[مِسعَرُ حَرب
23-8-2010, 09:49 PM
http://j.imagehost.org/0595/1_34.png
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه :
وبعد ،،،
http://j.imagehost.org/0539/bylayan3-1.png
أقدم لكم اليوم وفي هذا الشهر المبارك شهر رمضان شهر الانتصارات والفتوحات نماذج نيرة من سيرة بعض القادة الفاتحين رحمهم الله ورضي عنهم وستكون مختصرة لعدم الإطالة ، مع العلم أني لم أستوفي جميع ما ذكر عنهم وإلا لطلب ذلك مني الكثير فكما تعلمون كتب التاريخ والسير تكلمت عنهم كثيراً فهم فخر الأمة وعنوان مجدها ، كما أني لم أذكر القادة الفاتحين من الصحابة لأني وجدت في هذا المنتدى قد ذكروا في موضوع ( سلسلة سيرة الصحابة ) ولأن سيرتهم مشهورة ومعلومة ، فلذلك اخترت أربع قادة وهم : ( قتيبة بن مسلم الباهلي ، ومحمد بن القاسم ، وموسى بن نصير ، وطارق بن زياد )
(( وأسأل الله التوفيق والسداد ))
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
وأبدأ بمقدمة مختصرة عن الفتوحات الإسلامية والهدف منها
لقد عرفت الفتوحات العربية مع ظهور الإسلام وبعده بمبادئ أكثر وضوحا وعدالة ، مستمدة جذورها من القرآن والسنة وتعليمات الخلفاء . ويعود حسن معاملة العرب لأهالي البلاد المفتوحة ، إلى أن الفتوحات العربية لم تكن تستهدف استعمار الأراضي والسكان ، وإنما كانت تستهدف نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله ، وهو ما سيتضح بجلاء عند الحديث عن الفتوحات الإسلامية والتي امتدت من حدود الصين شرقاً إلى شاطئ الأطلسي غرباً في أقلمن مائة عام .
إن العقيدة الإسلامية هي سلاح الفاتحين الأمضى " تمنع إكراه الناس على اعتناقها{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فسيف الإسلام لم يشهر في وجه المستضعفين ، وإنما فيوجه القياصرة والأكاسرة الذين يملكون الجيوش ويتسلطون على العباد . إن العنف في حالات التوسع والعدوان يشكل شرط الوجود إلى الغاية التي ترمي إليها ، وسرعان ما يصبح تطوير العنف وتعزيزه غاية في حد ذاتها .
ومن خلال استقراء التاريخ الإسلامي يتجلى الهدف المرجو من الفتوحات إذ يختلف اختلافاً جوهرياً عن أهداف الاحتلال والاستعمار ، فالفاتح الأول الرسول صلى الله عليه وسلم والفاتحون من بعده لم يهدفوا إلى بناء إمبراطوريات تخضع الأقوام الخارجية (الشعوب الأخرى) ،وتحقق عليها السيادة الطاغوتية (استعباد، نهب، قهر، استغلال طاقات، النفوذ )، ولكنها انطلقت وهي تحمل عقيدتها ولا تحمل مشروع عداء تجاه الخارج ؛ لتقنعه على حملها ، فتتوحد معها ويصبح الجميع (الداخل والخارج) في ظل الإسلام أمة واحدة . فقد هدفت الفتوحات إلى " تحقيق الوحدة مع الخارج ومساواته بنفسه من خلال العقيدة الإسلامية التي تقضي بذلك والتي تغرس في عقل ذلك العربي وقلبه الآيات الكريمة{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد غرس في نفوس القادة والمجاهدين أن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" .
لذلك كله ، فإنه " من الظلم الفادح ، والخطأ الواضح ، أن توضع الفتوحات العربية الإسلامية في مصاف حروب التوسع والعدوان ، أو أن يوضع تشكيل الأمة الإسلامية العالمية في السلة نفسها مع تشكيل الإمبراطوريات العالمية . ذلك أن تلك الفتوحات الإسلامية لم تكن عملية توسعية عدوانية بقصد إخضاع العالم تحت سيف العرب ، ومن أجل مصلحة العرب، وفي ظل امتياز العرب (كقوم) على الآخرين واستبدادهم بهم ، بل هي عملية ،تهدف إلى مساواة الشعوب جميعا في ظل العقيدة الإسلامية. ومن ثم تكوين أمة واحدة هي الأمة الإسلامية "
ولقد كان القادة الفاتحين يخيرون أهل البلدان المفتوحة قبل المعركة بين الإسلام أو الجزية أو المعركة ، وعدم إكراههم على الدين أو القتال أو الجزية ، وهذا من الأمور الدستورية الثابتة في النظام الإسلامي ؛ لأن هدف الفتوحات الإسلامية ليس التوسع الجغرافي والسياسي ، أو الكسب المادي ، إنما هو تبليغ دين الله ، وإزالة ما يعترض وصوله إلى الناس .
فلقد كان القواد الإسلاميون يهدفون في حروبهم وفتوحاتهم إلى تحرير الأمم وإخراج الشعوب من عبادة الخلق إلى عبادة الخالق ، ومن ذل الكفر إلى عز الإيمان ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . كان هذا هو شعار الفاتحين المسلمين في جميع أقطار العالم. قال ذلك ربعي بن عامر أمام كسرى في المدائن ، وأروا العالم ذلك عمليا في عدلهم مع الشعوب المغلوبة على أمرهم ، ورفقهم بالأسرى في الحروب والفتوحات .
وقد تجاهل المستشرقون ومعهم الرافضة (الشيعة) الأخبار الثابتة من عمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأقواله ، وصوروا الفتوحات الإسلامية على أنها حركة ارتجالية ، هدفها القوي رغبة أبي بكر الصديق في إشغال العرب عن أنفسهم ، وخصوماتهم ، وإغرائهم بالغنائم ، والمنافع المادية . وأقوالهم تلك تدحضها الحقائق الثابتة ، كما وقعوا في التناقض كعادتهم عند تناولهم أحداث التاريخ الإسلامي ، والحضارة الإسلامية .
وعلى هذا كان الفاتحون الأوائل أمثال : خالد بن الوليد ، وأبو عبيدة ، وسعد بن أبي وقاص ، والمثنى بن حارثة الشيباني ، وأبو عبيد الثقفي ، وعبادة بن الصامت ، ومعاذ بن جبل ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وعقبة بن نافع رضي الله عنهم وغيرهم ، يسيرون على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوامر الخلفاء الراشدين .
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
شُبه أُثِيرت عن الفتوحات الإسلامية
أولا: إثارة شبهة أن الإسلام انتشر بالسيف فيصيبوا بها هدفين :
-التشكيك في قوة العقيدة الإسلامية من الناحية البرهانية وملاءمتها للفطرة السليمة .
-ودفع مفكري المسلمين إلى التخلي عن مبدأ الجهاد تحت تأثير تلك الشبهة أو في سبيل دحضها ، أو على الأقل التراجع إلى فكرة أن الجهاد للدفاع عـن النفـس فقط ..
ثانيا: تشويه تاريخ وحقيقة الفتوحات الإسلامية بالادعاء بأن الدوافع لها كانت اقتصادية أو توسيعية استعمارية..
ثالثا: العناية كثيرا بإظهار جانب التسامح الذي يدعو إليه دين الإسلام ، على أن يصوروا هذا التسامح بصورة تؤدي إلى فتح أجوائنا على مصاريعها أمام النصارى واليهود ومفاسدهم ودسائسهم فيجولون في مجتمعاتنا كما يشاءون ، ويعبثون بحياتنا كما يريدون فإن أوصدنا أبوابنا في وجوههم ومنعنا قاذوراتهم من التسرب إلينا رمونا بالتعصب والجمود والوحشية والتخلف … الخ .
وأخيراً : أيها الإخوة لقد كان عدد المسلمين حين بدأ الفتوحات الإسلامية لا يتجاوز عدد سكان بلد صغير من بلداننا الحاضرة ( ففتحوا البلدان وأقاموا العدل والأمان فكانت دولتهم من حدود الصين إلى الأندلس ) ، واليوم عددهم يتجاوز المليار والنصف ولا يستطيعون محاربة شرذمة من أحفاد القردة والخنازير في بيت المقدس أو عباد الصليب في العراق وأفغانستان والصومال وغيرها من البلدان المحتلة .
ممــا يزهــدني فـي أرض أندلسِ…….أســماء معتمــد فيهــا ومعتضـدِ
ألقـاب مملكـة فـي غـير موضعهـا….. كـالهر يحـكي انتفاخـا صولـة الأسدِ
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
والآن نبدأ بصلب الموضوع :
قتيبة بن مسلم الباهلي :القائد الإسلامي أحد الأبطال والشجعان ، ومن ذوي الحزم والدهاء والرأي والغناء ، قاد الفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى .
وهو : قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين ، الأمير أبو حفص الباهلي .
وكان أبوه 'مسلم بن عمرو' من أصحاب 'مصعب بن الزبير' والي العراق (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82) من قبل أخيه أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير ، وقاتل معه في حربه ضد عبد الملك بن مروان سنة 72 هجرية ، وقد نشأ قتيبة على ظهور الخيل رفيقاً للسيف والرمح ، محباً للفروسية ، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة الفتن والثورات ، لذلك عمل كل ولاة العراق على شغل أهلها بالغزوات لاستغلال طاقاتهم الثورية في خدمة الإسلام ونشر الدعوة ، لذلك كانت أرض العراق هي قاعدة الانطلاق للحملات الحربية على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية ، وقد اشترك قتيبة في هذه الحملات منذ شبابه المبكر ، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة ، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم المهلب بن أبي صفرة (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%84%D8%A8_%D8%A8%D9%86_ %D8%A3%D8%A8%D9%8A_%D8%B5%D9%81%D8%B1%D8%A9) وكان خبيراً في معرفة الأبطال ومعادن الرجال فتفرس فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام ، فأوصى به لوالي العراق الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يحب الأبطال والشجعان ، فانتدبه لبعض المهام ليختبره بها ويعلم مدى صحة ترشيح المهلب له ، وهو الذي فتح خوارزم وبخارى، وسمرقند، وكانوا قد نقضوا وارتدوا.
ثم إنه افتتح فرغانة ، وبلاد الترك في سنة خمس وتسعين للهجرة .
وأقام بخراسان ثلاث عشرة سنة ، وله رواية عن عمران بن حصين ، وأبي سعيد الخدري .
ولد القائد قتيبة في بيت إمرة وقيادة سنة 49 هـ ، بأرض العراق ، ولما ترعرع تعلم العلم والفقه والقرآن ، ثم تعلم الفروسية وفنون الحرب ، فظهر فيه النبوغ وهو شاب في مقتبل شبابه .
بدأ مسيرته إلى فتح الشرق سنة 86 هجرية ، وذلك عندما ولاه الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية خراسان وهو إقليم شاسع مترامي الأطراف ، لم يكن المسلمون قد واصلوا الفتح بعده ، وكان المهلب بن أبى صفرة والياً على خراسان من عام 78 حتى 86 هجرية ، وقد رأى الحجاج أن يدفع بدماء شابة جديدة في قيادة المجاهدين هناك ، فلم يجد أفضل من قتيبة بن مسلم لهذه المهمة ، فلم يعبأ بشيء سوى الجهاد ، فلما وصل خراسان سنة 86هـ ، علا بهمته إلى حرب ما وراء النهرين .
سار قتيبة بن مسلم على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء ، فلا يترك لهم وقت للتجمع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين ، ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة ، ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه .
كان قتيبة بن مسلم كما ذكر من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي فقد كان يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج ، فلما وليّ سليمان الخلافة خشي قتيبة من انتقامه ؛ لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه ؛ ولذلك عزم قتيبة على الخروج على سليمان وجمع جموعًا لذلك من رجاله وأهل بيته ، لكن حركته فشلت وانتهت بقتله سنة (96 هـ / 715م) على يد وكيع بن حسان التميمي . وقيل أنه لم يتمرد ولكن وقع ضحية مؤامرة حاكها بعض الطامعين بالولاية ، والله أعلم .
كان القائد الإسلامي قتيبة من كبار القادة الذين سجلهم التاريخ ، فعلى يديه فتحت كثير من بلاد المشرق وتوغل حتى حدود بلاد الصين ، وتدين كثير من هذه البلدان بدين الإسـلام .
وباهلة قبيلة منحطة بين العرب ، قال الشاعر أبي هفان :
أباهـل ينبحـني كلبكـم ..... وأسدكـم ككلاب العرب
ولو قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لوم هذا النسب
قيل: إن قتيبة قال لهبيرة : أي رجل أنت لولا أن أخوالك من سلول ، فلو بادلت بهم ، قال: أيها الأمير ، بادل بهم من شئت ، وجنبني باهلة .
وقيل لأعرابي : أيسرك أنك باهلي وتدخل الجنة ؟ قال: إي والله ، بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني باهلي .
·لم ينل قتيبة أعلى الرتب بالنسب ، بل بكمال الحزم والعزم والإقدام ، والسعد ، وكثرة الفتوحات ، ووفور الهيبة ، ومن أحفاده الأمير سعيد ابن مسلم بن قتيبة الذي ولي إرمينية ، والموصل ، والسند ، وسجستان ، وكان فارسا جوادا ، له أخبار ومناقب ، مات زمن المأمون سنة سبع عشرة ومئتين .
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
القائد الفتى محمد بن القاسم :قاد الجيوش الجرارة وولى الأقاليم الكبيرة وفتح المدن العريقة وأدخل الإسلام إلى بلاد السند والهند وأباد ملوك الكفر وحطم الأوثان والمعابد الشركية .
وهو : محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبى عقيل الثقفى .
ولد سنة 72 هجرية بأرض العراق ، وكان أبوه القاسم بن محمد مما جاء لأرض العراق عند الحرب بين ابن الزبير رضي الله عنه وعبد الملك بن مروان ، فأقام بها وهو ابن عم الوالي الشهير والمثير للجدل بشدة الحجاج بن يوسف الثقفى ، وهذا الرجل رغم مساويه الكثيرة والشناعات العظيمة التي أثرت عنه ، إلا أنه محباً للجهاد مهتماً بتدبير الجيوش ونشر الإسلام ، وكانت له عين فاحصة في اختيار الأبطال ومعرفتهم وبخبرته الواسعة بشئون الجهاد ، وقعت عينه على ابن عمه الصغير 'محمد بن القاسم' فبدأ بتقريبه وإسناد بعض المهام الصغيرة من أجل اختبار مدى عزمه وكفاءته وترقى في اختباراته له حتى أبان الصغير عن همة عالية وكفاءة قيادية منقطعة النظير .
لقد كان سوق الجهاد قائمة في بنى أمية ليس لهم شغل إلا ذلك ، فعلت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وقد أذلوا الكفر وأهله ، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعباً فلا يتوجه المسلمون إلى بلد إلا أخذوه ، ولم تنكسر لهم راية أو يديل عليهم عدو أو يخرج من أيديهم بلد فتحوه ، وفى ظل هذه البيئة الجهادية ظهر بطلنا المقدام محمد بن القاسم .
عندما تولى الحجاج الثقفى جعل من أولوياته فتح هذا الثغر العظيم خاصة بعد قتل عامله 'محمدبن هارون النمرى' في قتاله مع ملك السند 'داهر' وقد رأى أن هذا الفتح لن يتم إلا بجيش قوى على رأسه قائد شجاع لا يبالى بجيوش 'داهر' الضخمة ولا يستوحش من بعد المسافة وطول الطريق إلى السند ، وبعد بحث وتقليب نظر في قائمة القادة الأبطال ، وقع الاختيار على بطلنا 'محمد بن القاسم' وكان وقتها في السابعة عشر من العمر ، وكان ذلك سنة 89 هجرية ، حيث بدأت فصول المجد والبطولة في حياة هذا القائد الصغير .
كان لمحمد بن القاسم في رحلته للفتح المبارك هدفان الأقرب الانتقام من 'داهر' ملك السند الوثني الذي قتل المسلمين بأرضه ، والأبعد فتح بلاد السند وما ورائها من بلاد الهند ونشر الإسلام في هذه الربوع الشاسعة .
فتـح مدينة 'الدبيل'
وصل القائد محمد بن القاسم إلى مدينة 'الدبيل' في يوم جمعة وضرب على المدينة حصاراً شديداً ، واستمات الكفار الهندوس في الدفاع عن مدينتهم وفكر 'محمد بن القاسم' في فكرة عبقرية لفتح المدينة تعتمد في الأساس على خبرته بنفسية الأعداء وطبيعة تفكيرهم ، فلقد كان في المدينة معبد ضخم لصنم معروف عندهم على قمته سارية خشبية طويلة جداً في نهايتها راية حمراء كبيرة إذا هبت الرياح تحركت هذه الراية كأنها كالمروحة الدائرة ، وهى مقدسة عندهم ، فأمر 'محمد بن القاسم' بتوجيه قذائف المنجنيق إلى هذه السارية حتى كسرها ، وهو يعلم بتشاؤم الهندوس من ذلك ، وبالفعل مع إنهيار السارية إنهارت معنويات الكفار واقتحم المسلمون المدينة ، وفتحوها بعد معركة طاحنة وبنى 'محمد بن القاسم' بها مسجداً واستقدم أربعة آلاف من المسلمين وأسكنهم في المدينة للتأكيد على إسلام هذه المدينة وطمس الهوية الوثنية عنها.
بعد فتح مدينة 'الدبيل' أحصن مدن السند ، واصل محمد بن القاسم سيره ،فكان لا يمر على مدينة إلا فتحها وهدم معابد الوثنية والبوذية بها وأقام شعائر الإسلام وأسكنها المسلمون وبنى المساجد حتى غير خريطة البلاد تماماً وصبغها بصبغة إسلامية تامة .
كانت الأخبار قد وصلت إلى ملك الهند الوثني 'داهر' فاستعد للقاء المسلمين بجيوش كبيرة مع سلاح المدرعات الشهير وهم الفيلة، وقد داخله الكبر والعجب لضخامة جيوشه واستخف بالمسلمين لقلتهم ، ولكنه فوجئ بالإعصار الإسلامي يعبر نهر 'مهران' الفاصل بينه وبين المسلمين، ويجد 'داهر' الذي كان على ظهر فيل كبير نفسه وجهاً لوجه مع محمد بن القاسم وجنوده ، ويقتتل الفريقان قتالاً مهولاً لم تشهد مثله أرض السند من قبل ويرى 'داهر' جنوده صرعى من حوله تتخطفهم سيوف المسلمين ، فنزل من على ظهر فيله المنيع ويقاتل بنفسه حتى يأتيه قدره المحتوم ويقتله المسلمون وينشد قاتله هذه الأبيات :
الخيل تشهد يـوم داهر والقنـا..... ومحمد بن القاسـم بن محمد
إنـي فرجت الجمع غير معـرد....حـتى علـوت عظيمهم بمهند
فتركته تحـت العجـاج مجندلاً....متعفـر الخديـن غير موسـد
بعد إن نجح محمد بن القاسم في القضاء على ملك السند الكبير 'داهر' برز ملك آخر كان بمثابة الذراع اليمنى لداهر واسمه دوهر وكان ملكاً على إقليم 'الكيرج' وهى أقصى بلاد السند على حدود بلاد الهند ، فاستعد دوهر للقاء المسلمين وغره الشيطان بأنه سيحقق ما لم يحققه 'داهر' واصطدم مع المسلمين فنزل به من حر سيوفهم ما لم يطيق فحاول الفرار ولكن ولات حين فرار أدركته سيوف المسلمين فقتل كما قتل الذي من قبله والتحق رأسه برأس من سبقه وقال فيه قاتله أيضا :
نحـن قتلنا داهراً ودوهـر....والخيـل تروى منسراً فمنسراً
استطاع محمد بن القاسم أن يبهر الهندوس بشخصيته القوية الحازمة وقد تعجبوا من شجاعته وحسن قيادته لجيش كبير وهو دون الثامنة عشر ، وبالفعل أسلم عدد كبير من الزط وهم من بدو الهنود وانضم منهم أربعة آلاف رجل يقاتلون مع محمد بن القاسم وكان لهم أثر كبير في القتال لخبرتهم بالبلاد ومعرفتهم للغة الهنود .
وفي هذه اللحظات توفي الحجاج ، وكان الأمير يواصل فتوحاته حتى بدا للجميع أن محمد بن القاسم لن يرجع حتى يفتح بلاد الهند ( بعد إن فتح بلاد السند ) ولكن حدث تطور مأساوي سريع في حياة محمد بن القاسم .
بعد وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 96 هـ ، تولى الخلافة أخوه سليمان بن عبد الملك وكان شديد الكره للحجاج بسبب جرائمه وسفكه لدماء الكثيرين لأقل شبهة ، فعزل القائد محمد بن القاسم
ولما وصل نبأ العزل لمحمد بن القاسم حاول البعض إقناعه بالعصيان والانفراد بهذه البلاد البعيدة عن مركز الخلافة ، خاصة وأن جنوده يحبونه وكذلك من أسلم من أهل السند والهند، وحاولوا إقناعه بأنه مظلوم ولا ذنب له وتخويفه من صالح بن عبد الرحمن ، ولكن محمد بن القاسم كان من الطراز النادر للقادة الذين يعملون لخدمة الإسلام ولا يريدون من الدنيا شيئاً فلا مناصب تهمه ولا دنيا تغريه ، وخاف من عاقبة الخروج على الخلافة وما سيؤدى إلى تفرق الأمة وتمزق المسلمين وسفك الدماء بين المسلمين في فتنة الخروج ، ووافق على قرار العزل مع قدرته على المقاومة والانفراد، وأنشد في ذلك قوله :
ولو كنت أجمعـت الفرار لـوطئت.....إناث أعـدت للوغى وذكور
وما دخلت خيل السكاسك أرضنا.....ولا كـان مـن عك على أمير
وهكذا توقفت سيرة فتح الهند بعزل هذا البطل ولكن الذي حدث بعد ذلك كان أشد إيلاماً ومأساوية
وهو أن (صيتا) ابنة 'داهر' قد وقعت في الأسر بعد مقتل أبيها وانتقلت من العز والملك والغنى والسيطرة إلى أن قتل أبوها وانتحرت أمها وضاع ملكها وصارت مملوكة بعد أن كانت ملكة ،فامتلأ قلبها غيظاً وحنقاً وبغضاً على البطل الشاب محمد بن القاسم فلما عزل محمد بن القاسم من منصبه وعلمت أن أيامه قد ولت أرادت أن تدرك ثأرها وتشفى غليلها فتقدمت للوالي الجديد 'يزيد بن أبى كبشة' بشكوى ادعت فيها أن محمد بن القاسم قد اغتصبها بالقوة بعد وقوعها في الأسر وهى تهمة عظيمة وفرية دنيئة من وثنية مشركة على بطل عظيم .
و لان التهمة كبيرة قرر الوالي الجديد القبض على محمد بن القاسم وإرساله إلى والي العراق 'صالح بن عبد الرحمن' للتحقيق ، وبالفعل حمل محمد بن القاسم مقيداً بالأغلال إلى العراق فأنشد قائلاً بيته المشهور الذي صار بعد ذلك مثلاً سائراً ويعبر عن صدق إخلاص هذا الرجل ومدى حزنه على توقيفه عن الجهاد فى سبيل الله،قال :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ..... ليوم كريهة وسداد ثغر
وكان مشهد خروج محمد بن القاسم مكبولاً شديد الأثر على أهل السند ، فلقد اصطفوا لوداعه وهم يبكون على فراقه وما صار إليه ، والعجب العجاب أن الله عز وجل قد أظهر آية سريعة وباهرة لبراءة البطل العظيم ، حيث لم يمض على خليفته في ولاية السند 'يزيد بن أبى كبشة' سوى سبعة عشر يوماً ثم مات فجأة .
وقد فرح كفار السند لخروج محمد بن القاسم وتنفسوا الصعداء وخلعوا الطاعة وعادوا للكفر وهموا بإخراج المسلمين ،كل ذلك لأن الساحة قد غاب عنها أسدها وأشدها .
كان والي العراق الجديد 'صالح بن عبد الرحمن' شديد الكراهية والبغضاء للحجاج الثقفي ، ذلك لأن الحجاج قد قتل آدم أخا صالح وكان يرى رأى الخوارج ، فأراد صالح أن يدرك ثأره من الحجاج وذلك بالانتقام من أقربائه .
قام صالح بن عبد الرحمن بحبس محمد بن القاسم فيسجن مدينة واسط الذي طالما زج فيه الحجاج خصومه لأدنى شبهة وبنفس آلات التعذيب أمر صالح بتعذيب محمد بن القاسم حتى يعترف هل ارتكب هذه الجناية الشنيعة التي افترتها الوثنية 'صيتا' عليه ، ومحمد بن القاسم يقسم أنه بريء ويصر على ذلك ، وينشد أشعاراً مؤثرة يقول فيها :
فلئن ثويت بواسط وبأرضها.....رهن الحديد مكبلاً مغلولاً
فلرب قنية فارس قد رعتها.....ولرب قرن قد تركت قتيلاً
ويظل محمد بن القاسم صامداً تحت التعذيب مستمسكاً ببراءته وطهارته من هذه الفرية الحقيرة ولا ذنب له سوى فتوحاته العظيمة وقهره لملوك الكفر ، ولكونه ابن عم طاغية أخذت عشيرته بجريرته ، حتى جاءت اللحظة الحزينة التي مات فيها مظلوماً شهيداً إن شاء الله وتنطفئ شمعة لو قدر لها البقاء لصارت شمساً محرقة لأعداء الإسلام ولفتح المسلمون الهند التي تأخر فتحها بعد ذلك بعدة قرون .
فرحمه الله رحمة واسعة وعوض شبابه الغض الطري بالفردوس الأعلى ، والأمر العجيب حقاً أن 'صيتا' ابنة داهر لما علمت بوفاة محمد بن القاسم تحت التعذيب بكت وتحرك ضميرها وذهبت لوالي العراق واعترفت بجريمتها فرفع أمرها للخليفة سليمان بن عبد الملك ، فأمر بقتلها جزاء وفاقاً وقصاصاً بهذا البطل العظيم .
وهكذا ينصر الله عز وجل أولياءه وجنوده ولو بعد حين ويظهر براءتهم للعالمين حتى لا تبقى في صدور أي من الناس شيء عنهم
إن البطل محمد بن القاسم الثقفي فاتح بلاد السند ، يعتبر من أعظم الأبطال في التاريخ الإسلامي ، إنه بطل بما تحمله كلمة البطولة من معانٍ ، وقد أودع الله بين جنبيه نفسًا بعيدة المطامح لخدمة الإسلام ، وبلاد السند والبنجاب التي فتحها البطل محمد بن القاسم هي بلاد باكستان الحاضرة من أكبر البلاد الإسلامية ، وتاريخها جزء عزيز من التاريخ الإسلامي الكبير ، ويعتبر محمد بن القاسم الثقفي مؤسسًا لأول دولة إسلامية في الهند ، ولذلك يبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال .
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
الأمير الكبير : موسى بن نصير، أبو عبد الرحمن اللخمي : متولي إقليم المغرب وفاتح الأندلس ، تابعيّ روى عن الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه .
وكان عاقلاً كريماً شجاعاً ورعاً تقياً لله تعالى ، لم يهزم له جيش قط ، وكان أعرج مهيبا ، ذا رأي وحزم .
كان والده نصير من بين أربعين غلاما سباهم خالد بن الوليد رضي الله عنه في كنيسة عين التمر على الشاطئ الفرات عام12 للهجرة بعد أن ضرب أعناق أهل الحصن أجمعين . وكان على هؤلاء الغلمان باب مغلقه فكسره عنهم ، وأجابوه بأنهم رهائن لدى أهل عين التمر ، فاعتبرهم خالد رضي الله عنه من السبي وقسمهم على أهل البلاء من جنده . وكان منهم أيضا سيرين والد محمد بن سيرين،ويسار جد محمد بن إسحاق كاتب ألسيره (المغازي). أعتق بنو أميه نصيرا ، فعمل في شرطة معاويه رضي الله عنه وكان صاحب همه وعطاء حتى صار من جيش معاويه رضي الله عنه وحرسه. ولما حصلت الفتنه بين على ومعاويه رضي الله عنهما رفض أن يقاتل عليا ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ،ولما استتب الأمر لمعاويه رضي الله عنه عام الجماعة قال له يعاتبه لعدم مشاركته في قتال علي رضي الله عنه :ما منعك من الخروج معي ولي عندك يد لم تكافئني عليها؟، فقال له كلمة عظيمه معبره تدل على وعيه ورسوخ الإيمان في قلبه :لم يمكن أن أشكرك بكفري من هو أولى بشكري منك . فقال له معاويه رضي الله عنه :من هو أولى بالشكر منى؟وهو يرى انه صاحب الفضل عليه ،فأجابه نصير : الله سبحانه وتعالى، فاطرق معاويه رضي الله عنه رأسه ، وقال: استغفر الله ، وعفا عنه وسامحه ورضي عنه .
تولى موسى بن نصير إفريقية والمغرب سنة سبع وسبعين للهجرة .
وقال أبو شبيب الصدفي : لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير ، ووجد موسى أكثر مدن إفريقية خالية لاختلاف أيدي البربر عليها ، وكانت البلاد في قحط شديد ، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين ، وخرج بهم إلى الصحراء ، ومعه سائر الحيوانات ، وفرق بينها وبين أولادها ، فوقع البكاء والصراخ والضجيج ، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار ، ثم صلى وخطب بالناس ، ولم يذكر الوليد بن عبد الملك ، فقيل له : ألا تدعو لأمير المؤمنين فقال : هذا مقام لا يدعى فيه لغير الله عز وجل ، فسقوا حتى رووا .
واستعمل على طنجة وأعمالها مولاه طارق بن زياد البربري ، ويقال إنه من الصدف ، وترك عنده تسعة عشر ألف فارس من البربر بالأسلحة والعدد الكاملة ، وكانوا قد أسلموا وحسن إسلامهم ، وترك موسى عندهم خلقاً يسيراً من العرب لتعليم القرآن وفرائض الإسلام ، ورجع إلى إفريقية ، ولم يبق بالبلاد من ينازعه من البربر ولا من الروم .
فلما استقرت له القواعد كتب إلى طارق وهو بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس في جيش من البربر ليس فيه من العرب إلا قدر يسير، فامتثل طارق أمره، وركب البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء من بر الأندلس، وصعد إلى جبل يعرف اليوم بجبل طارق لأنه نسب إليه لما حصل عليه ، وكان صعوده إليه يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنتين وتسعين للهجرة في اثني عشر ألف فارس من البربر خلا اثني عشر رجلاً .
وقال الليث بن سعد: إن موسى بن نصير حين فتح الأندلس كتب إلى الوليد ابن عبد الملك ، إنها ليست الفتوح ولكنها الجنة .
ولما وصل موسى إلى الشام ومات الوليد بن عيد الملك وقام من بعده سليمان أخوه ، وحج في سنة سبع وتسعين للهجرة - وقيل سنة تسع وتسعين - حج معه موسى بن نصير ، ومات في الطريق بوادي القرى ، وقيل بمر الظهران ( قرب المدينة المنورة ) على اختلاف فيه . وكانت ولادته في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة تسع عشرة للهجرة ، رحمه الله تعالى .
وكان موسى بن نصير حريصا على أن يظلّ المسلمون العاملون تحت رايته - سواء من العرب أو البربر - مثلا أعلى أمام شعب أسبانيا ؛ فلم يترفّع أولئك الغزاة المسلمون على أبناء البلاد ، وإنما امتزجوا معهم وصاهروهم وشاركوهم أيضا في مباهج البلاد ومسرّاتها ؛ يطلبون العيش في سلام جنبا إلى جنب مع أهلها، وكان شعب أسبانيا من العنصر الأيبيري المسالم المحبّ لحسن العشرة، ومن ثم أنس إلى الغزاة الجدد سواء من العرب أو البربر، وأقبل عليهم طواعية لا عن ضغط وإرهاب، ووجد فيهم محرّرين من بطش القوط وظلمهم الفاحش، ولم يحاول الغزاة إدخال أبناء الشعب قسرا في الدين الإسلامي، وإنما حرصوا أوّلا على بيان فضائل هذا الدين حتى يتنبّه الناس ويدخلوا في رحابه إيمانا بأركانه وقواعده .
ثم إن موسى بن نصير عمد إلى تنظيم الأحوال المالية للبلاد حتى يجنبها الاضطرابات ويهيئ لها أسباب الاستقرار ، وقد طبق على أسبانيا القواعد التي اتبعها المسلمون في شتى الجهات التي استولوا عليها، فالأراضي التي غزت عنوة قسمت بين الغزاة بعد أخذ الخمس لبيت المال، أما الجهات التي غزت صلحا فتركت بيد أصحابها مقابل دفع العشر من نتاجها، ولا شكّ أن هذا التنظيم المالي لم يكن عملا هيّنا بالنسبة لموسى بن نصير، وبخاصة في تلك الجهات من غرب أوروبا التي لم تعرف منذ زمن بعيد لونا من ألوان الإدارة العادلة؛ فالمعروف أن القوط كانوا يستبيحون لأنفسهم ثروات البلاد ويعتبرون السكان أقنانا يعملون في الأرض ، ولا همَّ لهم إلا إنتاج ما يحتاج إليه سادتهم من القوط ، ولذا جاءت تنظيمات موسى بن نصير في أسبانيا وسيلة جيدة لخلق الامتزاج السليم بين الغزاة وأهل البلاد الأصليين ؛ فالأراضي المنبسطة في الجنوب - أي جنوب الوادي الكبير - اعتبرها موسى ابن نصير أرضا مستولى عليها عنوة ؛ فقد تم الاستيلاء عليها بعد معارك عنيفة ضد لوذريق ، وقسم موسى أربعة أخماس هذه الأراضي إلى قطاعات بين الغزاة، على حين بقي الخمس ملكا للدولة، أما بقية أرض الأندلس فقد اعتبرت أرض صلح وهي الأراضي الواقعة شمال نهر الوادي الكبير من شبه جزيرة ايبريا ، فأخذ كل ناحية لأنفسهم عهدا، وهذا العهد يقرر ما عليهم من مال للدولة، وبذلك سار الاستقرار في بلاد أسبانيا سريعا حيث سار موسى بن نصير، وبدأ العرب والبربر ينتشرون في شتى الجهات في طمأنينة وسلام، واستقر العرب دائما في المناطق المنبسطة والمنخفضات، أي في النواحي الدافئة قليلة المطر في الجنوب والشرق والغرب وفي ناحية سرقسطة، أما البربر فاختاروا المناطق الجبلية التي سبق أن ألفوا مثلها في وطنهم ببلاد المغرب، بينما نزل العرب في المناطق الواطئة بجنوب أسبانيا مثل شذونه واستجة ، فضَّل البربر منطقة رنده الجبلية واختاروها سكنا لهم، ونزل بعض البربر في مناطق متفرّقة كذلك أو في بعض الهضاب حسبما راق لهم ذلك، واستطاع كل من العرب والبربر الامتزاج بأهالي البلاد الأصليين وارتبطوا معهم برباط الزواج، وكان للبربر خاصة أثر عظيم جدّا في انتشار الإسلام في الأندلس بسبب قرب مزاجهم وطباعهم من أولئك السكان، هذا إلى أن البربر بسبب حداثة عهدهم بالإسلام كانوا شديدي الحماسة للدين الجديد لأنه صار رمز سيادتهم وعزّهم، وحرص موسى بن نصير على ترك حاميات من جيشه في المدن التي غزاها، وهذا هو الأمر الذي جعل معظم أرجاء أسبانيا تعمر بالغزاة الجدد وتمهد أسبانيا في سرعة ويسر لاعتناق الدين الإسلامي.
واستطاعت الإدارة الإسلامية التي شيّدها موسى بن نصير أن تضع الحجر الأساسي لبناء الحضارة الإسلامية في أسبانيا، وجعلت من تلك البلاد أعظم مركز للإشعاع الحضاري في أوروبا في العصور الوسطي، ومن ثم أخذت أسبانيا تخطو سريعا في مضمار الازدهار العلمي وتدخل سجل التاريخ باعتبارها الشريان الذي نقل إلى أوروبا ثمار الحضارة الإسلامية ومعارفهم، وهيّأ لسكان غرب أوروبا السبيل للخروج من جهالة العصور الوسطي إلى نور الحضارة الإسلامية .
وقد استغرق الفتح الإسلامي لأسبانيا ثلاث سنوات وبضعة شهور؛ إذ بدأ الفتح الإسلامي لأسبانيا في رجب عام 92هـ وتم في ذي القعدة عام 95هـ. ويلاحظ أن العرب أطلقوا اسم الأندلس على المناطق التي كانوا يسيطرون عليها من شبه جزيرة أيبريا، ولا زال اسم الأندلس يطلق على الجزء الجنوبي منها.
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
طارق بن زياد : مولى موسى بن نصير
ولد سنة 50 ومات سنة 102هـ ، والليثي بالولاء ، كان من عظماء قادة المسلمين الذين أعز الله بهم الإسلام ، فقد كان فتح الأندلس على يديه .
وقد اختلف في نسبه ، ولكن أرجح الأقوال أنَّه بربريُّ قُحٌّ، ولكنه كان على صلةٍ بالعروبة والإسلام منذ زمن ليس بالقصير، فقد ذكر له ابن عذاري أبوين في الإسلام ، فاسمه الكامل: طارق بن زياد بن عبد الله ، ويبدو أنّه ليس هو الذي أسلم أولاً بل والدُه وجدُّه الذي يكون قد انتقل إلى المشرق، وهناك نشأ طارق في بيئة عربية إسلامية، مع احتفاظه بلهجة أجداده البربرية، ثمَّ جُنّد بعد ذلك في جيش موسى بن نصير، وجاء معه إلى المغرب، وكان من أشد رجاله .
وركب طارق البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء من بر الأندلس وصعد إلى جبل يعرف اليوم بجبل طارق ، وكان صعوده إليه يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنتين وتسعين للهجرة في اثني عشر ألف فارس من البربر خلا اثني عشر رجلاً .
وذكر ابن القوطية أن طارقا لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي صلى الله عليه و سلم وحوله الصحابة وقد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي فدخلوا قدامه وقال له النبي صلى الله عليه و سلم : تقدم يا طارق لشأنك ، فانتبه مستبشرا وبشر أصحابه ولم يشك في الظفر قال : فشن الغارة وافتتح سائر المدائن وولي سنة واحدة ثم دخل مولاه موسى فأتم ما بقي من الفتح في سنة ثلاث وتسعين للهجرة .
وكان صاحب طليطلة ومعظم بلاد الأندلس ملك يقال له لذريق. ولما احتل طارق بالجبل المذكور كتب إلى موسى بن نصير: إني فعلت ما أمرتني به ، وسهل الله سبحانه وتعالى بالدخول. فلما وصل كتابه إلى موسى ندم على تأخره ،وعلم أنه إن فتح نسب الفتح إليه دونه ، فأخذ في جمع العساكر ، وولى على القيروان ولده عبد الله ، وتبعه فلم يدركه إلا بعد الفتح .
وكان لذريق المذكور قد قصد عدواً له ، واستخلف في المملكة شخصاً يقال له تدمير ، وإلى هذا الشخص تنتسب بلاد تدمير بالأندلس - وهي مرسية - وما والاها، وهي خمس مواضع تسمى بهذا الاسم ، واستولى الفرنج على مرسية سنة اثنتين وخمسين وستمائة ، فلما نزل طارق من الجبل بالجيش الذي معه كتب تدمير إلى لذريق الملك إنه قد وقع بأرضنا قوم لا ندري من السماء هم أم من الأرض، فلما بلغ ذلك لذريق رجع عن مقصده في سبعين ألف فارس، ومعه العجل يحمل الأموال والمتاع ، وهو على سريره بين دابتين عليه قبة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد .
فلما بلغ طارقاً دنوه قام في أصحابه فحمد الله سبحانه وتعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم في الشهادة، ثم قال:" أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدقُ والصبر، واعلموا أنّكم في هذه الجزيرة أضيَعُ من الأيتام، في مأدُبَة اللئام، وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُهُ موفورة، وأنتم لا وَزَرَ لكم إلا سيوفكم ، ولا أقوات إلاَّ ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم، وإن امتَدّت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم ، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم ، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بِمُناجزة هذا الطاغية ، فقد ألقت به إليكم مدينَتُه الحصينة ، وإنّ انتهاز الفُرْصَة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت ، وإنّي لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنَجْوة ، ولا حملتكم على خُطة أرخصُ متاع فيها النفوسُ (إلاَّ وأنا) أبدأ بنفسي ، واعلموا أنّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَه الألذِّ طويلاً ، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حَظّكم فيه بأوفى من حظّي، [وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الحور الحسان، من بنات اليونان ، الرافلات في الدر والمَرْجان ، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان ، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان]، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أميرُ المؤمنين من الأبطال عُرْبانا ، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا ، ثقةً منه بارتياحكم للطّعان ، واستماحكم بمُجالدة الأبطال والفُرسان ، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته ، وإظهار دينه بهذه الجزيرة ، وليكون مَغْنَمُها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم ، والله تعالى وليُّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين، واعلموا أني أوّل مجيبٍ إلى ما دعوتكم إليه، وأنّي عند مُلْتَقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتِلهُ إن شاء الله تعالى ، فاحملوا معي ، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره ، ولم يُعْوزكم بطلٌ عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكتُ قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه ، واحملوا بأنفسكم عليه ، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله ، فإنِهم بعده يُخْذَلون ".
