عُبيدة
9-4-2010, 05:43 AM
محبة الصحابة لآل البيت
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين.
إن أهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين الإفراطِ والتَّفريط، والغلُوِّ والجَفاء في جميعِ مسائل الاعتقاد ومِن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرَّسول صلى الله عليه وسلم فإنَّهم يَتوَلَّونَ كلَّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلِّب، وكذلك زوجات النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جميعاً، فيُحبُّون الجميعَ ويُثنون عليهم ويُنْزلونَهم منازلَهم التي يَستحقُّونَها بالعدلِ والإنصافِ لا بالهوى والتعسُّف، ويَعرِفون الفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ وشرَف النَّسَب، فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه ولصُحبَتِه إيَّاه ولقرابَتِه منه صلى الله عليه وسلم.
ومَن لَم يكن منهم صحابيًّا فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويَرَون أنَّ شرَفَ النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان، ومَن جمع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئاً، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر حديث طويلٍ رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ومَن بطَّأ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه».
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: معناه أنَّ العملَ هو الذي يَبلُغُ بالعبدِ درجات الآخرة كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الاحقاف: 19]، فمَن أبطأ به عملُه أن يبلُغَ به المنازلَ العاليةَ عند الله تعالى لَم يُسرِع به نسبُه فيبلغه تلك الدَّرجات فإنَّ اللهَ رتَّب الجزاءَ على الأعمال لا على الأنساب كما قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون:101].
وقد أمر الله تعالى بالمسارعةِ إلى مغفرتِه ورحمتِه بالأعمال كما قال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِين} [آل عمران: 133].
من هم أهل البيت؟
المرادِ بآل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ وهم أزواجُه وذريَّتُه وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلب وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف.
ويدلُّ لدخول بنِي أعمامه في أهل بيته ما أخرجه مسلم عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب أنَّه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يُولِّيهما على الصَّدقةِ ليُصيبَا مِن المال ما يتزوَّجان به، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمد إنَّما هي أوساخُ الناس» ثمَّ أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس.
فأمَّا دخول أزواجه رضي الله عنهنَّ في آلِه صلى الله عليه وسلم فيدلُّ لذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 33].
فإنَّ هذه الآيةَ تدلُّ على دخولِهنَّ حتماً لأنَّ سياقَ الآيات قبلها وبعدها خطابٌ لهنَّ، ولا يُنافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: «خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله ثمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]» لأنَّ الآيةَ دالَّةٌ على دخولِهنَّ لكون الخطابِ في الآيات لهنَّ، ودخولُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث، وتخصيصُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأربعة رضي الله عنهم في هذا الحديث لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى وإنَّما يدلُّ على أنَّهم مِن أخصِّ أقاربه. وزوجاتُه صلى الله عليه وسلم داخلاتٌ تحت لفظ «الآل» لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد»، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس، وأيضاً ما رواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة: «أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها وقالت: إنَّا آلَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا تَحلُّ لنا الصَّدقة».
*روى الإمام أحمد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول: «اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى أهل بيته وعلى أزواجِه وذريَّتِه كما صلَّيتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وبارِك على محمَّدٍ وعلى أهل بيته وعلى أزواجِه وذريَّتِه كما بارَكتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ» [رواه أحمد والطحاوي بسندٍ صحيح].
قال ابن القيم: "فجمع بين الأزواج والذريَّة والأهل، وإنَّما نصَّ عليهم بتعيينهم ليُبيِّن أنَّهم حقيقون بالدخول في الآل وأنَّهم ليسوا بخارجين منه بل هم أحقُّ مَن دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاصِّ على العام وعكسه تنبيهاً على شرفه وتخصيصاً له بالذِّكر من بين النوع لأنَّه أحقُّ أفراد النوع بالدخول فيه". أ هـ.
مكانة أهل البيت عند الصحابة
من دلائل هذه المكانة المميزة قول أبي بكر رضي الله عنه لعليٍّ رضي الله عنه: والذي نفسي بيدِه لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي. [رواه البخاري].
وعن ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ارقُبُوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. رواه البخاري
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: "يخاطِبُ بذلك الناسَ ويوصيهم به والمراقبةُ للشيء المحافظةُ عليه، يقول: أحفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم". أهـ.
وعن أنس رضي الله عنه: أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا قُحِطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب فقال: اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا، قال: فيُسقَوْن أهـ.
والمرادُ بتوسُّل عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه التوسُّلُ بدعائه كما جاء مبيَّناً في بعض الروايات.
قال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله تعالى عنهما: والله لإِسلاَمُك يوم أسلمتَ كان أحبَّ إليَّ من إسلامِ الخطاب لو أسلَمَ لأنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب. وهو عند ابن سعد في (الطبقات).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنَّ عمر بنَ الخطاب رضي الله عنه لَمَّا وضع ديوان العَطاءِ كتب الناسَ على قَدْرِ أنسابِهم فبدأ بأقربِهم فأقربهم نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا انقضت العربُ ذكر العَجَم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء من بَنِي أُميَّة ووَلَدِ العباس إلى أن تغيَّر الأمرُ بعد ذلك". أ هـ.
قال الذهبي في ترجمة العبَّاس: "كان العبَّاسُ إذا مرَّ بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلاَ حتى يُجاوِزهما إجلالاً لعمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم". أهـ.
في (طبقات ابن سعد): عن فاطمة بنت علي بن أبي طالب أنَّ عمر بن عبدالعزيز قال لها: «يا ابنة علي، والله ما على ظهر الأرض أهلُ بيت أحبُّ إليَّ منكم، ولأَنتم أحبُّ إليَّ مِن أهل بيتِي».
وفي (الطبقات) لابن سعد عن سَعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أنَّه قال: "ما رأيتُ أحضَرَ فهْماً ولا أَلَبَّ لُبًّا ولا أكثرَ علماً ولا أوسَعَ حِلْماً من ابن عباس، ولقد رأيتُ عمر بنَ الخطاب يدعوه للمعضلات". أهـ.
وفي صحيح البخاري بإسناده إلى الشعبي: "أنَّ ابنَ عمر رضي الله عنهما كان إذا سلَّم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابنَ ذي الجناحين".
أمهـات الـمـؤمـنـين
إن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأدلة شرعية كثيرة ذكرنا منها آية التطهير السابقة وأحاديث أخُر ونزيدها دليلاً آخر وهو: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي يقول فيه: « بُني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعياً... فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله » [رواه البخاري].
ولعلنا نكتفي بالإشارة إلى شخصيتين من شخصيات أمهات المؤمنين هما خديجة وعائشة رضي الله عنهما.
أمُّ المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
ومِمَّا قاله ابنُ القيِّم عنها: أنَّ مِن خصائصها أنَّ اللهَ بعث إليها السلام مع جبريل عليه السلام وقال: «وهذه لَعَمرُ الله خاصَّة لَم تكن لسواها!». أ هـ.
وقال قبل ذلك: «ومنها (أي من خصائصها) أنَّها خيرُ نساء الأمَّة».
أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
قال فيها الذهبي: "ولَم يتزوَّج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، ولا أحَبَّ امرأةً حُبَّها، ولا أعلمُ في أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً امرأةً أعلمَ منها". أ هـ.
وفي السير عن عليِّ بن الأقْمَر قال: "كان مسروق إذا حدَّث عن عائشة قال: حدَّثتنِي الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيق، حبيبةُ حبيبِ الله، المُبرَّأةُ من فوق سبع سماوات فلَم أكذبها". أ هـ .
وذكر ابن القيم جملةً من خصائصها: "أنَّها كانت أحبَّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّه لَم يتزوَّج بِكراً غيرها، وأنَّ الوحيَ كان ينزل عليه وهو في لِحافِها، وأنَّه لَمَّا نزلت عليه آيةُ التَّخيير بدأ بها فخيَّرها فاختارت اللهَ ورسولَه، واستنَّ بها بقيَّةُ أزواجِه، وأنَّ اللهَ برَّأها بِما رماها به أهلُ الإفك، وأنزل في عُذرِها وبراءَتِها وَحْياً يُتلَى في محاريب المسلمين وصلواتِهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنَّها مِن الطيِّبات، ووعدها المغفرةَ والرِّزقَ الكريم، ومع هذه المنزلة العليَّة تتواضعُ لله وتقول: ولَشأنِي في نفسي أهونُ مِن أن يُنزل الله فِيَّ قرآناً يُتلى.
وأنَّ أكابرَ الصحابةِ رضي الله عنهم إذا أشكل عليهم الأمرُ من الدِّين استفتَوْها فيجِدون علمَه عندها، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وفي يومِها وبين سَحْرِها ونَحرِها ودُفن في بيتِها، وأنَّ المَلَكَ أَرَى صورتَها للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوَّجها في سَرَقة حرير فقال: «إن يكن هذا من عند الله يُمضِه»، وأنَّ الناسَ كانوا يَتحرَّونَ بهداياهم يومَها مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيُتحِفونَه بما يُحبُّ في منزلِ أحبِّ نسائه إليه رضي الله عنهم أجمعين".
تحريم الانتساب إلى أهل البيت
قد كثُرَ في العرب والعجم الانتماءُ إلى هذا النَّسب، فمَن كان من أهل هذا البيت وهو مؤمنٌ فقد جمَع الله له بين شرف الإيمان وشرف النَّسب، ومَن ادَّعى هذا النَّسبَ الشريف وهو ليس من أهله فقد ارتكب أمراً محرَّماً وهو متشبِّعٌ بِما لَم يُعط وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «المتشبِّعُ بِما لَم يُعْطَ كلابس ثوبَي زور» [رواه مسلمٌ].
وقد جاء في تحريمُ انتساب المرء إلى غير نسبِه ومِمَّا ورد في ذلك حديثُ أبي ذر رضي الله عنه أنَّه سَمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس مِن رجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يَعلَمه إلاَّ كفر بالله، ومَن ادَّعى قوماً ليس له فيهم نسبٌ فليتبوَّأ مقعَدَه من النار» [رواه البخاريُّ ومسلم].
التابعين من أهل البيت
قال ابن تيمية: "وأمَّا عليُّ ابنُ الحُسين فمِن كبار التابعين وساداتهم علماً ودِيناً". أ هـ.
قال الزهري: "كان عليُّ بنُ الحُسين من أفضلِ أهلِ بيتِه وأحسنِهم طاعة وأحبِّهم إلى مروان بن الحَكَم وعبدالملك بن مروان". أ هـ.
قال ابنُ تيمية: "وكذلك أبو جعفر محمد بن علي مِن خيار أهل العلم والدِّين وقيل: إنَّما سُمِّي الباقر لأنَّه بَقَر العلمَ لا لأجل بَقْر السجود جبهتَه". أ هـ.
قال ابن سعد في الطبقات: "وكان عليُّ بنُ عبدالله بن عباس أصغرَ ولدِ أبيه سِنًّا، وكان أجملَ قرشيٍّ على وجه الأرض وأوسَمَه وأكثرَه صلاة وكان يُقال له السجَّاد لعبادتِه وفضلِه". أ هـ.
ثناء أهل العلم على جماعة من أهل البيت
قال أبو بكر الآجري: واجب على كل مؤمن ومؤمنة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامهم واحتمالهم وحسن مداراتهم والصبر عليهم والدعاء لهم. بتصرف من كتاب الشريعة ص832
قال ابن كثير في تفسيره لسورة الشورى: ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسبا ًونسباً ولاسيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية. ابن كثير 142/4
قال شُريح بن هانئ: «أتيتُ عائشةَ أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فَسَلْه فإنَّه كان يُسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أيامٍ ولياليَهنَّ للمسافر ويوماً وليلةً للمقيم» [رواه مسلمٌ].
قال ابن عبدالبر في (الاستيعاب) عن الشَّعبي قال: قال لي علقمة: تدري ما مَثَلُ عليٍّ في هذه الأمَّة؟ قلت: وما مثله؟ قال: مَثَلُ عيسى بن مريم أحبَّه قومٌ حتى هلكوا في حبِّه وأبغضه قومٌ حتى هلكوا في بغضه. أهـ.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وعليٌّ رضي الله عنه ما زالاَ - أي أبو بكر وعمر - مُكرِمَين له غايةَ الإكرام بكلِّ طريق، مُقدِّمَيْن له بل ولسائر بَنِي هاشِم على غيرهم في العَطاءِ، مُقدِّمَيْن له في المرتبةِ والحرمةِ والمَحبَّةِ والموالاة والثناءِ والتعظيمِ كما يفعلان بنُظرائه، ويُفضِّلانه بما فضَّله الله عزَّ وجلَّ به على مَن ليس مثله، ولَم يُعرَف عنهما كلمةُ سوءٍ في عليٍّ قطُّ بل ولا في أحد من بَنِي هاشِم.. إلى أن قال: وكذلك عليٌّ رضي الله عنه قد تواتر عنه مِن مَحبَّتِهما وموالاتِهما وتعظيمِهما وتقديمِهما على سائر الأمَّة ما يُعلم به حالُه في ذلك، ولَم يُعرف عنه قطُّ كلمةُ سوءٍ في حقِّهما، ولا أنَّه كان أحقَّ بالأمر منهما، وهذا معروفٌ عند مَن عرف الأخبارَ الثابتةَ المتواترةَ عند الخاصَّة والعامة والمنقولة بأخبار الثقات". أهـ.
وقال أيضاً: "وأمَّا عليٌّ رضي الله عنه فأهل السُّنَّة يُحبُّونَه ويتولَّونه ويشهدون بأنَّه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديِّين".
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين.
إن أهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين الإفراطِ والتَّفريط، والغلُوِّ والجَفاء في جميعِ مسائل الاعتقاد ومِن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرَّسول صلى الله عليه وسلم فإنَّهم يَتوَلَّونَ كلَّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلِّب، وكذلك زوجات النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جميعاً، فيُحبُّون الجميعَ ويُثنون عليهم ويُنْزلونَهم منازلَهم التي يَستحقُّونَها بالعدلِ والإنصافِ لا بالهوى والتعسُّف، ويَعرِفون الفضلَ لِمَن جَمع اللهُ له بين شرِف الإيمانِ وشرَف النَّسَب، فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه ولصُحبَتِه إيَّاه ولقرابَتِه منه صلى الله عليه وسلم.
ومَن لَم يكن منهم صحابيًّا فإنَّهم يُحبُّونَه لإيمانِه وتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويَرَون أنَّ شرَفَ النَّسَب تابعٌ لشرَف الإيمان، ومَن جمع اللهُ له بينهما فقد جمع له بين الحُسْنَيَيْن ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئاً، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر حديث طويلٍ رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ومَن بطَّأ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه».
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: معناه أنَّ العملَ هو الذي يَبلُغُ بالعبدِ درجات الآخرة كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الاحقاف: 19]، فمَن أبطأ به عملُه أن يبلُغَ به المنازلَ العاليةَ عند الله تعالى لَم يُسرِع به نسبُه فيبلغه تلك الدَّرجات فإنَّ اللهَ رتَّب الجزاءَ على الأعمال لا على الأنساب كما قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون:101].
وقد أمر الله تعالى بالمسارعةِ إلى مغفرتِه ورحمتِه بالأعمال كما قال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِين} [آل عمران: 133].
من هم أهل البيت؟
المرادِ بآل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ وهم أزواجُه وذريَّتُه وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلب وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف.
ويدلُّ لدخول بنِي أعمامه في أهل بيته ما أخرجه مسلم عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب أنَّه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يُولِّيهما على الصَّدقةِ ليُصيبَا مِن المال ما يتزوَّجان به، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمد إنَّما هي أوساخُ الناس» ثمَّ أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس.
فأمَّا دخول أزواجه رضي الله عنهنَّ في آلِه صلى الله عليه وسلم فيدلُّ لذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 33].
فإنَّ هذه الآيةَ تدلُّ على دخولِهنَّ حتماً لأنَّ سياقَ الآيات قبلها وبعدها خطابٌ لهنَّ، ولا يُنافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: «خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله ثمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]» لأنَّ الآيةَ دالَّةٌ على دخولِهنَّ لكون الخطابِ في الآيات لهنَّ، ودخولُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث، وتخصيصُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأربعة رضي الله عنهم في هذا الحديث لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى وإنَّما يدلُّ على أنَّهم مِن أخصِّ أقاربه. وزوجاتُه صلى الله عليه وسلم داخلاتٌ تحت لفظ «الآل» لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد»، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس، وأيضاً ما رواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة: «أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها وقالت: إنَّا آلَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا تَحلُّ لنا الصَّدقة».
*روى الإمام أحمد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول: «اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى أهل بيته وعلى أزواجِه وذريَّتِه كما صلَّيتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وبارِك على محمَّدٍ وعلى أهل بيته وعلى أزواجِه وذريَّتِه كما بارَكتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ» [رواه أحمد والطحاوي بسندٍ صحيح].
قال ابن القيم: "فجمع بين الأزواج والذريَّة والأهل، وإنَّما نصَّ عليهم بتعيينهم ليُبيِّن أنَّهم حقيقون بالدخول في الآل وأنَّهم ليسوا بخارجين منه بل هم أحقُّ مَن دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاصِّ على العام وعكسه تنبيهاً على شرفه وتخصيصاً له بالذِّكر من بين النوع لأنَّه أحقُّ أفراد النوع بالدخول فيه". أ هـ.
مكانة أهل البيت عند الصحابة
من دلائل هذه المكانة المميزة قول أبي بكر رضي الله عنه لعليٍّ رضي الله عنه: والذي نفسي بيدِه لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي. [رواه البخاري].
وعن ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ارقُبُوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. رواه البخاري
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: "يخاطِبُ بذلك الناسَ ويوصيهم به والمراقبةُ للشيء المحافظةُ عليه، يقول: أحفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم". أهـ.
وعن أنس رضي الله عنه: أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا قُحِطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب فقال: اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا، قال: فيُسقَوْن أهـ.
والمرادُ بتوسُّل عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه التوسُّلُ بدعائه كما جاء مبيَّناً في بعض الروايات.
قال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله تعالى عنهما: والله لإِسلاَمُك يوم أسلمتَ كان أحبَّ إليَّ من إسلامِ الخطاب لو أسلَمَ لأنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب. وهو عند ابن سعد في (الطبقات).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنَّ عمر بنَ الخطاب رضي الله عنه لَمَّا وضع ديوان العَطاءِ كتب الناسَ على قَدْرِ أنسابِهم فبدأ بأقربِهم فأقربهم نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا انقضت العربُ ذكر العَجَم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء من بَنِي أُميَّة ووَلَدِ العباس إلى أن تغيَّر الأمرُ بعد ذلك". أ هـ.
قال الذهبي في ترجمة العبَّاس: "كان العبَّاسُ إذا مرَّ بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلاَ حتى يُجاوِزهما إجلالاً لعمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم". أهـ.
في (طبقات ابن سعد): عن فاطمة بنت علي بن أبي طالب أنَّ عمر بن عبدالعزيز قال لها: «يا ابنة علي، والله ما على ظهر الأرض أهلُ بيت أحبُّ إليَّ منكم، ولأَنتم أحبُّ إليَّ مِن أهل بيتِي».
وفي (الطبقات) لابن سعد عن سَعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أنَّه قال: "ما رأيتُ أحضَرَ فهْماً ولا أَلَبَّ لُبًّا ولا أكثرَ علماً ولا أوسَعَ حِلْماً من ابن عباس، ولقد رأيتُ عمر بنَ الخطاب يدعوه للمعضلات". أهـ.
وفي صحيح البخاري بإسناده إلى الشعبي: "أنَّ ابنَ عمر رضي الله عنهما كان إذا سلَّم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابنَ ذي الجناحين".
أمهـات الـمـؤمـنـين
إن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأدلة شرعية كثيرة ذكرنا منها آية التطهير السابقة وأحاديث أخُر ونزيدها دليلاً آخر وهو: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي يقول فيه: « بُني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعياً... فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله » [رواه البخاري].
ولعلنا نكتفي بالإشارة إلى شخصيتين من شخصيات أمهات المؤمنين هما خديجة وعائشة رضي الله عنهما.
أمُّ المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:
ومِمَّا قاله ابنُ القيِّم عنها: أنَّ مِن خصائصها أنَّ اللهَ بعث إليها السلام مع جبريل عليه السلام وقال: «وهذه لَعَمرُ الله خاصَّة لَم تكن لسواها!». أ هـ.
وقال قبل ذلك: «ومنها (أي من خصائصها) أنَّها خيرُ نساء الأمَّة».
أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
قال فيها الذهبي: "ولَم يتزوَّج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، ولا أحَبَّ امرأةً حُبَّها، ولا أعلمُ في أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً امرأةً أعلمَ منها". أ هـ.
وفي السير عن عليِّ بن الأقْمَر قال: "كان مسروق إذا حدَّث عن عائشة قال: حدَّثتنِي الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيق، حبيبةُ حبيبِ الله، المُبرَّأةُ من فوق سبع سماوات فلَم أكذبها". أ هـ .
وذكر ابن القيم جملةً من خصائصها: "أنَّها كانت أحبَّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّه لَم يتزوَّج بِكراً غيرها، وأنَّ الوحيَ كان ينزل عليه وهو في لِحافِها، وأنَّه لَمَّا نزلت عليه آيةُ التَّخيير بدأ بها فخيَّرها فاختارت اللهَ ورسولَه، واستنَّ بها بقيَّةُ أزواجِه، وأنَّ اللهَ برَّأها بِما رماها به أهلُ الإفك، وأنزل في عُذرِها وبراءَتِها وَحْياً يُتلَى في محاريب المسلمين وصلواتِهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنَّها مِن الطيِّبات، ووعدها المغفرةَ والرِّزقَ الكريم، ومع هذه المنزلة العليَّة تتواضعُ لله وتقول: ولَشأنِي في نفسي أهونُ مِن أن يُنزل الله فِيَّ قرآناً يُتلى.
وأنَّ أكابرَ الصحابةِ رضي الله عنهم إذا أشكل عليهم الأمرُ من الدِّين استفتَوْها فيجِدون علمَه عندها، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وفي يومِها وبين سَحْرِها ونَحرِها ودُفن في بيتِها، وأنَّ المَلَكَ أَرَى صورتَها للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوَّجها في سَرَقة حرير فقال: «إن يكن هذا من عند الله يُمضِه»، وأنَّ الناسَ كانوا يَتحرَّونَ بهداياهم يومَها مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيُتحِفونَه بما يُحبُّ في منزلِ أحبِّ نسائه إليه رضي الله عنهم أجمعين".
تحريم الانتساب إلى أهل البيت
قد كثُرَ في العرب والعجم الانتماءُ إلى هذا النَّسب، فمَن كان من أهل هذا البيت وهو مؤمنٌ فقد جمَع الله له بين شرف الإيمان وشرف النَّسب، ومَن ادَّعى هذا النَّسبَ الشريف وهو ليس من أهله فقد ارتكب أمراً محرَّماً وهو متشبِّعٌ بِما لَم يُعط وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «المتشبِّعُ بِما لَم يُعْطَ كلابس ثوبَي زور» [رواه مسلمٌ].
وقد جاء في تحريمُ انتساب المرء إلى غير نسبِه ومِمَّا ورد في ذلك حديثُ أبي ذر رضي الله عنه أنَّه سَمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس مِن رجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يَعلَمه إلاَّ كفر بالله، ومَن ادَّعى قوماً ليس له فيهم نسبٌ فليتبوَّأ مقعَدَه من النار» [رواه البخاريُّ ومسلم].
التابعين من أهل البيت
قال ابن تيمية: "وأمَّا عليُّ ابنُ الحُسين فمِن كبار التابعين وساداتهم علماً ودِيناً". أ هـ.
قال الزهري: "كان عليُّ بنُ الحُسين من أفضلِ أهلِ بيتِه وأحسنِهم طاعة وأحبِّهم إلى مروان بن الحَكَم وعبدالملك بن مروان". أ هـ.
قال ابنُ تيمية: "وكذلك أبو جعفر محمد بن علي مِن خيار أهل العلم والدِّين وقيل: إنَّما سُمِّي الباقر لأنَّه بَقَر العلمَ لا لأجل بَقْر السجود جبهتَه". أ هـ.
قال ابن سعد في الطبقات: "وكان عليُّ بنُ عبدالله بن عباس أصغرَ ولدِ أبيه سِنًّا، وكان أجملَ قرشيٍّ على وجه الأرض وأوسَمَه وأكثرَه صلاة وكان يُقال له السجَّاد لعبادتِه وفضلِه". أ هـ.
ثناء أهل العلم على جماعة من أهل البيت
قال أبو بكر الآجري: واجب على كل مؤمن ومؤمنة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامهم واحتمالهم وحسن مداراتهم والصبر عليهم والدعاء لهم. بتصرف من كتاب الشريعة ص832
قال ابن كثير في تفسيره لسورة الشورى: ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسبا ًونسباً ولاسيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية. ابن كثير 142/4
قال شُريح بن هانئ: «أتيتُ عائشةَ أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فَسَلْه فإنَّه كان يُسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أيامٍ ولياليَهنَّ للمسافر ويوماً وليلةً للمقيم» [رواه مسلمٌ].
قال ابن عبدالبر في (الاستيعاب) عن الشَّعبي قال: قال لي علقمة: تدري ما مَثَلُ عليٍّ في هذه الأمَّة؟ قلت: وما مثله؟ قال: مَثَلُ عيسى بن مريم أحبَّه قومٌ حتى هلكوا في حبِّه وأبغضه قومٌ حتى هلكوا في بغضه. أهـ.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وعليٌّ رضي الله عنه ما زالاَ - أي أبو بكر وعمر - مُكرِمَين له غايةَ الإكرام بكلِّ طريق، مُقدِّمَيْن له بل ولسائر بَنِي هاشِم على غيرهم في العَطاءِ، مُقدِّمَيْن له في المرتبةِ والحرمةِ والمَحبَّةِ والموالاة والثناءِ والتعظيمِ كما يفعلان بنُظرائه، ويُفضِّلانه بما فضَّله الله عزَّ وجلَّ به على مَن ليس مثله، ولَم يُعرَف عنهما كلمةُ سوءٍ في عليٍّ قطُّ بل ولا في أحد من بَنِي هاشِم.. إلى أن قال: وكذلك عليٌّ رضي الله عنه قد تواتر عنه مِن مَحبَّتِهما وموالاتِهما وتعظيمِهما وتقديمِهما على سائر الأمَّة ما يُعلم به حالُه في ذلك، ولَم يُعرف عنه قطُّ كلمةُ سوءٍ في حقِّهما، ولا أنَّه كان أحقَّ بالأمر منهما، وهذا معروفٌ عند مَن عرف الأخبارَ الثابتةَ المتواترةَ عند الخاصَّة والعامة والمنقولة بأخبار الثقات". أهـ.
وقال أيضاً: "وأمَّا عليٌّ رضي الله عنه فأهل السُّنَّة يُحبُّونَه ويتولَّونه ويشهدون بأنَّه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديِّين".