حكاية هديل، بقلمي عمر قزيحه

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي حكاية هديل، بقلمي عمر قزيحه

    حكاية هديل
    المرحلة الزمانيَّة الأولى (بداية الثمانينات):
    هديل، الآن، طفلة في الثامنة تقريبًا، هديل تحبُّ الشوكولا في جنون، وليس هذا بالأمر العاديِّ الذي نلحظُهُ في كلِّ الأطفال، خاصَّةً البنات، فَحُبُّ هديل هذا يتخطَّى المعقول، إنَّها ترفض تناول الغداء أحيانًا، لتتناول بدلًا منه بعض الشوكولا، وكم مرَّةً تجادلَت وأمَّها حول ذلك، والأمُّ تنعي حظَّها بهذه الطفلة العنيدة، لكنَّها أمام الجارات وفي كلِّ مكانٍ، تمتدحها كأنَّما هي حوريَّةٌ نازلةٌ من السماء!
    هديل في تلك الأمسية اختلفَت ووالدتها كالمعتاد، ولم يتحمَّل والدها أكثر من ذلك، فوبَّخ ابنتَه، وحرمَها الشوكولا والعشاء معًا! ذهبَت هديل إلى سريرها باكيةً، وهي تتمنَّى لو لم يكن هذا الرجل القاسي أباها، وهذا شأن كثير من الأطفال حينما يغضبُونَ من آبائهم، تنقلب مشاعر الحبِّ في نفوسهم إلى كراهية رهيبة، خلال ثانية واحدة، أو أقلَّ!
    اليوم التالي نهضَتْ هديل، حملَت حقيبتها بدون أن تأكل شيئًا، وذهبَت إلى مدرستها القريبة من البيت، مرَّت أوَّل حصَّة، وبعض الوقت من الثانية، ثمَّ بدأت المعاناة، جاعت هديل بالفعل ولم تَعُدْ تتحمَّل، طلبَتِ الإذن من الأستاذ وغادرَتِ الصفَّ، لكنَّها لم تتَّجه إلى الحمَّامات، بل نحو دكَّان المدرسة، محاذِرَةً أن يراها الناظر، كي لا يضربها.
    اشترَتْ هديل بعض الشوكولا وتناولَتْها خلال ثوانٍ، لكنْ ما تزال هديل جائعة، بل جائعة جدًّا! فماذا تفعل؟ هل تطلب من بعض بنات الصفِّ أن يُطْعِمْنَها معَهنَّ؟ صعبٌ عليها أن تفعل مثل هذا! وفجأةً وجدَتِ هديل الحلَّ، بل سُحِر الحلُّ أمامَها، صفٌّ فارغٌ تمامًا، إلَّا من حقيبة مفتوحة مثل أبواب الأحبَّة، ويتدلَّى منها رزم من المال.
    ولم تتردَّد هديل لحظة، سحبَت ما تيسَّر لها، وخرجَت مسرعةً من الصفِّ، وفي نواياها أن ترجع إلى الدكَّان وتشتري، وتأكل وهي راجعة إلى صفِّها، كي لا يثير تأخُّرها التساؤل، لكنْ ما في ذهن هديل لن يتحقَّق الآن، لقد اصطدمَت بها إحدى المعلِّمات، ولسوء الحظِّ كانت هذه المعلِّمة قادمةً لتستعيد حقيبتها من هذه القاعة، لتفاجَأ بهديل عند الباب، ومعَ الاصطدام سقط المال من يد هديل!
    ارتجفَتْ هديل! سيقولون إنَّها لصَّة، المدرسة كلُّها ستناديها (يا حراميَّة)، وإذا فقد أحد ما مالًا فإنَّه سيتَّهم هديل بهذا، ستبقى وصمة عارٍ في حياتِها، وانهارت هديل على ركبتَيْها تمسك بساقِي المعلِّمة تسترحمها أن تسترها ولا تفضحها، وكادت هديل تموت فعلًا حين ردَّت المعلِّمة في حزم:
    _ قانون المدرسة لن يسمح بأن أسكت لكِ عن أمرٍ مثل هذا، وإلَّا فإنَّكِ ستعيدينها مع غيري.
    حاولت هديل أن تقبِّل قدمَي المعلِّمة، وهي تؤكِّد لها أنَّها لم تمدَّ يدها في حياتها، وأنَّها حين أخذت المال من الحقيبة فعلَتْ ذلك تلقائيًّا لأنَّها جائعة جدًّا ولم تَعُدْ تتحمَّل، وإلَّا فهي ليست لصَّةً، وكلُّ ما ترجوه فرصة واحدة لإثبات ذلك! وكانت دموع هديل تسيل على قدمَي المعلِّمة، ودموع المعلِّمة تنهمر لتملأ شعر هديل!
    انحنَتِ المعلِّمة لتمسكَ هديل في رفق، وتعينَها على النهوض، والأخيرة ما تزال تغمغم بكلمة واحدة، وهي (ارحميني، ارحميني، ارحميني)، حضنتْها المعلِّمة، وقادَتْها في رفق إلى خارج المدرسة لتشتري لها بعض الأطايب ممَّا لا يحضرها دكَّان المدرسة، وتطمئنَّ تمامًا إلى أنَّها شَبِعَتْ، ثمَّ عادَتْ بها إلى صفِّها، وقد بدأتِ الحصَّة الثالثة من مدَّة لا بأس بها.
    ولو لم تفعل هذا، لربَّما ظنَّ أستاذ الصفِّ أنَّ هديل قد هرَبَتْ قبل أن تبدأ الحصَّة، وسيشهد رفاقها بأنَّها غادرت من مدَّة مطوَّلة، وهذا سيعرِّضها إلى الضرب، لكنَّ تلك المعلِّمة حسِبَتْ لهذا حسابًا، لم يتحمَّل قلبها بما فيه من الحنان والعطف، أن تترك الطفلة المسكينة الجائعة تُضرَب، وقبل أن تترك المعلِّمة هديل، انحنَتْ ومسحَتْ رأسَها في حنان، وقبَّلَتْها وانصرَفَتْ.
    *******
    المرحلة الزمانيَّة الثانية (بعد منتصف الألفيَّة الثالثة):
    هديل شابَّة في أوائل الثلاثينات، تغيَّرَت ملامحها كثيرًا عن ذي قبل، لكن ما لم يتغيَّر فيها هو الزيِّ الموحَّد، تركَتْهُ تلميذةً لترجع إليه محقِّقةً في الشرطة الجنائيَّة! هديل الطفلة الخجول المتردِّدة باتت الآن ضابطًا، وأمس تحديدًا نالَتْ ترقيتَها، وصار من حقِّها التحقيق المباشر معَ المتَّهمين، ورغم جمالها الظاهر، كانت هديل صارمةً في عملها حازمةً، ما أعطاها تقدير رؤوسائها!
    ويبدو أنَّ هذا الأمر أرعب بعض الشباب في محيطها، ما أثار إعجاب هديل بنفسها أكثر! فهذه جارتهم جاءت ومعَها ابنها، تريد أن تخطب هديل من أهلها، وردَّت هديل في مزاحٍ سمجٍ، إنَّها ستوافق، لكن بعد أن يتفضَّل الشابُّ إلى مركز عملها، لتستخرج صحيفته الجنائيَّة، وتقيِّده في القبو، وهي تلقي عليه بعض الأسئلة التقليديَّة!
    وبدون انتظار أو أخذ ورَدٍّ، غادرَتِ الجارة وابنها، ووالدة هديل تحلف أنَّهما سيرجعان، ويجلسان، فالعشاء جاهز، وهي تتشرَّف بالجارة وابنها، كما أنَّها... وهنا كان الباب قد أُغلق في عنف، فانفجرَت هديل تقهقه في سعادة لمزاحها الرائع هذا، ومن يومها انتبهَت هديل، بكلِّ الفخر، إلى أنَّ مرورها في أيِّ مكان، يجعل الشباب يتوارون عن ناظِرَيها.
    واليوم يدخل جندي، حديث العهد بالعمل، مكتب رئيسه المباشر، الضابط هديل، مؤدِّيًا لها التحيَّة العسكريَّة، قائلًا في احترام إنَّ هناك سرقة مبلغ من المال، والمتَّهمة الوحيدة في الغرفة المجاورة، ولم تنتظر هديل ليتابع كلماته هذه، انتهى وقت الكلام، وحان وقت العمل! اندفَعَتْ هديل إلى الغرفة المجاورة، متجاهلةً صرخات الجندي، لم يَعْنِ لها شيئًا أن تميِّز ما يقول!
    وهناك كانت تقف امرأة تقترب من الستِّينات، أحنى الزمان ظهرها وأرهق مفاصلها، ولم يكن من الصعب على هديل أن تتعرَّفَها، فذلك اللقاء البعيد في حياتها حين كانت طفلة، وهذه المعلِّمة صبيَّة في العشرينات، لم يكن اللقاء الوحيد، هديل تابعَت دراستها في تلك المدرسة حتَّى أنهَت مرحلتها الثانويَّة، وكانت هذه المعلِّمة الطيِّبة تنادي هديل يوميًّا وقت الفسحة، لتناولها لوحًا دسمًا من الشوكولا، وتربِّت رأسها بكلِّ حنان.
    رفعَتِ المرأة رأسها مبتسمةً لهديل، وعاجلَتْها هديل بصفعةٍ مدوِّيةٍ على وجهها، كسرَتْ أحد أسنانها، وملأَتْ فمها بالدماء القانية، وهديل تصرخ في وجهها في غضبٍ هادرٍ:
    _ اسمعي وافهمي، لا أحبُّ أن أعيد كلامي! أنا هنا لا ألعب، القانون فقط هو الكلمة الأولى والأخيرة، لا تحلمي بالرحمة، اعترفي بجريمتكِ، وإلَّا فإنَّ القبو سيكون بيتَكِ الفترة المقبلة، حيث...
    تشجَّع الجنديُّ هنا أخيرًا، ليمنع رئيسه المباشر، الضابط هديل، أن تتابع كلماتها، وهو يقول في خوف وتردُّد:
    _ لكنْ، سيِّدتي الضابطة، ليست هذه هي الغرفة التي... هذه السيِّدة بلَّغتنا عن السرقة، وبعد تحرِّياتنا أمسكنا بامرأة مشتبه فيها، وطلبنا من هذه السيِّدة الحضور لنسألها عن...
    نظرَت إليه هديل في غضب، سكت الجندي حالًا، واستدارت هديل إلى المرأة الباكية، لتقول لها في ازرداء تام:
    _ ما هذه الدموع؟ كلُّها صفعة واحدة! ماذا كنتِ ستفعلين لو أنَّني جلدْتُكِ؟ تبدئين بالولولة مثل العجائز الحمقى؟
    لم تُجِبِ المرأة، مذاق الدمِّ في حلقها مؤلم جدًّا، والآلام بسبب سنِّها المكسورة ليست هيِّنة، تمزَّقَتْ روحيًّا وجسديًّا، وهديل تقول لها قبل أن تنصرف:
    _ تذكَّري دائمًا وإيَّاكِ أن تنسَي ذلك، القانون فوق الرحمة وكلِّ المشاعر الغبيَّة.
    وغادرَت هديل تبحث عن المتَّهمة لتطبِّق قوانينها الخاصَّة، أمَّا تلك المرأة فكانَتْ تملأ أرض الغرفة بالسائِلَيْنِ المؤلِمَيْنِ...
    الدموع والدماء!!

