المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال وجواب من سنة سيد الأحباب



الصوت الحر
25-3-2007, 02:42 PM
http://www.ikhwanonline.com/Data/2006/6/11/0001ss.jpg


بقلم: د. يسري هاني


الحمد لله العلي الكبير، نحمده تعالى على ما خلقنا ورزقنا وربَّانا وهدانا وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأنزل إلينا القرآن الكريم هدى ورحمةً وهدايةً إلى طريق الحق والخير، فنحمدك اللهم أعظم الحمد، على ما هديتنا إليه من إيمانٍ صادقٍ ونبي بالحكمة ناطق، هديت به الأمة، وكشفت به الغمة، ومحوت به الظلمة.

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفي الله من خلقه وحبيبه وخليله، نزَّل عليه القرآن بحقائقه، فوضح الطريق، وتركنا على المحجةِ البيضاء ليلُّها كنهارِها لا يزيغُ عنها إلا هالك، ولا يتبعها إلا كل منيبٍ سالك، اللهم ارض عن آلِ بيته الكرام الأخيار الأطهار، وعن أصحابه رهبانِ الليل وفرسان النهار، وارض اللهم عن كل من نهجَّ نهج النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القرار...


أما بعد:


عنوان موضوعنا هو: (سؤال وجواب من سنة سيد الأحباب) نقف مع سؤالٍ وجوابٍ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لنتعلم ونأخذ زادًا نسأل الله أن ينفعنا به في ديننا ودنيانا وآخرتنا.

أخرج الإمام مسلم رضي الله عنه، في صحيحه وسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله متى الساعة؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ماذا أعددت لها؟"، فقال الرجل: ما أعددت لها كثيرَ صومٍ ولا صلاةٍ غير أني أحب الله ورسوله، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت".

يقول أنس رضي الله عنه: "فوالله ما فرحنا بشيء كفرحنا يومئذٍ بقول النبي: "أنت مع من أحببت".

يقول أنس: فأنا أحب أبا بكر وعمر، وأتمنى أن أُحشر معهما.

نقف مع هذا الحديث من خلال نقاط رئيسةٍ:


1- هذا الجانب المهم من جوانب السنة النبوية السؤال والجواب في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
2- كيف سُئل النبي وكيف أجاب؟.
3- عبر وعظات نسأل الله أن ينفعنا بها.


سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم هي التفسير العملي للقرآن، والدليل على ذلك ما يحفظه كلٌّ منا أن السيدة عائشة- رضي الله عنها- لما سُئلت عن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن".

إذن فالنبي بسنته كان تفسيرًا عمليًّا للقرآن، وكما يقول العلماء كان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي بين الناس فمَن أراد أن يرى الإسلام خير الرؤية ومَن أراد التطبيق العملي لهذا الدين فليدرس سنة النبي الأمين، هنا ستُجيب السنة عن كل ما يجري في قلبك وذهنك، ستُجيب السنة عن كل ما تحتاجه في دينك ودنياك وآخرتك، ويكفينا أن يقول النبي في الحديث الصحيح: "ما تركت شيئًا يقربكم من الجنة إلا ودللتكم عليه، وما تركت شيئًا يقربكم من النار إلا وحذَّرتكم منه"، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك في سنته العمليةِ والقوليةِ والخلقيةِ، ما يجعلنا نرى الإسلام في وضوحه وكماله وروعته، وكان في جوانب السنة المطهرة، جانبٌ مهم هو السؤال والجواب، فلقد سُئل النبي- صلى الله عليه وسلم- من الناس وأجاب وسأل النبيُّ الناسَ وأجابوا، إذن فالسؤال والجواب في سنة النبي- صلى الله عليه وسلم- ركن هام من السنة ينبغي أن يلتفت إليه المسلمون وهو سؤال تعليمي تربوي يأتي من فم الحبيب- صلى الله عليه وسلم- ؛ ولذلك نعلم أن السؤال والجواب في السنة، إمَّا أن النبي سأل وأجاب الناسُ وعَقّب النبيُّ، وإمَّا أن النبي سُئِل من الناس فأجاب.. نقف عند الشق الثاني.



أن يُسأل النبي فيجيب


فنقفُ مع مدرسة الحبيب المصطفى، ومع المنهج التربوي الرائع، في بناء الأمة، وكشف الغمة عنها، والأخذ بيدها إلى ما يحب الله ويرضى.

النبي- صلى الله عليه وسلم- معلِّمٌ، النبي مُربٍ، النبي قائدٌ، النبي أبٌ رحيمٌ:


يجلس ويتحرك، ويقابل الناس، ويسمع ويجيب، وإذا بالسائل يدخل عليه ويسأل النبي أمام الناس: يا رسول الله متى الساعة؟، سؤال وُجِّه إليه صلى الله عليه وسلم، والسؤال لا محل له من الإعراب، سؤال غير مطلوب، لأن الساعة في الحقيقة في علم مَن؟، في علم الله، ولكن انظر إلى أدب النبي، وحلم النبي، وعلم النبي، لم ينهر السائل، ولم يقل له سؤالك لا مكانَ له، ولم يقل له اخرج من المسجد حتى تتعلم كيف تسأل، وإنما أجاب النبي إجابة تُعلِّم الدعاة إلى يوم القيامة، وتعلم المربين في المدارس والمعاهد والجامعات، كيف يجيبون من يريد أن يتعلم، حتى لو سأل سؤالاً لا محل له.. تقرأ في القرآن قول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)﴾ (لقمان)؛ لذلك رأى أحدُ العلماء الصالحين رسول الله فيما يرى النائمُ وسأله: يا رسول الله هل اقتربت الساعة حتى أعظم الاستعداد؟ فأشار إليه رسولُ الله في الرؤيا بأصابعه الخمس.. واستيقظ الرجل لا يدري ما الخمس، خمس ساعات أم خمسة أشهر أم خمس سنوات، وذهب إلى محمد بن سيرين فقال له: إن النبي لا يُخبرك بالغيب، ولكن يخبرك بأنَّ سؤالك قد أُجيب عنه في الحديث: "خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله" وقرأ الآية.



إذن متى تقوم الساعة؟ هي في علم الله، وhttp://www.freevoice050.com/forum/images/smilies/kalta.gif ﴿إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)﴾ (لقمان)



إذن فالسؤال الموجه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سؤال لا محل له، ولكن انظر إلى الإجابة التربوية، قال النبي للرجل: "وماذا أعددت لها"؟!، قال العلماء: هذه إجابة الرحيم وإجابة الحكيم.



هذه إجابة الرحيم؛ لأن النبي لم ينهر السائل ولم يوقفه بين يدي الناس موقفًا صعبًا وإنما كان رحيمًا رؤوفًا ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾ (آل عمران)، واسمع إلى الحديث الآخر عند الإمام مسلم رضي الله عنه: أسلم رجل وجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الجلسة حتى أقيمت الصلاة لم يتعلم الرجل في الجلسة كثيرًا لأن الوقت ضئيل بين الأذان والإقامة، لكن لاحظ أن كل من يعطس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمته رسول الله يقول له: يرحمك الله وتعلمها الرجل وقام إلى الصلاة ووقف في الصف وهو لا يعرف شيئًا فعطس من بجانبه فقال له: يرحمك الله، يقول الرجل فوجدت من حولي في الصلاة يرمقونني بأبصارهم فلم يسكت وإنما ازداد في الكلام وقال: واثكل أمي لماذا تخوفونني؟ فأراد الكلام قال: فوجدت أصحاب رسول الله يضربون على أفخاذهم إشارة إلى أن اسكت فسكت، فلما انتهت الصلاة ناداني رسول الله فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا أرحم منه ولا أكرم منه، فوالله ما عنفني ولا سبني وإنما قال: "يا أخا الإسلام، إن الصلاة ذكر وتسبيح، ليس فيها شيء من كلام الناس"، اللهم صلِّ على سيد الناس الرحيم الكريم الودود.



بهذا وجدْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هنا يعلم كل المربين، يعلم الأب في البيت والمدرس في المدرسة ، والشيخ في المسجد ، والأستاذ في الجامعة ، وصاحب المهنة في مكان عمله ، كل هؤلاء عليهم أن يتعلموا رحمة النبي ويسيروا على نهج هذه المدرسة الفاضلة في الأخلاق ، في الحلم الذي يقول عنه النبي لأم المؤمنين عائشة: "يا عائشة ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه وما نزع من شيء إلا نقصه وشانه"، وقال أيضًا: "يا عائشة! إن الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق، ما لا يعطي على العنف"، فأجاب النبي إجابة الرحيم، ثم أجاب النبي إجابة الحكيم، وإجابة الحكيم معناها أن تحول السؤال الفارغ، إلى سؤال له مضمون وأن تلفت نظر من سأل سؤالاً لا مضمون له إلى الحقيقة التي يجب أن ينتبه إليها، يسأل الرجل عن الساعة وذلك في علم الله، يحول النبي السؤال إلى مضمون كامل، فيقول للسائل: "وماذا أعددت لها؟" هذا هو محل السؤال وهذا هو محل العمل وهذا هو ما يجب أن ينتبه إليه الجميع.



عندما يأتي طالب ويسأل: متى الامتحان؟ أقول له لا تشغل نفسك بمتى الامتحان ولكن هل ذاكرت واستعددت للامتحان؟ حتى إذا جاءك الامتحان غدًا أو بعد غد تكون على استعداد كامل.



الرسول يحوِّل سؤال الرجل إلى مضمون كامل: ماذا أعددت لها؟ سؤال يجب أن نقف أمامه طويلاً، سؤال يجب أن نُوصي أنفسنا ويوصي به بعضنا البعض، سل نفسك في كل يوم عدة مرات، قل لنفسك: ماذا أعددت للقاء الله؟ قل لنفسك: لو قابلتُ ربي في هذه اللحظة، فهل لديَّ إجابة أُجيب بها على أسئلة الملكين في القبر؟ هل معي زاد في هذه الرحلة الطويلة لتكون رحلة موفقة سعيدة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نسأله أنفسنا جميعًا كلَّ يوم، وينبغي أن يُوصي به بعضنا البعض فإذا قابل أحدنا أخاه سأله: ماذا أعددت لها؟ فيذكر بعضنا البعض لننتبه إلى الحقيقة التي يجب أن تكون نصب أعيننا جميعًا، فلا نسهو عنها، انظر إلى أصحاب رسول الله، يجلس ثلاثة منهم يتذاكرون القيامة، ويُذَكِّرُ بعضهم بعضًا هذه الساعة فيقول أولهم: أنا أكثركم ذكرًا للموت واستعدادًا للقاء الله، قالوا: ولِمَ؟، قال: لأني إذا جاء الصباح فلا أنتظر المساء، وإذا جاء المساء فلا أنتظر الصباح أُجهز نفسي في أقرب فرصة، وقال الثاني: إني أعظم منك استعدادًا؛ إني إذا أكلت الطعام، لا أنتظر هضمه ولا تصريفه، وقال الثالث: أنا أكثر منكمُا؛ إني إذا أخذتُ النفس، لا أنتظر خروجه.



هكذا كان استعدادهم وكان يقينهم وكان تواصيهم بهذا الأمر بعضهم مع بعض، من هنا، لا بد أن نعيش مع هذه الحقيقة وأن نعمل لها، قال صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله".


ماذا أعددت لها؟



وقفة جليلة، نرى قائدنا وحبيبنا، يعطينا القدوة فيها، يقف بين يدي الله حتى تتورم منه الأقدام يبكي، ويرجو، ويسأل ربه، ويأتي بلال يؤذن لصلاة الفجر، ويخبر النبي بالفجر، فيجد النبي واقفًا قد تورمت قدماه فيقول: يا رسول الله! لم هذا التعب؟ وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: يا بلال أفلا أكون عبدًا شكورًا؟، واسمعوا إلى أم المؤمنين عائشة تبين لنا القدوة في استعداد النبي للقيامة ولقاء الله تقول: بات عندي رسول الله حتى مس جلده جلدي ثم قال: "يا ابنة أبي بكر ذريني أتعبد لربي"، فقلت يا رسول الله! إني أحب قربك، ولكني أؤثر هواك، فقم إلى ربك، قالت: فقام إلى قربة ماء فتوضأ ولم يكثر من صب الماء، ثم وقف بين يدي ربه حتى بلل لحيته، وبكي حتى بلل موضع سجوده، فاقتربت لأسمع بماذا يناجي ربه فسمعته يقول: "يا ربي، أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سجد لك سوادي، وآمن بك فؤادي، وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي، فاغفر الذنب العظيم، فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم".



وقالت: وسمعته في تهجد آخر يقول: "اللهم لك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق" ثم يقول صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".



هكذا كان النبي يستعد، هكذا كان قدوتنا يعلمنا كيف يجمع الزاد ليوم المعاد ثم نرى أصحابه- رضوان الله عليهم-، ونرى أهل بيته وهم يحسنون الاستعداد ليوم القيامة.



يحكي مؤرخ الإسلام الأصمعي فيقول: "دخلت الكعبة في ليلة مظلمة واقتربت منها، فإذا بي أجد شابًا في جوف الليل، يتعلق بالكعبة ويدعو ويبكي، شاب في مقتبل العمر، يترك اللهو، ويترك اللغو، يترك ما فيه الشباب، ويخرج في جوف الليل للقاء ربه.. يقول الأصمعي فاقتربت وقد اقترب الفجر وأضحى يرسل بعض أشعته إلى الكعبة، وسمعت الشاب يناجي ربه ويقول: يا رب، إن لم أكن أهلاً لرحمتك، فرحمتك أهل لأن تنزل بي، يا ربي، أنت القائل: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (الأعراف: من الآية156) وأنا شيء من الأشياء، فارحمني يا رب، إن أكن أذنبت وأنا العبد الجاهل الفقير، فاغفر لي فأنت الغني الكريم، قال: فعجبت وخرجت واقتربت من هذا الشاب أنظر في وجهه لأنه صالح تقي، قال: فلما نظرت إليه وتحققت منه إذا هو علي زين العابدين بن الحسين- رضي الله عن آل بيت رسول الله- فقلت يا ابن رسول الله لِمَ تبكِ هذا البكاء وأنت من آل بيت النبي؟ فقال: يا رجل ألم تقرأ: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)﴾ (المؤمنون)، ثم يقول علي زين العابدين فلا يجيء الناس بعمل، ونأتي بأنسابنا.. إنما لا بد من العمل مع الأنساب ومع شفاعة سيد الأحباب.



هكذا كان استعدادهم، فإذا جئنا إلى نماذج من عهد الراشدين وجدت أبا الحسن علي رضي الله عنه يقف في الليل يبكي، يرجو ربه ويخاف عذابه ويسأل نفسه: ماذا أعددت للقيامة؟ وهو خليفة يحكم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، والدنيا قد حكمت له وأرادت أن تغره، يقول الواصف: يقوم بين يدي ربه وبعد أن أنهى الصلاة بكى وأخذ يخاطب الدنيا كأنها أمامه ويقول: "يا دنيا غري غيري أإليَّ تزينت أم فيَّ رغبتِ، أُشهدكِ أني طلقتك ثلاثًا لا رجعةَ فيها، يا دنيا، شأنك حقير، وأمرك إلى الزوال يصير، كُتب عليك ألا تدومي لأحد، ولا يدوم لكِ أحد".



ماذا أعددت لها؟

انظر إلى أبي بكر وهو يعالج سكرات الموت، السيدة عائشة بجانبه رأت أباها يسلم روحه إلى بارئها وهو في سكرات الموت فتمثلت ببيت شعر تستدل به أن الخلافة لا تنفع، ولا الأموال تنفع، ولا الدنيا كلها تنفع، تقول:



تالله لا يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجتْ يومًا وضاق بها الصدر



فأفاق أبو بكر وقال لها: لا تقولي هكذا ولكن قولي ما هو أفضل ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)﴾ (ق: 19).



قالوا يا خليفة رسول الله ندعو لكَ طبيبًا؟ فيقول: قد نظر إليَّ الطبيب، قالوا: فماذا قال لك؟، قال: إني فعَّال لما أريد، يا أم المؤمنين عائشة، يا بنت أبي بكر، قالت: نعم يا أبي، قال: إذا أنا متُّ، ففي بيتي بعض أغراض لبيت المال فأعيدوها لبيت المال ثم احسبوا مرتبي الذي أخذته من بيت المال أثناء الخلافة ، فأعيدوه إلى بيت المال ، إني أريد أن يكون حكمي للمسلمين حسبةً لوجه الله، ولمَّا تُوفي وأعادت عائشة أغراض بيت المال بكى عمرُ طويلاً وقال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من جاء بعده ، ونقول: ورحم الله عمر لقد أتعب من جاء بعده حينما طُعن والدم ينزف ، وضعوا رأسه على فخذ ابنه عبد الله ، فأفاق عمر وقال: يا عبد الله بن عمر ضع خد أبيك على الأرض، يا ويل عمر إن لم يغفر له ربه، ويبكي فيقول سيدنا عبد الله بن عباس: وكان جالسًا لا تبكِ يا أمير المؤمنين، فوالله لقد فتح الله بك الفتوح وفرَّق بك بين الحق الباطل، وأعزَّ بك دين الله.. شهادة من حبر الأمة وترجمان القرآن، فيسمعه عمر فيمسك بيد ابن عباس ويقول أتشهد لي بهذا عند الله؟.... ليس المهم أن تشهد لي بها في الدنيا ولكن المهم يوم القيامة، ثم يبكي عمر ويقول: اللهم إني أسألك أن أخرج من الدنيا كفافًا لا بي ولا عليَّ...



ماذا أعددت لها؟



ثم انطلق إلى من خَلَف الراشدين، من التابعين لنرى استعدادهم ليوم القيامة فنرى نتائج عظيمة، نرى الإمام عبد الواحد بن زيد- رضي الله عنه- العالم التقي النقي الطاهر العلم، كان إذا جلس للوعظ أبكى الجميع وكادت القلوب تنفطر من وعظه، كان إذا قام الليل بكى طويلاً وكان يعظ نفسه فيقول: يا عبد الواحد ماذا تقول لربك غدًا إذا قال لك اهتدى الناس بوعظك فماذا فعلت لنفسك؟ وحينما جاءته الوفاة وبكت ابنته وقالت: وا غمَّاه عليك يا أبي، قال: لا تبكي يا بُنيَّة، لا غم على أبيك يا بنيتي، كيف يأتي الغم إلى أبيك وقد ختم القرآن في هذه الحجرة التي يموت فيها خمسة آلاف ختمة..



ماذا أعددت لها؟

يا ابن آدم:

تأمل في الوجود بعين فكر

تر الدنيا الدنيئة كالخيال

وأن مَن عليها سوف يفنى

ويبقى وجه ربك ذو الجلال
ابن آدم:

ولي في فناء الخلق أكبر عبرة

لمن كان في بحر الحقيقة راقٍ

شخوص وأشكال تروح وتغتدي

فتفنى جميعًا والمهيمن باق



﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (القصص: من الآية 88)..


يا ابن آدم...

يا من بدنيـاه انشغلْ

وغـره طـول الأمل

المـوت يأتي بغـتةً

والقبر صندوقُ العمل

***

غدًا توفَّى النفوس ما كسبت

ويحصد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا، أحسنوا لأنفسهم

وإن أساءوا، فبئس ما صنعوا


ولهذا استعدَّ الصالحون وقدموا لنا النماذج الطيبة، هذا هو الإمام الشافعي الإمام المجاهد، لما حضرته الوفاة ودخل عليه تلميذه الربيع وسأله: كيف تجدك اليوم يا إمام؟، قال: أجدني عن الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، وعلى ربي قادمًا، ولا أدري أروحي صائرة إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشد يقول:



ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي

جعلت الرجا ربي لعفوك سُلَّما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته

بعفوك ربي كان عفوُك أعظما
هكذا أعدوا واستعدوا

فقال فيهم القائل:

رجالٌ أقاموا للإله نفوسهم

فكسا وجوهَهم الوسيمةَ نورا

نالوا بذلك فرحةً وسعادةً

وسعوا فأصبح سعيهم مشكورا

قاموا ينادون الإله بأدمعٍ

تجري فتحكي لؤلؤًا منثورا

تعبوا قليلاً في رضا محبوبهم

فأراحهم يوم اللقاء كثيرا

ستروا وجوهَهمُ بأستار الدجى

ليلاً فأضحت في النهار بدورا

عملوا بما علموا وجادوا بالذي

وجدوا فأصبح حظهم موفورا



هكذا علمنا النبي أن نسأل أنفسنا... ماذا أعددت لها؟.

الله أكبر ديني الإسلام
26-3-2007, 04:51 PM
جزاك الله خيرا

rinoa8
27-3-2007, 02:01 PM
بارك الله فيك

rororo
27-3-2007, 11:42 PM
جزاك الله خيرا

واحد من مليار
28-3-2007, 07:04 PM
بارك الله فيك..
وجزاك الله خير..

* قطرة الندى *
28-3-2007, 07:16 PM
جزاك الله خيرا على الموضوع روووووووووووووووووعة
والله لا يحرمنا من إبداعاتك
أسأل الله لك التوفيق
وإلى الأمام دائما

الصوت الحر
27-9-2007, 05:10 PM
جزانا الله وإياكم إخواني الأحباب ..

ورزقنا الله الإخلاص قولاً وعملاً ..

فخري
2-10-2007, 04:24 PM
الله يجزاك الف خير

الصوت الحر
1-10-2008, 11:03 PM
وجزاك مثله إن شاء الله

الفجر القريب
2-10-2008, 01:42 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...


وحلم النبي، وعلم النبي، لم ينهر السائل، ولم يقل له سؤالك لا مكانَ له، ولم يقل له اخرج من

اللهم صلي وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم

قال تعالى عنه ( وإنك لعلى خلق عظيم )

الله أكبر
سيد الأولين والآخرين

حتى الكفرة اعترفوا به عندما قال أحد الباحثين العلميين عنه عليه الصلاة والسلام
" لو كان هذا الرجل حياً لحل مشاكل العالم وهو يحتسي القهوة "
فاللهم صلي وسلم عليه

...........

جزاك الله خير أخانا العزيز أفدتنا أفادك الله

~S.Kudo~
2-10-2008, 04:15 PM
جزاك الله خير

الصوت الحر
10-10-2008, 03:42 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...



اللهم صلي وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم

قال تعالى عنه ( وإنك لعلى خلق عظيم )

الله أكبر
سيد الأولين والآخرين

حتى الكفرة اعترفوا به عندما قال أحد الباحثين العلميين عنه عليه الصلاة والسلام
" لو كان هذا الرجل حياً لحل مشاكل العالم وهو يحتسي القهوة "
فاللهم صلي وسلم عليه

...........

جزاك الله خير أخانا العزيز أفدتنا أفادك الله



صدقت أخي ..

وجزانا وإياك إن شاء الله ..

شرفني مرورك ..



جزاك الله خير


جزانا وإياكم ...

راجية الفردوس
15-11-2008, 06:38 PM
قال تعالى ( و ما الحيوه الدنيا إلا متاع الغرور ) ، اللهم لا تجعل مصيبتنا فى ديننا و لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا
جزاك الله خيراً ووفقك لما يُحب و يرضى

الصوت الحر
19-11-2008, 10:33 PM
آمين يا رب العالمين

gray boy
10-4-2009, 10:43 PM
مشكووووووووور أخوي


وسوف يتم القرائة لاحقا~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

Dark . Hell
10-4-2009, 10:47 PM
جزاك الله خير ووفقك في دنياك وآخرتك

والله موضوع جميل جدا ومفيد

اللهم اجعله في ميزان حسناتك

فارس الاسلام
10-4-2009, 10:54 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاك الله كل خير اخى
اللهم انفعنا بما علمتنا و علمنا ما ينفعنا

الصوت الحر
15-5-2009, 02:22 AM
:: جزاكم الله خيراً على مروركم جميعاً ::

:: وفقكم الله لما يحبه ويرضاه ::