الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 8 من 8
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

    الزمان المعكوس

    مقالة اجتماعية نرجو لها أن تكون هادفة

    الكاتب: د. عمر قزيحه

    (في مساء الغد إن شاء الله)
    طبعًا إن كان المنتدى شغالًا وقتها...

    وعلى الله تعالى الاتكال...

  2. 2 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

    يومًا ما، في مرور أيَّام الزمان ومرارتها، كنَّا في بلاد الحرمين الشريفين، كنَّا هناك أوَّل مرَّة في حياتنا، منَّا واحد أو اثنان فحسب أدَّيا العمرة من قبل، ويعلمان كيفيَّة الأداء الصحيح، أمَّا نحن، وعددنا بالعشرات، فهذه زيارتنا الأولى، لكنْ لا بأس بذلك، الشركة المنظِّمة للرحلة وعدتنا بانضمام (شيخ جليل) إلينا، وذلك بهدف أن (يعلِّمنا) كيف نؤدِّي العمرة على أكمل وجه ممكن، بشرح يرافقه عرض فيديو في شاشة مثبَّتة في باص الرحلة.
    ولأنَّنا في زمان معكوس، لا نقيم فيه للوعود قيمة أو وزنًا، قبضت الشركة ثمن التأشيرات وأجرة الرحلة من كلِّ راكب، على أكمل وجه ممكن، وذهبَتْ بنا إلى مكَّة، ولم ينضمَّ إلينا أيُّ أحدٍ ليعلِّمنا أيَّ شيء، وصلنا إلى الحرم المكِّي، اختفى مسؤول الشركة وكان معنا قادمًا لأداء العمرة، من أيِّ بابٍ دخل لا نعلم، دخلنا متفرِّقين، وفينا الحائرون، بدأنا العمرة بمحاذاة الحجر الأسود، ومنَّا من بدأ العمرة بمحاذاة الركن اليماني، وقد ظنَّ أنَّ هذا هو الحجر الأسود! بعضنا اتَّبع سنَّة الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، وبعضنا لم يفعل لأنَّه نسي، وبعضنا لم يفعل لأنَّه لم يفهم ما معنى الرمل هذا!
    ولا أعلم أيَّ وصفٍ هنا الأفضل، أن أقول: والطريف أنَّه، أو أقول: والمستفزُّ أنَّه؟ لكم أن تضعوا الوصف المناسب كما يحلو لكم من الموقف الآتي: كثيرون فينا لا يعلمون أين الصفا والمروة، وكم يبعدان عن الحرم المكِّي مسافةً ووقتًا؟ فخرجوا من الحرم المكِّي بأكمله، يستوقفون سيَّارات التاكسي التابعة لموقف جدَّة، يطلبون من أصحابها الانطلاق بهم فورًا، حالًا وتوًّا، إلى (جبال الصفا والمروة)، ليتابعوا أداء العمرة، بل وبعض هؤلاء يسأل، هل يمكن للسائقين الانتظار حتَّى ينتهي السعي بين (الجبال)، ليرجعوا معهم في سياراتهم، بدلًا من البحث عن سيارات أجرة ربَّما لا يجدونها قرب الجبال!!
    ولأنَّنا في زمان معكوس، خلقيًّا ومنطقيًّا، فإنَّ الأمر لم يتوقَّف بنا هنا قطعًا! انتهت العمرة بأخطاء كثير منا فيها، ولا أستثني نفسي من الخطأ، وإن كنتُ لم أسأل عن جبال الصفا والمروة والحمد لله، لكنَّ ذلك يعود إلى أنَّني رأيتُ شارة تدلُّ على مكانهما، وليس لأنَّني كنت أعلم موقعهما، أو أتخيَّل وجودهما داخل الحرم المكِّي، مقابل الكعبة نفسها! ولكنَّ الانعكاس الزماني في تصرُّفات بني أمَّتنا لم يكن لينتهي هنا، ولو كان لهان الأمر قليلًا، بل كثيرًا، أمَّا أن تنتهي إقامتنا في مكَّة، ويحين موعد عودتنا إلى المدينة، ويتوقَّف الباص قليلًا في مكانٍ ما، ليدخل إليه رجل في ملابس توحي أنَّه رجل دين، ويقدِّمه إلينا مسؤول الشركة، في فخر لا نعلم من أين جاءنا به: هذا هو الشيخ الذي سيعلِّمكم كيف تؤدُّون العمرة!
    وما هو الزمان المعكوس إن لم يكن هذا الزمان؟؟ كثيرون فينا ملتزمون أخلاقيًّا ودينيًّا، ولا أستثني الآخرين، لكنِّي أتحدَّث عمَّن أعرفهم، هؤلاء يحترمون الصغير والكبير، لكنَّهم هنا رحَّبوا بالشيخ الجليل، هاتفين في استهزاء واضح: هورااااااااااااااا! ما ملأ وجه الشيخ باللون الأحمر غضبًا، لكنَّه لم يستحِ من ذلك! بل استرسل في الشرح بكلِّ غباء، الباص عائد بنا إلى المدينة، وهو يشرح لنا كيف نؤدِّي... نؤدِّي ماذا؟ العمرة؟ لا! لا تتسرَّعوا في إطلاق الأحكام، لا تظلموا بَنِي الأنام، فالأخ، بانعكاس زماني في ذهنه العجيب هذا، كان يشرح لنا مناسك الحجِّ، وأنواعه ما بين مفرد ومقرن، وأيَّ الأنواع حجُّ البخيل وأيَّها ليس كذلك!
    وكان للزمان المعكوس أن يعكس كلَّ قِيم أصدقائنا وتربيتهم، بل ويقلبها رأسًا على عقب، ليبدؤوا الغناء السعيد: (أحمد يا حبيبي حبيبي) و(يا إله الكون يا سندي)، إذا بدا لهم أنَّ احترام مثل هذا المخلوق، هو قلَّة احترام لأنفسهم، بل وقلَّة احترام عامَّة، يجب أن لا يختلف حولها اثنان في هذا العالم، أمَّا الشيخ (الوقور) فقد اندفع يصرخ في وجوههم: (اسكت أنت وهو، اسكت، اسكتا، اسكتوا)، ثم أصابته التناحة على أصولها، ليعلن أنَّه لن (يُفَهِّمَنا) أيَّ شيء بعد الآن، ويرتفع التصفيق في حرارة، وعبارات التهنئة له على (ذكائه النادر) و(عقله الذي استيقظ من السبات العميق أخيرًا)! والرجل يتَّهمهم بِقِلَّة الأدب!
    ولأنَّنا في زمان معكوس، اندثرت فيه كثير من القِيَم والأخلاق، كان لرحلة أخرى إلى أطهر بلاد الله أن تودي بنا في الهلاك، وأورثتنا توترًا وعصبيَّةً بالغين، فعلى الصعيد الشخصي، أضاع مسؤولا الرحلة جواز سفري، وقد علمْتُ بذلك حينما أردْتُ الذهاب إلى جدَّة مع بعض رفاق السفر، لم تستلم إدارة الفندق جواز سفري، ولا اسم لي فيه! كلَّمْتُ مسؤولَي الرحلة، فتقمَّصتهما روح الإيمان الغريبة، أن (توكَّل على الله)، من دون أدنى اهتمام بما يعنيه ضياع جواز السفر المفاجئ هذا، وكيف لي أن أعود إلى بلادي، يبدو أنَّ هذا آخر ما يثير الاهتمام عند (المسؤولين)، ولأنَّ الزمان معكوس، حينما عدْتُ أذكِّرهما – مرَّة عاشرة ربَّما – بضياع جواز سفري، ونحن نريد الرجوع إلى المدينة النبويَّة، ومنها إلى بلادنا، انفجرا غاضِبَين يصرخان: لماذا لم أخبرهما بذلك قبل الآن؟ كأنَّه كان ينبغي لي أن أذهب إلى الحرم المكِّي، وأطلب إذاعة ذلك بعد الأذان، في كلِّ أوقات الصلاة؟
    ولا أعلم أيَّ وصفٍ هنا الأفضل، أن أقول: بكلِّ بساطة، أو بكلِّ وقاحة؟ ضعوا اللفظ المناسب، إذ نسأل: وهل توقَّف الأمر هنا؟ لا ثمَّ لا! فلقد نادى أحدهما أحدَ الركَّاب، ممَّن هم معنا في الرحلة لكن في الباص الثاني، يهمس في أذنه بكلمات ما، ويذهب الأخ هذا ويعود وفي يده جواز سفر، يناوله للمسؤول الأوَّل، يناوله هذا للمسؤول الثاني، يناوله هذا لي، يطلب مني أن (أنبسط)، فهذا جواز سفر! وهل نحن في زمان معكوس لنظنَّ الكلَّ عميانًا، لن يقارنوا بين صورة صاحب جواز السفر، وبين الشخص الذي يحمله في يده ليقدِّمه إليهم؟ بل نحن في زمان معكوس فعلًا، وبكلِّ معنى الكلمة، فهذا جواز سفري أنا، أعطاه مسؤول الرحلة هذا بكلِّ وقاحة وغباء، لراكب من الركَّاب، وحين وجد أنَّني غاضب إلى درجة مخيفة، كان ردُّه هادئًا باردًا، كانت كلماته سخيفة سمجة، وما ذلك إلَّا لأنَّنا في زمان معكوس، لم يحمل فيه صاحب المسؤوليَّة أيَّة مسؤوليَّة كانت، فضاع وأضاعنا: (لقد نسيت جواز سفرك مع هذا الأخ)!
    يتبع إن شاء الله...

  4. #3

    الصورة الرمزية أم مودة

    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المـشـــاركــات
    755
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

    مواقف لا تحسد عليها لكن كل ذلك يهون في سبيل تلك الزيارة الموعود في رأيي..
    حين تم إلغاء أداء العمرة أثناء فترة تفشي وباء كورونا
    خفت كثيرًا ماذا إذا لم أكتب من زوار البيت الحرام يومًا ..
    أخبرني أحدهم قام بأداء عمرة بكثير من المواقف العجيبة التي تحدث
    منها حين كان يوزع أحدهم فاكهة التفاح أمسكت اثنتان من النساء
    بنفس التفاحة احداهن من دولة عربية وأخرى من دولة آسيوية
    الكل أخذ ينظر ماذا سيحدث ومن سيحصل على التفاحة
    فإذا بالعربية تنهي المسابقة "بروسية" ثاقبة تسقط معها الآسيوية أرضًا😅😅
    وهلل المعتمرين ذوي الجنسية العربية "الله أكبر" 😅😅😂
    وكأنه صراع في الجاهلية، لا أعرف بأي عقل يفكرون
    لكني أتمنى أن يرجع بي الزمن الذي كانوا يعتمرون فيه بالجمال
    ولا تعيقهم حدود أو أموال أو إجراءات
    تقبل منكم صالح الأعمال ورزقكم حجة عن قريب باذن الله

  5. #4


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

    أعتذر إذ تأخرت في المتابعة لضغط إعداد أسئلة الامتحانات، ونتابع قريبًا إن شاء الله

  6. #5


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم مودة مشاهدة المشاركة
    مواقف لا تحسد عليها لكن كل ذلك يهون في سبيل تلك الزيارة الموعود في رأيي..
    حين تم إلغاء أداء العمرة أثناء فترة تفشي وباء كورونا
    خفت كثيرًا ماذا إذا لم أكتب من زوار البيت الحرام يومًا ..
    أخبرني أحدهم قام بأداء عمرة بكثير من المواقف العجيبة التي تحدث
    منها حين كان يوزع أحدهم فاكهة التفاح أمسكت اثنتان من النساء
    بنفس التفاحة احداهن من دولة عربية وأخرى من دولة آسيوية
    الكل أخذ ينظر ماذا سيحدث ومن سيحصل على التفاحة
    فإذا بالعربية تنهي المسابقة "بروسية" ثاقبة تسقط معها الآسيوية أرضًاًںک…ًںک…
    وهلل المعتمرين ذوي الجنسية العربية "الله أكبر" ًںک…ًںک…ًںک‚
    وكأنه صراع في الجاهلية، لا أعرف بأي عقل يفكرون
    لكني أتمنى أن يرجع بي الزمن الذي كانوا يعتمرون فيه بالجمال
    ولا تعيقهم حدود أو أموال أو إجراءات
    تقبل منكم صالح الأعمال ورزقكم حجة عن قريب باذن الله
    صحيح كله يهون في سبيل هذه الزيارة التي فيها من الخير ما فيها
    وموقف العربية هذا غريب جدًا، هي في الحرم المكي، يفترض بها أنها تبتغي رحمة الله تعالى ومغفرته، وليست في صراع الحارات
    والأشد من ذلك تهليل الناس لها، فعلًا تصرف كأنه في عصور الجاهلية...
    شكرًا لكم الدعاء الطيب، بارك الله بكم ولكم

  7. #6


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

    ولأنَّنا في زمان معكوس، لم يحمل فيه صاحب المسؤوليَّة أيَّة مسؤوليَّة كانت، فأضاع الأمانة وضاع في مفهومه الاصطلاحي، إذ ظنَّ نفسه عبقريًّا، يندرُ أن يجود الزمان بمثيل له، فإنَّ ما تحدَّثنا به عن تلك الرحلة لم تكن تلك نهاية أحداثه، فقبل قرار عودتنا إلى المدينة بيوم، ذهبنا إلى عرفات، وقد كان الباص يترجرج مصدرًا أصواتًا عجيبة، وتمَّ تنبيه السائق إلى ضرورة الذهاب به إلى الصيانة فورًا، وتعهَّد بذلك، واليوم التالي، بعد استعادتي جواز سفري، وقبل أن نبدأ رحلة الرجوع، سألنا السائق هل تم إصلاح الباص؟ فأجاب بالإيجاب والتوكيد، وانطلق بنا عائدًا، وبعد مدَّة من الوقت، في صحراء قاحلة، أو هذا ما بدا لنا، إذ إنَّنا عن المنطقة غرباء، وليس أمامنا ولا من حولنا سوى الرمال، ترجرج الباص وتوقَّف، ليعترف صاحب المسؤولية، ليعترف أحمق، لو لم نكن في زمان معكوس، لما تم ائتمانه على أرواحنا، بأنَّه لم يُصلح الباص لأنَّه لم يرغب في ذلك! وبقينا وسط الرمال اللاهبة والشمس اللافحة مدَّة قصيرة بفضل الله، إذ لو طالت بنا لألقت بنا في الهلاك المحتَّم، ولا نعلم - إلى الآن - ما كان مصيرنا لو أنَّ تلك السيارة لم تمرَّ بنا، ويتوقَّف صاحباها ليريا ما بنا، ثمَّ يقدِّما لنا كلَّ المعونة، ويأتيا برجل قام بالإصلاح ما أمكنه ذلك...
    وفي الرجوع إلى بلدنا، وجدنا أمامنا في موقف زماني معكوس، تردَّدت في ذِكره، ثمَّ قلت لنفسي حتَّى إن كان زمانًا معكوسًا فلا بدَّ أنَّه موقف نادر، أو لعلَّ هذا ما أرجوه! إذ توقَّفنا عن إحدى الحدود، وذهب بعضنا يتمشَّى، إلى أن يحين دور باصنا، وبعض منَّا ذهب إلى دورات المياه لقضاء الحاجة، ويا لها من دورات مياه! عددها قليل إزاء عشرات الرجال الواقفين أمامها! وطبعًا هناك دورات مياه للنساء، مهلًا! لماذا نذكر هذا الأمر ونحن نعلم أنَّه بديهي؟ وقد قلنا (طبعًا)، دلالة على أنَّ هذا الأمر معلوم بالضرورة؟ فما ذلك إلَّا لأنَّ إحدى دورات المياه ظلَّت مغلقةً فترة طويلة جدًّا، وكلُّ دورات المياه الأخرى بخلاف ذلك، حركة الدخول والخروج متواصلة، فماذا عن هذه بالذات؟ اقترح بعض الواقفين ساخرًا أنَّ رجلًا ما قرَّر قضاء حاجته عن عشر سنوات قادمة إلى الأمام مثلًا!
    ثمَّ - بعد ما بدا لنا أنَّه عمل خارق بحقٍّ - فُتح الباب، وتعلَّقت الأعين جميعها به، وتحرَّك أوَّل الواقفين في الطابور ليدخل، لكنَّه توقَّف غاضبًا، والغضب سرى في النفوس كلِّها، فمن دورة المياه خرجت فتاة!
    وليس دخولها دورة مياه خاصَّة بالرجال سبب الغضب، فربَّما كانت في حالة عصيبة، ولم تجد دورة مياه فارغة في المكان المخصَّص للنساء، لكنَّ الغضب العارم كان لسببين، الأوَّل أنَّها وقفت كالأصنام، جامدةً أمام الباب، في وجوه المنتظرين، كأنَّها تحرس دورة المياه هذه! والسبب الثاني أنَّها، كانت تحمل في يدها شالًا طويلًا بعض الشيء، وقرَّرت - هنا، أمام باب دورة المياه، في وجوه الرجال - أن تتحجَّب! وأخذت تضعه في هدوء شديد، وتلفُّه بكلِّ بطء، كأنَّها في بيتها الخاصِّ، أمام مرآتها، ونحن لا نعلم بذلك!
    ولئن سكتوا لها بادئ الأمر، فإنَّها هي لم يعجبها العجب! ظلَّت تلفُّه وتنقض ذلك، وتعيد الأمر وتنقضه وتكرِّر، حتَّى زال العقل وانتهى زمن الحكمة والأدب، أمسك بها الرجال من يديها وأخذوا يجرُّونها في غلظة، ليلقوا بها بعيدًا، ومن أفواههم الشتائم تتدفَّق غزيرة مثل مياه شلال غاضب!
    هل أقول إنَّهم في ما فعلوا مخطئون؟ هل أقول إنَّهم في ذلك محقُّون؟ لا أستطيع أن أحدِّد ذلك! لكنِّي أعلم يقينًا أنَّ ما فعلتْه هذه الفتاة لا يمتُّ إلى الدين بِصِلَة، وأنَّها أساءت إلى نفسها إساءة كبيرة إذ تسبَّبت في هذه الإهانة لها، بِغَضِّ النظر هل ردُّة فعلهم هذه طبيعيَّة أو أنَّها خاطئة كلَّ الخطأ!
    ولأنَّنا في زمان معكوس، فإنَّ حالتها ليست نادرة! وأعني بذلك مضمون ما فعلت: الإساءة إلى نفسها، وإلى رمز من رموز ديننا، فماذا عنَّا نحن عمومًا، وما هذا الذي نفعله بديننا وأنفسنا؟
    تجد رجلًا يمسك ابنه، يمشيان معًا، والابن يأكل في شراهة، ثمَّ يلقي الأوراق وبقايا الطعام، هاتفًا في تهكم: (النظافة من الإيمان)، والأب يقهقه إعجابًا بابنه (الرائع) هذا، وطبعًا (النظافة من الإيمان) كلام انتشر في أيامنا تلك على أنَّه حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أنَّ الابن يقصد السخرية ممَّا يظنُّه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوه لا يربِّيه تربية صحيحة، لكن، ربما لن نلوم الأب! كيف يربِّي ابنه وهو نفسه بلا تربية؟
    وهذه المشكلة كانت مزعجة جدًا وما تزال، كنا في سنٍّ صغيرة، ومن يفهم في الدين ومن لا يفهم، كلاهما في الدين يتكلَّم! فهذا أستاذ لغة عربيَّة ينفعل صارخًا في وجوه من لا يجيدون ضبط الكلمات، يكاد يدخلهم جهنَّم! وذلك بسبب الحديث النبوي الشريف (الذي لا أصل له): أنا أفصح العرب بَيْدَ أني من قريش! ويتابع الأستاذ غاضبًا: ألا تعلمون ما يعني هذا؟ إنه يعني أن قريش أفصح العرب! وأن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أفصح من قريش! وأن...
    عبثًا كنت أحاول (إفهامه) أنَّ (بَيْدَ أنَّ) هذه تفيد التعارض والتناقض! بمعنى أنَّ هذا الحديث لو كان صحيحًا، فإنَّه يفيد أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلَّم أفصح العرب (رغم كونه من قريش)! وينفعل الأستاذ ويغضب، ويكاد يدخلنا النار جميعًا! يا عزيزي أنت على حق! هل نعرف نحن من تكون قريش؟ ما شأن قريش حتى لو كانت أفصح العرب بضعف أسلوبك في الشرح؟ هل ينبغي أن يكون كل (تلاميذك) عباقرة في اللغة العربيَّة، فقط لأن قريش كانت أفصح العرب، ومعظمهم لم يسمع بهذا الاسم من قبل، ولا يعرف هل قريش اسم فتاة أو سمكة من أسماك القرش؟
    ثم إن نبينا صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، إنَّه قد جاءنا بالقرآن الكريم، بكتاب الله تعالى، لكنَّنا لا يمكن لنا أن نكون مثله، أنت تقولها (أفصح العرب)، وما لم يقله لنا العبقري أنه في أيامهم لم تكن هناك لهجات عامية مثل أيامنا! وأن الطفل لا يسمع سوى اللغة الفصيحة، وبالتالي أبناء قريش سيتكلمون بالفصحى ولن يخطئوا بها، كما نفعل نحن! فعلامَ يلومنا ويكاد يخرجنا من الدين أجمعين!!