    إنتاج شهر 1 سنة 2022م

  2. الأعضاء الذين يشكرون أ. عمر على هذا الموضوع:


  3. #2

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,622
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Thumbs up رد: حكاية هديل، بقلمي عمر قزيحه

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    وش ذا القهر؟!،
    ما عجبتني النهاية!
    ما توقعت نذلة لها الدرجة،
    سبحان الله هل جزاء الإحسان إلا الإحسان!!
    معقولة فيه من ينسى من أحسن إليه؟!
    وهذا مو يوم بل أيام!!
    ولآ الموقف صعب!!
    أثارتني القصة من جد وقهرتني!!

    ربي يبارك فيك أستاذ
    ويزيدك من فضله
    واصل
    في حفظ المولى،،

    ~

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية هديل، بقلمي عمر قزيحه

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    وش ذا القهر؟!،
    ما عجبتني النهاية!
    ما توقعت نذلة لها الدرجة،
    سبحان الله هل جزاء الإحسان إلا الإحسان!!
    معقولة فيه من ينسى من أحسن إليه؟!
    وهذا مو يوم بل أيام!!
    ولآ الموقف صعب!!
    أثارتني القصة من جد وقهرتني!!

    ربي يبارك فيك أستاذ
    ويزيدك من فضله
    واصل
    في حفظ المولى،،

    ~
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    اللؤم موجود في طبائع الكثيرين
    غير أن هذه القصة ربما تكون أول قصة أكتبها وليس فيها أية لمحة واقعية والحمد لله
    بارك الله بكم وأكرمكم دومًا

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...