السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم

قيام الليل وفضله والأسباب الميسرة لقيامه:


أولاً: الآيات الواردة في فضل قيام الليل:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰما﴾الفرقان[64]
قال سعيد بن جبير: "يعني يصلون بالليل"
وقال ابن جرير: "والذين يبيتون لربهم يصلون لله، يراوحون بين سجودٍ في صلاتهم وقيام"
وقال السيوطي: "ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سجداً لربهم، تجري دموعهم على خدودهم خوفاً منربهم"
قال الحسن: لأمرٍ ما سهر ليلهم، ولأمر ما خشع نهارهم"


وقال تعالى: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْعَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْيُنفِقُونَ﴾السجدة:[16]
قال الحسن: "يعني قيام الليل"
وقال مجاهد: "يقومون يصلون من الليل"
وقال ابن كثير: "يعني بذلك قيام الليل، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة".

وقال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاءٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِقُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾الزمر[19]
قال ابن عباس: "من أحب أن يهوِّن الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة، ويرجورحمة ربه"

وقال تعالى: ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مّنٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾الذاريات:17،18
قال الحسن: "كابدوا قيام الليل"
وقال أيضاً: "مدوا في الصلاة ونشطوا حتى كان الاستغفاربسحر"
قال الله تعالى : ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن المَضَاجِعٍ ﴾ (السجدة:16)
----------------------------------

وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم،ومغفرة للسيئات،ومنهاة عن الإثم)) وفي فضله أحاديث كثيرة.

وقال الحسن البصري رحمه الله :لم أجد من العباد شيئاً أشدُّ من الصلاة في جوف الليل، فقيل له :ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها؟ فقال:لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.


وقال تعالى مادحاً المؤمنين: ﴿والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً﴾ الفرقان،
وقال سبحانه يصف قيام الليل: ﴿ إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً﴾ المزمل

قال الطبري: " أشد وطأً أي أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة ".

-هذا وإن للتهجد في نظر الشرع أهمية كبيرة في حياة المسلم لذا فقد حذَر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك قيام الليل لمن اعتاده . فعن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل " رواه البخاري.
*******************

وقد مدح الله أهل الإيمان والتقوى , بجميل الخصال وجليل الأعمال , ومن أخص ذلك قيام الليل , قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة، الآيات: 15-17] ووصفهم في موضع آخر , بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إلى أن قال : أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾[الفرقان، الآيات: 64-75]


وفي ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم , والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممن فاز بذلك . قال تعالى : ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾[القمر، الآيتان: 54، 55]


وقد وصف المتقين في سورة الذاريات , بجملة صفات - منها قيام الليل - , فازوا بها بفسيح الجنات , فقال سبحانه : ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ[الذاريات، الآيات: 15-17]


فصلاة الليل لها شأن عظيم في تثبيت الإيمان , والإعانة على جليل الأعمال , وما فيه صلاح الأحوال والمآل، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ إلى قوله : ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا[المزمل، الآيات: 1-6]


وأما وقت التهجد فهو الثلث الأخير من الليل، فقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالت: " كان ينام أوله ويقوم آخره فيصلي ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذن المؤذن وثب فإن كان به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج " رواه البخاري.

وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عبيه وسلم قال: " إنّ الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأخير ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ حتى يطلع الفجر "



الأسباب الميسرة لقيام الليل:

اعلم:أن قيام الليل صعب إلا من وفق للقيام بشروطه الميسرة، ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة لذلك:
فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:

الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.
الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.


وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:

الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.


قال أبو سليمان رحمه الله:أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم،ولو لا الليل ما أحببتُ البقاء في الدنيا.

وفي ((صحيح مسلم)) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلاَّ آتاه إياه،وذلك كل ليلة))
وإذا استيقظ للتهجد فليدع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم ربنا لك الحمد،أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن،ولك الحمد أنت الحق ،ووعدك الحق ،ولقاؤك حق ،والحنة حق ،والنار حق ،والنبيون حق،ومحمد حق،والساعة حق،اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت)).


وليجتهد أن يكون آخر كلامه عند النوم ذكر الله، وأول ما يجري على لسانه عند التيقظ ذكر الله تعالى، فهاتان علامتان على الإيمان.



فتلخص مما سبق أن قيام الليل:


** من أسباب ولاية الله ومحبته .
** ومن أسباب ذهاب الخوف والحزن , وتوالي البشارات بألوان التكريم والأجر العظيم .
** وأنه من سمات الصالحين , في كل زمان ومكان .
** وهو من أعظم الأمور المعينة على مصالح الدنيا والآخرة ومن أسباب تحصيلها والفوز بأعلى مطالبها .
** وأن صلاة الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة وقربة إلى الرب ومكفرة للسيئات .
**وأنه من أسباب إجابة الدعاء , والفوز بالمطلوب المحبوب والسلامة من المكروه المرهوب ومغفرة سائر الذنوب .
** وأنه نجاة من الفتن , وعصمة من الهلكة , ومنهاة عن الإثم .
**وأنه من موجبات النجاة من النار , والفوز بأعالي الجنان
جعلنا الله وإياَّكم ممن قام الليل فحطت ذنوبه وتقبل دعاءه
اللهم آمين


والسلام عليكم ورحمة الله