Gnotobiotic Room

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: Gnotobiotic Room

مشاهدة المواضيع

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,307
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي Gnotobiotic Room

    Gnotobiotic Room
    طبعًا الحكاية خياليَّة، وضمير المتكلِّم لزوم السرد فحسب.

    الروح تمرض كما الجسد، وتتعرَّض إلى جراحٍ غائرةٍ في صميمِها وإن كنَّا لا نراها، وجريح الروح يحتاج إلى طبيب لِيداويَهُ، لكنَّه طبيب يجب أن يرى ما لا يُرى في المعتاد، طبيب تخصُّصٍ في أعماق النفوس البشريَّة ودرس أمراضها وعِلَلِهَا وطرق علاجها، فأحيانًا كثيرةً يستغرق العلاج وقتًا طويلًا، ربَّما أسابيع وربَّما شهور، ويُشفى المريض من دون أن يتناول حبَّة دواء واحدة.
    ولكنْ، كما يتناقض طبيب الجسد باعتماده الدواء وتسرُّعه في عملية الشفاء، وطبيب النفس باعتماده الكلام الهادئ أحيانًا، والإصغاء التام معظم الأحيان، ولا يتعجَّل الشفاء، فإنَّهما يتَّفقان في أمر جوهري، يتعلَّق بشرف المهنة،كلاهما لا يحقُّ له الإفصاح عن أسرار مرضاه مهما بلغت من السوء، وإن كانت المهمَّة على عاتقنا، نحن أطباء النفس، أشدَّ وأقسى، إذ لا يُستبعد أن يجيء قاتل ليعترف بجرائم تشيب لهولها الولدان والأبدان!
    اليوم أحدِّثكم عن حالة عائشة، عائشة فتاة في أوَّل مراهقتها، بل ربَّما في آخرها، طويلة القامة، شقراء، دخلت مكتبي وجلست على المقعد المقابل لي، وأخذت تتأمَّل جدران العيادة في صمتٍ كأنَّها محتارة من أين تبدأ، أفسحْتُ لها مجالًا في الوقت كما تريد، من بعد ذلك، يبدو أنَّها حسمت أمرها أخيرًا، فقالت لي في ثقة: مشكلتي لن تجد أحدًا يعانيها في العالم كلِّه!
    لم يؤثِّر بي هذا الكلام، فأنا أسمعه من كل المرضى عندي تقريبًا، وبعد ذلك نفاجأ بأنَّها حالة فوبيا phobia من الصراصير الطائرة عند بعض البنات! أو حالة بارانويا Paranoia حادَّة عند بعض البنات أو بعض الشباب، فكلُّهم عبقري مضطهد، لا يقدِّره أحد، بل ويسعون إلى تحطيمه وتحجيم قدراته الكفيلة بإنقاذ العالم، بل - وتصوَّروا ذلك - مرَّةً جاءت فتاة تكاد تبكي لأنَّها اكتشفت أنَّها تعاني فوبيا ركوب الطائرات Aviatophobia، مع أنَّها لم تركب طائرة في حياتها وليست مطالبة بركوب واحدة!
    كنت أعرف الخطوة المعتادة، ستنفعل قليلًا وهي تبدأ بشرح مشكلتها، وتنظر إليَّ قليلًا كأنَّها تنتظر ردَّة فعل تعاطفيَّة، ولا أبخل عليها بذلك، لكنِّي أشير إليها لتسترخيَ على الشيزلونج، وتشعر فعلًا بأنَّهَا مريضة نفسيًا وتحتاج إلى علاج، وقد أتَتْ إلى من يعالجها، فذلك ممَّا قد يسهم في علاجها فعلًا، ما لم تكن مصابة بالهيستريا Hysteria وتبدأ معها نوبة شديدة تستغرق وقتًا طويلًا لمجرَّد تهدئتها لا يكفي لفعل أيِّ شيء آخر، إلَّا في ميعاد جلسة أخرى.