    وفي تلك الأيام السعيدة، كان بعض هؤلاء الأعزاء يعاتبون التلميذ إذا اشتكى على رفيق له بأنه ارتكب خطأ ما، أو سرق له كتابه أو بعض أغراضه الخاصة، فيصرخ الأساتذة في وجه صاحب الحق، ليعلِّموه (الدين) قائلين في انفعال شديد: ألا تعلم أنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يمشي مرَّة، وسمع ضحكًا خليعًا مثل ضحكات المجانين ينبعث من بيت، فوقف قرب (الباب) يستمع، وأدرك أن الرجال بالداخل يسكرون، فوثب عليهم من (النافذة) صارخًا في وجوههم، فقالوا له مهلًا نحن ارتكبنا خطأ واحدًا، وأنت ارتكبت ثلاثة أخطاء، أنت تجسست علينا، والله يقول: {ولا تجسسوا}، وأنت دخلت البيت بلا إذن، والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}، وأنت دخلت البيت من النافذة، والله يقول: {وأتوا البيوت من أبوابها} فندم عمر بن الخطاب واعتذر وتركهم ولم يحاسبهم، فتابوا بعدها)!
    وكنا نحاول جاهدين وعاجزين أن نتخيل كيف لأمير أن يثب من النافذة مهما بلغ انفعاله! ثمَّ إنَّه كان يقف قرب الباب، فلماذا يثب من النافذة إذًا؟ لو أن الأستاذ ادَّعى أنَّ عمر بن الخطَّاب ركل الباب في عنف ليقتحم البيت، لربَّما بدا ذلك هيِّنًا نسبيًا وأقنعنا وقتها بأنَّ موعظته الدينيَّة هذه تنطلق من قصَّة حقيقيَّة، لكن في كلِّ الأحوال، ما شأن هذه القصَّة التي يحكيها الأستاذ في انفعال شديد، حتَّى يكاد يبكي، بوجود لصٍّ في الصفِّ يسرق أغراض زميله؟ لن نفهم هذا، إلا إذا فهمنا لماذا بعد هذه (الموعظة المؤثرة) يقوم الأستاذ بضرب الاثنين معًا بالعصا الغليظة! ويسوغ لنفسه ذلك! إنه يضرب الأوَّل لأنَّه لص وضيع سافل تافه حقير! ويضرب الثاني لأنَّه (يفسد) على رفيقه، والله تعالى لا يحب الذين يشتكون رفاقهم بدلًا من أن يتستروا على أخطائهم! كيف يستعيد هذا المسكين ما يمتلك لو أنه ظل ساكتًا ولم يخبرك؟ ثم لماذا يجنُّ جُنونك وتنسى حكاية الوثوب من النافذة، والسكارى الذين يحفظون الآيات ويجيدون الفقه، حين يخطئ تلميذ في الصف بإصدار صوت ما، وتهدد بضرب كل التلاميذ إن لم يخبروك من يكون هذا الأحمق وفق تعبيرك؟؟
    والمصيبة كل المصيبة أن يسألك أحد هؤلاء الأساتذة لماذا لم تستوعب (شرحه العظيم)؟ فلا تستطيع أن تخبره أنه لم يشرح شيئًا أصلًا، لأنك لن تضمن أنك سترجع إلى بيتك على قيد الحياة! فتكتفي بالقول: لا... لا أعرف؟ وإذ به يصيح منفعلًا يذكرك بآية في القرآن، اخترعها هو طبعًا: (وجعلنا لكل شيء سببًا)، وحاول أن تفهمه أن هذا كلام عادي، ينفعل حتى يكاد يسقط بالسكتة القلبية، لأنك من المستهترين بكتاب الله تعالى (لا سمح الله طبعًا)! وهكذا يضيع كل شيء، الشرح الذي يجب أن تسمعه بهدوء لتفهمه، وعلاماتك، واحترام الأستاذ لك!
    والمسألة لا تتوقف عند الدين فحسب، وطبعًا لم نذكر كل الأمثلة، لأننا نحتاج إلى مجلد، بل لننظر قليلًا في التربية الأخلاقية الصحيحة، هذا أستاذ قرَّر أن يعطينا درسًا تربويًا (عميقًا) في هذه الحياة، ومفاد الدرس أن: إيَّاكم ثم إيَّاكم ثم إيَّاكم أن أسمع أنَّ أحدًا فيكم يدخِّن، وذلك لأنَّكم لا تعلمون أن التدخين ضار بالجسد، لا تعلمون أن التدخين يسبب عشرات الأمراض، لا تعلمون... لا تعلمون أن التدخين سم، سم أسوأ من سم الفئران والجرذان!
    وينفعل الأستاذ حتى تكاد تنفجر عروقه أمامنا: ولكن إذا رأيتُ، أو سمعتُ أن أحدًا فيكم يدخن، فسأضربه، سأكسر يديه، سأكسر رجليه، سوف لن أترك فيه جزءًا يتحرك ليستطيع التدخين بعدها!
    والحقيقة أن هذا الدرس جيد، و(تربوي) فعلًا، رغم حماسة الأستاذ المبالغ بها، والتي تكاد تدفع به إلى حد قتل الطالب الذي يدخن، ويتناول هذا السم الذي يفوق سم الفئران والجرذان، لولا مسألة بسيطة، ألا وهي أنَّ الأستاذ كان (يتحفنا) بهذه الحِكَم والمواعظ، وهو... ينفث دخان سيجارته، بمنتهى الاستمتاع بها!
    ختامًا، أسوأ ما في زماننا المعكوس هذا أننا تخلينا عن كل ما هو صحيح في ديننا، إن سمعنا حديثًا نبويًا صحيحًا لا يناسبنا تأففنا واعترضنا، وفي المقابل ننشر آلاف الأحاديث الغبية التي لا أساس لها، بل ونكاد نقاتل من يعترض علينا، بل ونؤلف الأخبار التي تدفع بالغرب إلى السخرية منا ومن ديننا، ونحن نظن أننا ننصر ديننا! مثال خلال توحش فيروس الكورونا، فوجئنا بخبر ينتشر انتشار النار في الهشيم (عاجل: القناة الثالثة الصينية تعلن دخول عشرين مليون صيني الإسلام بعد أن ثبت أن كورونا لا تصيب المسلمين)! ألم تحرك ذهنك قليلًا قبل نشر التخريف؟ أإلى هذا الحد بلغ بنا الزمان هذا فانعكس في أذهاننا، بل انعكست أذهاننا بالكامل في هذا الزمان العجيب؟ كيف (ثبت) أمر كهذا! ولماذا الكورونا تحديدًا، والمسلمون مثل سواهم أصيبوا بالطاعون وبالسرطان وبكل الأمراض الأخرى! بل إن الغريب جدًا أن نجد منشورًا يتهم الغرب بإخفاء حقيقة اسم الفيروس، وأن اسمه الحقيقي هو (نوكور – فيروس)، لأن الله تعالى يقول في القرآن: {فإذا نقر في الناقور} وبداية السورة الكريمة فيها أمر بالطهارة!
    مرة أخرى نقول لو أردنا أن نتوسع لما انتهينا، وما كَفَتِ المجلدات، لكننا نختم بكلام ربَّما يكون خير ما تُختَم به هذه الأخبار: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون!!
    عمر قزيحه
    18-3-2022


  8. #7

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,621
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    شيء غريب صراحة
    الحمدلله على نعمة العقل والإسلام
    الحمدلله الذي عافنا مما ابتلاهم به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا!

    ربي يعطيك العافية
    ويسلمك من شرار الناس،
    في حفظ المولى،،
    ~

  9. #8


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الزمان المعكوس - مقالة اجتماعية بقلمي (د. عمر)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    شيء غريب صراحة
    الحمدلله على نعمة العقل والإسلام
    الحمدلله الذي عافنا مما ابتلاهم به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا!

    ربي يعطيك العافية
    ويسلمك من شرار الناس،
    في حفظ المولى،،
    ~
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أبعد الله عنكم وعنا شرار الناس
    وحفظكم من كل سوء

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...