أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 10 من 10
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    أين كيانُكَ يا عبَّاس؟

    قضيَّة عبَّاس، قضية ذات شجون كثيرة، فيها جرائم فادحة، لم تُدوَّن في ملفات قضائيَّة، لكنَّها ربَّما لا تقلُّ سوءًا وفداحةً عن أيَّة جريمة يُحكم فيها على بعضهم بالسَّجن، ومن يستحقُّ السَّجن في قضيَّة عبَّاس أكثر من طرف، بل ربَّما لو كُنْتُ قاضيًا لحكمْتُ على إحداهنَّ بالإعدام شنقًا، بلا رحمة، ولا هوادة!
    تلك الأيَّام، سنة 2001 – 2002، كنَّا ما نزال في دار المعلِّمين، نتابع المرحلة الإعداديَّة لنكون أساتذة في المرحلة الابتدائيَّة، كنَّا نشاهد بعض الدُّروس في تكميليَّة بجانب دار المعلِّمين، في صفوف الحلقتين الأولى والثَّانية، ومن الطَّبيعيِّ أن يلفت انتباهنا بعضُ التَّلامذة، إمَّا لعبقريَّتهم الزَّائدة على الحدِّ، وإمَّا لأنَّهم نائمون كلَّ الوقت.
    مادَّة منهج البحث العلميِّ، كان عندنا فيها نشاط ميدانيٌّ، ولنا حرِّيَّة الاختيار فيها، هل نسأل آباءنا وأجدادنا، وعجائز قريتنا، كيف كانَت أيَّام زمان، وكيف صارت الآن، ثمَّ (نكتشف) أنَّها لم تَعُدْ كما كانت، ولا يمكن لها أن تعودَ كما كانت، وإمَّا أن نختار حالة تلميذ متأخِّر دراسيًّا مقدِّمين الفرضيَّات ومتابعين حتَّى نصل إلى الأسباب.
    كثير من زملائنا اختاروا العمل الأوَّل، فريق واحد فيه زميل لنا اختار حالة طالبة متأخَّرة دراسيًّا، تقرب له من بعيد (ربَّما)، لكنْ، لم يَرُق لي هذا العمل الجماعيَّ، ليس من دوري إعداد الأسئلة التي سيسألها لأهل الطِّفلة، كأنَّه آلة مسجَّلة لا تحيد عن الأسئلة، فالأسئلة في هذه الحالة - علميًّا – نوعان، أسئلة نحضِّرها مسبقًا، والأفضل أن يكون ذلك بعد بدئنا بالعمل فعليًّا ضمن الإطار المدرسيِّ، وأسئلة تفرض نفسها خلال الحوار المباشر.
    (طبعًا وقتها لم نكن قد درسنا هذا في مادة البحث العلميِّ، ولكنِّي افترضت هذا من ناحية منطقية بحتة).
    لذا قرَّرْتُ الانفراد بالعمل، وتردَّد أستاذ المادَّة قليلًا، هو يدرك قدراتي تمامًا، لكنَّ الوقت ضيِّق، والعمل صعب، لكنَّه أعطى موافقته، وبدأتُ بأن توجَّهْتُ إلى هذه التَّكميليَّة، وقابلْتُ المدير لأخبره أنَّني سأبدأ العمل مع تلميذ في الصَّفِّ الابتدائيِّ الثَّالث اسمه عبَّاس، أعلن موافقته، واقترن صوته بصوت شهقة أنثويَّة جاءت من باب غرفة الإدارة، طبعًا ليس الباب هو من شهق هذه الشَّهقة الاستنكاريَّة، بل إحدى المعلِّمات.
    عبَّاس هذا يبدو جامدًا مكانَه في الصَّفِّ، لا يشارك في شيء، ولقد شبَّهَه أساتذته بالحائط، لأنَّهم لم يجدوا فارقًا بين الاثنين، الإنسان والجماد! وكانت معلِّمته هذه الَّتي تقف في باب الإدارة وتشهق في ذهول، تناديه بالحائط الأصمِّ، خرجْتُ من الإدارة، لحقَت بي، يا أستاذ، أرجوك توقَّف، أنت مقدمٌ على عمل خطير لن تضمن عواقبه على نفسِكَ! ماذا؟ ولماذا؟ تصنَّعَتِ الخطورة، وهي تتلفَّت يمينًا وشمالًا كأنَّها لا تريد لأحد أن يسمعنا، ثمَّ همست في توتُّر شديد: سأخبرك بالحقيقة كلِّها الآن، واكتبها بالحرف في تقريرك، عبَّاس هذا يا أستاذ ليس غبيًّا، بل يركبُهُ جنِّيٌّ! ولا مجال لعلاجه! سيبقى كسولًا! هههههه!!
    نظرْتُ إليها في سخرية، الجنُّ موجود، لا شكَّ في هذا، لكنْ، هل كلُّ تلميذ لا يشارك في الدَّرس يركبُهُ جنِّيٌّ؟ أمر غريب! ثمَّ كيف سأبرهن علميًّا عن هذا؟ أستطيع أن أبرهن عن أنَّه خارق الذَّكاء، لكنَّه لا يشارك لسبب مجهول، وأقول إنَّ معلِّمته تقول إنَّ هذا لأنَّ الجنيَّ يركبُهُ، لكنِّي لن أتبنَّى هذا الرَّأي أبدًا!
    ثمَّ إنَّ خاطرًا ما تراءى لي وقتها، هل هناك أمر ما تريد هذه المرأة إخفاءه عنِّي بالكلام عن هذه الفرضيَّة المستحيلة كأنَّها حقيقة علميَّة؟ ربَّما! وربَّما هي تؤمن كما كان سائدًا قديمًا في بعض القرى أنَّ المرض سببُهُ واحد من ثلاثة: البرد، الجوع، ركوب الجنِّيِّ ابنَ آدم! وجدْتُها تحدِّق بي، كأنَّها تمثِّل الرُّعب، وهي تهمس في صوت مثل الفحيح: ماذا قرَّرْتَ؟ حاولْتُ تقليدها بأن وسَّعْتُ نظراتي بقدر المستطاع، وتصنَّعتُ التَّوتُّر، وأنا أجيب: ربَّما!
    بدأْتُ العمل مع عبَّاس عمليًّا وعلميًّا، ماذا عندك يا عبَّاس، وماذا تخفي من الأسرار؟ بدا لي ولدًا ذكيًّا، لَمَّاحًا، لا ينقصُهُ شيء، لكنِّي لن أعتمد على حدسي وحده، لا بدَّ من اتِّباع العلم وحده، أخذْتُ أدرس كلَّ ما يمكن لي استخدامه من الأدوات العلميَّة في سبيل اكتشاف كلِّ الغموض وتحليله بغية الوصول إلى حلٍّ يفيد بحثي، ويفيد عبَّاسًا قبل بحثي.
    لكن فوجئْتُ بأنَّ هذه المعلِّمة ترجوني أن أعطي الدُّروس بدلًا منها، ربَّما يتجاوب عبَّاس معي، بينما لا يتجاوب معها لأنَّها أنثى! رفضْتُ هذا العرض الحاتميَّ الغبيَّ، ليس من صلاحيَّاتي إعطاء أيِّ درس الآن، بعد أيَّام يبدأ الفصل الثَّالث ويحقُّ لي إعطاء الدُّروس، لكن وفق تراتبيَّة بيني وبين زملائي، وبتحضير المواعيد مسبقًا بيننا في دار المعلِّمين وليس بهذه العشوائيَّة السَّخيفة.
    بدأْتُ العمل على الرَّغم من ضيق الوقت، عندنا حضور في دار المعلِّمين، بالكاد ألتقي بعبَّاس عشر دقائق قبل بدء التَّعليم عنده وعندي، ودقائق قليلة وقت الفسحة عنده، لا أكثر ولا أقلَّ، أخذْتُ أحاول أن ألتقي بأساتذة عبَّاس جميعًا، هذه المعلِّمة الخرقاء تعلِّمه اللغة العربيَّة والتَّاريخ والجغرافيا والتَّربية (فقط)! أستاذ الرِّياضة قال إنَّ عبَّاس (سعدان حقيقيٌّ) يجب أن يأخذوه إلى مجاهل إفريقيا ليتسلَّق الأشجار أو يقفز من شجرة إلى أخرى، فهذا هو المجال الَّذي يبرع فيه تمامًا، وغير ذلك تضييع الوقت!
    طلبْتُ من عبَّاس أن يرسم لي أكثر إنسان يحبُّه، وقد جلس في غرفة فارغة في الطَّابق الأرضيِّ، وإذ بهذه المعلِّمة تندفع لتدخل؛ لأنَّها تريد أن (تقف فوق رأسه) وترى ما الذي يرسمُهُ و(توجِّهه وترشده)، فزجرْتُها ومنعْتُها من تنفيذ هذا الغباء.
    يجب أن أدرس العناصر التي حقَّقها عبَّاس في رسمته؛ لأدرس قوَّة التَّركيز عنده، لا ينبغي لأحد أن يكون بجانبه الآن، بالأخصِّ معلِّمة أشكُّ في أنَّ لها دورًا سيِّئًا جدًّا في حالة عبَّاس، ولا يجوز لأحد أن يوجِّهه ويرشده؛ لأنَّ النَّتيجة ستكون خطأ، ولن يُبنى عليها شيء علميٌّ صحيح، غضبَت هذه المعلِّمة، وقالت إنَّها ستجعلني أندم، لم أهتمَّ بها، هناك ما يشغلني أكثر، أشعر بمن يحدِّق بي في غضب شديد!
    ما هذا؟ بل من هذه؟ طفلة (مفعوصة) تنظر إليَّ وملامحها تنطق بالغضب! ما شأنُكِ يا فتاة؟ لقد رسم عبَّاس أكثر من يحبُّ، رسم أمَّه، خرج من الغرفة يخبرني بأنَّه أنجز العمل، وأخبرني في فخر أنَّ هذه أمُّه، لكنَّه طلب منِّي طلبًا غريبًا جدًّا، قال لي في حماسة نادرة: انظر يا أستاذ إلى الرَّسم، لكن أغلق عينَيك قبلها، فهذه أمِّي، هذا عِرضي وشرفي! أغلق عينيك وانظر، هل ترى هذه؟ إنَّها (الحجاب) الذي تضعه ماما، رسمتُهُ كما رسمْتُ شعرها، ذلك لأنَّها محجَّبة، انظر كما ترى، لكن لا تفتح عينَيك!
    بغضِّ النَّظر كيف أنظر ولا أفتح عينيَّ، عبَّاس تكلَّم في هدوء وأدب، أمَّا تلك الفتاة فجاءت مسرعةً نحوي، تقول لي في غضب هادر: أعطني ماما! سألتها متهكِّمًا: لماذا؟ هل تظنِّين أنَّني أضعها في حقيبتي؟ أجابت وهي تكاد تصرخ: أظنُّ؟ أنا متأكِّدة! رأيتُكَ تضع ماما في حقيبتك! هذه جريمة شرف! ستسيل الدِّماء! دماؤك يا أستاذ!

