فتاة في المصعد (ذكريات خاصة)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي فتاة في المصعد (ذكريات خاصة)

    فتاة في المصعد (من ذكريات التدريس التعيسة)!

    مدرسة البنات، كلُّهنَّ بنات، التِّلميذات والهيئة الإداريَّة والهيئة التَّعليميَّة، ووحدي بين هذه (القبيلة السَّعيدة)! لذا بدا لي غريبًا بحقٍّ، أن تطلب منِّي بعض المعلِّمات والنَّاظرات، بل والتِّلميذات، مساعدتهنَّ في جذب رقبة رفيقتهنَّ ورأسها، وهي معلَّقة في الهواء، من ارتفاع ثلاثة طوابق!
    هذا ليس مقطعًا منَ الخيال، ذلك اليوم، ما كدْنا ندخل الصُّفوف حتَّى ارتفع صراخ مجنون لم نتبيَّن مغزاه بادئ الأمر، ثمَّ ازداد حدَّة وانقلب ولولةً، وارتفعت أصوات وقع الأقدام تضرب الأرض في عنف، كأنَّنا في معركة، مع عودة الصُّراخ الفظيع، الذي يستحيل أن تُطلقَه حنجرة واحدة، ماذا يحدث؟ هل هناك من يذبح البنات هنا؟
    بات إعطاء الدَّرس مستحيلًا، التَّوتُّر لم يكن هيِّنًا في نفوس البنات، تعالَت نداءات الاستغاثة، خرجْنا لنرى، وليتَنا ما رأينا ولا سمعنا بتلك المسخرة! فتاة في صفِّ الأساسيِّ الخامس أعتقد، بات معظم جسدها في الهواء خارج شرفة الطَّابق، تصرخ مثل الغوريللا، ونرجو ألَّا نظلم الغوريللا بهذا التَّشبيه؛ لأنِّي لا أعتقد بوجود غوريللا حمقاء مثلها!
    البنت تصرخ: "أريد حبيبيييييييي"! يا بنتي يحبُّكِ برص وسبعة خرس إن شاء الله! حبيبُكِ يا مفعوصة؟؟ انتبهَ بعضُهنَّ إلى وجودي، وبدأْنَ بالصُّراخ: تعال، ساعدنا! أساعدكنَّ في ماذا؟ هل أطير فوق رؤوس هذه القبيلة المتظاهرة هنا؟ لنفترض فعلْتُ ذلك؟ هل أمسك رأس بنت أو رقبتها وأشارك في جذبها، وأكتافنا تضرب بعضها – أنا وفاعلات الخير هؤلاء – على سبيل المثال، أم ما المطلوب بالضَّبط؟
    تمَّ إنقاذ الفتاة بمعجزة ما، واستغرقَت تهدئتها وقتًا طويلًا، المفعوصة تحبُّ تلميذًا في مدرسة للصِّبيان، في صفِّ الأساسيِّ السَّابع، وهو يحبُّها، كلَّمَت أهلها ليكلِّموه ليتزوَّجها! فضربوها وطلبوا منها أن تكفَّ عن السَّخافات، فقرَّرت مفاجأتهنَّ بعودة جثتها مهشَّمة العظام من المدرسة، بدلًا من عودتها بنفسها!
    يا غبيَّة! ولد يدرس، ليس له مورد رزق، ولا بيت، وينتظر أن يأتي أهلُكِ ليطلبوا منه خطبتَكِ! ما رأيُكِ في أن يجلسوا على ركبِهم ويرجُوه أن (يتكرَّم) عليهم بهذه الخطوة التي لا يفعلها أحد في التَّاريخ ما لم يكن بطلًا أسطوريًّا؟ لكن، هل قلْنَا إنَّها هدأت؟ ربَّما، لكنَّها لم تفهم، بعد يومين عادَت نغمة الصُّراخ ذاتها، لكن مع (تكتيك) ذكيٍّ هذه المرَّة! لم تبدأ المعتوهة العبقريَّة الصُّراخ في الصَّفِّ مثل المرَّة الماضية، بل اندفعت بغتة تفتح باب الصَّفِّ وتركض، ومن حسن الحظِّ أنَّ المعلِّمة تمكَّنَت من اللحاق بها في الرَّمق الأخير، وهي تصرخ بأعلى صوتها؛ لتندفع التِّلميذات والنَّاظرات ويتمَّ إنقاذ الحمقاء في صعوبة تامَّة!
    ما شهدْتُه في ملامحها في المرَّتين، شرود نظراتها في الهواء كأنَّها ترى عالَمًا لا نراه، وخروج لسانها من فمها بعمليَّة لحس الشَّفتَين في شراهة، كأنَّهما شوكولا ببندق! أمَّا لما أذكر هذا؛ فلأنَّ في المدرسة مصعد! وما شأن هذا بذاك؟ أوَّل مدرسة فيها مصعد، وكُنْتُ نادرًا ما أستخدمُهُ، لكنْ في إحدى المرَّات وصلْتُ متأخِّرًا، ركبْتُ المصعد – بدون أن أوقِّع في دفتر الحضور – ارتفع المصعد، ثمَّ انقطعَتِ الكهرباء، وتزامن ذلك مع بدء نوبة ميغران حادَّة!
    بدأْتُ أرى الأشباح بعد مدَّة من الوقت، شعرْتُ بصعوبة في التَّنفُّس، ما العمل؟ معي هاتف محمول، لكن بلا رصيد، ولو فيه رصيد ليس معي أيُّ رقم لأيِّ أحد في المدرسة، أمَّا الواتس أب فلم يكن موجودًا وقتها، بعد مدَّة لا أدري ما هي، فُتح باب المصعد، كان عليَّ أن أغادر في الهواء، ألقيْتُ الحقيبة وألقيْتُ نفسي خلفها، امتلأت ساقي بالدِّماء والتوى كاحلي، لكن على الرَّغم من ذلك لم يشكِّل ركوب المصعد أيَّة فوبيا عندي.
    مرَّة أخرى، ما الرَّابط بين الأمرين؟ بعد مدَّة بدأت قصص هذه المعتوهة، سمعْتُ أنَّها حاولَتِ الانتحار مرَّة ثالثة، في وقت لم أكن موجودًا فيه، لم يستجبِ الأهل لتنبيهات الإدارة أن لا يرسلوها إلى المدرسة، هي (تتغنَّج) فقط! غنج عجيب هذا، أليس كذلك؟ لكن لا علينا، ذلك اليوم وصلْتُ متأخِّرًا قليلًا، البنات يصعدْنَ الدَّرج، لا يمكن أن أصعد معهنَّ، ليفسحْنَ لي الطَّريق! ركبْتُ المصعد، ضغطْتُ زرَّ الطَّابق الثَّالث، وإذ بتلميذة تندفع في سرعة خياليَّة وتركب المصعد قبل أن يُغلق الباب، أردْتُ معاتبتها لكنْ لم أفعل، لقد شردَت نظراتها في الهواء، وأخرجَت لسانها تلحس شفتَيها في شراهة! إنَّها هي، شخصيًّا!!
    وصل المصعد إلى الطَّابق الثَّالث، فضغطَتْ زرَّا آخر عشوائيًّا، وهكذا، المصعد يتنزَّه بنا في الطَّوابق، حين حسمْتُ أمري؛ لإنهاء هذه المهزلة، صاحَتْ هي في جنون: "هل هناك أحد معي في المصعد"؟ قُلْتُ لها مستنكرًا: "بالتَّأكيد لا"! صرخَتْ مثل أفعى كوبرا تريد الافتراس (تخيَّلوا أنَّ الأفعى تصرخ)! "ماذا"؟ قُلْتُ لها: "هل أنتِ مجنونة؟ معَكِ أحد في المصعد؟ هذا المصعد كلُّه لكِ، هديَّة صغيرة منِّي لكِ، تمام"؟ أجابَت في سعادة: "ياي، ياي"!
    حين توقَّف المصعد هذه المرَّة كانَت شاردةً في سعادتها...
    فُتح الباب، خرجْتُ مسرعًا، ولم أنظر خلفي!
    ومن يومها لم أركب المصعد في تلك المدرسة...
    على الإطلاق!


    مصير الفتاة بعدها، كل ما علمناه أنها خرجت من المدرسة بعد مدة، لكن لم نعلم هل كان ذاك طردًا، أو أن أهلها (فهموا) أخيرًا أن القفز من النافذة على ارتفاع مخيف ليس غنجًا ودلالًا!
    الحادثة في السنة الدراسية 2010 - 2011

  2. 3 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,621
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Actions Go Next View Icon رد: فتاة في المصعد (ذكريات خاصة)

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    في غاية الروعة تبارك الرحمن ماشاء الله، ربي يبارك
    القصة وسردها صراحة مميز!
    أهنيك على هذا!!
    أستمتعت بحروفها وجمالها!

    الفتاة غريب أمرها!، الحمدلله يارب عفوك وغفرانك!
    اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا!
    اللهم نسألك العفو والعافية!،
    حركاتها مؤسفة وحالها عجيب!
    أين أهلها عنها؟!!
    يحسبون المسألة تعليف بس!
    رحمت حالك معها!!
    المفروض تحافظ على الأذكار!
    وأعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق!
    لأنها بإذن الله حصن للمسلم مما يرى ويشاهد!
    حال الدنيا غريب!
    يارب يحفظنا بحفظه ويجعلنا في حرزه أبد الآبدين!

    بوركت يارب على جمال الموضوع!
    سرد في منتهى الروعة!
    ما شاء الله، ربي يبارك
    زدت فضلًا وقدرا!
    في حفظ المولى،،
    ~

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: فتاة في المصعد (ذكريات خاصة)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    في غاية الروعة تبارك الرحمن ماشاء الله، ربي يبارك
    القصة وسردها صراحة مميز!
    أهنيك على هذا!!
    أستمتعت بحروفها وجمالها!

    الفتاة غريب أمرها!، الحمدلله يارب عفوك وغفرانك!
    اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا!
    اللهم نسألك العفو والعافية!،
    حركاتها مؤسفة وحالها عجيب!
    أين أهلها عنها؟!!
    يحسبون المسألة تعليف بس!
    رحمت حالك معها!!
    المفروض تحافظ على الأذكار!
    وأعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق!
    لأنها بإذن الله حصن للمسلم مما يرى ويشاهد!
    حال الدنيا غريب!
    يارب يحفظنا بحفظه ويجعلنا في حرزه أبد الآبدين!

    بوركت يارب على جمال الموضوع!
    سرد في منتهى الروعة!
    ما شاء الله، ربي يبارك
    زدت فضلًا وقدرا!
    في حفظ المولى،،
    ~
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    كل الشكر لكِ هذا الكلام الراقي
    أما الفتاة فأعتقد أن أهلها بحاجة إلى تأهيل ليعرفوا كيف يتصرفون معها
    لولا يقظة المعلمة في المرة الثانية لكانت ابنتهم عادت إليهم جثة أو بأفضل الأحوال متكسرة
    ندعو الله بأن يحفظنا بحفظه دائمًا وأبدًا

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...