قصة قصيرة: --{ خير الناس أنفعهم للناس }--

[samsoma]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصة قصيرة قمت بتأليفها
أتمنى أن تنال إعجابكم


المكان والزمان والشخصيات خيالية. لم تحصل الأحداث في دولة معينة.

{ خير الناس أنفعهم للناس }


خير الناس أنفعهم للناس.. هكذا ربانا والدي. أبي يعمل فلاحاً في قريتنا الصغيرة وهي مهنة توارثها عن والده. بالرغم من بساطة المهنة إلى أن أبي وجدي "رحمه الله" على قدرِ من العلم ويعدان العلم أقوى سلاح في الحياة. جدي لم يستطع إدخال أبي للمدرسة لأنه لم يملك المال الكافي لذلك فكان أبي يتعلم كما تعلم جدي قبله, في المسجد. ولحسن حظهما فإن شيخ المسجد الذي علمهما كان على قدر واسع من العلم, خصوصاً تاريخ الإسلام. لهذا كبرنا أنا وإخوتي, محمد 35 عاماً, يوسف 32 عاماً, أنا إبراهيم 27 عاماً وأختي الصغرى مريم 18 عاماً, كبرنا على هذه القصص. أنا وإخوتي كلنا والحمد لله ذهبنا للمدرسة وتخرجنا منها ولهذا نعد من الناس المحظوظين جداً في القرية. قد يستغرب المرء كيف أمكن لأبي أن يتحمل تكاليف ذهابنا كلنا للمدرسة لكن أبي يقول أن هذا فضل الصدقة. أبي يقسم أمواله التي يجنيها من المزرعة إلى ثلاثة أقسام, ثلث للأساسيات وثلث للدراسة والثلث الأخير كله للفقراء والمساكين الذين تعج بهم قريتنا. لذا لا يمكن أن نشتري شيئاً من المكملات, أحياناً إن فاض مال الأساسيات, وهذا يحصل نادراً, نتصدق به كله. جدي وأبي يقولان أنه لا داعي بأن نفتح ولو نافذتنا على فتن الدنيا, الأفضل أن نتقيها لأن حياتنا هي مجرد طريق وغايتنا هي الجنة. أحب هذا الاعتقاد السائد في منزلنا.

أخي محمد, سماه أبي على اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو كذلك اسم جدي. محمد طبيب, كان أنبه ولد في المدرسة ولهذا حصل على منحة لدخول كلية الطب. لم يتزوج أخي رغم إلحاح والدتي عليه. يقول بأن عمله هو أهم ما لديه الآن وأنه لو تزوج فإما أنه سيعذب زوجته وأطفاله معه وإما أنه سيخفف عمله, وهو يكره الخيارين لذا اختار البقاء دون زواج. بصراحة أخي إنسان رائع, هل تعرفون طبيعة عمله التي تمنعه من الزواج؟ أخي إنسان يلقي بمسؤولية الجميع على عاتقه, هو كان يعمل طبيباً في مشفى المدينة في البداية لكن منذ أن تيسرت أحواله, وبمساعدة كبيرة من أبناء قريتنا بنى أول عيادة في قريتنا. وهو يبقى فيها تقريباً طوال اليوم لأنه يأتيه أناس حتى من خارج قريتنا بسبب سمعته الطيبة. فأجور تطبيبه أقل بكثير من أجور المشفى بالمدينة, كما أنه يعير مرضاه اهتماماً بالغاً, دائماً ما يسئل عنهم وعن أحوالهم. ويتفانى في مهنته تفانياً عالياً حتى أنه اخترع ثلاثة أدوية لتخفيف الآلام من نباتات زرعتها أمي له يوزعها بالمجان لكل من يحتاجها. عندما يقول له أي شخص استرح قليلاً يقول وهو يبتسم: "سأستريح حين تطأ قدماي أرض الجنة, ادعُ لي.."

أخي يوسف, مهندس معماري, متزوج وله فتاة وولد. يوسف أيضاً حصل على منحة, وأخلص بعدها الكثير من عمله للقرية, أول مشروع له كان بناء جسر فوق النهر الذي يفصل قريتنا بالأرض المجاورة يختصر مسافة شاسعة كان يقطعها أهل القرية ومنهم والدي ذهاباً للمدينة من معبر بعيد. بعدها توالت مشروعاته المفيدة كعيادة أخي وتعبيد طرقات القرية. يشترك أخي في هذه المشاريع مع عدة مهندسين هم زملاؤه من أيام الدراسة. لم يعد أخي يعيش في قريتنا بل انتقل للمدينة لكنه يزورنا دائماً ولم ينس يوماً, رغم ترف الحياة المدنية, قريته وأنه على موعد مع الله يوم القيامة. لم يفتح نافذة الدنيا على حياته, كل ما في الأمر أنه أراد حياة سهلة لعائلته.

أختي مريم فتاة جميلة جداً, نور إيمانها يسطع من وجهها. تقضي معظم وقتها بالمنزل تساعد أمي في واجباتها المنزلية ومعظم وقت فراغها تقضيه في عبادة الله عز وجل أو بعمل شيء مفيد. تخرجت من المدرسة لكنها لم تذهب للجامعة, لم يمنعها أحد لكنها لم ترد ذلك لأنها تعلم أنها لن تعمل بعدها. هي تذهلني كذلك, رغم عمرها الصغير إلا أن تصرفاتها ناضجة جداً. تقوم منذ صلاة الفجر ثم تعد الفطور مع أمي, تتناوله معنا وبعد أن ينصرف كل واحد منا لشؤونه تذهب هي, التي تعلمت الخياطة لوحدها, بخياطة شيء لنا, قميص, مفرش طاولة أو ما شابه ذلك. لم أرها تضيع وقتها في فراغ قط, حتى عندما تزور صديقاتها فإنهن يجتمعن على أشياء مفيدة, إما ذكر الله أو رواية قصص الصالحين أو عمل شيء مفيد, كالخياطة والاعتناء بكبار السن في القرية.

ثم آتي أنا, إبراهيم. إخوتي الكبار انشغلوا بدراستهم كثيراً أما أنا لم أكن مثلهم. لم أحب الدراسة, لم أكن الأفضل لكني كنت جيداً بدوري, إلا أني لم أذهب للجامعة لأني لم أحصل على منحة. لست متزوجاً لكني أخطط لذلك. لم أحب الدراسة كما قلت لكني أحببت قصص التاريخ. أحببت كل ما كان يحكيه جدي, جدي توفي منذ عامين رحمة الله عليه. أعتقد أني كنت الأكثر تعلقاً به, ذلك أني كنت أقضي معظم وقت فراغي معه, أحدثه ويحدثني. أحببت التاريخ منه, قرأت العديد العديد من الكتب التاريخية, كل ما وجدته في مكتبة المدينة العامة. لهذا أصبحت مدرس مادة التاريخ في مدرسة المدينة, دائماً أزيد معلومات على المذكورة في الكتاب لطلبتي الإعداديين. لا زلت إلى الآن لا أصدق أن جدي مات, في أحيان كثيرة أتخيل أني ما إن أعود للمنزل فإني سأجده كعادته على كرسيه الأخضر, ممسكاً مسباحه ويذكر الله, أدخل وأقبله على رأسه, فيقول لي: "بارك الله فيك, بارك الله فيك", مرتين دائماً.

أشعر أني بلا فائدة في أحيان كثيرة, خاصة عندما أرى إخوتي. لا أغار منهم بل أحمل لهم مشاعر الغبطة. رغم شعوري أني بلا فائدة إلا أني في قرارة نفسي أرى طاقة هائلة ضائعة, لا أعلم أين أفجرها. أشعر بأن كل ما تعلمته له فائدة عميقة لكن الوقت لم يحن بعد لتخرج.

--------------------

في وقتنا هذا, بلدتنا ليست على ما يرام. حصلت العديد من المشاكل السياسية, رفض الحاكم بيع محصولات المزارعين للدول الغنية بثمن بخس بينما تبيعه هي بدورها لأفرادها بأثمان باهضة تفوق ما تشتريه بعشرات الأضعاف, وطالب الحاكم بنسبة من الربح كذلك. بسبب مناقشاته هاجم الأعداء بلدتنا وبعد أسبوع يأتي دور قريتنا. دب الذعر أرجاء البلدة, نحن دولة فقيرة ولا نملك من السلاح ما يملكه أعدائنا, وقريتنا تكاد تخلو من الأسلحة, هنا أغلب الناس بالكاد يجدون قوتهم, من أين سيجيئون بالسلاح؟ حقاً يالبغض قلوب بعض الناس!! سرقونا زماناً طويلاً وأحالوا حياتنا لفقر معدم والآن يقاتلوننا كأننا نحن من قام بضرهم؟!

لكن لحظة!! ربما الآن حان الوقت للاستفادة من التاريخ, أو ليس موجوداً لنعتبر منه؟
نحن قليل لكن قال الله تعالى: { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله }. معركة اليرموك, ألم يهزم المسلمون الروم وهم 36 ألف مقاتل بينما بلغ عدد الروم 200 ألف مقاتل؟ المسألة مسألة إيمان وغاية وليس عدد وسلاح. من يحاربنا لسبب مثل سبب أعدائنا لابد وأن يكون ضعيف الإيمان بالله تعالى.

أهل قريتي ليسوا ضعاف القلوب, لقد تربوا على حب الله ورسوله, ويلٌ لأعدائنا منا. يبدو أن الحرب في هذا الجانب من بلدتنا قد تقرر بدأها من قريتنا. وقد جمع أهل قريتنا بعض أهل القرى المجاورة القادرين على القتال وقُسِموا لجيوش وعلى كل جيش قائد. كل جيش من قرية, أنا مع جيش قريتي. رأيت الموقف الذي يحصل أمامي ولم يعجبني, لِم هناك عدة جيوش يقود كل واحد منها قائد؟ يبدو لي الأمر كنوع من التفرقة. ثم تذكرت حدثاً عظيماً في تاريخ أمة الإسلام, معركة أجنادين التي وحد فيها خالد بن الوليد رضي الله عنه الجيوش الأربعة لتصبح جيشاً واحداً في الحرب ويتولى كل قائد جيش قيادة الجيش الموحد في كل يوم من أيام الحرب. ثم ذهبت لقادة الجيوش الذين كانوا مجتمعين في قريتنا قبل يومين من بدأ الحرب, يتفقون على خطة. ذهبت إليهم وقلت لهم أمر معركة أجنادين وأنها خطة عسكرية جيدة فوافقوا من فورهم على الأمر.

قبل ليلة من الحرب التي ننتظرها نمت بصعوبة, وحلمت حلماً غريباً. حلمت أني أمشي في طريق مستقيم على أرض جرداء, وفي نهاية الطريق يجلس جدي في روضة خضراء. كنت أعلم أن جدي هناك منذ البداية, في نهاية حلمي وصلت إلى جدي وعانقته عناقاً حاراً وكنت أبكي, فقال لي كعادته: "بارك الله فيك يا بني, بارك الله فيك", مرتين. استيقظت من نومي مبتسماً, لا أعلم لما, ربما رؤية جدي ثانية أسعدتني.

بدأت الحرب وكانت شاقة, أخي محمد لم يشارك في القتال بسبب إلحاح أهل القرى الشديد عليه بحاجتهم إليه وأنه لا يمكنهم تحمل خسارته, فأصبح يطبب الجرحى ومريم تساعده في ذلك بينما شارك يوسف في القتال.في اليوم الثالث من الحرب, وبينما أنا أقاتل الأعداء وبي جراح عديدة منذ اليومين السابقين, في وسط تلك الضوضاء الصاخبة شعرت فجأة بهدوء عارم. شعرت بأن شيئاً شق جسدي ثم أقلني لذاك الهدوء. في تلك اللحظة حصلت أشياء عديدة, انتقلت للهدوء ورأيت العديد من معارفي, أمي وأبي وإخوتي وأصدقائي المقربين وأخيراً جدي.

بعد عامين انتهت الحرب بفوز بلدتنا ووافق الأعداء على منح الفلاحين ما يستحقون لقاء تعبهم. معركة قريتنا كانت أول معركة يفوز فيها أهل بلدتنا, خسرنا فيها الكثير لكن خسارتنا كانت أقل من خسارة باق بقاع بلدتنا. بعد هذه المعركة لم يطأ الأعداء أرض قريتنا والقرى التي حاربت معنا لأنها كانت متحدة, أعتقد أنها اتحدت رسمياً بعد الحرب. لقد نلت الشهادة في تلك الحرب لذا لم أمت, لا زلت حياً. بالمعنى القرآني وبمعنى آخر كذلك. ألا يقال بأن الناس يموتون حقاً عندما ينسون؟ أهل قريتي والقرى المجاورة لم ينسوني لأني في نظرهم صاحب الخطة التي وحدتهم والتي بسببها, بعد توفيق الله, كان النصر.

من يدري, قد يذكر في إحدى كتب التاريخ أنه أثناء الحرب اقترح إبراهيم على أهل البلدة العمل بخطة خالد بن الوليد رضي الله عنه في معركة أجنادين!

---------------------

تم بحمد الله

في بداية القصة ربما فكرتم بأنها عائلة مثالية
لقد تعمدت ذلك, لأنه من يعش على حب الله وطاعته لا يمكن لحياته إلا أن تكون مثالية, فكل شيء يمر به سيراه خيراً
قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له ."

ما رأيكم؟
وما هي العبرة التي لخصمتموها من القصة؟

[المسلم]

بسم الله الرحمن الرحيم ‘‘

قصة جميلة و هادفة و هادئة ..

ربَّما لمْ نُحس بعنصر التشويق ؛ لاهتمامكِ بالمعنى العام للأقصوصة ..

*من العبر المستخلصة : العمل والبذل لوجه الله لايضيع في الدُّنيا و الآخرة .

. .. . .. . .. . .. . ..

ولعلِّي هُنا أتقمص دور الجد لأقول :

"باركَ اللهُ فيكِ .. وباركَ اللهُ لكِ بقلمكِ" !!

جزيلَ شُكري لكِ

~ فائق احترامي ~
المسلم

[Hayoona]

مشكوره أختي قصه هادفه وممتعه
ننتظر جديدك

[Kimberly]

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مشكورة كثير كثير اختى
قصة رائعة و معبرة و هادفة
و هذا ما أفضله
سلمت يمناك
فى رعاية الله

[samsoma]

المسلم
ردكـ أسعــدني جــداً ..!
فيــهـ نقــد بنــاء رائــع مـا شــاء اللــهـ ..,

بل شكــري أوجهــه لــك
^^

Hayoona
jasmena
أشكــركم علــى مـروركــم الرائـــع.,
^^

[فتاة الصداقة]

مشكورة أختي
قصة رائعة وممتازة
بارك الله فيك
وسلمت يداك

[الخـ سحر ـيال]

مشكورة أختي علي القصة الهادفة

^____^

كل التحية

[samsoma]

مشكـوريـن جـداً علـى مـروركـم العطـر
أتمنـى أنـ تكـون القصـة قـد حـازتـ علـى إعجـابكـم
^^

[الوردة الجورية]

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
قصة رااائعة وهادئة حقاً ..
أروع مافيها .. المعنى السامي الذي حمله العنوان ..

أشعر بأن كل ما تعلمته له فائدة عميقة لكن الوقت لم يحن بعد لتخرج

جملة راائعة .. تعبر عن حالنا بشكل دقيق !
. . . .
الله يعطيك العافية أختي ..
أتمنى أن تثري منتدانا بقصصك الرائعة
وفقكِ الله لما يحبه ويرضاه
بانتظار جديدكِ

[سميد]

بارك الله فيكي اختي
قلم ف ابدع
قلم خط بحبر الفن والابداع
القصه اكثرمن
رائعه
اسطوره
فيها كل العبر
بارك الله في هذا القلم المنير
.....

[samsoma]

الوردة الجورية
أشكـركِ جـزيـلــ الشكـر علـى مـروركِ الـرائـع
أسعــدتنـي حقـاً ،، وأخجلتـي تـواضعـي

وسعـدت أيضـاً مـن اختيـارك لجملـة أعجبتــكِ
سـأحـاول الكتـابـة أكثـر بـإذنـ اللـهـ ،،
دمتـي بـود
~

،
،

bhbh
أشكـرك أخـي علـى مـرورك الـرائـع
سعيــدة لأنـ القصـة أعجبتــك
وسعيـدة لأنـك وجـدت فيـها العبـر
فـي حفـظ اللـهـ ~