودود، قادمًا لمساعدته في محنته! وبما أن أخانا الأحمق هرب منه، فإنه لن يرجع إليه مرة أخرى، إذ إن خادم الودود لا يأتي سوى مرة واحدة فحسب!
    وكاد الأخ يبكي تأثرًا هنا للفرصة التي أضاعها، وبغض النظر عن صلاح ذلك الرجل الذي (ساعده) من طلاحه، ورغم أنني أراه نصابًا غبيًا أحمق، إلا أنني أتفق معه في كلمة أصيلة هنا، إن راوي القصة لنا ليس أكثر من (حمار أحمق أبله) بكل تأكيد! وهل الله عز وجل، يرسل (خادمه) إلى الذين يريد مساعدتهم ليخرج لهم مثل الوحوش الثائرة الغبية بمنظرٍ وصراخٍ يكادان يصيبانهم بالسكتة القلبية؟ وهل تتأصل الوقاحة في أذهان بعض الناس حتى الإساءة الحمقاء إلى رب العالمين جلَّ في علاه؟؟
    لقد بدأنا المقالة بحديث عن مظاهرات تشهدها بلادي، مظاهرات اجتماعية قامت ضد الظلم الذي نتعرض إليه في بلدنا، وخاصة الطبقات الفقيرة، و(اختراع) ضرائب لا تكاد تخطر في بال أحد، وسواء أكانت المظاهرات على بريقها الأول أم أنها تحولت إلى فوضى مدمرة، فإننا نسأل الله تعالى السلامة والأمان، لنا ولوطننا.
    وعودًا على بدء، كما بدأنا بالكلام عن المظاهرة، ننهي كلامنا بها، ولكنها ليست المظاهرة الحالية، بل إننا نرجع زمانيًا إلى سنة 2003م، هذه مظاهرة قامت اعتراضًا على حرب أمريكا ضد العراق، وخرج فيها كثير من الشباب، وبعض المحلات وضعت أعلام العراق على أبوابها.
    ونتكلم عن زاوية أخرى، زاوية مؤلمة جدًا، تتمثل في قيام بعضهم بسباب الأمة الإسلامية بأكملها بدءًا من الصحابة وانتهاءً بالآن! فإذ بدأت الحرب، كان الأمر وفق نظرهم محسومًا بنصر الأمة، وحينما انتصرت أمريكا، قادهم هذا إلى استنتاج أن كل المسلمين منافقون، منذ مات الرسول صلى الله عليه وسلم!
    وما زلنا ننظر في مقالتنا وأحداثها، ها نحن نقترب من منطقتنا وزحام المظاهرات يبدأ خلفنا، وها نحن نصل إلى مكان نستطيع منه ركوب سيارة أو باص لنرجع إلى منطقتنا، فلا نجد بسبب امتلاء الساحة بالعشرات من الشباب الغاضبين الصارخين والنساء المتحمسات المولولات... وإذ أتكلم بصيغة الجمع فلأنني أقصد نفسي ورفيقًا لي التقيتُه مصادفة هناك قرب هذه الساحة، التقيتُه وهو قادم يلهث من مكان كان التجمع فيه أقوى بكثير وحصل صدام بين متظاهرة وعنصر جيش فأطلق النار في الهواء، ابتعدنا من المنطقة بأكملها، وكالخيال مرت أمامنا سيارة أجرة وتوقف بها صاحبها يسألنا إلى أين نريد الوصول؟ قلنا له إلى أين نحن ذاهبون، ولم نكن نتوقع أنه سيذهب إلى منطقتنا، لكنه طلب منا أن نركب، مقابل أن ندفع له طلبًا كاملًا، أي ندفع نحن الاثنان كأننا خمسة ركاب، إلا إذا وجد ركابًا آخرين في الطريق، وافقنا لينطلق بسيارته بنا في بعض الطرقات الفرعية، وإذ بفريق من الشباب الأحمق يظهر فجأة، وما كادوا يرون السيارة حتى أخذوا بالهتاف المجنون، وهجموا على السيارة مثل الوحوش الهائجة، وكاد السائق يصدم بعضهم وقتها، لولا أن تمكن من تفاديهم بصعوبة تامة، ولكن هذا لم يكن يعني النجاة إطلاقًا، فلقد اشتدت الهتافات المدوية، مترافقة مع انهمار أحجار ضخمة، بل وصخور، على السيارة مسبِّبة أضرارًا فادحة بها، والسائق يقودها بأقصى ما يستطيع وسط هذا الزحام البشري الهادر، وهو يبكي دمًا على سيارته، ويصرخ لاعنًا أمريكا الغبية الحمقاء، لا لأنها دخلت معركة مع العراق كمبدأ، بل لأنها دخلت المعركة هناك وتركت هؤلاء الكلاب الحمير الذين كسروا سيارته وعرضونا إلى خطر شديد من دون أن تقصفهم وتفك رقابهم جميعًا! ولم نعترض على كلامه قط! بل بدا لنا ما يقوله منطقيًا، على ظلم بَيِّن لكلٍّ من الحمير والكلاب على حدٍّ سواء!
    قد كانت هذه المقالة أطول مقالاتنا الاجتماعية، وأغزرها أجزاء، نرجو أن نكون قد وُفِّقْنَا فيها إلى الإضاءة على بعض الجوانب الاجتماعية في حياتنا، والتي تجعلنا دومًا في أدنى درجات التطور الفكري والحضاري بين شعوب الأرض كلها... وإلى الملتقى في مقالات أخرى ودراسات أخرى، إذا يسَّر الله تعالى لنا ذلك!
    عمر قزيخه: 6_1_2020م: الساعة: 10:14 دقيقة صباحًا.

  15. #14


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    ملحوظة: يجب أن يكون لنا الرجوع للرد على كلِّ من شرَّفنا بِرَدِّه... إن شاء الله تعالى.

  16. #15

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,621
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    أهلاً^^,
    كل ما فيها هو شيء مؤلم!
    لم أرد الرد لما شعرته من شعور قاسٍ ومؤلم!
    لكن بما أنها الخاتمة كان ولابد من ذلك ولو جبرا!!
    أحياناً نغمض عينانا لمرارة ما نشاهد هل هو عجزا أو فرارا؟!
    كلاهما صحيح!
    يارب هي أمنيات نبثها بصمت نتجرعه ولا نكاد نطيقه!!
    هي عندك كلمح البصر إن أردت!!
    فقل لها كن فتكون!
    يا حي يا قيوم
    >>يارب<<

    بوركت أستاذ
    أسلوب رائع ووصف دقيق ما شاء الله كان!
    عافاك ربي وأسعدك
    وصلى الله وسلم وبارك على النبي الحبيب محمد
    في حفظ المولى،،

    ~

  17. #16


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: ثقافة الحمير (مقالة اجتماعية: الكاتب أ. عمر)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    أهلاً^^,
    كل ما فيها هو شيء مؤلم!
    لم أرد الرد لما شعرته من شعور قاسٍ ومؤلم!
    لكن بما أنها الخاتمة كان ولابد من ذلك ولو جبرا!!
    أحياناً نغمض عينانا لمرارة ما نشاهد هل هو عجزا أو فرارا؟!
    كلاهما صحيح!
    يارب هي أمنيات نبثها بصمت نتجرعه ولا نكاد نطيقه!!
    هي عندك كلمح البصر إن أردت!!
    فقل لها كن فتكون!
    يا حي يا قيوم
    >>يارب<<

    بوركت أستاذ
    أسلوب رائع ووصف دقيق ما شاء الله كان!
    عافاك ربي وأسعدك
    وصلى الله وسلم وبارك على النبي الحبيب محمد
    في حفظ المولى،،

    ~
    الاتكال على الله دومًا... والحمد لله دومًا... وما يزال الوعي غائبًا والانجرار خلف الخرافات على أنواعها حاضرًا...
    كما _ منذ قليل _ خبر عاد يتكرر وينشره من يفترض بهم أنهم متعلمون: (الحمد لله، 20 مليون صيني يدخلون الإسلام لأنه ثبت أن كورونا لا يصيب المسلمين)... لا أعرف كيف ثبت ذلك ولا من أثبته... وما الحصانة الخاصة بالمسلمين ضد هذا الفيروس بالذات، وهم يمرضون كأي بشر كان... سلَّم الله عقولنا وحفظها!
    في حفظ الله.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...