فلما فرغ طارق من تحريض أصحابه على الصبر في قتال لذريق وأصحابه وما وعدهم من النيل الجزيل ، انبسطت نفوسهم وتحققت آمالهم وهبت ريح النصر عليهم وقالوا: قد قطعنا الآمال مما يخالف ما عزمت عليه ، فاحضر إليه فأنا معك وبين يديك .
فركب طارق وركبوا وقصدوا مناخ لذريق ، وكان قد نزل بمتسع من الأرض ، فلما تراءى الجمعان نزل طارق وأصحابه ، فباتوا ليلتهم في حرس إلى الصبح .
فلما أصبح الفريقان تلببوا (تلبسوا) وعبوا كتائبهم وحمل لذريق على سريره ، وقد رفع على رأسه رواق ديباج يظله ، وهو مقبل في غاية من البنود والأعلام وبين يديه المقاتلة والسلاح ، وأقبل طارق وأصحابه عليهم الزرد ، ومن فوق رؤوسهم العمائم البيض وبأيديهم القسي العربية ، وقد تقلدوا السيوف واعتقلوا الرماح ، فلما نظر إليهم لذريق قال: أما والله إن هذه الصور التي رأينا ببيت الحكمة ببلدنا ، فداخله منهم رعب .
ونتكلم هاهنا على بيت الحكمة ما هو ، ثم نتكلم على حديث هذه الواقعة :
وأصل خبر بيت احكمة أن اليونان - وهم الطائفة المشهورة بالحكمة - كانوا يسكنون ببلاد المشرق قبل عهد الإسكندر، فلما ظهرت الفرس واستولت على البلاد ، وزاحمت اليونان على ما كان بأيديهم من الممالك ، انتقل اليونان إلى جزيرة الأندلس ، لكونها طرفاً في آخر العمارة ، ولم يكن لها ذكر يوم ذاك، ولا ملكها أحد من الملوك المعتبرة ولا كانت عامرة، وكان أول من عمر فيها واختطها أندلس بن يافث بن نوح عليه السلام، فسميت باسمه ، ولما عمرت الأرض بعد الطوفان كان صورة المعمور منها عندهم على شكل طائر رأسه المشرق والجنوب والشمال جناحاه، وما بينهما بطنه ، والمغرب ذنبه ، فكانوا يزدرون المغرب لنسبته إلى أخس أجزاء الطائر .
قال ابن خلدون : وجرى في مجلس الحافظ أبي طاهر السفلي نادرة تصلح أن نذكرها هاهنا وهي أن أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن الجمش البلبيسي كان في مجلسه، وعبد العزيز الشريشي يقرأ حديث عمرو بن العاص: خلقت الدنيا على صورة طير... الحديث المذكور؛ فقال الشريشي لأبي إسحاق يمازحه: اسمع يا أبا إسحاق، وشر ما في الطير ذنبه، فقال أبو إسحاق: هيهات ما عرفت أنت ما كان ذلك الطائر المشبه كان طاووساً، وما فيه أحسن من ذنبه.
وكانت اليونان لا ترى فناء الأمم بالحروب لما ترى فيه من الإضرار والاشتغال عن العلوم التي كان أمرها عندهم من أهم الأمور ، فلذلك انحازوا من بين يدي الفرس إلى الأندلس .
فلما صاروا إليها أقبلوا على عمارتها ، فشقوا الأنهار وبنوا المعاقل ، وغرسوا الجنات والكروم ، وشيدوا الأمصار ، وملئوها حرثاً ونسلاً وبنياناً ، فعظمت وطابت حتى قال قائلهم لما رأى بهجتها : إن الطائر الذي صورت العمارة على شكله، وكان المغرب ذنبه ، كان طاوساً معظم جماله في ذنبه . فاغتبطوا بها أتم اغتباط واتخذوا دار الملك والحكمة بها مدينة (طليطلة) لأنها وسط البلاد ، وكان أهم الأمور عندهم تحصينها عمن يتصل به خبرها من الأمم ، فنظروا فإذا ليس ثم من يحسدهم على أرغد العيش إلا أرباب الشظف والشقاء ، وهم يوم ذاك طائفتان : العرب والبربر ، فخافوهم على جزيرتهم المعمورة ، فعزموا أن يتخذوا لدفع هذين الجنسين من الناس طلمساً ، فرصدوا لذلك أرصاداً .
ولما كان البربر بالقرب منهم ، وليس بينهم سوى تعدية البحر ، ويرد عليهم منهم طوائف منحرفة الطباع خارجة عن الأوضاع ، وازدادوا منهم نفراً ، وكثر تحذيرهم من مخالطتهم في نسب أو مجاورة ، حتى انبث ذلك في طبائعهم ، وصار بغضهم مركباً في غرائزهم ، فلما علم البربر عداوة أهل الأندلس لهم وبغضهم ، أبغضوهم وجسدوهم ، فلا تجد أندلسياً إلا مبغضاً بربرياً ولا بربرياً إلا مبغضاً أندلسياً ، إلا أن البربر أحوج إلى أهل الأندلس من أهل الأندلس إلى البربر، لكثرة وجود الأشياء بالأندلس وعدمها ببلاد البربر.
وكان من تقدم من ملوك اليونان يخشى على جزيرة الأندلس من البربر للسبب الذي قدمنا ذكره ، فاتفقوا وعملوا الطلسمات في أوقات اختاروا أرصادها ، وأودعوا تلك الطلسمات تابوتاً من الرخام وتركوه في بيت بمدينة طليطلة ، وركبوا على ذلك البيت باباً وأقفلوه، وتقدموا إلى كل من ملك منهم بعد صاحبه أن يلقي على ذلك الباب قفلاً ، تأكيداً لحفظ ذلك البيت، فاستمر أمرهم على ذلك .
ولما كان وقت انقراض دولة اليونان ودخول العرب والبربر إلى جزيرة الأندلس، وذلك بعد مضي ستة وعشرين ملكاً من ملوك اليونان من يوم عملهم الطلسمات بمدينة طليطلة ، وكان الملك لذريق المذكور السابع والعشرين من ملوكهم ، فلما جلس في ملكه قال لوزرائه وأهل الرأي من دولته: قد وقع في نفسي من أمر هذا البيت الذي عليه ستة وعشرون قفلاً شيء ، وأريد أن أفتحه لأنظر ما فيه ، فإنه لم يعمل عبثاً ، فقالوا: أيها الملك ، صدقت لم يعمل عبثاً ولا أقفل سدى ، بل المصلحة أن تلقي عليه قفلاً كما فعل من تقدمك من الملوك، وكانوا آباءك وأجدادك ولم يهملوا هذا فلا تهمله وسر سيرهم ، فقال : إن نفسي تنازعني إلى فتحه ، ولا بد لي منه ، فقالوا: إن كنت تظن فيه مالاً فقدره ونحن نجمع لك من أموالنا نظيره ، ولا تحدث علينا بفتحه حدثاً لا نعرف عاقبته، فأصر عل ذلك ، وكان رجلاً مهيباً فلم يقدروا على مراجعته ، وأمر بفتح الأقفال ، وكان على كل قفل مفتاحه معلقاً ، فلما فتح الباب لم ير في البيت شيئاً إلا مائدة عظيمة من ذهب وفضة مكللة بالجواهر ، وعليها مكتوب :
(( هذه مائدة سليمان بن داود عليهما السلام ، ورأى في البيت ذلك التابوت ، وعليه قفل ومفتاحه معلق ، ففتحه فلم يجد فيه سوى رق ، وفي جوانب التابوت صور فرسان مصورة بأصباغ محكمة التصوير على أشكال العرب ، وعليهم الفراء وهم معممون على ذوائب جعد ، ومن تحتهم الخيل العربية ، وبأيديهم القسي العربية وهم متقلدون بالسيوف المحلاة، معتقلون بالرماح ، فأمر بنشر ذلك الرق ، فإذا فيه : متى فتح هذا الباب وهذا التابوت المقفلان بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التابوت إلى جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان من أيديهم، ودرست حكمتهم )) ، فهذا هو بيت الحكمة المقدم ذكره ؛ فلما سمع لذريق ما في الرق ندم على ما فعل ، وتحقق انقراض دولتهم ، فلم يلبث إلا قليلاً حتى سمع أن جيشاً وصل من المشرق جهزه ملك العرب يستفتح بلاد الأندلس ؛ انتهى الكلام على بيت الحكمة . " والله أعلم بصحة ما ورد "
ونعود الآن إلى تتمة حديث لذريق وجيش طارق بن زياد :
فلما رأى طارق لذريق قال لأصحابه: هذا طاغية القوم، فحمل وحمل أصحابه معه، فتفرقت المقاتلة من بين يدي لذريق، فخلص إليه طارق، وضربه بالسيف على رأسه فقتله على سريره ، فلما رأى أصحابه مصرع ملكهم اقتحم الجيشان ، وكان النصر للمسلمين ، ولم تقف هزيمة اليونان على موضع ، بل كانوا يسلمون بلداً بلداً ومعقلاً معقلاً .
فلما سمع بذلك موسى بن نصير المذكور أولاً عبر الجزيرة بمن معه، ولحق بمولاه طارق، فقال له: يا طارق، إنه لن يجازيك الوليد بن عبد الملك على بلائك بأكثر من أن يبيحك جزيرة الأندلس، فاستبحه هنيئاً مريئاً، فقال طارق : أيها الأمير، والله لا أرجع عن قصدي هذا مالم أنته إلى البحر المحيط وأخوض فيه بفرسي ، يعني البحر الشمالي الذي تحت بنات نعش ، فلم يزل طارقيفتح وموسى معه إلى أن بلغ جليقية ، وهي على ساحل البحر المحيط، ثم رجع .
قال الحميدي في (جذوة المقتبس) : " إن موسى بن بصير نقم على طارق إذ غزا بغير إذنه، وسجنه وهم بقتله، ثم ورد عليه كتاب الوليد بإطلاقه فأطلقه ، وخرج معه إلى الشام " ، والصحيح أنه عاتبه برفق على تسرعه في اقتحام الأندلس من وسطها دون السيطرة على شرقيها وغربيها.
وكان خروج موسى من الأندلس وافداً على الوليد يخبره بما فتح الله سبحانه وتعالى على يديه وما معه من الأموال في سنة أربع وتسعين للهجرة .
لقد كان "طارق بن زياد" قائدًا عظيمًا استطاع بإيمانه وصبره وعزيمته وإصراره أن يصل إلى هذه المكانة العظيمة .
ونجح في تحقيق هذه الانتصارات لأنه كان يفكر في كل خطوة يخطوها ، ويتأنى في اتخاذ القرار، ويجمع المعلومات قبل التحرك ، فقبل أن يعبر إلى "الأندلس" أرسل حملة استطلاعية كشفت له أحوال "الأندلس" .
كما كان مؤمنا صادق الإيمان على يقين من نصر الله حتى في أحرج الأوقات ، فظل ثمانية أيام يحارب عدوه في لقاء غير متكافئ من حيث العدد والعدة ، لكنه تمكن من تحقيق النصر في النهاية بفضل الله تعالى .
رحمه الله ورضي عنه وجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
وهذه بعض الصوتيات والمرئيات عن الفتوحات الإسلامية للدكتور راغب السرجاني وأيضاً لوجدي غنيم
أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف (http://www.islamstory.com/أكذوبة-انتشار-الإسلام-بالسيف)
سلسلة فتح فلسطين (http://www.islamstory.com/سلسلة-فتح-فلسطين)
تاريخ القدس قبل الفتح الإسلامي (http://www.islamstory.com/تاريخ-القدس-قبل-الفتح-الاسلامي-صوت)
آفاق إسلامية - تشويه التاريخ الإسلامي (http://www.islamstory.com/آفاق_إسلامية_تشويه_التاريخ_الإسلامي)
صور من الحضارة الإسلامية (http://www.islamstory.com/ماذا_قدم_المسلمون_فيديو)
صور رائعة من الحضارة الإسلامية (http://www.islamstory.com/صور_رائعة_من_الحضارة_الإسلامية_فيديو)
سلسلة الفتوحات الإسلامية - لوجدي غنيم (http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=403&scholar_id=74)
إضافة :
http://audio.islamweb.net/audio/listenbox.php?audioid=156994&type=wma
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
وهنا بعض الصور عن الفتوحات الإسلامية من العهد النبوي وإلى الدولة العباسية
(1) الفتوحات الإسلامية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الدولة الأموية
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/20/Age_of_Caliphs.png
(2) الدولة الأموية في عهد هشام بن عبد الملك 732 م
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_2884245ec776536639.gif
(3) الأندلس بعد الفتح الإسلامي
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_1092845ec767610fd5.gif
(4) الدولة العباسية في عهد هارون الرشيد 800 م
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_724545ec77982b2e3.gif
(5) الفتوحات الإسلامية في الأندلس و فرنسة
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_1238345ec77c2c55de.gif
(6) الفتوحات الإسلامية في المغرب واوروبا
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_1179845ec77f6e9b71.gif
(7) الولايات العباسية و الدول الإسلامية
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_2883745ec7831a7bb4.gif
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
المصادر : تاريخ الطبري ، ووفيات الأعيان لابن خلدون ، وشذرات الذهب ، وتاريخ الإسلام للذهبي ، وسير أعلام النبلاء ، تاريخ ابن خلدون ، تاريخ ابن الأثير ، وغيرها .
ختاماً : أعتذر من الجميع على أي تقصير مني والموضوع طويل فأعتذر مرة أخرى ولا تحرمونا من النصائح وفقكم الله فنحن في بداية المسيرة في المنتدى
http://j.imagehost.org/0207/shjra2_by_zoro.png
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه :
وبعد ،،،
http://j.imagehost.org/0539/bylayan3-1.png
أقدم لكم اليوم وفي هذا الشهر المبارك شهر رمضان شهر الانتصارات والفتوحات نماذج نيرة من سيرة بعض القادة الفاتحين رحمهم الله ورضي عنهم وستكون مختصرة لعدم الإطالة ، مع العلم أني لم أستوفي جميع ما ذكر عنهم وإلا لطلب ذلك مني الكثير فكما تعلمون كتب التاريخ والسير تكلمت عنهم كثيراً فهم فخر الأمة وعنوان مجدها ، كما أني لم أذكر القادة الفاتحين من الصحابة لأني وجدت في هذا المنتدى قد ذكروا في موضوع ( سلسلة سيرة الصحابة ) ولأن سيرتهم مشهورة ومعلومة ، فلذلك اخترت أربع قادة وهم : ( قتيبة بن مسلم الباهلي ، ومحمد بن القاسم ، وموسى بن نصير ، وطارق بن زياد )
(( وأسأل الله التوفيق والسداد ))
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
وأبدأ بمقدمة مختصرة عن الفتوحات الإسلامية والهدف منها
لقد عرفت الفتوحات العربية مع ظهور الإسلام وبعده بمبادئ أكثر وضوحا وعدالة ، مستمدة جذورها من القرآن والسنة وتعليمات الخلفاء . ويعود حسن معاملة العرب لأهالي البلاد المفتوحة ، إلى أن الفتوحات العربية لم تكن تستهدف استعمار الأراضي والسكان ، وإنما كانت تستهدف نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله ، وهو ما سيتضح بجلاء عند الحديث عن الفتوحات الإسلامية والتي امتدت من حدود الصين شرقاً إلى شاطئ الأطلسي غرباً في أقلمن مائة عام .
إن العقيدة الإسلامية هي سلاح الفاتحين الأمضى " تمنع إكراه الناس على اعتناقها{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فسيف الإسلام لم يشهر في وجه المستضعفين ، وإنما فيوجه القياصرة والأكاسرة الذين يملكون الجيوش ويتسلطون على العباد . إن العنف في حالات التوسع والعدوان يشكل شرط الوجود إلى الغاية التي ترمي إليها ، وسرعان ما يصبح تطوير العنف وتعزيزه غاية في حد ذاتها .
ومن خلال استقراء التاريخ الإسلامي يتجلى الهدف المرجو من الفتوحات إذ يختلف اختلافاً جوهرياً عن أهداف الاحتلال والاستعمار ، فالفاتح الأول الرسول صلى الله عليه وسلم والفاتحون من بعده لم يهدفوا إلى بناء إمبراطوريات تخضع الأقوام الخارجية (الشعوب الأخرى) ،وتحقق عليها السيادة الطاغوتية (استعباد، نهب، قهر، استغلال طاقات، النفوذ )، ولكنها انطلقت وهي تحمل عقيدتها ولا تحمل مشروع عداء تجاه الخارج ؛ لتقنعه على حملها ، فتتوحد معها ويصبح الجميع (الداخل والخارج) في ظل الإسلام أمة واحدة . فقد هدفت الفتوحات إلى " تحقيق الوحدة مع الخارج ومساواته بنفسه من خلال العقيدة الإسلامية التي تقضي بذلك والتي تغرس في عقل ذلك العربي وقلبه الآيات الكريمة{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد غرس في نفوس القادة والمجاهدين أن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" .
لذلك كله ، فإنه " من الظلم الفادح ، والخطأ الواضح ، أن توضع الفتوحات العربية الإسلامية في مصاف حروب التوسع والعدوان ، أو أن يوضع تشكيل الأمة الإسلامية العالمية في السلة نفسها مع تشكيل الإمبراطوريات العالمية . ذلك أن تلك الفتوحات الإسلامية لم تكن عملية توسعية عدوانية بقصد إخضاع العالم تحت سيف العرب ، ومن أجل مصلحة العرب، وفي ظل امتياز العرب (كقوم) على الآخرين واستبدادهم بهم ، بل هي عملية ،تهدف إلى مساواة الشعوب جميعا في ظل العقيدة الإسلامية. ومن ثم تكوين أمة واحدة هي الأمة الإسلامية "
ولقد كان القادة الفاتحين يخيرون أهل البلدان المفتوحة قبل المعركة بين الإسلام أو الجزية أو المعركة ، وعدم إكراههم على الدين أو القتال أو الجزية ، وهذا من الأمور الدستورية الثابتة في النظام الإسلامي ؛ لأن هدف الفتوحات الإسلامية ليس التوسع الجغرافي والسياسي ، أو الكسب المادي ، إنما هو تبليغ دين الله ، وإزالة ما يعترض وصوله إلى الناس .
فلقد كان القواد الإسلاميون يهدفون في حروبهم وفتوحاتهم إلى تحرير الأمم وإخراج الشعوب من عبادة الخلق إلى عبادة الخالق ، ومن ذل الكفر إلى عز الإيمان ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . كان هذا هو شعار الفاتحين المسلمين في جميع أقطار العالم. قال ذلك ربعي بن عامر أمام كسرى في المدائن ، وأروا العالم ذلك عمليا في عدلهم مع الشعوب المغلوبة على أمرهم ، ورفقهم بالأسرى في الحروب والفتوحات .
وقد تجاهل المستشرقون ومعهم الرافضة (الشيعة) الأخبار الثابتة من عمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأقواله ، وصوروا الفتوحات الإسلامية على أنها حركة ارتجالية ، هدفها القوي رغبة أبي بكر الصديق في إشغال العرب عن أنفسهم ، وخصوماتهم ، وإغرائهم بالغنائم ، والمنافع المادية . وأقوالهم تلك تدحضها الحقائق الثابتة ، كما وقعوا في التناقض كعادتهم عند تناولهم أحداث التاريخ الإسلامي ، والحضارة الإسلامية .
وعلى هذا كان الفاتحون الأوائل أمثال : خالد بن الوليد ، وأبو عبيدة ، وسعد بن أبي وقاص ، والمثنى بن حارثة الشيباني ، وأبو عبيد الثقفي ، وعبادة بن الصامت ، ومعاذ بن جبل ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وعقبة بن نافع رضي الله عنهم وغيرهم ، يسيرون على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوامر الخلفاء الراشدين .
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
شُبه أُثِيرت عن الفتوحات الإسلامية
أولا: إثارة شبهة أن الإسلام انتشر بالسيف فيصيبوا بها هدفين :
-التشكيك في قوة العقيدة الإسلامية من الناحية البرهانية وملاءمتها للفطرة السليمة .
-ودفع مفكري المسلمين إلى التخلي عن مبدأ الجهاد تحت تأثير تلك الشبهة أو في سبيل دحضها ، أو على الأقل التراجع إلى فكرة أن الجهاد للدفاع عـن النفـس فقط ..
ثانيا: تشويه تاريخ وحقيقة الفتوحات الإسلامية بالادعاء بأن الدوافع لها كانت اقتصادية أو توسيعية استعمارية..
ثالثا: العناية كثيرا بإظهار جانب التسامح الذي يدعو إليه دين الإسلام ، على أن يصوروا هذا التسامح بصورة تؤدي إلى فتح أجوائنا على مصاريعها أمام النصارى واليهود ومفاسدهم ودسائسهم فيجولون في مجتمعاتنا كما يشاءون ، ويعبثون بحياتنا كما يريدون فإن أوصدنا أبوابنا في وجوههم ومنعنا قاذوراتهم من التسرب إلينا رمونا بالتعصب والجمود والوحشية والتخلف … الخ .
وأخيراً : أيها الإخوة لقد كان عدد المسلمين حين بدأ الفتوحات الإسلامية لا يتجاوز عدد سكان بلد صغير من بلداننا الحاضرة ( ففتحوا البلدان وأقاموا العدل والأمان فكانت دولتهم من حدود الصين إلى الأندلس ) ، واليوم عددهم يتجاوز المليار والنصف ولا يستطيعون محاربة شرذمة من أحفاد القردة والخنازير في بيت المقدس أو عباد الصليب في العراق وأفغانستان والصومال وغيرها من البلدان المحتلة .
ممــا يزهــدني فـي أرض أندلسِ…….أســماء معتمــد فيهــا ومعتضـدِ
ألقـاب مملكـة فـي غـير موضعهـا….. كـالهر يحـكي انتفاخـا صولـة الأسدِ
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
والآن نبدأ بصلب الموضوع :
قتيبة بن مسلم الباهلي :القائد الإسلامي أحد الأبطال والشجعان ، ومن ذوي الحزم والدهاء والرأي والغناء ، قاد الفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى .
وهو : قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين ، الأمير أبو حفص الباهلي .
وكان أبوه 'مسلم بن عمرو' من أصحاب 'مصعب بن الزبير' والي العراق (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82) من قبل أخيه أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير ، وقاتل معه في حربه ضد عبد الملك بن مروان سنة 72 هجرية ، وقد نشأ قتيبة على ظهور الخيل رفيقاً للسيف والرمح ، محباً للفروسية ، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة الفتن والثورات ، لذلك عمل كل ولاة العراق على شغل أهلها بالغزوات لاستغلال طاقاتهم الثورية في خدمة الإسلام ونشر الدعوة ، لذلك كانت أرض العراق هي قاعدة الانطلاق للحملات الحربية على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية ، وقد اشترك قتيبة في هذه الحملات منذ شبابه المبكر ، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة ، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم المهلب بن أبي صفرة (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%84%D8%A8_%D8%A8%D9%86_ %D8%A3%D8%A8%D9%8A_%D8%B5%D9%81%D8%B1%D8%A9) وكان خبيراً في معرفة الأبطال ومعادن الرجال فتفرس فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام ، فأوصى به لوالي العراق الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يحب الأبطال والشجعان ، فانتدبه لبعض المهام ليختبره بها ويعلم مدى صحة ترشيح المهلب له ، وهو الذي فتح خوارزم وبخارى، وسمرقند، وكانوا قد نقضوا وارتدوا.
ثم إنه افتتح فرغانة ، وبلاد الترك في سنة خمس وتسعين للهجرة .
وأقام بخراسان ثلاث عشرة سنة ، وله رواية عن عمران بن حصين ، وأبي سعيد الخدري .
ولد القائد قتيبة في بيت إمرة وقيادة سنة 49 هـ ، بأرض العراق ، ولما ترعرع تعلم العلم والفقه والقرآن ، ثم تعلم الفروسية وفنون الحرب ، فظهر فيه النبوغ وهو شاب في مقتبل شبابه .
بدأ مسيرته إلى فتح الشرق سنة 86 هجرية ، وذلك عندما ولاه الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية خراسان وهو إقليم شاسع مترامي الأطراف ، لم يكن المسلمون قد واصلوا الفتح بعده ، وكان المهلب بن أبى صفرة والياً على خراسان من عام 78 حتى 86 هجرية ، وقد رأى الحجاج أن يدفع بدماء شابة جديدة في قيادة المجاهدين هناك ، فلم يجد أفضل من قتيبة بن مسلم لهذه المهمة ، فلم يعبأ بشيء سوى الجهاد ، فلما وصل خراسان سنة 86هـ ، علا بهمته إلى حرب ما وراء النهرين .
سار قتيبة بن مسلم على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء ، فلا يترك لهم وقت للتجمع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين ، ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة ، ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه .
كان قتيبة بن مسلم كما ذكر من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي فقد كان يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج ، فلما وليّ سليمان الخلافة خشي قتيبة من انتقامه ؛ لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه ؛ ولذلك عزم قتيبة على الخروج على سليمان وجمع جموعًا لذلك من رجاله وأهل بيته ، لكن حركته فشلت وانتهت بقتله سنة (96 هـ / 715م) على يد وكيع بن حسان التميمي . وقيل أنه لم يتمرد ولكن وقع ضحية مؤامرة حاكها بعض الطامعين بالولاية ، والله أعلم .
كان القائد الإسلامي قتيبة من كبار القادة الذين سجلهم التاريخ ، فعلى يديه فتحت كثير من بلاد المشرق وتوغل حتى حدود بلاد الصين ، وتدين كثير من هذه البلدان بدين الإسـلام .
وباهلة قبيلة منحطة بين العرب ، قال الشاعر أبي هفان :
أباهـل ينبحـني كلبكـم ..... وأسدكـم ككلاب العرب
ولو قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لوم هذا النسب
قيل: إن قتيبة قال لهبيرة : أي رجل أنت لولا أن أخوالك من سلول ، فلو بادلت بهم ، قال: أيها الأمير ، بادل بهم من شئت ، وجنبني باهلة .
وقيل لأعرابي : أيسرك أنك باهلي وتدخل الجنة ؟ قال: إي والله ، بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني باهلي .
·لم ينل قتيبة أعلى الرتب بالنسب ، بل بكمال الحزم والعزم والإقدام ، والسعد ، وكثرة الفتوحات ، ووفور الهيبة ، ومن أحفاده الأمير سعيد ابن مسلم بن قتيبة الذي ولي إرمينية ، والموصل ، والسند ، وسجستان ، وكان فارسا جوادا ، له أخبار ومناقب ، مات زمن المأمون سنة سبع عشرة ومئتين .
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
القائد الفتى محمد بن القاسم :قاد الجيوش الجرارة وولى الأقاليم الكبيرة وفتح المدن العريقة وأدخل الإسلام إلى بلاد السند والهند وأباد ملوك الكفر وحطم الأوثان والمعابد الشركية .
وهو : محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبى عقيل الثقفى .
ولد سنة 72 هجرية بأرض العراق ، وكان أبوه القاسم بن محمد مما جاء لأرض العراق عند الحرب بين ابن الزبير رضي الله عنه وعبد الملك بن مروان ، فأقام بها وهو ابن عم الوالي الشهير والمثير للجدل بشدة الحجاج بن يوسف الثقفى ، وهذا الرجل رغم مساويه الكثيرة والشناعات العظيمة التي أثرت عنه ، إلا أنه محباً للجهاد مهتماً بتدبير الجيوش ونشر الإسلام ، وكانت له عين فاحصة في اختيار الأبطال ومعرفتهم وبخبرته الواسعة بشئون الجهاد ، وقعت عينه على ابن عمه الصغير 'محمد بن القاسم' فبدأ بتقريبه وإسناد بعض المهام الصغيرة من أجل اختبار مدى عزمه وكفاءته وترقى في اختباراته له حتى أبان الصغير عن همة عالية وكفاءة قيادية منقطعة النظير .
لقد كان سوق الجهاد قائمة في بنى أمية ليس لهم شغل إلا ذلك ، فعلت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وقد أذلوا الكفر وأهله ، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعباً فلا يتوجه المسلمون إلى بلد إلا أخذوه ، ولم تنكسر لهم راية أو يديل عليهم عدو أو يخرج من أيديهم بلد فتحوه ، وفى ظل هذه البيئة الجهادية ظهر بطلنا المقدام محمد بن القاسم .
عندما تولى الحجاج الثقفى جعل من أولوياته فتح هذا الثغر العظيم خاصة بعد قتل عامله 'محمدبن هارون النمرى' في قتاله مع ملك السند 'داهر' وقد رأى أن هذا الفتح لن يتم إلا بجيش قوى على رأسه قائد شجاع لا يبالى بجيوش 'داهر' الضخمة ولا يستوحش من بعد المسافة وطول الطريق إلى السند ، وبعد بحث وتقليب نظر في قائمة القادة الأبطال ، وقع الاختيار على بطلنا 'محمد بن القاسم' وكان وقتها في السابعة عشر من العمر ، وكان ذلك سنة 89 هجرية ، حيث بدأت فصول المجد والبطولة في حياة هذا القائد الصغير .
كان لمحمد بن القاسم في رحلته للفتح المبارك هدفان الأقرب الانتقام من 'داهر' ملك السند الوثني الذي قتل المسلمين بأرضه ، والأبعد فتح بلاد السند وما ورائها من بلاد الهند ونشر الإسلام في هذه الربوع الشاسعة .
فتـح مدينة 'الدبيل'
وصل القائد محمد بن القاسم إلى مدينة 'الدبيل' في يوم جمعة وضرب على المدينة حصاراً شديداً ، واستمات الكفار الهندوس في الدفاع عن مدينتهم وفكر 'محمد بن القاسم' في فكرة عبقرية لفتح المدينة تعتمد في الأساس على خبرته بنفسية الأعداء وطبيعة تفكيرهم ، فلقد كان في المدينة معبد ضخم لصنم معروف عندهم على قمته سارية خشبية طويلة جداً في نهايتها راية حمراء كبيرة إذا هبت الرياح تحركت هذه الراية كأنها كالمروحة الدائرة ، وهى مقدسة عندهم ، فأمر 'محمد بن القاسم' بتوجيه قذائف المنجنيق إلى هذه السارية حتى كسرها ، وهو يعلم بتشاؤم الهندوس من ذلك ، وبالفعل مع إنهيار السارية إنهارت معنويات الكفار واقتحم المسلمون المدينة ، وفتحوها بعد معركة طاحنة وبنى 'محمد بن القاسم' بها مسجداً واستقدم أربعة آلاف من المسلمين وأسكنهم في المدينة للتأكيد على إسلام هذه المدينة وطمس الهوية الوثنية عنها.
بعد فتح مدينة 'الدبيل' أحصن مدن السند ، واصل محمد بن القاسم سيره ،فكان لا يمر على مدينة إلا فتحها وهدم معابد الوثنية والبوذية بها وأقام شعائر الإسلام وأسكنها المسلمون وبنى المساجد حتى غير خريطة البلاد تماماً وصبغها بصبغة إسلامية تامة .
كانت الأخبار قد وصلت إلى ملك الهند الوثني 'داهر' فاستعد للقاء المسلمين بجيوش كبيرة مع سلاح المدرعات الشهير وهم الفيلة، وقد داخله الكبر والعجب لضخامة جيوشه واستخف بالمسلمين لقلتهم ، ولكنه فوجئ بالإعصار الإسلامي يعبر نهر 'مهران' الفاصل بينه وبين المسلمين، ويجد 'داهر' الذي كان على ظهر فيل كبير نفسه وجهاً لوجه مع محمد بن القاسم وجنوده ، ويقتتل الفريقان قتالاً مهولاً لم تشهد مثله أرض السند من قبل ويرى 'داهر' جنوده صرعى من حوله تتخطفهم سيوف المسلمين ، فنزل من على ظهر فيله المنيع ويقاتل بنفسه حتى يأتيه قدره المحتوم ويقتله المسلمون وينشد قاتله هذه الأبيات :
الخيل تشهد يـوم داهر والقنـا..... ومحمد بن القاسـم بن محمد
إنـي فرجت الجمع غير معـرد....حـتى علـوت عظيمهم بمهند
فتركته تحـت العجـاج مجندلاً....متعفـر الخديـن غير موسـد
بعد إن نجح محمد بن القاسم في القضاء على ملك السند الكبير 'داهر' برز ملك آخر كان بمثابة الذراع اليمنى لداهر واسمه دوهر وكان ملكاً على إقليم 'الكيرج' وهى أقصى بلاد السند على حدود بلاد الهند ، فاستعد دوهر للقاء المسلمين وغره الشيطان بأنه سيحقق ما لم يحققه 'داهر' واصطدم مع المسلمين فنزل به من حر سيوفهم ما لم يطيق فحاول الفرار ولكن ولات حين فرار أدركته سيوف المسلمين فقتل كما قتل الذي من قبله والتحق رأسه برأس من سبقه وقال فيه قاتله أيضا :
نحـن قتلنا داهراً ودوهـر....والخيـل تروى منسراً فمنسراً
استطاع محمد بن القاسم أن يبهر الهندوس بشخصيته القوية الحازمة وقد تعجبوا من شجاعته وحسن قيادته لجيش كبير وهو دون الثامنة عشر ، وبالفعل أسلم عدد كبير من الزط وهم من بدو الهنود وانضم منهم أربعة آلاف رجل يقاتلون مع محمد بن القاسم وكان لهم أثر كبير في القتال لخبرتهم بالبلاد ومعرفتهم للغة الهنود .
وفي هذه اللحظات توفي الحجاج ، وكان الأمير يواصل فتوحاته حتى بدا للجميع أن محمد بن القاسم لن يرجع حتى يفتح بلاد الهند ( بعد إن فتح بلاد السند ) ولكن حدث تطور مأساوي سريع في حياة محمد بن القاسم .
بعد وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 96 هـ ، تولى الخلافة أخوه سليمان بن عبد الملك وكان شديد الكره للحجاج بسبب جرائمه وسفكه لدماء الكثيرين لأقل شبهة ، فعزل القائد محمد بن القاسم
ولما وصل نبأ العزل لمحمد بن القاسم حاول البعض إقناعه بالعصيان والانفراد بهذه البلاد البعيدة عن مركز الخلافة ، خاصة وأن جنوده يحبونه وكذلك من أسلم من أهل السند والهند، وحاولوا إقناعه بأنه مظلوم ولا ذنب له وتخويفه من صالح بن عبد الرحمن ، ولكن محمد بن القاسم كان من الطراز النادر للقادة الذين يعملون لخدمة الإسلام ولا يريدون من الدنيا شيئاً فلا مناصب تهمه ولا دنيا تغريه ، وخاف من عاقبة الخروج على الخلافة وما سيؤدى إلى تفرق الأمة وتمزق المسلمين وسفك الدماء بين المسلمين في فتنة الخروج ، ووافق على قرار العزل مع قدرته على المقاومة والانفراد، وأنشد في ذلك قوله :
ولو كنت أجمعـت الفرار لـوطئت.....إناث أعـدت للوغى وذكور
وما دخلت خيل السكاسك أرضنا.....ولا كـان مـن عك على أمير
وهكذا توقفت سيرة فتح الهند بعزل هذا البطل ولكن الذي حدث بعد ذلك كان أشد إيلاماً ومأساوية
وهو أن (صيتا) ابنة 'داهر' قد وقعت في الأسر بعد مقتل أبيها وانتقلت من العز والملك والغنى والسيطرة إلى أن قتل أبوها وانتحرت أمها وضاع ملكها وصارت مملوكة بعد أن كانت ملكة ،فامتلأ قلبها غيظاً وحنقاً وبغضاً على البطل الشاب محمد بن القاسم فلما عزل محمد بن القاسم من منصبه وعلمت أن أيامه قد ولت أرادت أن تدرك ثأرها وتشفى غليلها فتقدمت للوالي الجديد 'يزيد بن أبى كبشة' بشكوى ادعت فيها أن محمد بن القاسم قد اغتصبها بالقوة بعد وقوعها في الأسر وهى تهمة عظيمة وفرية دنيئة من وثنية مشركة على بطل عظيم .
و لان التهمة كبيرة قرر الوالي الجديد القبض على محمد بن القاسم وإرساله إلى والي العراق 'صالح بن عبد الرحمن' للتحقيق ، وبالفعل حمل محمد بن القاسم مقيداً بالأغلال إلى العراق فأنشد قائلاً بيته المشهور الذي صار بعد ذلك مثلاً سائراً ويعبر عن صدق إخلاص هذا الرجل ومدى حزنه على توقيفه عن الجهاد فى سبيل الله،قال :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ..... ليوم كريهة وسداد ثغر
وكان مشهد خروج محمد بن القاسم مكبولاً شديد الأثر على أهل السند ، فلقد اصطفوا لوداعه وهم يبكون على فراقه وما صار إليه ، والعجب العجاب أن الله عز وجل قد أظهر آية سريعة وباهرة لبراءة البطل العظيم ، حيث لم يمض على خليفته في ولاية السند 'يزيد بن أبى كبشة' سوى سبعة عشر يوماً ثم مات فجأة .
وقد فرح كفار السند لخروج محمد بن القاسم وتنفسوا الصعداء وخلعوا الطاعة وعادوا للكفر وهموا بإخراج المسلمين ،كل ذلك لأن الساحة قد غاب عنها أسدها وأشدها .
كان والي العراق الجديد 'صالح بن عبد الرحمن' شديد الكراهية والبغضاء للحجاج الثقفي ، ذلك لأن الحجاج قد قتل آدم أخا صالح وكان يرى رأى الخوارج ، فأراد صالح أن يدرك ثأره من الحجاج وذلك بالانتقام من أقربائه .
قام صالح بن عبد الرحمن بحبس محمد بن القاسم فيسجن مدينة واسط الذي طالما زج فيه الحجاج خصومه لأدنى شبهة وبنفس آلات التعذيب أمر صالح بتعذيب محمد بن القاسم حتى يعترف هل ارتكب هذه الجناية الشنيعة التي افترتها الوثنية 'صيتا' عليه ، ومحمد بن القاسم يقسم أنه بريء ويصر على ذلك ، وينشد أشعاراً مؤثرة يقول فيها :
فلئن ثويت بواسط وبأرضها.....رهن الحديد مكبلاً مغلولاً
فلرب قنية فارس قد رعتها.....ولرب قرن قد تركت قتيلاً
ويظل محمد بن القاسم صامداً تحت التعذيب مستمسكاً ببراءته وطهارته من هذه الفرية الحقيرة ولا ذنب له سوى فتوحاته العظيمة وقهره لملوك الكفر ، ولكونه ابن عم طاغية أخذت عشيرته بجريرته ، حتى جاءت اللحظة الحزينة التي مات فيها مظلوماً شهيداً إن شاء الله وتنطفئ شمعة لو قدر لها البقاء لصارت شمساً محرقة لأعداء الإسلام ولفتح المسلمون الهند التي تأخر فتحها بعد ذلك بعدة قرون .
فرحمه الله رحمة واسعة وعوض شبابه الغض الطري بالفردوس الأعلى ، والأمر العجيب حقاً أن 'صيتا' ابنة داهر لما علمت بوفاة محمد بن القاسم تحت التعذيب بكت وتحرك ضميرها وذهبت لوالي العراق واعترفت بجريمتها فرفع أمرها للخليفة سليمان بن عبد الملك ، فأمر بقتلها جزاء وفاقاً وقصاصاً بهذا البطل العظيم .
وهكذا ينصر الله عز وجل أولياءه وجنوده ولو بعد حين ويظهر براءتهم للعالمين حتى لا تبقى في صدور أي من الناس شيء عنهم
إن البطل محمد بن القاسم الثقفي فاتح بلاد السند ، يعتبر من أعظم الأبطال في التاريخ الإسلامي ، إنه بطل بما تحمله كلمة البطولة من معانٍ ، وقد أودع الله بين جنبيه نفسًا بعيدة المطامح لخدمة الإسلام ، وبلاد السند والبنجاب التي فتحها البطل محمد بن القاسم هي بلاد باكستان الحاضرة من أكبر البلاد الإسلامية ، وتاريخها جزء عزيز من التاريخ الإسلامي الكبير ، ويعتبر محمد بن القاسم الثقفي مؤسسًا لأول دولة إسلامية في الهند ، ولذلك يبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال .
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
الأمير الكبير : موسى بن نصير، أبو عبد الرحمن اللخمي : متولي إقليم المغرب وفاتح الأندلس ، تابعيّ روى عن الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه .
وكان عاقلاً كريماً شجاعاً ورعاً تقياً لله تعالى ، لم يهزم له جيش قط ، وكان أعرج مهيبا ، ذا رأي وحزم .
كان والده نصير من بين أربعين غلاما سباهم خالد بن الوليد رضي الله عنه في كنيسة عين التمر على الشاطئ الفرات عام12 للهجرة بعد أن ضرب أعناق أهل الحصن أجمعين . وكان على هؤلاء الغلمان باب مغلقه فكسره عنهم ، وأجابوه بأنهم رهائن لدى أهل عين التمر ، فاعتبرهم خالد رضي الله عنه من السبي وقسمهم على أهل البلاء من جنده . وكان منهم أيضا سيرين والد محمد بن سيرين،ويسار جد محمد بن إسحاق كاتب ألسيره (المغازي). أعتق بنو أميه نصيرا ، فعمل في شرطة معاويه رضي الله عنه وكان صاحب همه وعطاء حتى صار من جيش معاويه رضي الله عنه وحرسه. ولما حصلت الفتنه بين على ومعاويه رضي الله عنهما رفض أن يقاتل عليا ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ،ولما استتب الأمر لمعاويه رضي الله عنه عام الجماعة قال له يعاتبه لعدم مشاركته في قتال علي رضي الله عنه :ما منعك من الخروج معي ولي عندك يد لم تكافئني عليها؟، فقال له كلمة عظيمه معبره تدل على وعيه ورسوخ الإيمان في قلبه :لم يمكن أن أشكرك بكفري من هو أولى بشكري منك . فقال له معاويه رضي الله عنه :من هو أولى بالشكر منى؟وهو يرى انه صاحب الفضل عليه ،فأجابه نصير : الله سبحانه وتعالى، فاطرق معاويه رضي الله عنه رأسه ، وقال: استغفر الله ، وعفا عنه وسامحه ورضي عنه .
تولى موسى بن نصير إفريقية والمغرب سنة سبع وسبعين للهجرة .
وقال أبو شبيب الصدفي : لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير ، ووجد موسى أكثر مدن إفريقية خالية لاختلاف أيدي البربر عليها ، وكانت البلاد في قحط شديد ، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين ، وخرج بهم إلى الصحراء ، ومعه سائر الحيوانات ، وفرق بينها وبين أولادها ، فوقع البكاء والصراخ والضجيج ، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار ، ثم صلى وخطب بالناس ، ولم يذكر الوليد بن عبد الملك ، فقيل له : ألا تدعو لأمير المؤمنين فقال : هذا مقام لا يدعى فيه لغير الله عز وجل ، فسقوا حتى رووا .
واستعمل على طنجة وأعمالها مولاه طارق بن زياد البربري ، ويقال إنه من الصدف ، وترك عنده تسعة عشر ألف فارس من البربر بالأسلحة والعدد الكاملة ، وكانوا قد أسلموا وحسن إسلامهم ، وترك موسى عندهم خلقاً يسيراً من العرب لتعليم القرآن وفرائض الإسلام ، ورجع إلى إفريقية ، ولم يبق بالبلاد من ينازعه من البربر ولا من الروم .
فلما استقرت له القواعد كتب إلى طارق وهو بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس في جيش من البربر ليس فيه من العرب إلا قدر يسير، فامتثل طارق أمره، وركب البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء من بر الأندلس، وصعد إلى جبل يعرف اليوم بجبل طارق لأنه نسب إليه لما حصل عليه ، وكان صعوده إليه يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنتين وتسعين للهجرة في اثني عشر ألف فارس من البربر خلا اثني عشر رجلاً .
وقال الليث بن سعد: إن موسى بن نصير حين فتح الأندلس كتب إلى الوليد ابن عبد الملك ، إنها ليست الفتوح ولكنها الجنة .
ولما وصل موسى إلى الشام ومات الوليد بن عيد الملك وقام من بعده سليمان أخوه ، وحج في سنة سبع وتسعين للهجرة - وقيل سنة تسع وتسعين - حج معه موسى بن نصير ، ومات في الطريق بوادي القرى ، وقيل بمر الظهران ( قرب المدينة المنورة ) على اختلاف فيه . وكانت ولادته في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة تسع عشرة للهجرة ، رحمه الله تعالى .
وكان موسى بن نصير حريصا على أن يظلّ المسلمون العاملون تحت رايته - سواء من العرب أو البربر - مثلا أعلى أمام شعب أسبانيا ؛ فلم يترفّع أولئك الغزاة المسلمون على أبناء البلاد ، وإنما امتزجوا معهم وصاهروهم وشاركوهم أيضا في مباهج البلاد ومسرّاتها ؛ يطلبون العيش في سلام جنبا إلى جنب مع أهلها، وكان شعب أسبانيا من العنصر الأيبيري المسالم المحبّ لحسن العشرة، ومن ثم أنس إلى الغزاة الجدد سواء من العرب أو البربر، وأقبل عليهم طواعية لا عن ضغط وإرهاب، ووجد فيهم محرّرين من بطش القوط وظلمهم الفاحش، ولم يحاول الغزاة إدخال أبناء الشعب قسرا في الدين الإسلامي، وإنما حرصوا أوّلا على بيان فضائل هذا الدين حتى يتنبّه الناس ويدخلوا في رحابه إيمانا بأركانه وقواعده .
ثم إن موسى بن نصير عمد إلى تنظيم الأحوال المالية للبلاد حتى يجنبها الاضطرابات ويهيئ لها أسباب الاستقرار ، وقد طبق على أسبانيا القواعد التي اتبعها المسلمون في شتى الجهات التي استولوا عليها، فالأراضي التي غزت عنوة قسمت بين الغزاة بعد أخذ الخمس لبيت المال، أما الجهات التي غزت صلحا فتركت بيد أصحابها مقابل دفع العشر من نتاجها، ولا شكّ أن هذا التنظيم المالي لم يكن عملا هيّنا بالنسبة لموسى بن نصير، وبخاصة في تلك الجهات من غرب أوروبا التي لم تعرف منذ زمن بعيد لونا من ألوان الإدارة العادلة؛ فالمعروف أن القوط كانوا يستبيحون لأنفسهم ثروات البلاد ويعتبرون السكان أقنانا يعملون في الأرض ، ولا همَّ لهم إلا إنتاج ما يحتاج إليه سادتهم من القوط ، ولذا جاءت تنظيمات موسى بن نصير في أسبانيا وسيلة جيدة لخلق الامتزاج السليم بين الغزاة وأهل البلاد الأصليين ؛ فالأراضي المنبسطة في الجنوب - أي جنوب الوادي الكبير - اعتبرها موسى ابن نصير أرضا مستولى عليها عنوة ؛ فقد تم الاستيلاء عليها بعد معارك عنيفة ضد لوذريق ، وقسم موسى أربعة أخماس هذه الأراضي إلى قطاعات بين الغزاة، على حين بقي الخمس ملكا للدولة، أما بقية أرض الأندلس فقد اعتبرت أرض صلح وهي الأراضي الواقعة شمال نهر الوادي الكبير من شبه جزيرة ايبريا ، فأخذ كل ناحية لأنفسهم عهدا، وهذا العهد يقرر ما عليهم من مال للدولة، وبذلك سار الاستقرار في بلاد أسبانيا سريعا حيث سار موسى بن نصير، وبدأ العرب والبربر ينتشرون في شتى الجهات في طمأنينة وسلام، واستقر العرب دائما في المناطق المنبسطة والمنخفضات، أي في النواحي الدافئة قليلة المطر في الجنوب والشرق والغرب وفي ناحية سرقسطة، أما البربر فاختاروا المناطق الجبلية التي سبق أن ألفوا مثلها في وطنهم ببلاد المغرب، بينما نزل العرب في المناطق الواطئة بجنوب أسبانيا مثل شذونه واستجة ، فضَّل البربر منطقة رنده الجبلية واختاروها سكنا لهم، ونزل بعض البربر في مناطق متفرّقة كذلك أو في بعض الهضاب حسبما راق لهم ذلك، واستطاع كل من العرب والبربر الامتزاج بأهالي البلاد الأصليين وارتبطوا معهم برباط الزواج، وكان للبربر خاصة أثر عظيم جدّا في انتشار الإسلام في الأندلس بسبب قرب مزاجهم وطباعهم من أولئك السكان، هذا إلى أن البربر بسبب حداثة عهدهم بالإسلام كانوا شديدي الحماسة للدين الجديد لأنه صار رمز سيادتهم وعزّهم، وحرص موسى بن نصير على ترك حاميات من جيشه في المدن التي غزاها، وهذا هو الأمر الذي جعل معظم أرجاء أسبانيا تعمر بالغزاة الجدد وتمهد أسبانيا في سرعة ويسر لاعتناق الدين الإسلامي.
واستطاعت الإدارة الإسلامية التي شيّدها موسى بن نصير أن تضع الحجر الأساسي لبناء الحضارة الإسلامية في أسبانيا، وجعلت من تلك البلاد أعظم مركز للإشعاع الحضاري في أوروبا في العصور الوسطي، ومن ثم أخذت أسبانيا تخطو سريعا في مضمار الازدهار العلمي وتدخل سجل التاريخ باعتبارها الشريان الذي نقل إلى أوروبا ثمار الحضارة الإسلامية ومعارفهم، وهيّأ لسكان غرب أوروبا السبيل للخروج من جهالة العصور الوسطي إلى نور الحضارة الإسلامية .
وقد استغرق الفتح الإسلامي لأسبانيا ثلاث سنوات وبضعة شهور؛ إذ بدأ الفتح الإسلامي لأسبانيا في رجب عام 92هـ وتم في ذي القعدة عام 95هـ. ويلاحظ أن العرب أطلقوا اسم الأندلس على المناطق التي كانوا يسيطرون عليها من شبه جزيرة أيبريا، ولا زال اسم الأندلس يطلق على الجزء الجنوبي منها.
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
طارق بن زياد : مولى موسى بن نصير
ولد سنة 50 ومات سنة 102هـ ، والليثي بالولاء ، كان من عظماء قادة المسلمين الذين أعز الله بهم الإسلام ، فقد كان فتح الأندلس على يديه .
وقد اختلف في نسبه ، ولكن أرجح الأقوال أنَّه بربريُّ قُحٌّ، ولكنه كان على صلةٍ بالعروبة والإسلام منذ زمن ليس بالقصير، فقد ذكر له ابن عذاري أبوين في الإسلام ، فاسمه الكامل: طارق بن زياد بن عبد الله ، ويبدو أنّه ليس هو الذي أسلم أولاً بل والدُه وجدُّه الذي يكون قد انتقل إلى المشرق، وهناك نشأ طارق في بيئة عربية إسلامية، مع احتفاظه بلهجة أجداده البربرية، ثمَّ جُنّد بعد ذلك في جيش موسى بن نصير، وجاء معه إلى المغرب، وكان من أشد رجاله .
وركب طارق البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء من بر الأندلس وصعد إلى جبل يعرف اليوم بجبل طارق ، وكان صعوده إليه يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنتين وتسعين للهجرة في اثني عشر ألف فارس من البربر خلا اثني عشر رجلاً .
وذكر ابن القوطية أن طارقا لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي صلى الله عليه و سلم وحوله الصحابة وقد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي فدخلوا قدامه وقال له النبي صلى الله عليه و سلم : تقدم يا طارق لشأنك ، فانتبه مستبشرا وبشر أصحابه ولم يشك في الظفر قال : فشن الغارة وافتتح سائر المدائن وولي سنة واحدة ثم دخل مولاه موسى فأتم ما بقي من الفتح في سنة ثلاث وتسعين للهجرة .
وكان صاحب طليطلة ومعظم بلاد الأندلس ملك يقال له لذريق. ولما احتل طارق بالجبل المذكور كتب إلى موسى بن نصير: إني فعلت ما أمرتني به ، وسهل الله سبحانه وتعالى بالدخول. فلما وصل كتابه إلى موسى ندم على تأخره ،وعلم أنه إن فتح نسب الفتح إليه دونه ، فأخذ في جمع العساكر ، وولى على القيروان ولده عبد الله ، وتبعه فلم يدركه إلا بعد الفتح .
وكان لذريق المذكور قد قصد عدواً له ، واستخلف في المملكة شخصاً يقال له تدمير ، وإلى هذا الشخص تنتسب بلاد تدمير بالأندلس - وهي مرسية - وما والاها، وهي خمس مواضع تسمى بهذا الاسم ، واستولى الفرنج على مرسية سنة اثنتين وخمسين وستمائة ، فلما نزل طارق من الجبل بالجيش الذي معه كتب تدمير إلى لذريق الملك إنه قد وقع بأرضنا قوم لا ندري من السماء هم أم من الأرض، فلما بلغ ذلك لذريق رجع عن مقصده في سبعين ألف فارس، ومعه العجل يحمل الأموال والمتاع ، وهو على سريره بين دابتين عليه قبة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد .
فلما بلغ طارقاً دنوه قام في أصحابه فحمد الله سبحانه وتعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم في الشهادة، ثم قال:" أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدقُ والصبر، واعلموا أنّكم في هذه الجزيرة أضيَعُ من الأيتام، في مأدُبَة اللئام، وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُهُ موفورة، وأنتم لا وَزَرَ لكم إلا سيوفكم ، ولا أقوات إلاَّ ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم، وإن امتَدّت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم ، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم ، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بِمُناجزة هذا الطاغية ، فقد ألقت به إليكم مدينَتُه الحصينة ، وإنّ انتهاز الفُرْصَة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت ، وإنّي لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنَجْوة ، ولا حملتكم على خُطة أرخصُ متاع فيها النفوسُ (إلاَّ وأنا) أبدأ بنفسي ، واعلموا أنّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَه الألذِّ طويلاً ، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حَظّكم فيه بأوفى من حظّي، [وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الحور الحسان، من بنات اليونان ، الرافلات في الدر والمَرْجان ، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان ، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان]، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أميرُ المؤمنين من الأبطال عُرْبانا ، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا ، ثقةً منه بارتياحكم للطّعان ، واستماحكم بمُجالدة الأبطال والفُرسان ، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته ، وإظهار دينه بهذه الجزيرة ، وليكون مَغْنَمُها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم ، والله تعالى وليُّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين، واعلموا أني أوّل مجيبٍ إلى ما دعوتكم إليه، وأنّي عند مُلْتَقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتِلهُ إن شاء الله تعالى ، فاحملوا معي ، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره ، ولم يُعْوزكم بطلٌ عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكتُ قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه ، واحملوا بأنفسكم عليه ، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله ، فإنِهم بعده يُخْذَلون ".
فلما فرغ طارق من تحريض أصحابه على الصبر في قتال لذريق وأصحابه وما وعدهم من النيل الجزيل ، انبسطت نفوسهم وتحققت آمالهم وهبت ريح النصر عليهم وقالوا: قد قطعنا الآمال مما يخالف ما عزمت عليه ، فاحضر إليه فأنا معك وبين يديك .
فركب طارق وركبوا وقصدوا مناخ لذريق ، وكان قد نزل بمتسع من الأرض ، فلما تراءى الجمعان نزل طارق وأصحابه ، فباتوا ليلتهم في حرس إلى الصبح .
فلما أصبح الفريقان تلببوا (تلبسوا) وعبوا كتائبهم وحمل لذريق على سريره ، وقد رفع على رأسه رواق ديباج يظله ، وهو مقبل في غاية من البنود والأعلام وبين يديه المقاتلة والسلاح ، وأقبل طارق وأصحابه عليهم الزرد ، ومن فوق رؤوسهم العمائم البيض وبأيديهم القسي العربية ، وقد تقلدوا السيوف واعتقلوا الرماح ، فلما نظر إليهم لذريق قال: أما والله إن هذه الصور التي رأينا ببيت الحكمة ببلدنا ، فداخله منهم رعب .
ونتكلم هاهنا على بيت الحكمة ما هو ، ثم نتكلم على حديث هذه الواقعة :
وأصل خبر بيت احكمة أن اليونان - وهم الطائفة المشهورة بالحكمة - كانوا يسكنون ببلاد المشرق قبل عهد الإسكندر، فلما ظهرت الفرس واستولت على البلاد ، وزاحمت اليونان على ما كان بأيديهم من الممالك ، انتقل اليونان إلى جزيرة الأندلس ، لكونها طرفاً في آخر العمارة ، ولم يكن لها ذكر يوم ذاك، ولا ملكها أحد من الملوك المعتبرة ولا كانت عامرة، وكان أول من عمر فيها واختطها أندلس بن يافث بن نوح عليه السلام، فسميت باسمه ، ولما عمرت الأرض بعد الطوفان كان صورة المعمور منها عندهم على شكل طائر رأسه المشرق والجنوب والشمال جناحاه، وما بينهما بطنه ، والمغرب ذنبه ، فكانوا يزدرون المغرب لنسبته إلى أخس أجزاء الطائر .
قال ابن خلدون : وجرى في مجلس الحافظ أبي طاهر السفلي نادرة تصلح أن نذكرها هاهنا وهي أن أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن الجمش البلبيسي كان في مجلسه، وعبد العزيز الشريشي يقرأ حديث عمرو بن العاص: خلقت الدنيا على صورة طير... الحديث المذكور؛ فقال الشريشي لأبي إسحاق يمازحه: اسمع يا أبا إسحاق، وشر ما في الطير ذنبه، فقال أبو إسحاق: هيهات ما عرفت أنت ما كان ذلك الطائر المشبه كان طاووساً، وما فيه أحسن من ذنبه.
وكانت اليونان لا ترى فناء الأمم بالحروب لما ترى فيه من الإضرار والاشتغال عن العلوم التي كان أمرها عندهم من أهم الأمور ، فلذلك انحازوا من بين يدي الفرس إلى الأندلس .
فلما صاروا إليها أقبلوا على عمارتها ، فشقوا الأنهار وبنوا المعاقل ، وغرسوا الجنات والكروم ، وشيدوا الأمصار ، وملئوها حرثاً ونسلاً وبنياناً ، فعظمت وطابت حتى قال قائلهم لما رأى بهجتها : إن الطائر الذي صورت العمارة على شكله، وكان المغرب ذنبه ، كان طاوساً معظم جماله في ذنبه . فاغتبطوا بها أتم اغتباط واتخذوا دار الملك والحكمة بها مدينة (طليطلة) لأنها وسط البلاد ، وكان أهم الأمور عندهم تحصينها عمن يتصل به خبرها من الأمم ، فنظروا فإذا ليس ثم من يحسدهم على أرغد العيش إلا أرباب الشظف والشقاء ، وهم يوم ذاك طائفتان : العرب والبربر ، فخافوهم على جزيرتهم المعمورة ، فعزموا أن يتخذوا لدفع هذين الجنسين من الناس طلمساً ، فرصدوا لذلك أرصاداً .
ولما كان البربر بالقرب منهم ، وليس بينهم سوى تعدية البحر ، ويرد عليهم منهم طوائف منحرفة الطباع خارجة عن الأوضاع ، وازدادوا منهم نفراً ، وكثر تحذيرهم من مخالطتهم في نسب أو مجاورة ، حتى انبث ذلك في طبائعهم ، وصار بغضهم مركباً في غرائزهم ، فلما علم البربر عداوة أهل الأندلس لهم وبغضهم ، أبغضوهم وجسدوهم ، فلا تجد أندلسياً إلا مبغضاً بربرياً ولا بربرياً إلا مبغضاً أندلسياً ، إلا أن البربر أحوج إلى أهل الأندلس من أهل الأندلس إلى البربر، لكثرة وجود الأشياء بالأندلس وعدمها ببلاد البربر.
وكان من تقدم من ملوك اليونان يخشى على جزيرة الأندلس من البربر للسبب الذي قدمنا ذكره ، فاتفقوا وعملوا الطلسمات في أوقات اختاروا أرصادها ، وأودعوا تلك الطلسمات تابوتاً من الرخام وتركوه في بيت بمدينة طليطلة ، وركبوا على ذلك البيت باباً وأقفلوه، وتقدموا إلى كل من ملك منهم بعد صاحبه أن يلقي على ذلك الباب قفلاً ، تأكيداً لحفظ ذلك البيت، فاستمر أمرهم على ذلك .
ولما كان وقت انقراض دولة اليونان ودخول العرب والبربر إلى جزيرة الأندلس، وذلك بعد مضي ستة وعشرين ملكاً من ملوك اليونان من يوم عملهم الطلسمات بمدينة طليطلة ، وكان الملك لذريق المذكور السابع والعشرين من ملوكهم ، فلما جلس في ملكه قال لوزرائه وأهل الرأي من دولته: قد وقع في نفسي من أمر هذا البيت الذي عليه ستة وعشرون قفلاً شيء ، وأريد أن أفتحه لأنظر ما فيه ، فإنه لم يعمل عبثاً ، فقالوا: أيها الملك ، صدقت لم يعمل عبثاً ولا أقفل سدى ، بل المصلحة أن تلقي عليه قفلاً كما فعل من تقدمك من الملوك، وكانوا آباءك وأجدادك ولم يهملوا هذا فلا تهمله وسر سيرهم ، فقال : إن نفسي تنازعني إلى فتحه ، ولا بد لي منه ، فقالوا: إن كنت تظن فيه مالاً فقدره ونحن نجمع لك من أموالنا نظيره ، ولا تحدث علينا بفتحه حدثاً لا نعرف عاقبته، فأصر عل ذلك ، وكان رجلاً مهيباً فلم يقدروا على مراجعته ، وأمر بفتح الأقفال ، وكان على كل قفل مفتاحه معلقاً ، فلما فتح الباب لم ير في البيت شيئاً إلا مائدة عظيمة من ذهب وفضة مكللة بالجواهر ، وعليها مكتوب :
(( هذه مائدة سليمان بن داود عليهما السلام ، ورأى في البيت ذلك التابوت ، وعليه قفل ومفتاحه معلق ، ففتحه فلم يجد فيه سوى رق ، وفي جوانب التابوت صور فرسان مصورة بأصباغ محكمة التصوير على أشكال العرب ، وعليهم الفراء وهم معممون على ذوائب جعد ، ومن تحتهم الخيل العربية ، وبأيديهم القسي العربية وهم متقلدون بالسيوف المحلاة، معتقلون بالرماح ، فأمر بنشر ذلك الرق ، فإذا فيه : متى فتح هذا الباب وهذا التابوت المقفلان بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التابوت إلى جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان من أيديهم، ودرست حكمتهم )) ، فهذا هو بيت الحكمة المقدم ذكره ؛ فلما سمع لذريق ما في الرق ندم على ما فعل ، وتحقق انقراض دولتهم ، فلم يلبث إلا قليلاً حتى سمع أن جيشاً وصل من المشرق جهزه ملك العرب يستفتح بلاد الأندلس ؛ انتهى الكلام على بيت الحكمة . " والله أعلم بصحة ما ورد "
ونعود الآن إلى تتمة حديث لذريق وجيش طارق بن زياد :
فلما رأى طارق لذريق قال لأصحابه: هذا طاغية القوم، فحمل وحمل أصحابه معه، فتفرقت المقاتلة من بين يدي لذريق، فخلص إليه طارق، وضربه بالسيف على رأسه فقتله على سريره ، فلما رأى أصحابه مصرع ملكهم اقتحم الجيشان ، وكان النصر للمسلمين ، ولم تقف هزيمة اليونان على موضع ، بل كانوا يسلمون بلداً بلداً ومعقلاً معقلاً .
فلما سمع بذلك موسى بن نصير المذكور أولاً عبر الجزيرة بمن معه، ولحق بمولاه طارق، فقال له: يا طارق، إنه لن يجازيك الوليد بن عبد الملك على بلائك بأكثر من أن يبيحك جزيرة الأندلس، فاستبحه هنيئاً مريئاً، فقال طارق : أيها الأمير، والله لا أرجع عن قصدي هذا مالم أنته إلى البحر المحيط وأخوض فيه بفرسي ، يعني البحر الشمالي الذي تحت بنات نعش ، فلم يزل طارقيفتح وموسى معه إلى أن بلغ جليقية ، وهي على ساحل البحر المحيط، ثم رجع .
قال الحميدي في (جذوة المقتبس) : " إن موسى بن بصير نقم على طارق إذ غزا بغير إذنه، وسجنه وهم بقتله، ثم ورد عليه كتاب الوليد بإطلاقه فأطلقه ، وخرج معه إلى الشام " ، والصحيح أنه عاتبه برفق على تسرعه في اقتحام الأندلس من وسطها دون السيطرة على شرقيها وغربيها.
وكان خروج موسى من الأندلس وافداً على الوليد يخبره بما فتح الله سبحانه وتعالى على يديه وما معه من الأموال في سنة أربع وتسعين للهجرة .
لقد كان "طارق بن زياد" قائدًا عظيمًا استطاع بإيمانه وصبره وعزيمته وإصراره أن يصل إلى هذه المكانة العظيمة .
ونجح في تحقيق هذه الانتصارات لأنه كان يفكر في كل خطوة يخطوها ، ويتأنى في اتخاذ القرار، ويجمع المعلومات قبل التحرك ، فقبل أن يعبر إلى "الأندلس" أرسل حملة استطلاعية كشفت له أحوال "الأندلس" .
كما كان مؤمنا صادق الإيمان على يقين من نصر الله حتى في أحرج الأوقات ، فظل ثمانية أيام يحارب عدوه في لقاء غير متكافئ من حيث العدد والعدة ، لكنه تمكن من تحقيق النصر في النهاية بفضل الله تعالى .
رحمه الله ورضي عنه وجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
وهذه بعض الصوتيات والمرئيات عن الفتوحات الإسلامية للدكتور راغب السرجاني وأيضاً لوجدي غنيم
أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف (http://www.islamstory.com/أكذوبة-انتشار-الإسلام-بالسيف)
سلسلة فتح فلسطين (http://www.islamstory.com/سلسلة-فتح-فلسطين)
تاريخ القدس قبل الفتح الإسلامي (http://www.islamstory.com/تاريخ-القدس-قبل-الفتح-الاسلامي-صوت)
آفاق إسلامية - تشويه التاريخ الإسلامي (http://www.islamstory.com/آفاق_إسلامية_تشويه_التاريخ_الإسلامي)
صور من الحضارة الإسلامية (http://www.islamstory.com/ماذا_قدم_المسلمون_فيديو)
صور رائعة من الحضارة الإسلامية (http://www.islamstory.com/صور_رائعة_من_الحضارة_الإسلامية_فيديو)
سلسلة الفتوحات الإسلامية - لوجدي غنيم (http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=403&scholar_id=74)
إضافة :
http://audio.islamweb.net/audio/listenbox.php?audioid=156994&type=wma
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
وهنا بعض الصور عن الفتوحات الإسلامية من العهد النبوي وإلى الدولة العباسية
(1) الفتوحات الإسلامية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الدولة الأموية
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/20/Age_of_Caliphs.png
(2) الدولة الأموية في عهد هشام بن عبد الملك 732 م
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_2884245ec776536639.gif
(3) الأندلس بعد الفتح الإسلامي
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_1092845ec767610fd5.gif
(4) الدولة العباسية في عهد هارون الرشيد 800 م
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_724545ec77982b2e3.gif
(5) الفتوحات الإسلامية في الأندلس و فرنسة
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_1238345ec77c2c55de.gif
(6) الفتوحات الإسلامية في المغرب واوروبا
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_1179845ec77f6e9b71.gif
(7) الولايات العباسية و الدول الإسلامية
http://www.mo3alem.com/vb//images/uploads/37_2883745ec7831a7bb4.gif
http://www.english4arab.net/up/uploads/e1bbb89243.gif
المصادر : تاريخ الطبري ، ووفيات الأعيان لابن خلدون ، وشذرات الذهب ، وتاريخ الإسلام للذهبي ، وسير أعلام النبلاء ، تاريخ ابن خلدون ، تاريخ ابن الأثير ، وغيرها .
ختاماً : أعتذر من الجميع على أي تقصير مني والموضوع طويل فأعتذر مرة أخرى ولا تحرمونا من النصائح وفقكم الله فنحن في بداية المسيرة في المنتدى
http://j.imagehost.org/0207/shjra2_by_zoro.png