    وأنا أتبع هذه الطريقة مع مرضايَ كلِّهم، لكنِّي هذه المرَّة لم أفعل، فما قالَتْهُ عائشة كان آخرَ ما أتوقَّعْه حينما تحدَّثَتْ عن المشاكل، والدتها مريضة بالسرطان، ووالدها استدعى طبيبًا من الأقارب في وقت متأخِّرٍ في الليل بسبب انتكاسة صحِّيَّة قاسية أصابت الأمَّ، ولم يتردَّدِ الطبيب في تلبية النداء وأتى، وبكلِّ نبلٍ عالج المريضة ولم يرضَ بأن يأخذ أجرًا.
    طبعًا هذه ليست مشكلة قاسية أو حتى هيِّنة، أعني بالنسبة إليَّ كطبيب نفسي، لكنَّ المشكلة أنَّ هذه الفتاة التي لا تكاد تبلغ الثامنة عشرة وجدت نفسها معجبة بهذا الطبيب! وإلى الآن ما يزال الوضع عادِّيًا، لكنَّ الطبيب وجد سيارته متعطِّلةً إذ نسي إطفاء أضوائها للهفتِهِ على المريضة، وخرجت عائشة إلى الشارع لتخفِّف عن نفسها التوتُّر العنيف الذي عاشته في الساعة الماضية، خرجت رغم أنَّ الوقت الثانية ليلًا، وذلك لتشتريَ بعض المأكولات التي تهواها البنات من الشيبس والشوكولا من الدكَّان الصغير هناك، والذي يفتح على مدار الساعة.
    كدت أعتقد بأنَّنِي بدأتُ أفهم أبعادَ القضيَّة، وهي تسكت وتتردَّد ثم تتكلَّم في حيرةٍ كأنَّها تكلِّم نفسَهَا ولا تشعر بي: نعم، رأيته من قبل، أنا واثقة بذلك، لكن هل رأيتُهُ أو لا؟ قلت لنفسي إنَّها ولا شكَّ تعاني ظاهرةً عادِّيَّةً يمرُّ بها الكثيرون من مرضانا، وهي وهم الرؤيا السابقة التي لم تحصل Déjà vu، لكنِّي أدركْتُ بعدَها أنَّها لا تتحدث عن إنسان ما، فصاحبة الدكَّان هي أمُّ هشام العجوز الحنون الطيِّبة، لكنِ الزقاق الضيِّق المظلم الذي يمتدُّ من خلف الدكَّان إلى مكان ما، كانت هذه الفتاة تشعر بأنَّها مرَّتْ به عدَّة مرَّات من قبل، وهي لا تفهم سبب هذا الشعور، وإن كانت تكاد تكون متأكِّدة من أنَّها لم تمرَّ به في حياتها!
    وهذا ليس تناقضًا طبعًا، بل هذا جزء ممَّا ذكرناه من مرضها الذي اعتقدت أنَّها مصابة به، ونعرفه نحن بوهم الزيارة المسبقة déjà visité، وجال في خاطري أنَّها تعاني رهابًا ما سببُهُ المكان المظلم أو يحمل لها ذكرى تعيسة، وبدا لي ذلك واضحًا من توتُّرها، وشعرت بالسعادة وأنَّني أدركت المرض بنجاح وبسرعة، حينئذٍ تابعَت، وهي ترتجف توترًا: ومن ذلك الزقاق خرج لي شابٌّ، يبدو متشرِّدًا متوحِّشًا، لحق بي، ركضت وأنا أصرخ نحو بنايتنا، وكان ذلك الطبيب يقف في الشرفة رأى المنظر، فأمسك بِقِدْرٍ نحاسيَّةٍ ثقيلةٍ كنتَ قد وضعتُها هناك لتجفيفها، وألقاها بكل قوَّته لتهوي على رأس مطاردي الأحمق، وتلقيه أرضًا والدم ينزف من رأسه!
    كنت فرحًا بنجاح تشخيصي السريع لكنَّها فاجأتني وهي تتابع باكيةً: أنا المسؤولة عن ذلك، صحيح أنَّه هرب بسرعة، في سيَّارة قريبة، لكنِّي وشيت برقمها، وكان... آه؟ نعم نعم كان (...) إلى الطبيب، وحضَّرنا ضدَّه محضرًا في الشرطة، ولا بدَّ أنَّهم سَيُمْسِكُونَ به ويعاقبونه بتهمة محاولة الاختطاف.
    سألتها في دهشةٍ وحذرٍ: تهمة؟ وأبعاد ما أقول تتَّضِحُ في ذهني، وأنا أضغط زرَّ التسجيل في المسجِّل الصغير الذي أضعُهُ على طاولة قريبة، لا تستطيع رؤيتها من مكانها، بدون أن أستأذنها في ذلك كما تقتضي أخلاقيَّات المهنة التي درسناها، فلقد توقَّعْتُ سماع شيء بشع، ولم يَخِبْ ظنِّي، أخبرتني وهي تنتفض من البكاء، أنَّها تعيش وحدها بين أربعة جدران في البيت، وهذا الفتى تعرَّفَتْهُ في الجامعة وأحبَّتْهُ، وأحبَّها أو هكذا تظنُّ، اتَّفقَت معَه على المكان والزمان ليختطفَها في سيَّارته، وكانت مستعدَّةً فعلًا لذلك، ولكنَّ قدوم الطبيب اليومَ أربك كلَّ شيء في حياتها، لقد وقعَتْ في غرام الطبيب الذي ربَّما يكون من جيل والدها أو أكبر منه، رأت فيه الرجل الذي يستطيع حمايتها، ورغبت في أن يتزوَّجَهَا، ووجدت نفسها تكره ذلك الفتى السمج ثقيل الظلِّ، وتصرخ بدون إرادتها وتجري، وهو يجري خلفها محاولًا أن يفهم سبب صراخها، بدا لي أنَّ صراخها أربكَهُ ليركض خلفها متجاهلًا أنَّ صراخها سيجذب الناس، بدلًا من أن يهرب، أو ربَّما يحبُّها إلى حدِّ الجنون ليبقى في مكانٍ يرتفع صراخها فيه، مخاطرًا بنفسه بهذا الأسلوب الغريب!
    هدأَتْ هي قليلًا هنا، أمَّا عقلي فكان يفور في مكانه، وأنا أتخيَّل الموضوع، شابٌّ بريء، وإن كان وغدًا يستحق الركل بالأقدام لموافقته الفتاة على هذه الفعلة الغبيَّة، لكنَّه بريء من اتِّهامِ أنَّه يريد اختطافها رغمًا عنها، وقد نال جزاءَ غبائه قدرٌ نحاسيَّةٌ كبيرةٌ ربَّما تضطرُّ به إلى المستشفى لإجراء غُرَزٍ جراحيَّةٍ في رأسه، والآن تبحث عنه الشرطة، وسينال مدَّةَ سجنٍ طويلة جدًّا، وهذا ليس عدلًا، لكن ما أفعل أنا؟ طبيب النفس مثل كاهن الاعتراف، عليه فقط أن يستمع اعترافات المخطئين ولا يحقُّ له إفشاؤها، لكنْ ماذا لو سكتُّ أنا؟ هل يدفع مراهق أحمق سبب عدم توازن عقله وفهمه الحياة معظم سنوات حياته في السجن معَ المجرمين؟ لا، السكوت عن ذلك جريمة حقيقيَّة!

    * ما ينبغي أن أفعل بالضبط؟
    * سأحافظ على أخلاقيَّات المهنة، فهذا الأحمق يستحقُّ العقاب حتَّى لو لم يَنْوِ اختطافها!
    * بل هو عوقب بالفعل بضربة فتحت رأسه، ومن الظلم معاقبته على ما لم يفعل، ولكن...
    * ما ينبغي أن أفعل؟ لا أعلم!

    تابعوا معنا الجزء الثاني



  2. الأعضاء الذين يشكرون أ. عمر على هذا الموضوع:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...