المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قطراتـــ من الـدمـــوع



وردة الجوري
22-8-2009, 09:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه القصة قرأتها في أحد الكتب وقد أعجبتني وحبيت أنقلها لكم.

{قطرات من الدموع}

كانت ليلة من ليالي الصيف الماضي والقمريسكب فيضا من نوره

على تلال المقطم القريبة من حي العباسيه،والظلال ترسم مع الضوء صوراً غامضة على الممرات المنحدرة،وليس في المكان غير دقدقة حوافر حصان يسير بخطوات واهيه متثاقلة،ووقع خفيف لأقدام الحوذي العجوز إبراهيم وهو يمضي بجانب حصانه بلبل.


ورغم النسيم الرخاء الذي كان يمسح على وجهيهما بيد رقيقة



ناعمة فقد كانت قطرات العرق تتألق في ضوء القمر على جبين الرجل العجوز وتنضح على جسد الحصان التعب المتثاقل في خطواته.


كانا عائدين معا في تلك الليلة كعادتهما كل ليلة من خمسة وعشرين



عاما....


ومسح إبراهيم وجه بلبل حين رآه يتوقف لاهثا متعبا وهمس



له:إقتربنا من البيت يابلبل كما تعلم،خطوات أخرى ونصل،ولن نشقى بعد هذه الليلة أبدا،فقد آن لنا أن نستريح حتى آخر العمر.


-ولما ربت بيده على وجه الحصان وجده مبللا فلم يدر أهي



قطرات من الدموع أم حبات العرق؟


وانحد إبراهيم في طريقه إلى البيت وعادت به الذاكرة إلى الوراء



إلى أعوام بعيدة إلى أيام الشباب التي كان يشتغل فيها حوذيا في قصر الأثرياء،ومرت على وجهه سحابة من الأسى وهو يذكر تلك الأيام من شبابه،فقد كانت أياما سوداء قاسية،لم يشعر فيها لحظه أنه آدمي من حقه أن يعيش كما ينبغي أن يعيش الآدميون،كان يعلم أن نظام الرق قد ألْغِي،ولكنه كان يعيش أذل من العبد المسترق.


وكان من الممكن أن يقبل هذا كله في صبر من أجل لقمة العيش،



ولكن الذي كان يثيره ويكاد يذهب بعقله تلك النظرات الجوفاء التي يوجهها إليه السادة أصحاب القصر،فقد كانوا ينظرون إليه وكأنه غير موجود،أو كأنه جزء متحرك-تافه الشأن-من أجزاء مركبتهم الفاخرة،وضبطه السيد الكبير ذات مرة وهويلتقط من تراب الحظيرة بعض حبات الفستق التي سقطت ذات مرة من يد السيد وهو يطعمها للجواد،ووجد نفسه مضروبا ومطرودا من القصروهذه الكلمات ترن في أذنيه:


-لم يبق إلا أنت يأكل الفستق،وانتقل إلى قصر ثانٍ وثالث ورابع



والمعاملة واحده لاتختلف في جوهرها،وكأن السادة الكبار قد تخرجوا من مدرسة واحدة لقنتهم دروسا خاصة كيف يعامل السيد الكبير أولئك الذين أراد لهم القدر أن يكونوا في خدمته ورهن إشارته؟


وتزوج إبراهيم،وأثمر الزواج أولادا لأن نظام الحياه كما يقول



العامه يأبى أن يعطي للفقير قرشا كلما احتاج قرشا،وكثيرا ماكانت تعوزه الأيام به وبالأسرة الصغيرة في ضيق ومسبغه...


وتنحسر سحابة القلق عن وجه إبراهيم وهو يذكر كيف وفق أخيراً



للعمل عند صاحب مركبات الأجرة وكيف استطاع أن يدخر مبلغا من المال اشترى به مهراً صغيراً أسماه بلبل وكيف تفاءل به فلم يفترق عنه يوماً منذ ذلك الحين حتى نشأت بينهما صداقة وطيدة قلّ


ان يوجد مثلها بين إنسان وإنسان ؟؟


كانا يخرجان معا في بكور الصباح صيفاً وشتاءً سعياً في سبيل





رزقهما ورزق الأسرة..وكان كل صاحب مركبات يزيد في عمولة إبراهيم نسبة معينه بسبب وجود بلبل معه...وكان إبراهيم يجلس في مقعد القيادة،ويقضي النهار وجزءًا من الليل في السعي،بعيداً عن أولئك الذين كانوا ينظرون إليه على أنه قطعة تافهه من المركبات الفاخرة،ثم يعود مع بلبل ليتناول كل منهما عشاءه في المربط،الشعير وحبات الفول الجاف في المزود لبلبل،وخبز الشعير وحبات الفول المدمس على صندوق فارغ لإبراهيم.


وكان بلبل لايأكل إلا إذا رأى صاحبه إبراهيم يمضغ الطعام



أمامه،وقد حدث أن شعر إبراهيم ذات ليله بوعكه وغثيان،فعافت نفسه الأكل وأبى الجواد أن يذوق شيئاً حتى اضطر إبراهيم إلى أن يتظاهر بالمضغ.


ولما مرت هذه الذكرى بإبراهيم،امتلأ قلبه بفيض جديد من الحب



للحصان الوفي،فتوقف وعاد يمسح على عنقه في حنان وهو يهمس له:هل تعرف يابلبل لماذا سنستريح معاً بعد هذه الليلة؟....ان ابني الأكبر هاني قد نال شهادة مدرسة الصناعات منذ شهور.،وظفربمركزمحترم في احدى الشركات ولاشك انه قبض اليوم مرتبه الاول....جنيهات يابلبل......وأكبر ظني أننا سننعم بطعام شهي،فلا شك ان ام هاني قد وضعت لك الكثير من الفول والشعير والتبن ..وربما قطعة من السكر أيضاً،فمن يدري؟ فأنت يابلبل جدير بكل خير بعد أن شاركتني هذا الكفاح الطويل في سبيل الرزق،ولعها تركت لي في صحنين أو ثلاثه،ملأى باللحم المشوي مع الأرز والفاكهه،نعم يابلبل آن لنا أن نستريح......


وعاد إبراهيم مرة أخرى بأفكاره إلى ذكرى كفاحه المستميت مع



حصانه بلبل لكي يتيح لولديه مع حصانه نصيباً من التعليم يجنبهما المذله التي كان يشعر بها تحت نظرات السادة المترفعين..وكان يحرم نفسه من كل شئ عدا لقمة الخبز والإدام،ليتيح لهما فرصة التعليم،ويمهد لهما طريقا في الحياه أقل وعورة ومشقة من طريقه.


ونجح الرجل في كفاحه،وتخرج هاني من مدرسة الصناعات،



واشتغل بأحدى الشركات،وأوشك ماهر أن يتخرج من مدرسة التجارة،ولا شك أن الاثنين سيحملان عبء الإنفاق على أمهما وأخواتهما الثلاث،أما هو فإن ربحاً قليلاً من بيع الحلوى أمام المدرسة الأبتدائية بالحي كفيل بتغطية نفقاته ونفقات بلبل معه.....


والتفت إلى حصانه باسماًوعاد يحدثه قائلاً:


نعم يابلبل إن قروشاً قليلة ستكفينا معاً،وما أظن أن العمر سيمتد بنا





عاماً آخر،ولماذا يمتد وقد أدينا معاً الجانب الأكبر من مهمة وجودنا.


وأحنى الحصان رأسه،وأخذ يمسح بوجهه وجه صاحبه،تاركاًعليها



حبات العرق أو قطرات من الدموع....


وظل القمر يرسل ضوءه على التلال والممرات المتشعبه فيها،



وظل السكون مخيماً إلامن وقع خطوات ودقدقة حوافر ونحيب بومة هناك،ونباح ********* هنا....


وبلغ الاثنان المربط القريب من مسكن إبراهيم وهناك وقف



العجوز يطرف بعينيه في ذلك الشعاع الباهت اللون من ضوء القمر الذي تسلل إلى المربط من فجوات سقفه.


لامصباح مضاء،ولا فول ولا تبن في المزود،ولا فول وخبزعلى



الصندوق الفارغ.لاشيء ماذا حدث؟


كيف نسيت أم ممدوح أن تعد الطعام له ولجواده كما اعتادت كل



ليله؟


هل أطار صوابها الفرح برؤية الجنيهات..مرتب ابنها أم تراها



أهملت أمره عمداً لأنه لم يرسل إليها نقوداً في منتصف النهار كالمعتاد كل يوم.؟


إن كان الأحتمال الأخير هو السبب فإن لإبراهيم العذر فماذا كان



في وسعه أن يفعل مادام لم يربح في يومه لأول مرة في حياته غير ثلاث قروش اشترى بها طعاماً لبلبل،وبقي بدون طعام حتى ساعته هذه...


ورغم هذا كله،فقد عاد راضياً وهو يعلم أن الله الذي قدر عليه



الرزق في يومه هذا بسط له وللأسرة رزقاً آخر عريضاً عن طريق ابنه.


وهز رأسه مستنكراً وقال للحصان:


لا يا بلبل إن أم هاني زوجة متعبة حقاً،وقد عشت معها صابراً من





أجل الأولاد،ولكني أعتقد أنه مهما بلغ جحودها فلن يصل إلى حرماننا من العشاء في مثل هذا اليوم السعيد-محال محال...امكث هنا حتى أذهب وأرى ماذا حدث ثم أعود.


وأحس الرجل بشعور ثقيل مبهم يرين صدره وهو ينقل قدميه قي



خطوات بطيئة نحو مسكنه الذي قضى فيه الخمسة عشر عاماً الأخيرة...مسكن بناه بيديه في هذه البقعة الموحشه من التلال،بناه من الطين والأعشاب وسقفه من الشجر الجاف،وماهي غير أسابيع حتى عمرت هذه البقعة الموحشه بعدد من الأكواخ المماثله لزملائه والباعه الجائلين.. أما متاع هذه المساكن فلم يكن يتجاوز حصيراً


أو قطعة من الخيش وبعض الأواني لطهو الطعام وغسل الثياب.


واجتاز ابراهيم المنحنى حتى أصبح قريباً من هذه الفجوة التي





تؤدي مهمة النافذه في إحدى غرفتي مسكنه،فرأى بصيصاً من الضوء ينساب منها على غير العادة،وشعر إبراهيم بأنامل باردة تعتصر قلبه خشيه أن يكون أصاب الزوجة أو أحد أبنائه بمكروه.


وماكاد رأسه يبلغ حافة الفجوة حتى سمع زوجته أم هاني تقول



لابنها بصوتها الأجش الذي يعرفه:


أسمع ياهاني إذا عرف أبوك حقيقة مرتبك وأن الشركة قررت لك



خمسة وعشرين جنيهاً في الشهر فسوف يتواكل ويكسل،بل ربما يرفض العمل اعتماداً على مرتبك..إنه رجل كسول كما تعلم،يحب الجوع والراحة،ولولا نخسي له يوما بعد يوم لكان حالنا اليوم غير هذا الحال ولما أمكنك أن تتم دراستك....


وصمتت برهه ريثما تسترد أنفاسها،ثم استطردت تقول:


-أنظر ماذا فعل اليوم..؟إنه يعرف أنك ستقبض مرتبك هذه الليله

ولذلك لم يهتم بإرسال بعض المال كالمعتاد،ومن يدري...فلعله






ساهر الآن في البوظه{الآيسكريم}كما كان يفعل في شبابه..ثم لا تنس أنك وعدتني بثوب حريري تشتريه لي من أول مرتب تقبضه،وثلاثة أثواب لأخواتك،وقماش بدلةلأخيك ماهر،ولا بأس أن تدخر بعض مرتبك لتشرع في الزواج بعد أن يتوظف أخوك،وسوف أختار لك عروس بنفسي كالقمر من بيت كريم تستطيع أن تعيش معها...أما ذلك العجوز الفاني فما أظنه يصلح للعيش معنا..سنتركه هنا مع حصانه اللعين...


وشعر إبراهيم أنه يسقط في هاويه عميقه مظلمة،وكأن كل كلمة



يسمعها من زوجته سهم من نار يدمي قلبه،ولكن ترى ماذا سيقول ابنه؟..أبنه الأكبر هاني،الذي سعد به يوم مولده وظل يرعاه ويعنى به يوماً بعد يوم ويشعر بلذة الجوع ليوفر له الطعام ويحس متعة الحرمان ليقدم السعادة له..هل سيلقي على هذه الزوجة الجحود درساً في الوفاء...؟هل...آه..


هاهو ذا هاني يتحدث قائلاً:


اسمعي..لاأنت ولاهو سينال من مرتبي شيئاً..يكفي أني صبرت





على هذه الحياه القذره كل هذه السنوات...يكفي أني عشت الأربع سنوات ببدلة واحدة،وقد آن لي أن أرى الدنيا،أن أستمتع بالطعام الطيب والمسكن النظيف والزوجة الجميله.


وبعد برهة صمت أستطرد قائلاً:


إن الخدمة التي يمكن أن أؤديها لكم،هي أن أرحل عنكم وأوفر





عليكم المال الذي كنتم تنفقونه علي...


وكأنما ألقى الشاب فكاهة تثير الضحك ،فإذا هو يضحك عالياً،ثم



يقول:


سوف أرحل في الغد،فقد أستأجرت مع زميل لي شقة



صغيرة"بالظاهر".


ولم يستطع ابراهيم أن يسمع أثر من هاذا،فقد شعركان كلمات أبنه



هي السهام الاخيره التي أجهزت عليه،فتراجع عن النافذة،وعاد مترنحاً في طريقه الى المربط وقد أختلطت في ذهنه الذكريات،بحلوها ومرها،واختلطت عند أقدامه الضلال بضوء القمر فإذا هي صور غامضة،وإذانعيق بومة هناك يقطع السكون مع نباح ********* هنا....


وعاد الرجل إلى المربط،وركع بجانب جواده،وتمتم بانفاسه



الأخيرة قبل أن يسقط مغشياً عليه:


كله على الله يابلبل.....ان الله لن ينسانا ابداً يابلبل..




وفي عصر اليوم التالي،كان المارة في شارع العباسية يشاهدون



نعش رجل في طريقه الى المدافن،وكان وراء هذا الناس عدد قليل من المشيعين،ووراء هؤلاءجواد عجوزيسير في ضعف شديد وقد تألقت عيناه بالنعش المحمول...


ويقول بعض الذين شاهدوا هذا المنظر،انهم لمحوا حبات من



العرق تتساقط على خدي الجواد،ويؤكد غيرهم انها كانت:


.........قطرات مـــــ الدموع ــــن .........


* أتمنى أن تكون القصة قد نالت اعجابكم**






انتظر الردود...........

Thinker
26-8-2009, 01:54 AM
السلام عليكم
مبارك عليك الشهر
وقصة فعلا مؤثرة...قد أثارت مشاعري...
وشكرا على القصة

جيووورين
26-8-2009, 02:10 AM
قطرات مـــــ الدموع ــــن

قصه رائعه ومؤثره جداًَ
عزيزتي شكراً لك

سلمى1415
26-8-2009, 07:57 PM
السلام عليكم

قصة جيدة عبرتها كبيرة حقا

أعجبتني عبرة القصة كثيرا

شكرا على مجهودك

تحياتي

Hajime-san
26-8-2009, 08:11 PM
سلاااااااااااااام
وااااااااااااو قصة رائــــــــــــــــعة بالفعل
و الله.. ماكنت متصور يطلع هيك من زوجته و ابنه..فطرلي قلبي هو و حصانه....
شكراااااااااااااااااااااااااااا على جعلنا نشاركك إياها
بالتوفيق
تحيـــــــــاتي

وردة الجوري
27-8-2009, 09:00 PM
مشكووووورين على مروركم وردودكم الرائعة

زهور التوليب
24-9-2009, 06:36 AM
مشكوره حبيبتي على القصه الروووووووعة

Kushina Sama
24-9-2009, 06:45 AM
لا لا لا لا حرآآم ليه الزوجه كذا و الأبن أخس !!

حراااام ليه مات الرجل T_T"

حقا قصه و لا أروع تسلم يدك ^^"

في آمان الله

وردة الجوري
3-2-2010, 10:14 PM
لا لا لا لا حرآآم ليه الزوجه كذا و الأبن أخس !

في ناس كدة اعوذ الله



حراااام ليه مات الرجل T_T"
قضاء الله وقدره هه


حقا قصه و لا أروع تسلم يدك ^^
والله انتي الاروع



في آمان الله
تسلمي على مرورك

================================================== ======
اشكر كل من شاركوا في الموضوع