    يتبع إن شاء الله


  2. الأعضاء الذين يشكرون أ. عمر على هذا الموضوع:


  3. #2

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,621
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Actions Go Next View Icon رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    ما الكارثة التي وراء عباس؟!
    قهر!، حتى قبل أن أعرف!
    متشوقة للتكملة!
    أما المعلمة قهرتني!، يالها من …
    لا أريد سبها!!
    استغفرالله
    والفتاة الصغيرة ما ورائها؟!
    كلها أسئلة تحتاج جواب!!
    بانتظار الباقي!!

    بوركت يارب
    على جمال القص والسرد!
    زدت فضلًا وقدرا!
    في حفظ المولى،،
    ~

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    ما الكارثة التي وراء عباس؟!
    قهر!، حتى قبل أن أعرف!
    متشوقة للتكملة!
    أما المعلمة قهرتني!، يالها من …
    لا أريد سبها!!
    استغفرالله
    والفتاة الصغيرة ما ورائها؟!
    كلها أسئلة تحتاج جواب!!
    بانتظار الباقي!!

    بوركت يارب
    على جمال القص والسرد!
    زدت فضلًا وقدرا!
    في حفظ المولى،،
    ~

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    تلك المعلمة وحش بشري في صورة بشر
    أما الفتاة الصغيرة فهي أخت عباس، وقد اشتكت لوالدها طبعًا
    نتابع بعد قليل بإذن الله

  5. #4


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    أمَّا تلك الفتاة فجاءت مسرعةً نحوي، تقول لي في غضب هادر: أعطني ماما! سألتها متهكِّمًا: لماذا؟ هل تظنِّين أنَّني أضعها في حقيبتي؟ أجابت وهي تكاد تصرخ: أظنُّ؟ أنا متأكِّدة! رأيتُكَ تضع ماما في حقيبتك؟ هذه جريمة شرف! ستسيل الدِّماء! دماؤك يا أستاذ!
    الله يبشِّرُكِ بالخير! ما هذه البشارة الرَّائعة؟ أخبرني عبَّاس أنَّ هذه أخته، كنْتُ قد توقَّعْتُ ذلك فعليًّا من قبل أن يخبرني هذا الخبر العالميَّ! فجأةً أشرق وجه عبَّاس، وهو ينظر إلى سيِّدة تمشي في الملعب، أمسكْتُ به من يده، واتَّجهْتُ نحوها، هتفا في صوتٍ واحدٍ، في لهفةٍ متبادلةٍ: مدام/عبَّاس، واندفعَت نحوه تحتضنه وتمسح رأسه، سألتُها هل تُدرِّسه الآن؟ أجابت بالإيجاب، سألتُها كيف تقيِّم أداءه في الصَّفِّ؟
    هذه إنسانة تفهم معنى التَّعليم والتَّربية، هذه إنسانة تفهم معنى الإنسانيَّة، احتضنت عبَّاس أكثر، وانحنت كأنَّها تودُّ الجلوس على ركبتيها، كي لا يرى إشارتها من فوق رأسه أنَّ الأمر ميؤوس منه تمامًا، وهي تهتف متحمِّسة: عبَّاس؟ يقبر قلبي! شطُّور شطُّور، الله يحميه! رُنَّ الجرس هنا، انتهى وقت الفسحة، وقفَت هي، لمحْتُ في عينَيها التَّردُّد، فتحت فمها لتتكلَّم ثمَّ سكتَتْ، انصرفت أخت عبَّاس به، وهي تشير إليَّ بيدها متوعِّدة، قلْتُ للمعلِّمة في ثقة تامَّة: والآن تكلَّمي، وكوني واثقة بأنِّي أعرف ما ستقولين لي!
    تردَّدَت أكثر، قالت في عناد: من قال إنَّ عندي كلامًا؟ ابتسمْتُ قائلًا في سخرية لاذعة: زميلتُكِ التي تشير إليكِ من خلفي ألَّا تتكلَّمي، تظنُّ نفسها ذكيَّة وهي تحاول إخفاء الحقائق؟ شهقَتِ المسكينة شهقة كدْتُ أظنُّ أنَّ روحها خرجت معها! المعلِّمة الأخرى الحنون جمدَت في ذهول، وكلتاهما تهتف معًا: كيف؟ كيف عرفْتَ ذلك؟ نظرْتُ إلى المعلِّمة الَّتي أمامي بدون أن أجيب، بعد لحظات من صمتها قالت: نعم، أظنُّ أنَّك تعرف! أنا معلِّمة اللغة الفرنسيَّة، صحيح أنَّ عبَّاسًا لا يكتب ولا كلمة، ومعظم الوقت مثل النَّائم في الصَّفِّ، لكنْ أحيانًا قليلة، أطرح سؤالًا صعبًا، لا أحد يجيب عنه في الصَّفِّ كلِّه، أجده يقف ويجيب عن السُّؤال، إجابته صحيحة تمامًا، أكاد أبكي وأنا أرجوه أن يوضِّح لنا كيف علم بالإجابة، لكنَّه يعود إلى صمته ولا يجيب بعدها، هل هو مخبول؟
    مخبول؟ يبدو أنَّكِ تظنِّين أنَّ في جسد عبَّاس جنِّيًّا أنتِ الأخرى! يا عزيزتي عبَّاس عبقريٌّ، ليس ذكيًّا فحسب، لكنَّه رفض البيئة الصَّفِّيَّة تمامًا لسبب ما، أو لأسباب ما، ويجب أن أعرفها، ذهبْتُ إلى غرفة الإدارة ولحقَتْ بي تلك المعلِّمة الخرقاء، تهتف بي تطلب أن أتوقَّف، وأن أشرح لها كيف عرفْتُ أنَّها خلفي، وأنَّها تشير إلى صاحبتها بالصَّمت؟ قلْتُ لها في جدِّيَّة: تكرمي! سأكشف لكِ السِّرَّ، لكن لا تخبري أحدًا!
    التهب الفضول في أعماقها، سرٌّ، ولا تخبر أحدًا! يا سلام، نظرْتُ إليها، شردَتْ نظراتي بغتة كأنَّني أنظر إلى شيء وهميٍّ يحلِّق حولها في الهواء، ما أثار توتُّرها، وأنا أقول في صوتٍ عميقٍ: لقد أخبرني الجنِّيُّ الذي يركب عبَّاس يا ذكيَّة! شهقَت في رعب، صرخَت هل تمزح؟ قلتُ لها في تهكُّم: أمزح؟ هل عندَكِ حلٌّ آخر لهذا اللغز؟ هربَت عيناي من مكانهما إلى ظهري فرأتا حضرتَكِ وإشاراتِكِ؟ أو هناك عينان خفيَّتان، عينا جنِّيٍّ طبعًا، رأتاكِ وأخبرتاني؟
    يا لملامح الرُّعب في وجهها! تابعْتُ إلى غرفة الإدارة، أطلب من المدير أن يفتح لي سجلَّات علامات عبَّاس منذ التحاقه بالمدرسة، وأن يخبرني بالوقت الذي سيجيء فيه طبيب المدرسة لأنَّني أريد أن أراه، وأن... هتف الرَّجل: ما هذا؟ هل تظنُّ أنَّني موظَّف عندك؟ بحثُك انتهى، المعلِّمة التي رأيتَها عندي تقدَّمَت بشكوى ضدَّك منذ قليل، وأنا لن أقبل بأن تتابع بحثك في مدرستي، ثمَّ إنَّ...
    تابعْتُ بدلًا منه: ثمَّ إنَّ كلَّ الأمور واضحة، هل تعتقد أنَّك تخفي الأسرار؟ عبَّاس كانت علاماتُهُ مميَّزة في الصَّفِّ الأوَّل تمامًا، تراجعَت قليلًا في الصَّفِّ الثَّاني، لكنَّه هنا في الصَّفِّ الثَّالث لا شيء أبدًا، ثمَّ هل تظنُّ أنَّ ما فعلَتْه هذه المعلِّمة يخفى عنِّي؟ شهقَت كعادتها، وشاركها هو هذه المرَّة، وهتفا في ذهول: كيف تعلم كلَّ هذا؟ أجبْتُ في برود: لقد أخبرتُكِ قبل قليل، لكنَّكِ لم تقتنعي، هل تريدين أن يخرج الجنِّيُّ من عبَّاس ويركبَكِ لتستوعبي؟؟
    فعلًا كيف عرفْتُ بكلِّ هذا؟ من نظرة أوَّليَّة إلى رسمة عبَّاس، ولسْتُ خبيرًا بالرَّسم ولا أجيده، لكن تبيَّن لي الكثير من العناصر المتحقِّقة، لم يرسم عبَّاس دوائر سخيفة، بل ركَّز على التَّفاصيل، محقِّقًا كمِّيَّة كبيرة من عناصر الرَّسم: الرَّأس عنصر، الشَّعر عنصر، كلُّ أذن عنصر، كلُّ عين عنصر، كلُّ حاجب عنصر، عظمة الأنف عنصر، كل فتحة عنصر، وهكذا، عندنا – على ما أذكر – اثنان وخمسون عنصرًا، وعبَّاس حقَّق قسمًا كبيرًا منها، ما يؤكِّد أنَّه ليس غبيًّا، ثمَّ كلام معلِّمة اللغة الفرنسيَّة كشف لي عن ذكاء عبَّاس الخارق، لا بدَّ أنَّه بدأ قويًّا لامعًا متميِّزًا، ثمَّ تسبَّبت له هذه المعلِّمة بأذى فظيع جعله يكره المدرسة وينبذها، كيف علمْتُ ذلك؟ لأنَّها منذ اللحظة الأولى تريد منِّي ألَّا أندفع في البحث، وهي تتجسَّس على كلِّ ما أقوم به، وتحاول إقناعي بأنَّ عبَّاسًا غبيٌّ، والدَّليل على ذلك محاولاتها إسكات زميلتها كي لا تخبرني بهبَّات عبَّاس العبقريَّة الفذَّة الفجائيَّة.
    يبدو أنَّ كلماتي وجدت أثرًا كبيرًا، طلب المدير من المعلِّمة الانصراف، وطلب منِّي أن أتفضَّل بالجلوس، نظرْتُ إليه في ثبات، كأنَّما أقول له لا مفاوضات، قال إنَّه سيخبرني بكلِّ شيء، جلسْتُ منتظرًا إبداعاته، ولقد أبدع فعلًا، عبَّاس بهرهم جميعًا في الصَّفِّ الابتدائيِّ الأوَّل بذكائه وعبقريَّته، كانت كلُّ نتائجه (أ) في كلِّ الموادِّ، هذا يعني أنَّه عبقريٌّ، لكن فجأة حدث له حادث مع هذه المعلِّمة التي تسلَّمَت صفَّهم فجأة، مرض عبَّاس، غاب شهرين، عاد بعدها كأنَّه في كوكب آخر، كلُّ علاماته (و) في كلِّ الموادِّ!
    أمَّا في الصَّفِّ الابتدائيِّ الثَّاني، فبدأ عبَّاس بتميُّز مذهل، كلُّ علاماته (أ) في كلِّ الموادِّ، لكن فجأة حدث له حادث مع هذه المعلِّمة التي تسلَّمَت صفَّهم فجأة، مرض عبَّاس، غاب ثلاثة شهور، عاد بعدها كأنَّه في كوكب آخر، كلُّ علاماته (و) في كلِّ الموادِّ! أمَّا في الصَّفِّ الابتدائيِّ الثَّالث فمن بدايته عبَّاس صفر على الشَّمال، وهذا كلُّ شيء! لا يا عزيزي لا، هذا ليس كلَّ شيء، ما هو هذا الحادث العجيب الذي حدث مرَّتين في سنتين متتاليتين، وتسبَّب في غياب عبَّاس، مرَّة شهرين، ومرَّة ثلاثة شهور، وبعدها يرجع كأنَّه في كوكب آخر، وقد فقد ذكاءه وعبقريَّته كلَّها، هكذا فجأة؟؟
    اليوم التَّالي كان عندنا حضور في المدرسة نفسها قبل وقت التَّعليم في التَّكميليَّة، وقد جاء والد عبَّاس يطلب مقابلتي! في عينيه غضب شديد، و...

    يتبع إن شاء الله

  6. #5

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,621
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Actions Go Next View Icon رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    يا الله أحس بالقهر لا أدري لماذا!
    منذ البداية وأنا أظن أنه تعرض لشيء قوي!
    المعلمة ما جريمتها؟!
    حتى الآن لا أعرف!!
    بشوق لمعرفة الباقي!!
    بالانتظار!!

    بوركت يارب

    لجميل ما عرضت!!
    ما شاء الله
    زدت فضلًا وقدرا!
    في حفظ المولى،،
    ~

  7. #6


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    يا الله أحس بالقهر لا أدري لماذا!
    منذ البداية وأنا أظن أنه تعرض لشيء قوي!
    المعلمة ما جريمتها؟!
    حتى الآن لا أعرف!!
    بشوق لمعرفة الباقي!!
    بالانتظار!!

    بوركت يارب

    لجميل ما عرضت!!
    ما شاء الله
    زدت فضلًا وقدرا!
    في حفظ المولى،،
    ~
    تلك المعلّمة مجرمة إنسانيًّا وتربويًّا...
    بارك الله بكِ دومًا

  8. #7


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    وقد جاء والد عبَّاس يطلب مقابلتي! في عينيه غضب شديد، اتَّجَهْتُ نحوه وتبعني واحد من أصدقائي، جلسَنا نتكلَّم، حدَّثَني عن العرض والشَّرف، وسألني كيف أحتفظ بصورة امرأته؟ وابنته تقف أمامنا وتبتسم في ثقة وانتصار، أرجو لها حين تكبر أن تدخل قسم التَّحقيق الجنائيِّ، أظنُّ هذا يليق بها كثيرًا! أخرجْتُ الرَّسمة من المحفظة، كُنْتُ قد حدَّدْتُ – بمساعدة خبير – كلَّ العناصر الرَّسميَّة التي حقَّقَها عبَّاس ابن السَّابعة وأشهر في رسمته، وقد بلغت 40/52، وهي نتيجة تُقدَّر بدرجة ممتاز، سألْتُ الرَّجل هل هذه امرأتُك؟ هذه القصبة؟
    كُنْتُ أظنُّ نفسي ملك المفاجآت في هذه القضيَّة، لكنَّه فاجأني بنظرة الانبهار إلى الرَّسمة، وبكلماتِهِ بعدها: هذه امرأتي؟ لا أبدًا! هذه أحلى منها بكثير! أين أجدها؟ أين تجدها؟ لو اقتربْتَ قليلًا من ابنك لوجدْتَها هناك في ثنايا عقله، وخفايا قلبه المعذَّب لبعدك عنه وقسوتك بحقِّه، ولأنَّ أمَّه التي يحبُّها بعيدة عنه كذلك، لكنَّها لا تقسو على عبَّاس، فكرهك وأحبَّها، ونَفَرَ منكما معًا!
    ظلَّ الرجل ينظر في الرَّسم في شوقٍ عجيبٍ، وأخذ يدعو بأن تكون هذه امرأة حقيقيَّة لا خيالًا، ليتقدَّم لخطبتها حالًا وفورًا، وعلى سنَّة الله عزَّ وجلَّ ورسوله، أخذنا ننظر إليه في دهشة متسائلين أين عقله؟ طلبْتُ منه في نفاد صبر أن يحدِّثني عن عبَّاس قليلًا، فصاح في ذهول: ومن عبَّاس هذا؟ آه؟ عبَّاس!! نعم، هذا الغبيُّ! يريد من أمِّه أن تُدرِّسه، لكنَّها مشغولة بطفلها الرَّضيع الآن، تطلب منه أن ينتظرني لأدرِّسه بعد رجوعي من العمل، حين أطلب منه أن يقرأ عن الحاضر، و(أشعر) بأنَّه أخطأ، أضربه وأصرخ في وجهه: يا جحش!
    لم يتحمَّل رفيقي الذي معي هذا الكلام، وقف صارخًا في وجه الرَّجل، كاد يضربه، تبادل الاثنان الصُّراخ، لكنَّ غضب رفيقي كان عاتيًا، وكأنَّ عبَّاسًا ابنه هو لا ابن الرَّجل الذي أمامنا! (حين شاهدْتُ باب الحارة بعد سنوات، تذكَّرْت شخصيَّة رفيقي في أبو عصام حين يبدأ بالصُّراخ المفاجئ، حتَّى يتردَّد صداه في البناية كلِّها، لكثرة التِّلفزيونات الشَّغَّالة على باب الحارة وانفعالات أبو عصام)!!
    أوقفْتُ المهزلة أخيرًا، بكلمة حازمة أنِ اصمتا حالًا، صمتا وقلباهما ينبضان في غضب، جلسا، وجلسْتُ أتكلَّم مع والد عبَّاس، شرحْتُ له حالة ابنه، وهو يستمع في اهتمام تامٍّ، ما أسعدنا فعلًا، سألتُهُ عنِ الحادثتَين السَّابقتَين وكيف سكت عنهما، انتفض قال إنَّه لم يسكت! من قال إنَّه قد سكت؟؟ في الصَّفِّ الأوَّل، أخرجَتِ تلك المجرمة ابنه من الصَّفِّ، وأجبرَته على الوقوف تحت الشِّتاء في الهواء البارد مدَّة تُقدَّر بثلاث ساعات وربع (من الثَّامنة إلى الحادية عشرة والرُّبع)، مرض ابنه مرضًا شديدًا، وبعدها لم يكن يريد الرُّجوع إلى المدرسة، وفي الصَّفِّ الثَّاني، أخرجَت تلك المجرمة ابنه من الصَّفِّ، وصلبَتْه في أشعَّة الشَّمس الحادَّة مدَّة تُقدَّر بثلاث ساعات وربع (من الثَّامنة إلى الحادية عشرة والرُّبع)، مرض ابنه مرضًا شديدًا، وبعدها لم يكن يريد الرُّجوع إلى المدرسة، ثمَّ...
    سألتُه في غضب: وما كانت ردَّة فعلك؟ لمَ بقيتَ ساكتًا؟ صحيح قال لي قبل ذلك إنَّه لم يسكت، لكن لو كان هذا صحيحًا لما تجرَّأت هذه المعلِّمة على إعادة فعلتها، ولقد انتفض من جديد هاتفًا من قال إنِّي سكتُّ لها؟ لقد قُلْتُ لها: لا تعيديها، وإلَّا... وهنا هبَّ رفيقي من جديد يصرخ في وجهه، وقام هو ليصرخ، ارتفعت أصواتهما حتَّى جاء المدير يحاول تهدئتهما، فصراخهما وصل إلى الطَّابق الثَّالث، لكن لا فائدة تُرجى من محاولات المدير، حتَّى أمسكْتُ بيد رفيقي، ووقفْتُ قائلًا في هدوء: اصمتا!
    وتكلَّمْتُ مع الرَّجل بكلام تربويٍّ وإنسانيٍّ، لا أذكر حرفًا ممَّا قلتُهُ له، وربَّما كان كلامي مفكَّكًا، لكنَّه استمع في اهتمام، حتَّى المدير نفسه شارك قليلًا في توجيه بعض النَّصائح لمصلحة عبَّاس، مشكور يا صديقي، لكن لو تصرَّفْتَ بحزم مع معلِّمتك تلك من المرَّة الأولى، ما كنَّا وصلْنا إلى هنا، استمع والد عبَّاس وبدا في عينه الدَّمع، شكرني ووعدني بأنَّه سيهتمُّ بعبَّاس ويحضنه في عينيه، لأنَّه ابنه حبيب قلبه، وصافحنا، وهمَّ بالانصراف، لكنَّه تذكَّر بغتة أنَّه صافح صديقي الّذي صرخ في وجهه، فاستدار إلينا من جديد وبدأ هو وصديقي بالصُّراخ، والمدير لا يستطيع إسكاتهما!
    أمَّا أنا فلم أحاول ذلك هذه المرَّة، تركتُهما على راحتهما، مفكِّرًا في الخطوة الصَّحيحة لاستعادة عبَّاس من مستنقع الجهل والضَّياع، لكن كيف؟
    المسألة تبدو شبه مستحيلة، إلَّا إن التزم والد عبَّاس بوعوده في المرحلة الأولى...
    وحتَّى هذا الأمر وحده لن يكفي، أبدًا!

    يتبع إن شاء الله

  9. #8


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    بدأْتُ معَ الولد برائز حكايا لويزا داس، ساعدَتني زميلة لي في دار المعلِّمين، لأنَّ الحكايا للأطفال قد تجيدها النِّساء أكثر منَّا، بالأخصِّ أنَّ زميلتنا أمٌّ لها أطفال (رحمها الله، توفِّيَت منذ سنوات وهي تلد)، لن أذكر إجابات عبَّاس كلَّها بعد هذه السَّنوات الطِّوال، ما لم أجد نسخة من البحث الذي أجريُتُه آنذاك، لكنِّي أذكر بعضًا منها، ولمزيد من الإفادة سأعرض الحكايات كلَّها هنا، وهي مخصَّصة في المعتاد للأطفال، ما بين سنِّ السَّادسة والعاشرة:
    1-حكاية العصفور: بابا العصفور وماما العصفورة وابنهما العصفور الصَّغير، ينامون في عشِّهم على أحد غصون الأشجار، لكن ها هو الهواء قد هبَّ، فوقع العشُّ على الأرض، استيقظ العصافير، وطار البابا بسرعة إلى شجرة، والماما إلى شجرة، إلى أين يطير العصفور؟ (إجابة عبَّاس: يبقى مكانه أو يموت).
    2-حكاية عيد الزَّواج: اليوم عيد زواج البابا والماما، إنَّهما يحبَّان بعضهما البعض كثيرًا، وأقاما حفلة جميلة جدًّا، خلال الحفلة قام ابنهما وخرج وحده إلى الحديقة، لماذا؟
    (إجابة عبَّاس: لأنَّه حزين).
    3-حكاية الحمل: حمل يرعى في الحقل مع الماما-النَّعجة، ويلعب قربها، وفي المساء تعطيه الحليب السَّاخن الذي يحبُّه كثيرًا، ولكنَّه أصبح يأكل العشب الآن، وذات يوم طلبَت منه الماما أن يأكل العشب الطَّريَّ بسبب وجود حمل آخر صغير تريد أن ترضعه، فماذا يفعل؟
    (إجابة عبَّاس: يأكل ويسكت).
    4-قصَّة الدَّفن: موكب دفن يَمُرُّ في الشَّارع، والنَّاس يتساءلون: من الذي مات؟ فيجيب أحدهم أنَّه واحد من العائلة التي تقيم في هذا البيت، فمن هو؟
    (إجابة عبَّاس: أبوه)!
    5-حكاية الخوف: هناك طفل يقول بهدوء: آه، إنِّي خائف، ممَّ يخاف هذا الطِّفل؟
    6-حكاية الفيل: طفل يملك فيلًا صغيرًا، يحبُّه كثيرًا، الفيل جميل جدًّا، وله خرطوم طويل. ذات يوم عاد الطِّفل من نزهة، ودخل إلى غرفته، فوجد أنَّ الفيل قد تغيَّر، ما الذي تغيَّر فيه؟
    (إجابة عبَّاس: طالت أذناه).
    7-حكاية الشَّيء المصنوع: طفل صنع من عجينة كان يملكها شيئًا جميلًا جدًّا جدًّا، وكان الولد فخورًا بما صنع ووجده جميلًا جدًّا، إذا طلبَت منه أمُّه أن يعطيَها هذا الشَّيء الجميل، فهل يفعل؟ (ويجب التَّأكيد هنا للطِّفل الذي يخضع لهذا الرَّائز، بأنَّ الطِّفل حرٌّ تمامًا في اختياره، ويستطيع أن يقول نعم كما يستطيع أن يقول لا).
    (إجابة عبَّاس: نعم).
    8-حكاية النُّزهة مع الأمِّ: قام طفل بنزهة جميلة جدًّا مع أمِّه وحدهما، لقد فرحا كثيرًا معًا، عندما عادا إلى البيت رأى الصَّبيُّ أنَّ وجه أبيه قد تغيَّر، لماذا؟
    9-حكاية الخبر الجديد: عاد طفل من المدرسة، فقالت له أمُّه: لا تبدأ بالقيام بدروسك وفروضك تعال، أريد أن أخبرك خبرًا جديدًا، ماذا ستخبره أمُّه؟
    10-حكاية الحلم المزعج: استيقظ طفل من النَّوم وهو يشعر بالتَّعب، ثمَّ قال: يا للحلم المزعج الذي حلمْتُ به، فما هو هذا الحلم؟
    لن أستفيض في تحليل إجابات عبَّاس، يبدو أنَّها واضحة تمامًا، مثلًا حكاية العصفور، عبَّاس ولو كان يحبُّ أمَّه حبًّا كبيرًا، لكنه يفقد الانتماء تمامًا إليها وإلى والده، وحكاية الدَّفن تُبيِّن لنا كم يكره والده من أعماق قلبه، لكنْ من البديهيِّ أنَّنا لا نخرج باستنتاج متكامل من إجابة الولد عن حكاية واحدة، بل لا نخرج باستنتاج متكامل من إجابات الولد عن الحكايا كلِّها، بدون الرَّوائز الأخرى كرائز الرَّسم الذي يهدف إلى تحديد ملكة التَّركيز والذَّكاء عنده، ورائز السُّؤال الميدانيِّ المباشر، ولو أتيحَتِ الفرصة أكثر لنا لوسَّعنا دائرة البحث في العمل الميدانيِّ بزيارة منزل عبَّاس، لكنْ كان ذلك مستحيلًا لأنَّ والده يذهب من الصَّباح ليسترزق كسائق باصٍّ، ولا يعود إلَّا مساءً، وبيئتهم لا تتقبَّل دخول الرِّجال البيوت ما لم يكنِ فيها رجال، وهذا أمر نحترمه ونقدِّره، لكن، يكفينا بفضل الله تعالى، في تلك الحصَّة الفريدة في صفِّ الابتدائيِّ الثَّالث، وفي حصَّة تلك المعلِّمة الجزَّارة نفسها...
    عدد من رفاقي كانوا في المشاهدة الصَّفِّيَّة يتابعون تلك الحصَّة، ضمن مادَّة المشاهدات الصَّفِّيَّة، ويسجِّلون ملاحظاتهم وملحوظاتهم...
    طرحَتِ المعلِّمة سؤالًا صعبًا جدًّا، نظر الأطفال إلى بعضهم في حيرة تامَّة والتزموا الصَّمت...
    أمَّا عبَّاس فرفع يده، ظنَّتِ المعلِّمة أنَّه يريد أن يخرج إلى الحمَّام، سألتْهُ: نعم يا عبَّاس؟
    وإذ بعبَّاس، ينفض عن روحه غبار الأيَّام وينهض من تحت صخور الذِّكريات التي أثقلَت كيانه سنوات، ويجيب إجابة صحيحة تمامًا، بلغة فصيحة سليمة، بلا أدنى خطأ...
    نظر الجميع إليه في ذهول، الجميع بلا استثناء...
    المعلِّمة، ورفاقه التَّلاميذ، ورفاقي أنفسهم...
    ساد في الصَّفِّ صمت رهيب، ثمَّ تكلَّمَتِ المعلِّمة بغتة، وكان صوتها مرتفعًا بنبرة حماسيَّة...
    هل يا تراها شجَّعَت عبَّاس على إجابته الصَّحيحة ورحَّبَت به طالبًا جديدًا مُجدًّا؟
    أو أنَّها ارتكَبَت في حقِّه جريمة إنسانيَّة وتربويَّة جديدة تضاف إلى سجلِّ جرائمها القذرة؟
    لقد عاد عبَّاس إلى الحياة أخيرًا بما بدا أشبه بالمعجزة للجميع، فهل يستمرُّ في ذلك؟
    أو أنَّ هذه الجزَّارة ستعيد القضاء عليه من جديد، وإلى الأبد؟

    ملحوظة: أعتقد أنَّ النِّهاية واضحة، لقد انتفضَت المعلِّمة في غضب شديد، وصرخَت في وجه عبَّاس: "أنت سدّ بوزك"، ولقد أثار هذا استنكار الجميع، عبَّاس دمعت عيناه، لكن سرعان ما مسح دموعه، وعاد إلى حالة السُّكون التَّام، فهل أحكم على بحثي وجهدي في تشخيص حالته وعلاجها بالنَّجاح أو بالفشل؟ صراحة لا أدري، الحكم لكم...

  10. #9

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,621
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Actions Go Next View Icon رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    لا عاد وسكتوا لها؟!!
    أليس فيهم من يستطيع أن يوقفها عند حدها؟!!
    حقارة ودناءة ما رأيت مثلها ربما أبدا!!
    حسبي الله ونعم الوكيل!
    ربي يعوضه خيرًا ويجبر خاطره
    ويأخذ حقه ممن أذاه!!
    وينسيه ما مر به!
    الأب لا تعليق!
    شخصية مستفزة
    صبرنا ربي على من نلاقي!
    وزاد إيماننا وأغنانا عن الناس!
    نجحت لكن بعض الناس لا نسلم من شرهم وأذاهم وسوء أفعالهم!
    ملاحظة:
    ليس هناك إلا عيدين،

    بوركت يارب
    جمال وسرد ممتع!
    زدت فضلًا وقدرا!
    في حفظ المولى،،
    ~

  11. #10


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أين كيانك يا عباس؟ (في صميم الألم)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    لا عاد وسكتوا لها؟!!
    أليس فيهم من يستطيع أن يوقفها عند حدها؟!!
    حقارة ودناءة ما رأيت مثلها ربما أبدا!!
    حسبي الله ونعم الوكيل!
    ربي يعوضه خيرًا ويجبر خاطره
    ويأخذ حقه ممن أذاه!!
    وينسيه ما مر به!
    الأب لا تعليق!
    شخصية مستفزة
    صبرنا ربي على من نلاقي!
    وزاد إيماننا وأغنانا عن الناس!
    نجحت لكن بعض الناس لا نسلم من شرهم وأذاهم وسوء أفعالهم!
    ملاحظة:
    ليس هناك إلا عيدين،

    بوركت يارب
    جمال وسرد ممتع!
    زدت فضلًا وقدرا!
    في حفظ المولى،،
    ~

    للأسف، سكتوا لها...
    وتصرفاتها هذه ندعو الله بأن تنال جزاءها في نفسها وأولادها...
    أما عباس فندعو بأن يكون شابًا ملتزمًا واعيًا، لم يعد طفلًا بعد مضيِّ 22 سنة على هذه الذكرى، لكن فعليًا من وقتها لم أره ولا أعلم شيئًا عنه...
    أما هذا الأب، فلم أر مثيلًا له من قبل، وسلم صديقي الذي لم يقصر فيه بالصراخ والعتاب...
    بارك الله بكم ولكم...

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...