بسم الله الرحمن الرحيم ...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وسيد الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى أثرهم ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين ..

حياكم الله إخواني الكرام خير تحية ، وجعل أعمالنا وإياكم لوجهه تعالى خالصة نقية ..

أما بعد ..

لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار داء قديم متجدد ، ألا وهو داء التعميم ، فتجد الشخص من الناس يتحدث عن عشرات الآلاف من فئات أخرى بشتى اتجاهاتها أو تصنيفاتها مهما بلغ عددهم بأسطر قليلة يفسق أو يبدع فيها تلك الفئة الكبيرة من الناس دون بينة ولا علم منه ولا حتى قيامه بأبسط ما يستحقه إخوانه وهي كلمة (إلا من رحم الله) التي يستثقلها الناس كثيراً أو يتناسونها عند التعميم ، ووالله إن هذا بلاء عظيم ، ويجر على كاتبه من الإثم ما الله به عليم ..

ومما سمعته من فمِ العلامة الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي في هذه المسألة
أن من يعمم على فئة من الناس باطلاً أو صفة من الصفات السيئة فعليه إثم كل شخص عمّم عليه هذا الباطل أو تلك الصفة .. كأن يقول شخص ما .. الشعب الفلاني مشهور بالسرقة ، والشعب الفلاني أغلبهم محتالون ولا يكلف نفسه حتى بكلمة استثناء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..


وأورد في هذا الموضوع البسيط مقالاً من موقع طريق الإسلام للأستاذ محمد بن إبراهيم الحمد تتعلق بهذا الموضوع .. حيث يقول جزاه الله خيراً :


ظاهرة منتشرة تشيع في أوساط الناس، وتتغلغل في كثير من الطبقات، تلكم هي ظاهرة التعميم. ولأجل أن يتحدد الموضوع، وينحصر فإنه يحسن أن يقال: ظاهرة التعميم في الحكم. هذه الظاهرة تأخذ صوراً شتى، منها التعميم في الحكم على الأشياء؛ أو الحكم على الأشخاص، أو الحكم على الأفكار، أو الحكم على البلدان، أو حتى الحكم على الأسماء إلى غير ذلك من صور التعميم.


ولا ريب أن التعميم في الحكم ليس من مسلك العقلاء الباحثين عن الحقيقة الذين يبنون أحكامهم على دراسة متأنّية، ونظرة شاملة، وعدل وإنصاف بعيداً عن العجلة، والمجازفة، وغلبة الهوى. فصحّة التفكير، والحكم على الأشياء، وجودة التصور والتصديق ليست منوطة بموهبة الذكاء، بل هي منوطة بتربية النفس منذ الصغر على حب الخير والحق، والتجرد من الشرور والأهواء، واهتمام بإدراك الأمور من جميع وجوهها، وإدراك الفروق بين المشتبهات عند التباسها.


وإذا تربّى الفكر منذ الصغر على صحة التفكير نشأ صاحبه سديد الحكم، محباً للحق سواء كان له أو عليه. وإذا كانت الثانية بات الرجل وليس فيه من الرجولية إلا اسمها.
قال الله جل وعلا: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، وقال:{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} .


قال ابن حزم -رحمه الله-: "وجدت أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره. وأما من طبع على الجور واستسهاله، وعلى الظلم واستخفافه، فلييأس من أن يصلح نفسه، وأن يقوم طباعه أبداً، وليعلم أنه لا يفلح في دين ولا خلق محمود".

وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور -رحمه الله-: "والعدل مما تواطأت على حسنه الشرائع الإلهية، والعقول الحكيمة، وتمدَّح بادعاء القيام به عظماء الأمم، وسجلوا تمدُّحهم على نقوس الهياكل من كلدانية، ومصرية، وهندية. وحسن العدل بمعزل عن هوى يغلب عليها في قضية خاصة، أو في مبدأ خاص، تنتفع فيه بما يخالف العدل بدافع إحدى القوتين: الشاهية، والغاضبة".


ومن أجلى صور التعميم مما مر ذكره إجمالاً التعميم في الذم، فتجد من الناس من يغلب عليه جانب المبالغة في إطلاق الأحكام؛ فتراه يعمم الحكم في ذم قبيلة، أو أسرة، أو جماعة، أو اسم من الأسماء، أو فكرة من الأفكار دونما بحث أو تحرٍّ أو إنصاف.

وهذا التعميم قد يزري به عند العقلاء، وقد يوقعه في حرج دون أن يتنبه له؛ فقد يكون من بين الحاضرين من يتناوله ذلك الذم العام الظالم؛ فلا يتنبه له المتكلم أو الكاتب إلا بعد أن تقع الفأس بالرأس.
بل ربما عرَّض ذلك الذامُّ المعممُ نفسه للإساءة، فقد يسيء بصنيعه إلى شخص غضوب لا يتحمل الإساءة، فيقوده ذلك الصنيعُ إلى الإساءة أو التشفي، وردِّ الإساءة بمثلها أو أشد.
ولهذا كان من الأهمية بمكان أن يتفطّن المرء لهذاالأمر، وأن يتحفظ من سقطات لسانه، وكبوات يراعه، وأن يتجنب كل ما يشعر بأدنى إساءة أو ظلم لمن لا يستحقه؛ فذلك أسلم له، وأحفظ لكرامته، وأقرب لتقواه لربه.
قال ابن المقفع: "إذا كنت في جماعة قوم أبداً فلا تعُمَّنَّ جيلاً من الناس، أو أمة من الأمم بشتم ولا ذم؛ فإنك لا تدري لعلك تتناول بعض أعراض جلسائك مخطئاً؛ فلا تأمن مكافأتهم، أو متعمداً؛ فتنسب إلى السفه. ولا تذمن مع ذلك اسماً من أسماء الرجال، أو النساء بأن تقول: إن هذا لقبيح من الأسماء؛ فإنك لا تدري لعل ذلك غير موافق لبعض جلسائك، ولعله يكون بعض أسماء الأهلين، والحُرُم. ولا تستصغرن من هذا شيئاً؛ فكل ذلك يجرح في القلب، وجرح اللسان أشد من جرح اليد".


وبناء على ما مضى فإن التحرّي، ولزوم العدل، والسلامة من الهوى من أوجب ما يجب على المتكلم أو الكاتب؛ فلا يليق به أن يؤسس قاعدة عامة يبني عليها حكماً كلياً بسبب خطأ، أو سوء تصرف بدر من أحد أفراد ذلك العموم.
وقد يكون ذلك العموم يحمل قاسماًًَ مشتركاً من ذلك الحكم، ومع ذلك فإنه يحسن التحري إذا أريد الحكم على واحد بعينه؛ فإن الجمع المرادَ ذمُّه قد يكون فيه خطأ أو ظلم، ومع ذلك فإن الخطأ والظلم قد يتفاوت قلة وكثرة.

ولعل من أسباب تلك الظاهرة قِصَر النظر؛ فبعض الناس قد يمر بموقف ما، سواء من أهل بلد أو طائفة، فيجعله ذريعة لتعميم النَّيْل من أهل ذلك البلد أو من تلك الطائفة، وغاب عنه {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وأن {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} .


أسأل الله أن ينفع بهذا من يشاء من عباده، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط ..

وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ..