الموضوعـ الثامن والثمانــــــــــــين : الدعاء ..
يقول الشيخـ :::: لا أعنيـ هنا الكلامـ عنـ فضل الدعاء .. وآدابه وشروط إجابته ..
فهذا ليسـ له علاقة مباشرة بما نناقشه هنا وهو مهارات التعامل مع الناسـ ..
وإنما أعنيـ : كيفـ تجعل الدعاء مهارة في كسبـ الناسـ ؟..
ومنـ ذلكـ أن تدعو الله أيضاً أنـ يهديكـ إلى أحسنـ الأخلاقـ ..
كما كانـ الحبيبـ صلى الله عليه وسلمـ يدعو قائلاً :
(اللهم لك الحمد .. لا إله إلا أنت .. سبحانك وبحمدك .. ظلمت نفسي .. واعترفت بذنبي ..
فاغفر لي ذنوبي .. لا يغفر الذنوب إلا أنت .. اهدني لأحسن الأخلاق .. لا يهدي لأحسنها إلا أنت ..
واصرف عني سيئها .. إنه لا يصرف سيئها إلا أنت .. لبيك وسعديك والخير بيديك .. ) ..
نعود إلى أصل كلامنا .. كيف تجعل الدعاء مهارة فيـ كسبـ قلوبـ الناسـ ..؟..
الناسـ عموماً يحبون الدعاء لهمـ .. حتى عند السلامـ عليهمـ ولقائهمـ يفرحون إن دعوت لهمـ ..
فمعـ قولكـ : كيفـ الحال وما الأخبار ؟ أضف إليها : الله يحرسكـ ..
الله يجعلكـ مباركاً .. الله يثبت قلبكـ ..
ولا تكنـ عباراتـ دعائكـ مستهلكة أو اعتيادية مثل : الله يوفقك .. الله يحفظك ..
نعمـ هي دعاء حسن لكنـ السامع اعتاد عليه حتى لم يعد يرنـ فيـ أذنه عند سماعه ..
وإنـ قابلتـ أحداً معه أولاده .. فادعـ لهمـ وهو يسمعـ .. الله يقر بهمـ عينكـ ..
الله يجمعـ شملكمـ .. الله يرزقكـ برهمـ .. ونحو ذلكـ ..
أنا أحكي هذا عن تجربة .. لقد جربته كثيراً كثيراً .. فرأيته يسلبـ قلوبـ الناسـ سلباً ..
دعيتـ في ليلة من ليالي شهر رمضان قبل سنتينـ إلى لقاء مباشر في إحدى القنوات الفضائية ..
كانـ اللقاء حول أحوال العبادة في رمضانـ ..
وكانـ انعقاد اللقاء في مكة المكرمة في غرفة بأحد الفنادق مطلة على الحرمـ ..
كنا نتحدثـ عنـ رمضانـ .. والمشاهدونـ يرونـ منـ خلال النافذة ..
التي خلفنا المعتمرينـ والطائفينـ خلفنا على الهواء مباشرة ..
كانـ المنظر مهيباً .. والكلامـ مؤثراً .. حتى إنـ مقدمـ البرنامجـ رق قلبه وبكى أثناء الحلقة ..
كان الجو إيمانياً .. ما أفسده علينا إلا أحد المصورين !! كان يمسك كاميرا التصوير بيد ..
واليد الثانية فيها سيجارة .. وكأنه يريد أنـ لا تضيع عليه لحظة منـ ليل رمضانـ ..
إلا وقد أشبعـ رئتيه سيجاراً !! أزعجنيـ هذا كثيراً .. وخنقنيـ وصاحبيـ الدخانـ ..
لكن لم يكن بد من الصبر .. فاللقاء مباشر .. وما حيلة المضطر إلا ركوبها !!
مضتـ ساعة كاملة .. وانتهى اللقاء بسلامـ ..
أقبل إليّ المصور .. والسيجارة فيـ يده .. شاكراً مثنياً .. فشددتـ على يده وقلتـ ..
وأنتـ أيضاً أشكركـ على مشاركتكـ في تصوير البرامج الدينية ..
ولي إليك كلمة لعلك تقبلها .. قال : تفضل .. تفضل ..
قلت : الدخانـ والسجا .. فقاطعنيـ : لا تنصحنيـ .. والله ما فيه فائدة يا شيخ ..
قلت : طيبـ اسمعـ مني .. أنتـ تعلمـ أن السجاير حرامـ وأن الله يقول ..
فقاطعني مرة أخرى : يا شيخـ لا تضعـ وقتكـ ..
أنا مضى لي أكثر من أربعين سنة وأنا أدخن .. الدخان يجري في عروقي .. ما فيه فااائدة ..
كانـ غيرك أشطر !! قلت : يعني ما فيه فائدة ؟!! فأحرجـ مني وقال : ادع ليـ .. ادع ليـ ..
فأمسكتـ يده وقلت : تعال معيـ .. قلتـ تعال ننظر إلى الكعبة ..
فوقفنا عند النافذة المطلة على الحرم .. فإذا كل شبر فيه مليء بالناسـ ..
ما بينـ راكعـ وساجد .. ومعتمر وباكـ .. كانـ المنظر فعلاً مؤثراً ..
قلت : هل ترى هؤلاء ؟ قال : نعم ..
قلت : جاؤوا من كل مكانـ .. بيضـ وسود .. عربـ وأعاجمـ .. أغنياء وفقراء ..
كلهمـ يدعون الله أن يتقبل منهمـ ويغفر لهمـ ..
قال : صحيحـ .. صحيحـ .. قلتـ أفلا تتمنى أنـ يعطيكـ الله ما يعطيهمـ ؟ قال : بلى ..
قلت : ارفعـ يديكـ .. وسأدعو لكـ .. أمن على دعائيـ ..
رفعت يدي وقلت : اللهم اغفر له .. قال : آمين ..
قلت : اللهمـ ارفع درجته واجمعه مع أحبابه في الجنة .. اللهمـ ..
ولا زلتـ أدعو حتى رق قلبه وبكى .. وأخذ يردد : آمين .. آمين ..
فلما أردتـ أنـ أختمـ الدعاء ..
قلت :اللهم إن ترك التدخين فاستجب هذا الدعاء وإن لم يتركه فاحرمه منه ..
فانفجر الرجل باكياً .. وغطى وجهه بيديه وخرج من الغرفة ..
مضتـ عدة شهور .. فدعيت إلى مقر تلكـ القناة للقاء مباشر ..
فلما دخلتـ المبنى فإذا برجل بدينـ يقبل عليّـَ ثمـ .. يسلمـ عليـ بحرارة ..
ويقبل رأسيـ .. وينحني على يدي ليقبلها .. وهو متأثر جداً ..
فقلت له : شكر الله لطفكـ .. وأدبكـ .. وأقدر لك محبتكـ .. لكنـ اسمحـ لي فأنا لمـ أعرفكـ ..
فقال : هل تذكر المصور الذي نصحته قبل سنتينـ ليترك التدخينـ ؟!
قلت : نعمـ .. قال : أنا هو .. والله يا شيخـ إني لم أضع سيجارة في فميـ منذ تلك اللحظة ..
ما أجمل الذكرياتـ إذا كانتـ سارة ..
فيـ موسمـ الحجـ قبل ثلاث سنواتـ .. ذهبتـ لإلقاء كلمة فيـ إحدى حملاتـ الحجـ الكبرى ..
في صلاة العصر ..بعد الكلمة ازدحمـ الناسـ يسألونـ ويسلمونـ ..
حاولتـ التخلصـ السريعـ لارتباطيـ بمحاضرة بعدهمـ فوراً في حملة أخرى ..
لاحظتـ منـ بينهمـ شابـ يقدمـ رجلاً ويؤخر أخرى .. مستحٍـ أنـ يزاحمـ الناسـ ..
التفت إليه .. ومددت يديـ نحوه فصافحنيـ .. ثمـ سألته فيـ وسط الزحامـ .. : عندك سؤال ؟
قال : نعمـ .. فجررته إليَّ والناسـ مزدحمونـ .. حتى اقتربـ ..
قلت : ما سؤالكـ ؟
فقال وهو مستعجل : ذهبت لرمي الجمراتـ .. معيـ جدتيـ وأختيـ .. وكان زحاماً شديداً ..
و انتهى من سؤاله .. فأجبته عليه .. شممتـ منه خلال ذلك رائحة دخانـ ..
فتبسمتـ وسألته : تدخنـ ؟..قال : نعمـ ..
قلت : أسأل الله أن يغفر لكـ .. ويتقبل حجكـ .. إنـ تركتـ التدخينـ منـ هذه اللحظة ..
سكتـ الشابـ .. كانـ واضحاً من وجهه أنه تأثر بالكلام ..
مضتـ ثمانية أشهر .. فذهبتـ لإلقاء محاضرة فيـ إحدى المدنـ ..
أقبلتـ إلى المسجد .. فإذا شابـ وقور ينتظرنيـ عند بابه .. تفاجأتـ به لما رآنيـ ..
يقبل عليّ متحمساً ويسلم بحرارة ..
لمـ أعرفه .. لكني بادلته السلامـ والترحيبـ .. قال : هل عرفتنيـ ..
قلت : أشكر لكـ لطفكـ .. ومحبتكـ .. لكني لم أعرفكـ ..
قال : هل تذكر الشابـ المدخنـ الذي قابلته في الحج .. ونصحته بتركـ التدخينـ ؟
قلت : نعمـ .. نعمـ .. قال : أنا هو .. أبشركـ ولله الحمد أنيـ ما وضعتـ السيجارة في فميـ ..
منذ تلكـ اللحظة .. تركتـ التدخينـ .. فصلحتـ كثير من أمور حياتيـ ..
هززتـ يده مشجعاً .. ومضيتـ .. وقد أيقنتـ أن الدعاء للناسـ فيـ وجوههمـ ..
وهمـ يسمعونـ .. ربما يكونـ أكثر تأثيراً منـ النصحـ المباشر ..
ومثله لو رأيتـ شاباً باراً بأبيه .. فقلت له : جزاكـ الله .. الله يوفقكـ ..
الله يجعل أولادكـ بارين بكـ ..بلا شكـ أن هذا الدعاء سيكونـ دافعاً له أكثر ..
كانـ النبيـ الكريمـ .. عليه أفضل الصلاة والتسليمـ ..
مبدعاً فيـ استعمال الدعاء لدعوة الناسـ وكسبهمـ والتأثير فيهمـ لتقريبهمـ للدين ..
كانـ الطفيل بن عمرو سيداً مطاعاً في قبيلته دوسـ ..
قدمـ مكة يوماً فيـ حاجة .. فلما دخلها .. رآه أشرافـ قريشـ .. فأقبلوا عليه ..
وقالوا : منـ أنتـ ؟ قال : أنا الطفيل بن عمرو .. سيد دوس ..
فقالوا : إن ههنا رجل فيـ مكة يزعمـ أنه نبيـ .. فاحذر أنـ تجلسـ معه أو تسمعـ كلامه ..
فإنه ساحر .. إن استمعتـ إليه ذهب بعقلكـ ..
قال الطفيل : فو الله ما زالوا بي يخوفوننيـ منه .. حتى أجمعتـ ألا أسمع منه شيئاً ..
ولا أكلمه .. بل حشوتـ فيـ أذنيَّ كرسفا .. وهو القطنـ خوفاً منـ أنـ يبلغنيـ شيء منـ قوله ..
وأنا مارّ به .. قال الطفيل : فغدوتـ إلى المسجد ..
فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلمـ قائمـ يصليـ عند الكعبة ..
فقمتـ منه قريباً .. فأبى الله إلا أنـ يسمعنيـ بعضـ قوله ..
فسمعتـ كلاماً حسناً .. فقلتـ في نفسي : واثكل أمي ! والله إنيـ لرجل لبيبـ ..
ما يخفى عليَّـ الحسنُـ منـ القبيحـ .. فما يمنعنيـ أنـ أسمعـ منـ هذا الرجل ما يقول ..
فإن كان الذي به حسناً قبلته .. وإن كان قبيحاً تركته .. فمكثت حتى قضى صلاته ..
فلما قامـ منصرفاً إلى بيته تبعته ..
حتى إذا دخل بيته دخلتـ عليه .. فقلت : يا محمد .. إن قومكـ قالوا ليـ كذا وكذا ..
ووالله ما برحوا يخوفوننيـ منكـ حتى سددتـ أذنيـ بكرسف لئلا أسمعـ قولكـ ..
وقد سمعتـ منك قولاً حسناً .. فاعرضـ عليَّ أمركـ ..
فابتهجـ النبيـ عليه الصلاة والسلامـ .. وفرحـ .. وعرضـ الإسلامـ على الطفيل ..
وتلا عليه القرآن .. فتفكر الطفيل في حاله .. فإذا كل يوم يعيشه يزيده من الله بعداً ..
وإذا هو يعبد حجراً .. لا يسمعـ دعاءه إذا دعاه .. ولا يجيب نداءه إذا ناداه ..
وهذا الحقـ قد تبين له .. ثمـ بدأ الطفيل يتفكر في عاقبة إسلامه ..
كيفـ يغير دينه ودين آبائه !!.. ماذا سيقول الناسـ عنه ؟!
حياته التيـ عاشها .. أمواله التيـ جمعها .. أهله .. ولده .. جيرانه .. خلانه ..
كل هذا سيضطربـ .. سكتـ الطفيل .. يفكر .. يوازن بين دنياه وآخرته ..
وفجأة إذا به يضربـ بدنياه عرضـ الحائط .. نعمـ سوفـ يستقيمـ على الدينـ ..
وليرضـ من يرضى .. وليسخط من يسخط .. وماذا يكون أهل الأرض ..
إذا رضيـ أهل السماء .. ماله ورزقه بيد من في السماء ..
صحته وسقمه بيد منـ في السماء .. منصبه وجاهه بيد منـ فيـ السماء ..
بل حياته وموته بيد منـ فيـ السماء .. فإذا رضي أهل السماء .. فلا عليه ما فاته منـ الدنيا ..
إذا أحبه الله .. فلبيغضه بعدها منـ شاء .. وليتنكر له منـ شاء .. وليستهزئ به منـ شاء ..
فليتك تحلو والحياة مريــــرة **** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر **** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين **** وكل الذي فوق التراب تراب
نعمـ .. أسلمـ الطفيل في مكانه .. وشهد شهادة الحقـ ..
ثمـ ارتفعتـ همته .. فقال : يا نبي الله .. إني امرؤ مطاعـ فيـ قوميـ ..
وإنيـ راجعـ إليهمـ وداعيهمـ إلى الإسلامـ .. ثمـ خرجـ الطفيل من مكة ..
مسرعاً إلى قومه .. حاملاً همَّـ هذا الدين ..
يصعد به جبل .. وينزل به واد .. حتى وصل ديار قومه .. فلما دخلها .. أقبل إليه أبوه ..
وكانـ شيخاً كبيراً .. فقال الطفيل : إليكـ عنيـ يا أبتـ .. فلستـ منكـ ولستـ منيـ ..
قال : ولمـ يا بني ؟ قال : أسلمتـ وتابعتـ دينـ محمد صلى الله عليه وسلمـ ..
قال : أي بني ديني دينكـ ..قال : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ..
ثم ائتني حتى أعلمك مما علمت ..
فذهب أبوه واغتسل وطهر ثيابه .. ثمـ جاء فعرضـ عليه الإسلامـ فأسلمـ ..
ثمـ مشى الطفيل إلى بيته .. فأتته زوجته مرحبة ..
فقال : إليك عنيـ .. فلستـ منكـ ولستـ منيـ ..
قالت : ولمـ ؟ بأبيـ أنت وأميـ .. قال : فرَّقـ بيني وبينك الإسلام ..
وتابعتـ دين محمد صلى الله عليه وسلمـ ..
قالت : فدينيـ دينكـ .. قال : فقلتـ فاذهبيـ فتطهريـ .. ثمـ ارجعيـ إليّـَ ..
فواّته ظهرها ذاهبة ثمـ خافتـ منـ صنمهمـ أن يعاقبها فيـ أولادها إن تركتـ عبادته ..
فرجعتـ إليه وقالت : بأبيـ أنت وأميـ .. أما تخشى على الصبية منـ ذي الشرى .. ؟
وذو الشرى صنمـ عندهمـ يعبدونه .. وكانوا يرون أن من ترك عبادته أصابه أو أصاب ولده بأذى
فقال الطفيل : اذهبيـ .. أنا ضامنـ لكـ أن لا يضرهمـ ذو الشرى ..
فذهبت فاغتسلت .. ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت ..
ثمـ جعل الطفيل يطوفـ فيـ قومه .. يدعوهمـ إلى الإسلامـ بيتاً بيتاً ..
ويقبل عليهمـ فيـ نواديهمـ .. ويقفـ عليهمـ فيـ طرقاتهمـ ..
لكنهمـ أَبَوْا إلا عبادة الأصنامـ .. فغضبـ الطفيل .. وذهبـ إلى مكة ..
فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فقال : يا رسول الله ..
إنـ دوساً قد عصتـ وأبتـ .. يا رسول الله .. فادع الله عليهم ..
فتغير وجه النبي عليه الصلاة والسلام .. ورفعـ يديه إلى السماء ..
فقال الطفيل في نفسه .. هلكت دوْس .. فإذا بالرحيمـ الشفيقـ صلى الله عليه وسلمـ..
يقول : اللهمـ اهد دوساً .. اللهمـ اهد دوساً ..
ثمـ التفتـ إلى الطفيل وقال : ارجعـ إلى قومكـ .. فادعُهمـ .. وارفق بهمـ ..
فرجعـ إليهمـ .. فلمـ يزل بهمـ .. حتى أسلموا ..نعمـ .. ما أحسنـ قرعـ أبواب السماء ..
ليسـ الطفيل وقومه فقط .. وإنما غيرهمـ كثير ..
كانـ المسلمون في بداية الدعوة النبوية قلة .. لمـ يتعدوا ثمانية وثلاثين رجلا ..
فألـحّـَ أبو بكر يوماً على رسول الله في صلى الله عليه وسلمـ ..
الظهور أمامـ الناسـ بالدعوة والجهر بالإسلام ..
فقال صلى الله عليه وسلمـ : يا أبا بكر .. إنا قليل .. كانـ أبو بكر رضيـ الله عنه متحمساً ..
فلمـ يزل يلحّ على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ حتى اجتمعوا فخرجوا ..
يتقدمهمـ رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
توجهوا إلى المسجد .. تفرقوا فيـ نواحي المسجد .. كل رجل فيـ عشيرته ..
وقامـ أبو بكر فيـ الناسـ خطيباً .. يدعو إلى الإسلامـ .. ويذم آلهتهمـ ..
وثار المشركونـ على المسلمينـ .. فضربوهمـ في نواحي المسجد ضرباً شديداً ..
كانـ المشركونـ كثير .. فتفرقـ المسلمونـ .. أقبل جمعـ منهمـ إلى أبي بكر ..
وضربوه ضرباً شديداً ..فوقعـ على الأرضـ في شدة الرمضاء ..
فدنا منه الفاسقـ عتبة بن ربيعة .. فجعل يضربه بنعلينـ مخصوفينـ ..
ويفركهما على وجهه .. ثمـ قامـ على بطن أبيـ بكر .. حتى سالتـ الدماء من وجه أبي بكر ..
وتمزقـ لحم وجهه .. حتى ما يعرف فمه من أنفه .. وجاء بنو تيم قبيلة أبي بكر .. يتعادون ..
وأبعدوا الناسـ عنـ أبي بكر .. وحملوه فيـ ثوب حتى أدخلوه منزله ..
وهمـ لا يشكونـ أنه ميت .. ثمـ رجع قومه بنو تيم .. فدخلوا المسجد ..
وجعلوا يصرخونـ فيـ المشركين .. يقولونـ : والله لئنـ ماتـ أبو بكر لنقتلنـ عتبة بن ربيعة ..
ثمـ رجعوا الى أبي بكر .. وهو مغمى عليه .. لايدرونـ .. حي أو ميت !!
ظل أبو قحافة والد أبي بكر .. مع قومه .. واقفين عند أبي بكر .. يكلمونه ..
فلا يجيبهمـ ..وأمه تبكيـ عند رأسه .. فلما كان آخر النهار ..
فتحـ عينيه .. فكان أول كلمة قالها : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ. ؟!
رضيـ الله عن أبيـ بكر .. كان يهيمـ برسول الله صلى الله عليه وسلمـ حباً ..
يخافـ عليه أكثر مما يخافـ على نفسه ..كانـ كل من حوله .. أبوه أمه ..
قومه .. مشركين ..فغضبوا .. وجعلوا يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
ثمـ قاموا .. وقالوا لأمـ أبي بكر : أطعميه شيئاً أو اسقيه ..
فجعلتـ أمه تلحـ عليه .. وهو يردد قائلاً : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..؟
فقالتـ : والله ماليـ علم بصاحبكـ .. فقال : اذهبيـ إلى أمـ جميل بنت الخطابـ .. فسليها عنه ..
وكانتـ أمـ جميل مسلمة تكتمـ إسلامها ..خرجتـ أمه حتى جاءتـ أمـ جميل ..
فقالت : إنـ أبا بكر يسألكـ عنـ محمد بن عبد الله ..
فقالت : ما أعرفـ أبا بكر .. ولا محمد بن عبد الله .. لكنـ أتحبينـ أنـ أمضيـ معكـ إلى ابنكـ ؟
قالت : نعمـ .. فمضت معها .. حتى دخلتـ على أبي بكر .. فوجدته صريعاً دنفاً ..
ممزقـ الوجه .. مرهقـ الجسد .. فلما رأته أمـ جميل صاحتـ ..
وقالت : والله إن قوماً نالوا هذا منكـ لأهل فسق وكفر .. وإني لأرجو أن ينتقمـ الله لك منهمـ .
قال : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
وكانتـ أم أبيـ بكر بجانبها .. فخافتـ أمـ جميل أنـ يفضحـ أمر إسلامها .. فيؤذونها ..
فقالت : يا أبا بكر .. هذه أمكـ تسمـ .. قال : فلا شيء عليكـ فيها ..
قالت : أبشر .. فرسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. سالمـ صالحـ .. قال : فأين هو ؟
قالت : فيـ دار أبي الأرقمـ ..
فقالت أمه : قد علمتـ خبر صاحبكـ .. فقمـ فأكل طعاماً .. أو اشربـ ..
قال : فإنـ لله عليَّ أن لا أذوقـ طعاماً أو شراباً ..
حتى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ بعينيـ .. فانتظرتا .. حتى إذا هدأ الناسـ ..
خرجتا به يتكيء عليهما .. فذهبتا به إلى بيت أبي الأرقم ..
حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فلما دخل فإذا وجه جريحـ ..
ودماء تسيل .. وثياب ممزقة .. فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
فأكب عليه النبيـ صلى الله عليه وسلمـ يقبله .. وأكب عليه المسلمونـ يقبلونه ..
ورقَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلمـ رقة شديدة ..
حتى ظهر التأثر على وجهه الشريف صلى الله عليه وسلمـ ..
فأراد أبو بكر أن يخفف عليه .. فقال : بأبيـ وأميـ يا رسول الله .. ليسـ من بأسـ ..
إلا ما نال الفاسقـ من وجهيـ ..
ثمـ قال أبو بكر .. البطل الذي يحمل هم الدعوة .. ويحسن استثمار المواقف ..
كانـ جريحاً .. جائعاً عطشاناً .. ومعـ ذلك .. قال : يا رسول الله .. هذه أمي برة بوالديها ..
وأنت مبارك .. فادعها الى الله عز وجل .. وادع الله لها .. عسى الله أن يستنقذها بك من النار ..
فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..ثمـ دعاها الى الله عز وجل ..
فأسلمتـ فوراً في مكانها .. كانـ الدعاء أصلاً منـ الأصول التي يتعاملون بها ..
أسلمـ أبو هريرة رضيـ الله عنه .. وبقيت أمه كافرة .. كانـ يدعوها إلى الإسلامـ فتأبى ..
فدعاها يوماً .. وألـحَّ فأسمعته في رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. ما يكره ..
فضاقـ صدر أبي هريرة بذلكـ .. وذهبـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وهو يبكيـ ..
فقال : يا رسول الله .. إني كنت أدعو أميـ إلى الإسلام فتأبى علي ..
وإنيـ دعوتها اليومـ فأسمعتنيـ فيكـ ما أكره ..
فادعـ الله يا رسول الله أن يهديـ أمـ أبيـ هريرة إلى الإسلامـ ..
فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. فرجعـ أبو هريرة إلى أمه ..
فلما كانـ على البابـ .. فإذا هو مغلقـ .. فحركه ليدخل .. فإذا بأمه تفتح له البابـ ..
وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأنـ محمداً رسول الله ..
فرجعـ أبو هريرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وهو يبكيـ من الفرحـ ..
وجعل يقول : أبشر يا رسول الله .. قد استجابـ الله دعوتكـ ..
وهدى الله أمـ أبي هريرة إلى الإسلامـ ..
ثمـ قال أبو هريرة : يا رسول الله .. أدعـ الله أن يحببنيـ وأميـ إلى عباده المؤمنينـ ..
ويحببهمـ إلينا . . فقال صلى الله عليه وسلمـ ..
اللهمـ حببـ عبيدكـ هذا وأمه إلى عبادكـ المؤمنينـ .. وحببهمـ إليهما ..
قال أبو هريرة : فما على الأرضـ مؤمن ولا مؤمنة .. إلا وهو يحبنيـ وأحبه ..

:: إضاءة ::
( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )