[إبداع] –[-• قِصَّةٌ قَصِيْرَةٌ: عَالَةٌ لَا يَتَكَفَّفُون..•-]–

[ شظايا أدبية ]


النتائج 21 إلى 24 من 24

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية للذكرى حنين

    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المـشـــاركــات
    1,537
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Post [إبداع] –[-• قِصَّةٌ قَصِيْرَةٌ: عَالَةٌ لَا يَتَكَفَّفُون..•-]–








    كيفَ حالكمْ يا أحبّة؟


    أتمنى من الله أن تكونوا بخيرٍ وعافية..




    هذه قصةٌ قصيرةٌ كتبتُها..




    ::



    و تعتبرُ هذه القصة من إنتاجات أواخر عام 1429هـ..




    بالتحديد في شهر ذي الحجة، قبل حادثة رمي الحذاء على الرئيس الأمريكي السابق..

    تعتبرُ (قصةً قصيرة)، ومراعاة لشروط المسابقة التي شاركتُ فيها اقتصرتُ على 3 صفحات فقط تقريبًا،

    وهذا سبب قصرها وقلة أحداثها..


    عنوانها: (عالةٌ لا يتكففون) أي فقراء لا يسألون الناس -باختصار-.. وحرصتُ أن تحوي مضامين جيدة



    أهمها العفة عمّا في يد الناس للفقير..



    بالطبع خضعت القصة للنقد قبل مشاركتي بها ، بل قُتِلتْ نقدًا ^^"، لكنني أحبُّ أن أرى رؤاكم النيرة..



    فلا تحرموني منها..


    بانتظارِ آرائكم ونقدكم..


    مع شكري لكم..

    و لكم التحية..











    عَالَةٌ لَا يَتَكَفَّفُون*


















    * الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة النادي الأدبي الأحسائي لأواخر عام 1429هـ وتمَّ

    التكريم يوم 4/ 3 /1430 هـ..






    مَا قَبْلَ البَدْءِ: ثَمَّةَ أَشْيَاءُ تَبْحَثُ عَنِ المَوْتِ رَغْمَ حَاجَتِهَا لِلْبَقَاءِ..





    (1) عامَ 1429هـ :


    تَطَلَّعْتُ لِوَالِدِي بِقَلَقٍ وَهَتَفْتُ: وَالِدِي، بِمَ جِئْتَنَا اليَوْمَ؟


    ابْتَسَمَ بِوَهِنٍ لَا يَكَادُ يَخْتَفِي وَبَسَطَ الصَحِيفَةَ الْاقتِصَادِيَّةَ كَاشِفًا عَنْ قِطعَتيْ لَحْمٍ بَاهِتَتَين، مُتَنَاسِيًا الأَلْسنَ التِيْ تَقْتَاتُ أَخْبَارَ سُوْقِ المَالِ الدّولِيةِ وَسْطَ


    الصَّحِيفَةِ..


    وَحْدَهُ الفَقْرُ يُكَوِّمُ حُبَّكَ أَوْ بُغْضَكَ فِي خِزَاناتِ ما تُنْفِقُ لبَئيسٍ مُعدَمٍ، تعبُّ العطش والجوع كما الهواءِ باسمًا وتتأملُ طَوِيلًا حَقَائبَ الآخَرِيْن؛ عَلَّهَا تَجُوْدُ


    عَلَيكَ بِلُقْمَةٍ أَو لَعَلَّكَ تُمَارِسُ مَعَهَا بِكُلِّ امْتِعَاضٍ التَّخَيُّلَ أَنَّهَا سَتَكُونُ يَومًا لَكَ!


    وَوَحْدَهَا الأَنَّاتُ اليَتِيْمَةُ مِنْكَ سَيَرْقُبُهَا المَارَّةُ بِنَزَقٍ كَمَا لَوْ كُنْتََ تَهَبُهُمْ سَيِّئَاتِكَ..



    أَنْ تَعِيْشَ فَقِيرًا أَي أَنْ تَحْيَا إِنْسَانًا، مُجَرَّدًا مِنْ كُنُوْزِ كِسْرَى أَوْ مِنْ غَطْرَسَةٍ سَاخِرةٍ تُدْعَى (المَالَ)، وَرَغمَ أَنْفِكَ سَتَحْبُو خَلْفَهُ كَجَامِحٍ فَرَّ مِنْ بَلَدِهِ الأُمِّ؛


    لِيَلتَقِطَ هَوَاءً مُفْعَمًا بِالسَّوَادِ لَا يَعِيْشُ إِلَّا بِهِ! وَثَمَّةََ أمرٌ واحدٌ سَيُؤَرِّقُُكَ أَكْثَر، وَهُوَ عِنْدَمَا تُحَاوِلُ إِطْفَاءَ حَرَائِقِ أَكْبَادِ صِغَارِكَ كُلَّ يَوْمٍ بِقِطَعٍ بَاهِتَةٍ مِن اللَّحْمِ


    الذِي تَكْسَبُهُ عَنْ طَرِيقِ المُحْسِنِيْنَ..أَوْ عَمَلٍ حَقِيْرٍ لَا يَلِيْقُ بِك..



    لَطَالَمَا كَانَ وَالِدِي بَاسِمًا، فِي كُلِّ وَقْتٍ وَفِي كُلِّ حِيْنٍ، رَغْمَ المَلَابِسِ الرَّثَّةِ التِي تَعْلُوْهُ، وَالشُّحُوبِ الذِي يَرْسُمُ أَخَادِيْدَ فِي وَجْهِهِ، وَلَطَالَمَا رَاقَصَ فَرِحًا


    أُخْتِيَ الصُّغْرَى بَعْدَ يَومٍ طَوِيْلٍ قَضَاهُ طَاعِنٌ فِي السِّنِّ بَحْثًا عَنْ عَمَلٍ لَنْ يَجِدَهُ..عَنْ كَرَامَةٍ يَصُوْنُ بِهَا بَيتًا وَأَفْئِدَةً غَضَّةً..وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ يُرَدِّدُ: الحَمْدُ


    للهِ، الحَمْدُ للهِ..



    وَأَنَا كَطِفْلٍ مُفْعَمٍ بـِ (آه) أَرْقُبُهُ تَارَةً بِقَلَقٍ مُتَزَايِدٍ، وَأَتَمَنَّى أَلَّا أُوَارِيَهُ قَبْلَ بُلُوغِي العَاشِرَةَ..وَتَارَةً أَثُوْرُ وَأُفْصِحُ: أَبِي! دَعْنَا نَطْلُبُ المَالَ.. وَيَلُوْذُ بِالوُجُوْمِ وَجْهُهُ


    المُتْعَبُ فَأُحْجِمُُ عَن الإِكْمَالِ..


    أَكْثَرُ الأَمَاكِنِ دِفْئًا أَحْيَانًا وُجوْهُ المُسِنِّينَ، إِنَّهَا تُرِيْدُ أَنْ تُخْبِرَنَا نَحْنُ الذِيْنَ مَا زِلْنَا نَتَسَكَّعُ فِي أَوَّلِ الطَّرِيْقِ عَن الكَثِيرِ مِنْ خَبَايَا الحَيَاةِ وَلَكنَّ صَمْتَ هَذِهِ


    الوُجُوهِ يَتْرُكُ لَنَا تَنَوُّعًا ثَرِيًّا للاعْتِبَارِ..


    وَهُوَ (وَالِدِي) الذِي يَعْلَمُ جَيِّدًا، أَنَّ مَنْ يَحُومُ حَولَ المَالِ يَسْحَقُهُ ذَنْبُ الطَّمَعِ، يُرْدِي مَلَامِحَهُ ذُلُّ سَكْبِ مَاءِ الوَجْهِ، وَيَعْبَثُ بِحَيَاتِهِ حُبُّ سلَالَةِ



    الدِّرْهَمِ..فَيَغْدُو فَارِغًا مِنْ أَيِّ شَيءٍ عَدَا مَا يبْرقُ فِي مُخَيِّلَتِهِ وَمَا يُزَادُ فِي رَصِيْدِهِ..وَوَالِدِي هٌوَ الذِي يَعْلَمُ أَنَّ المَرْءَ يَلْزَمُهُ القَلِيْلُ مِنَ الصَبْرِ وَالكِفَاحِ وَالكَثِيرُ



    مِنَ اليَقِيْنِ بِاللهِ؛ حَتَّى يَصِلَ لِمَدْخَلِ السَّعَادَةِ وَالكَرَامةِ لِتَحْقِيقِ أَحْلَامِهِ السِّرِّيَّةِ أَو المَكْشُوفَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاء؛ لِذَا يُجِيبُنِي: لَنْ نَسْأَلَ حَتَّى



    يُخَالِطَ رُفَاتِي تُرَابَ قَبْرِي..وَأَقْنَعُ بِكَلِمَاتِ رَجُلٍ عَجَمَهُ الدَّهْرُ..



    وَالِدِي، لَيْسَ فَيلَسُوفًا لَا تُخْطِئُهُ الحَقِيْقَةُ، وَلَا عَالِمًا يَتَخَطَّفُ حَرْفَهُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، لَكِنَّهَا حِكْمَةُ الفَقِيْرِ وَرَوْعَةُ نَظْمِه، الحِكْمَةُ التِي يَحْسُدُهَا الأَغْنِيَاءُ



    حِيْنَ تَظْهَرُ، وَيَرْفُضُهَا الدَّهْرُ كَمَا لَمْ تَكُنْ..



    أَحْيَانًا يُدَافِعُنِي الفُضُولُ لِأَعْلمَ إِنْ كَانَتْ المُلِمَّاتُ سَتَهْوِي بِفُؤَادِهِ كَالمَوِجِ العَالِي فَأَعْجَبُ لِجَلَدِهِ وَقُوَّتِهِ، وَأَبْقَى مُوْقِنًا بِحِكْمَتِهِ التِي تَجِيءُ وَتَرُوْحُ فِي


    مُخَيِّلَتِي..



    ذَاتَ يَومٍ رَاَيْتُهُ يَمْسَحُ الحَائِطَ بِعَيْنَيهِ، وَيُمَشِّطُ ثُقُوبَهُ ثقْبًا ثقْبًا، ثُمّ يَأْمُرُنِي: أَحْمَد، هَاتِ شَيْئًا نُغَطِّي الثُّقُوبَ بِهِ، وَهَرَعْتُ أَبْحَثُ هُنَا وَهُنَاكَ فِي الأَزِقَّةِ


    الخَرِبَةِ وَالشَّوَارِعِ النَّظِيْفَةِ، فِي المَزَابِلِ وَالمَحَافِلِ عَن شَيءٍ يُدْعَى غِطَاءً فِي قَامُوسِيَ الصَّغِيرِ، وَلَيْسَ فِي قَامُوسِ صَدِيْقِي الثَّرِيِّ أَنَس الذِي قَبِلَ بِي



    تَوَاضُعًا.. حَتَّى وَجَدتُهُا، قِطَعٌ مُهْتَرِئَةٌ مِنْ صَنَادِيْقَ وَرَقِيَّةٍ (أَوْ كَرْتُونِيَّةٍ)، تِلْكَ التِي تُرْمَى علَىَ أَمَلِ أَنْ تَتَّخِذَهَا القِطَطُ مَلْجَأً ضِدَّ المَطَرِ المُنْهَمِرِ،



    وَالتِي يَقُولُ صَدِيْقِي أَنَس أَنَّ كَمِّيَّاتٍ مِنَ الأَطْعِمَةِ المُعَلّّبَةِ تُكَوَّمُ فِيْهَا بِانْتِظَارِ أَيْدِي البَشَرِ، سَحَبْتُهَا وَحَمَلْتُهَا ثُمَّ



    طَفِقْتُ أَعْدُو لِمَنْزِلِي..تُحَرِّضُنِي يَدَاي عَلَى التَّوَقُّفِ وَمُنَاجَاةِ الصُّنْدُوقِ لِيَكُونَ لُعْبَةً جَمِيْلَةً لِأُخْتِي، ثُمَّ أَتَذَكَّرُ ثُقُوبَ البَيْتِ فَأَعْدُو مُتَجَاهِلًا رَغْبَةً تَبْكِي عَلَى


    يَدَيّ..


    وَصَلْتُ وَبَدَأْتُ أقْتَطِعُ الصَنَادِيْقَ مُبْتَسِمًا مِنْ اجْتِمَاعِ/غَرَابَةِ القَدَرِ، فَقَدْ يَكُونُ أَنَس الآنَ يَقْتَطِعُ صُنْدُوقَهُ لِيُنْشِئَ بَيتًا لِدُمْيَةِ أُخْتِهِ الصُّغْرَى..وَبُعَيْدَ هُنَيْهَاتٍ سَأَضَعُ


    القِطَعَ عَلَى الثُّقُوبِ وَيَضَعُ الدُّمْيَة فِي البَيْتِ الوَرَقِيِّ..


    اسْتَوْقَفَنِي وَالِدِي قَائِلًا: بُنَيّ، بِمَ أَنْتَ شَارِدٌ؟ فَرَدَدْتُ: لـ..لَا شَيء، وَأَكْمَلتُ تَغْطِيَةَ ثُقُوبٍ لَنْ تَسْلَمَ مِنْ فَكِِّ الرِّيَاحِ فَضْلًا عَن المَطَرِ!



    أَثْنَاءَ ذَلِكَ اليَوْم، طَرَقَ ذِهْنِي سُؤَالٌ حَزِينٌ يَرِنُّ فِيَّ كَمِطْرَقَةٍ تُطَوِّعُ مِسْمَارًا عَصِيًّا: لِمَ نَعِيشُ قَدَرًا مُنْهَكًا دُوْنَمَا نِهَايَةٍ؟ أَمَا لِلأَحْزَانِ وَقْتٌ كَي تَحْزِمَ أَمْتِعَتَهَا


    وَتُغَادِرَ قِطَارَ حَيَاتِنَا؟



    وَلَا إِجَابَةَ..أَضْمَرْتُ العَذَابَاتِ فِي نَفْسِي ثُمَّ اضْطَجَعْتُ آَمَلًا بِغَدٍ لَا أَرَى فِيْهِ وَالِدِي عَائِدًا بِقِطَعِ لَحْمٍ بَاهِتَةٍ..



    (2) 10/12 /1429هـ :



    صَبَاح العِيْدِ، صَبَاحٌ لَا يُشْبِهُهُ شَيءٌ سِوَى السَّمَاءِ وَالنَّسِيْمِ..فِي سَائِرِ الأَيَّامِ يَرْتَقِبُ البَشَرُ الغَدَ لِلغَدِ، إِلَّا صَبَاح العِيْدِ فَهُمْ يَرْتَقِبُوْنَهُ لِلْبَشَرِ!


    فِي العِيدِ يَحْلُو لَنَا أَلَّا نَشْتَبِهَ بِنِيَّاتِ الآخَرِيْنَ إِرْضَاءً لِلَحَظَاتٍ تَجْمَعُنَا مَعَهُمْ، نَبْسُمُ لِنُشِيٍّعَ حُزْنًا كََانَ بِالأَمْسِ جَاثِمًا عَلَيْنَا، نَحْتَاجُ أَنْ نَتَخَلَّصَ مِنْ رَوَائِحِ الحَسَدِ



    وَالحِقْدِ وَالغِلِّ النَتِنَةِ وَنَسْتَبْدِلَهَا بِعِطْرِ الأُخُوَّةِ وَالمَحَبَّةِ، حَيْثُ لَا نَغْدُو إِلَّا إِخْـَـوةً وَلَا غَيْرَ..إِنَّهُ الصُّبْحُ الأَسْمَى، الأَرْقَى، وَالصَّفْحَةُ الأَلَــذُّ لِلصِّغَارِ..لَكِنَّهُ لَيْسَ



    كَذَلِكَ هـُـنَا..فَهُنَا أَضْحَى العِيْدُ اليَومَ الأَكْثَرَ إِنْهَاكًا، وَالأَكْثرَ إِمْعَانًا فِي تَقْرِيرِ أَنَّكَ فَقِيْر، فقيرٌ إِلى رَبِّكَ؛ كَي يُمِدَّك بِالقُوَّةِ لِتَبْتَسِمَ، كَي يَمْنَحَكَ فُسْتَانًا تَجْعَلُ



    بِهِ صَغِيْرَتََكَ تَضْحَكُ، كَي تَقُولَ لِصَدِيْقِكَ الثَّرِيِّ المُدَجَّجِ بِاللعَبِ: كُلُّ عَامٍ وَأَنْتَ أَغْنَى!



    وَلَيْسَ ثَمَّةََ يَوْم أَشَــدّ عَلَى وَالِدِي مِنْهُ، إِذْ يَتَقاطَرُ تَوَتُّرُهُ لَيْلَة العِيْدِ وَلَا يَعُوْدُ إِلَّا أَوَاخِرَ الليْلِ عَنْ أَكُفٍّ خَاوِيَةٍ مِن لَا شَيء إِلَّا يَقِيْنهُ بِالله، يَبْسُمُ بِفَيضِ حُزْنٍ



    حِيْنَ أَسْتَقْبِلُهُ وَ يُرَدِّدُ:


    لَوْلَا البُنَيَّةُ لَمْ أَجْزَعْ مِنَ العَــــــدَمِ***وَلمْ أَجُبْ فِي الليَالِي حِنْدسَ الظُلََمِ [1]



    وَزَادَنيِ رَغْـبَةً فِي العَيشِ مَعْرِفَتِي* *** ذُلَّ اليَتِيْمَةِ يَجْفُوهَــــا ذَوُو الرَّحِمِ



    أَخْشَى فَظَاظَةَ عَمٍّ أَو جَفَاءَ أَخٍ ** * وَكُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهَا مِنْ أَذَى الكَلِمِ



    إِذَا تَذَكَّرْتُ بِنْتِي حِينْ َتَنْدِبُنِي*** * ** جَرَتْ لِــــــعَبْرَةِ بِنْتِي عَبْرَتِي بِدَمِ





    ثُمُّ لَا يَفْتَأُ يَسْتَرْجِعُ وَيَحْمَدُ حَتَّى يَطْلُعَ الصُّبْحُ فَيَغْدُو لِيُصَلِّي وَيَبْحَث عَنْ شَيءٍ يُشْبِهُ الفُسْتَانَ..


    بِإِمْكَانِكَ أَنْ تَتَذَوَّقَ الحَسَاءَ المُرَّ مُدَّعِيًا أَنَّهُ حُلوٌ إِلَّا إِنْ كَانَ ابْنُكَ سَيَرْشِفُ مِنْهُ خَلْفَكَ، لَنْ تَرْضَى حِيْنَهَا أَنْ يَظْهَرَ وَجْهُ المَرَارَةِ الحَقِيْقِيِّ فِي عَيْنَي فَلذَتِكَ


    وَأَنْتَ تَتَفَرَّجُ زَاعِمًا أَنَّكَ لَمْ تَعُُد تَرَى الأَلَمَ.. سَتَرْضَى أَنْ تَتَجَرَّعَ أَلْفَ سَنَةٍ مِن قَدَرٍ مَلِيءٍ بِاللؤْمِ وَالمَرَارَةِ عَلَى أَلَّا يُخْطِئَكَ لِيُصِيبَ الشَّخْصَ الوَحِيدَ الذِي


    تَتَمَنَّى لَهُ حُلوَ العَيْشِ مِنْ حَيثُ لَا يُدْرِكُهُ عَقْلُهُ.. وَكَذَا أَصْبَحَ وَالدِي، غَرِيبًا وَحِيدًا حِينَ تَنْظُرُ إََِليْهِ وَحْدَهُ، حَنُونًا عَطُوفًا فِي مَكَانٍ مُجَاوِرٍ هُوَ بَيْتُهُ..وَلَمْ أَكُنْ



    بَعْدُ لِأَعْلَمَ مَا يُخَبِّئُهُ وَالِدِي بَيْنَ حَنَايَاهُ مِنْ سِهَامِ الِإيْمَانِ بِقُدْرَةِ اللهِ العَظِيْمَة..إِلَّا حِينَ يَطْرُقُ مُحْسِنٌ البَابَ بِفُسْتَانٍ لَبِسَتْهُ طِفْلَتَانِ قَبْلَ أُخْتِي، وَغَسَلَتْهُ


    امْرَأةٌ تِلْوَ أُخْرَى، وَتَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الإِحْسَانِ النَّدِيَّةُ، لِأجِدَ وَالدِي يَتَهَلَّلُ شَاكِرًا لِلْمُحْسِنِ فَضْلَهُ وَأَتَمَنَّى لَو أُقَبِّل رَأْسَ المُحْسِنِ وَقَدَمَيْهِ..



    لَا يَحْتَاجُ الفَقِيْرُ لِقَلْبٍ أَكْثَرَ مِمَّا لَدَيْهِ، رَغْمَ عِلَّاتِ قُلُوبِ الفُقَرَاءِ تَجِدُهَا سَخِيَّةً بِالشُّكْرِ لِمَنْ يُهْدِيْهَا فَرْحَةً عَلَى حِيْنِ غرَّةٍ، تَجِدُهَا تُصَافِحُكَ بِحَرَارَةٍ صرفَةٍ كُلَّمَا



    أَهْدَيتَهَا طَبقًا يَتَنَاوَلُ مِنْهُ كُلُّ أَفْرَادِ العَائِلَةِ.. وَتَجِدُهَا كَذَلِكَ تَتَمَنَّى بِصِدْقٍ زَوَالَ قَدَرِ العَوَزِ عَنْهَا؛ كَي تَرُدَّ لَكَ جَمِيْلَكَ، وَيَكْفِيكَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ ابْتِسَامَةُ أُخْتِي،


    أَيَعْلَمُ البَشَرُ مَا تَعْنِي ابْتَسَامَة أُخْتِي؟


    وَدَدْتُ لَوْ أَسْتَطِيْعُ البُكَاءَ، لَا لِأَنَّ الإِحْسَانَ جَاءَ فَقَط، بَل لِأَنَّ أُخْتِي سَتَكُونُ عِيْدِي وَعِيْدَ وَالدِي..وَمَرَّةً أُخْرَى ابْتَسَمَ وَالِدِي وَسَجَدَ للهِ شُكْرًا..


    أَمَّا أُخْتِي فَفَرِحَتْ فَرَحًا شَدِيْدًا بَسَطَ الابْتِسَامَة عَلَى وُجُوهِنَا..


    لَكِنَّ العِيدَ لَمْ يَشْفِ رَمَادَ التَّيْهِ فِي حَيَاتِنَا، فَحَالَمَا انْتَهَى حَتَّى جَاءَنَا ابْنُ صَاحِبِ المَنْزِلِ يَطْلُبُ أُجْرَةَ المَنْزِلِ، وَيَوْمَهَا لَمْ يَجِدْ وَالِدِي سِوَى حَفْنَةٍ مِنَ المَالِ لَا

    تَكْفِي لِتَسُدَّ يَومًا أَوْ يَوْمَينِ مِن العَيْشِ، تَفَرَّسَ الشَّابُ فِي وَجْهِ وَالِدِي وَصَرَخَ: وَمَاذَا أَفْعَلُ بِهَذِهِ؟! هَاتِ البَقِيَّةَ..



    رَجَاهُ وَالِدِي: أَمْهِلْنِي شَهْرًا بَعْدُ..أَرْجُوك!



    حَاوَلْتْ أَنْ أَرْدَعَ نَزْعَتِي لِلبُكَاءِ وَقْتَهَا، وَأَرَدْتُ لَو أَْرْكُل الشَّابَ بَعِيدًا، إِلَى عَالَمٍ آخَرَ لَا أَرَى وَجْهَهُ فِيْهِ، لَا أَرَى التَّهَكُّمَ فِي عَيْنَيهِ فِيْهِ، وَلَا أَرَى تَوَسُّلَاتِ وَالِدِي


    الضَّعِيْفَةِ تَتَدَفَّقُ عَلَيَّ كَمَاءٍ سَاخِنٍ يُمُزِّقُ جِلْدِي..



    وَقْتَهَا لَمْ أَعْرِفَ مَا أَصْنَعُ؟ أَأَجْرِي وَأُخَبِّئ جَسَدِي فِي أَيِّ زَاوِيَةٍ وَأَنْتَظِر نَهَايَةً لِحَدِيثِ ذُلٍّ بِطَيءٍ..أَمْ أَجْلِسُ سَاكِنًا بِدَمٍ سَاخِنٍ يَحْتَرِقُ فِي وِجْدَانِي كُلَّمَا



    قَالَ وَالِدِي: أَرْجُوكَ، وَكُلَّمَا ارْتَفَعَ صَوتُ الشَّابِّ فَوْقَ صَوتِ وَالِدِي..تَمَنَّيتُ وَقْتَهَا أَنْ يَتَوَقَّفَ الزَّمَنُ، أَنْ يَنْعَطِفَ الوَقْتُ سَرِيعًا أَوْ أَنْ يَحْدُثَ حَادِثٌ مَا لَا يَجْعَلُ


    الذُّلَّ مُمَدَّدًا أَمَامِي عَلى مَدِّ البَصَرِ..



    كَانَ عَلَيَّ أَنْ أَتَحَرَّكَ لِأُوْقِفَ الشَّابَ، لَكِنَّنِي لَا أَجْسُرُ أَنْ أَرَى وَجْهَ وَالدِي يَنْتَحِبُ الزَّمَنَ فِي كَلِمَةِ: أَرْجُوكَ..وَلَا أَجْسُرُ أَنْ أَرَاهُ يَبْتَلِعُ الآهَةَ مُتَرَقِّبًا عَطْفَ



    إِنْسَانٍ لَا يَسْتَمِعُ، وَكَيْفَ لِي أَنْ أُشَاهِدَ وَعُيُونِي مَلِيْْئَةٌ بِالدُّمُوعِ؟!



    خَرَجَ الشَّابُ أَخِيرًا يُزْبِدُ وَيَتَوَعَّدُ، وَتَوَارَى وَالِدِي بَاحِثًا عَن بَقِيَّةِ كِبْرِيَاءٍ أَرَاقَهُ الشَّابُّ مُنْذُ هُنَيْهَاتٍ، وَأَقْبَلَتْ أُخَيَّتِي تَسْأَلُنِي: أَحْمَد، مَا الذِي حَصَلَ؟



    عَلَا نَشِيْجِي وَهَرَبْتُ، رَكَضْتُ حَيْثُ المَطَر يَغْسِلُ صَفْحَة وَجْهِي فَلَا ُأبْصِرُ إِلَّا احْتِرَاقَ زَخَّاتِهِ عَلَيَّ، حَيْثُ أُرَتِّبُّ بَعْضًا مِنِّي وَأَخْتَرِع لَهَا قِصَّةً تَنَامُ بَعْدَ



    سَمَاعِهَا أَوْ أُنْشُودَةً تَقُولُ: وَدَاعًا يَا فَقْرُ، وَأَهلًا بِالغِنَى..ضَمَمْتُ إِلَيَّ جِسْمِي وَهَتْفُتُ: (يَا الله، إِنَّا للهِ وَإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) كَمَا يَفْعَلُ وَالِدِي..



    وَمِنَ الغَدِ أَفْصَحْتُ لِوَالِدِي: أُرِيدُ أَنْ أَعْمَلَ مَعَك، نَظَرَ إِليَّ مُثْقَلًا يُرِيدُ أَنْ يَحُطَّ رِكَابَ بَوْحِهِ، مُتْعَبًا شَاحِبَ الوَجْهِ شَاخِصَ العَيْنَيْنِ وَقَالَ: كَمَا تُرِيدُ، وَفَّقَكَ اللهُ


    بُنَيّ..



    وَبَدَأْتُ أَعْمَلُ، أُنْهِي يَوْمِي الدِّرَاسِي وَأَعْمَلُ بِثَوْبِ المَدْرَسَةِ، أَعُدُّ الأَمْوَالَ عَدًّا وَأَحْسُبُ الأَيَّامَ..أَرْغَبُ أَنْ آخُذَ بَعْضًا مِمَّا فِي جُيُوبِ هَذَا وَذَاكَ فَيَمْنَعُنِي

    قَوْلُ وَالِدِي: تَذَكَّر اللهَ وَاقْنَعْ بِقَلِيلٍ يَزِدْكَ رَبُّ البَرِيَّةِ




    (3) عَام 1449هـ :


    أَغْلَقْتُ الكِتَابَ الذِي أَقْرَؤُهُ عَلَى صَوتِ طَرْقِ البَابِ، هَا قَدْ وَصَلَ أَنَسٌ، تَحَرَّكْتُ نَحْوَهُ مُرَحِّبًا بِشَرِيْكِ عَمَلِي وَصَدِيْقِي ثُمَّ جَلَسْنَا نَحْتَسِي القَهْوَةَ عِنْدَ



    المَسَاءِ..



    عَامَانِ مَرَّا مُنْذُ دَفَنْتُ وَالِدِي..لَكِنِّهُ لَيْسَ مَيــتًا فِي أَرْجَاءِ ذَاكِرَتِي..وَجْهُهُ السَّمحُ، كَلِمَاتُهُ المُشَجِّعَةُ المُؤْمِنَةُ، وَبَهْجَتُهُ بِابْتِسَامَةِ أُخْتِي كَانَتْ وَمَا تَزَالُ



    تُدَاعِبْنِي صَبَاحَ مَسَاءَ، وَحْدَهُ الجَسَدُ الذِي يَقْبَعُ فِي التُّرَابِ الآنَ هُو الدَّلِيْلُ عَلَى رَجُلٍ عَاشَ كَثِيرًا وَأَعْطَى أَكْثَر..



    خَاطَبَنِي أَنَس: مَنْ يُصَدّقُ أَنَّ وَالِدَكَ الفَقِيْرَ سَيُخْرِجُ ثَرِيًّا تَتَنَافَسُ عَلَيْهِ الشَّرِكَاتُ فِي البِلَادِ؟ بِحَقٍّ إِنَّهَا لَثَرْوَةٌ تِلْكَ التِي جَمَعَهَا سِرًا مِنْ عَمَلِهِ الصَّغِيْرِ..



    تَذَكَّرْتُ جُمْلةً مِنْ كِتَابٍ تَقُولُ : (هُناَكَ مَنْ يَعْبُرُ حَيَاتَنَا عُبُورًا مُفَخَّخًا، لَا نَدْرِي سَاعَةَ انْفِجَارِهِ.. يَعْبُرُنَا، وَيَتْرُكُ أَثَرًا فِي حَيَاتِنَا لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْحُوَهُ..



    تَرْكُ الأَثَرِ هُوَ المُهِمَّةُ الأَصْعَبُ فِي الحَيَاةِ، وَخُصُوصًا إِذَا لَمْ تَكُنْ أَمَامَنَا فُرْصَةٌ أُخْرَى لِلتَّعْوِيضِ) فَابْتَسَمْتُ بِطَرِيقَةِ وَالِدِي وَقُلْتُ: أَنْتَ مُخْطِئٌ يَا أَنَس، وَالِدِي



    لَمْ يَتْرُكْ لِي ثَرْوَةَ المَالِ، وَإِنَّمَا ثَرْوَةً أَسْمَى وَأَكْبَر..إِنَّهَا القَنَاعَةُ وَالرِّضَى..ثمَّ أَرْسَلْتُ عَيْنَيَّ لِلبَعِيدِ وَرَدَّدْتُ كَمَا وَالِدِي: الحَمْدُ لله، الحَمْدُ لله.ِ.






    نِهَايَةٌ:



    قَالَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:(( إِنَّكَ أَنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ))[2]



    تمت














    [1]العدم هو الموت، الحندس : شدة الظلمة (و الأبيات لابن يسير)






    [2] رواه الجماعة





    ::






    على هامش القصة:







    هناك أمورٌ لم تتضحْ لقصر المساحة المخصصة، كالعلاقة بين الصديقين (أنس) الغني، و (أحمد) الفقير..





    وكدور الأخت في القصة،





    أما عن تعدد الحدث فجوزه كون الشخصية الرئيسة، والمحورية واحدة كما قالت أستاذة..






    بانتظاركم..





    ولكم تحيتي وشكري..





    عند النقل أطلبُ ذكر اسمي أو لقبي معها..











    التعديل الأخير تم بواسطة للذكرى حنين ; 9-3-2009 الساعة 08:08 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...