المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقوال العلماء في ربا الجاهلية



عُبيدة
10-5-2011, 08:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
كل ما نقله الكاتب الدكتور/ محمد سيد طنطاوي - رحمه الله - في كتابه معاملات البنوك وأحكامها الشرعية تحت هذا العنوان بدءًا بالطبري، وانتهاء بالنووي يتصل بالربا أضعافًا مضاعفة، باستثناء نقل واحد فقط، وهو عن الجصاص، فهؤلاء الأئمة يتحدثون عن قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (آل عمران:130).
فقد نقل عن الطبري هنا قوله: «وكل أكلهم ذلك في جاهليتهم: أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أخر عني دينك وأزيدك على مالك، فيفعلان ذلك، فذلك هو الربا أضعافًا مضاعفة».
«كانوا يبيعون البيع إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في الثمن على أن يؤخروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (آل عمران:130).
وقول مجاهد هنا يفسر لنا منشأ الدَّين، فهو ثمن لبيع آجل، وليس قرضًا حسنًا كما ذكر بعض الكاتبين، وسيأتي بيان قروض الجاهلية.
وأقوال الأئمة التي نقلت في تحريم الربا أضعافًا مضاعفة لا تعني أنهم يحلون الربا في غير هذه الحالة، لأن التقييد بقوله تعالى: أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (آل عمران:130) ليس المقصود منه النهي عن أكل الربا في حال المضاعفة خاصة، وإباحته في غيرها، فالربا قليله وكثيره حرام. إلخ.
ونترك النقول الكثيرة التي تتحدث عن الربا أضاعفًا مضاعفة، ونأتي إلى ما نقل عن الجصاص حيث قال: والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض، على ما يتراضون به.
ويضاف إلى هذا أيضًا قول الجصاص في أحكام القرآن (1/467): «معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضًا مؤجلاً بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلاً من الأجل، فأبطله الله تعالى وحرمه».
وكلام الجصاص يبين صورة غير الصورة المذكورة من قبل: فالربا هنا عقد قرض، والزيادة المشروطة متفق عليها من بداية العقد، وليس بعد حلول الأجل، وهي بالتراضي بين المتعاقدين، وكلمات: «تعرفه وتفعله»، و«معلوم» مع قوله: «إنما...» التي تفيد الحصر، يبين أن هذا هو ربا الجاهلية الشائع المنتشر، وهذا أمر يدركه من يدرس البيئة الاقتصادية عند العرب، فقد كان القرض الربوي طريقًا من طرق الاستثمار عندهم، إلى جانب المضاربة.
ويوضح هذا أيضًا ما جاء في تفسير الطبري عند قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (البقرة:278)، حيث روى السدي قال: «نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب، ورجل من بني المغيرة، كانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى أناس من ثقيف». فهذه شركة اتخذت من السلف في الربا طريقًا للاستثمار، كالبنوك الربوية في عصرنا، ومعلوم أن العباس كان يستثمر أيضًا عن طريق المضاربة.
ولكن لماذا حصر الجصاص ربا الجاهلية في هذه الصورة، ولم يذكر مثلاً رواية مجاهد في سبب نزول قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (آل عمران:130).
يبدو لي – والله سبحانه أعلم – أن السبب هو أن العقد بدأ بيعًا آجلاً فليس فيه ربا، وإنما طرأ الربا على عقد البيع عند حلول الأجل، فلم يكن الاتفاق والتراضي على الربا من بداية العقد، وإنما الأصل أن يبدأ العقد بتسليم المبيع وينتهي بتسليم الثمن في موعده دون ربا، أما الزيادة المشروطة في القروض فالاتفاق عليها من بداية التعاقد.
ويمكن أن يضاف إلى أقوال العلماء في ربا الجاهلية قول الفخر الرازي في تفسيره (4/92): «ربا النسيئة هو الأمر الذي كان مشهورًا متعارفًا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرًا معينًا، ويكون رأس المال باقيًا ثم إذا دخل الدَّين طالبوا المدين برأس المال، فإذا تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به».
ومثله قول ابن حجر الهيثمي، وهو يبين أن الفوائد الربوية تقسط أقساطًا شهرية، والاتفاق عليها من بداية العقد، وعند حلول الأجل قد يزاد على الدين مثلما رأينا في الدين الناشئ عن البيع الآجل.
ونلاحظ أن كثيرًا من البنوك الربوية تلجأ إلى مثل هذا التقسيط، وذلك فيما يسمى بالودائع ذات الراتب الشهري أو ذات العائد الشهري، فنسبة الفوائد الربوية السنوية تقسمها على الأشهر، وتدفع هذه الزيادة كل شهر، ورأس المال باقٍ بحاله.
وبهذا يتم استيفاء صور الربا الجاهلي، وتكون أقوال العلماء المذكورة كافية، بل يكون ما يجري الآن من تعامل سبق بيان حكمه، وأنه داخل في الربا المحرم، وليس صورًا مستحدثة كما يذهب بعضهم.
شبهة لا محل لها:
ثم قال الكاتب: «ومن كل هذه النصوص، يتبين لنا بوضوح: أن العلماء على اختلاف مذاهبهم، قد وجدوا بعبارات متقاربة، أن الربا الذي كان فاشيًا في الجاهلية، ونزل القرآن بتحريمه: أن يكون لشخص على آخر مائة جنيه – مثلاً – لأجل معين، فإذا حل موعد السداد وعجز المدين عن السداد قال له الدائن: إما أن تدفع وإما أن تربي».
قال: «فهذا هو الربا الجلي الصريح»، وأخذ يتحدث عن هذا القرض الحَسن، والعمل الطيب الذي تحول إلى الربا المحرم.
وواضح من النقول السالفة عن الجصاص والفخر الرازي بيان الصور المختلفة لربا الجاهلية، وأن صورة القرض الحَسن المذكورة، وتحوله إلى الربا، لم يكن من بين صور الربا الجاهلي أصلاً، فضلاً عن أن يكون هو الربا الذي كان فاشيًا، وقد نبهت إلى مثل هذا الخطأ من قبل عند بعض الكاتبين، فالقروض في الجاهلية الأولى كانت للاستثمار، ولذلك كانت بفوائد ربوية ولم تكن قروضًا حسنة، وهو ما تفعله البنوك الربوية المعاصرة في صور شهادات متنوعة الآجال والفوائد المحددة.

الفرق بين القروض والديون
والودائع والاستثمار
دُعيت لإلقاء بعض المحاضرات العامة وخطبة الجمعة في البحرين، وتحدثت عن مواطن الربا في المعاملات المعاصرة، وموقف المسلم من اختلاف الفقهاء، وطرق الاستثمار: الحلال منها والحرام، وجاء مندوب صحيفة ليأخذ حديثًا لينشره، وسألني أسئلة عدة كان منها:
ما الفرق بين عقد القرض والدَّيْن، والوديعة والاستثمار؟
فبينت له خطأ السؤال، فليس في الفقه الإسلامي عقد اسمه استثمار، وإنما هناك طرق استثمار مشروعة، ولها ضوابطها الشرعية، وطرق استثمار محرمة، ولذلك لا يجوز أن نجعل الاستثمار شيئًا واحدًا، نحكم عليه بالحل أو الحرمة، وإنما لا بد من أن يكون الحكم على كل طريقة من طرق الاستثمار، ولكن كاتبنا جعل الاستثمار عقدًا واحدًا، له اصطلاح فقهي يدل على أنه حلال!
هكذا لأول مرة في تاريخ الدراسات الفقهية!! والأشد غرابة وعجبًا أن عدَّ الكاتب هذا تصحيحًا لخطأ كبير، وفهم سقيم وقع فيه أئمتنا الأعلام، ومشايخنا الكرام والمجامع الإسلامية الثلاثة جميعها، وكل المؤتمرات في مشارق الأرض ومغاربها التي بحثت معاملات البنوك، كل هؤلاء جهلوا اللغة والفقه معًا فلم يضعوا الألفاظ الأربعة في الموضع الصحيح!!
ولننظر فيما كتب نظرة علمية مجردة، سائلين الله تعالى أن يرينا جميعًا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
قال الكاتب في نهاية حديثه عن القرض:
«ومن ذلك يتبين لنا أن لفظ القرض قد عبَّر عنه القرآن الكريم بمعنى مجازي بديع، وهو الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين والغارمين.
وجاءت الأحاديث النبوية، والمعاجم اللغوية، فاستعملت لفظ القرض في معناه الحقيقي وهو معاونة الغير عن طريق إعطائه ما هو في حاجة إليه من أموال على سبيل السلف إلى وقت معين». اهـ.
وقول الكاتب هذا صحيح، ولكن ينقصه شيء مهم جدًّا، بيّنه قول الحق – تبارك وتعالى –، فحديث القرآن الكريم عن القرض جاء في ست آيات كلها بلا استثناء جاءت بلفظ: قَرْضًا حَسَنًا.
فكلامه يحتاج إلى إضافة بيانية وهي: أن المقصود هنا القرض الذي يرضاه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو القرض الحسن الذي أجمعت الأمة على استحبابه.
وهذا يستدعي إضافة أخرى، وهي بيان القرض غير الحسن.
وتحدث الكاتب عنه في موضع آخر فقال:
القاعدة الشرعية تقول: «كل قرض جر نفعًا فهو ربا»، أي كل قرض اشترط صاحبه على المقترض منه أن يرده إليه زائدًا عن أصله، فهذه الزيادة ربا. اهـ.
إذن فالحديث عن القرض يستدعي بيان القرض الحسن، والقرض غير الحسن، وهو القرض الربوي.
وهذا القرض الربوي هو الذي كان منتشرًا في الجاهلية كما تبين من قبل؛ حيث جعلوا من القروض وسيلة للاستثمار في رحلة الشتاء والصيف وغيرهما، وأوضح مثل لهذا ما كان من العباس وشريكه، حيث كانا يسلفان في الربا، فجعلا هدف الشركة استثمار المال في طريق الإقراض الربوي، فحرّم الله تعالى هذا المنهج في الاستثمار وأبطله.
وجاء النظام الرأسمالي ليعيد إلى الاقتصاد المنهج الحرام، فجعل فوائد النقود مقابل الزمن: كأجر العمال، وريع الأرض، كلها في مبادئه وسائل إنتاج واستثمار.
وعن يهود هذا النظام الاقتصادي جاءتنا فكرة البنوك الربوية.
أرجو من البداية أن ننتبه، فقد حصر الكاتب معنى القرض في الحسن منه، ولم يشر إلى غير الحسن إلا في موضع آخر، ونتيجة لهذا الحصر رأيناه بعد ذلك يخرج القرض الربوي من معنى القرض، ويدخله في الاستثمار، بل في الاستثمار الحلال، ومع هذا يرى الكاتب أن العلماء الأعلام السابقين واللاحقين قد خلطوا.
ثم استطرد الكاتب إلى الحديث عن الدين، وبين أنه أعم من القرض، ثم عن الوديعة، وهذا صحيح – في الجملة إن شاء الله تعالى – بملاحظة أمرين:
الأول: أن الزيادة على الدَّيْن – بغير شرط أو عرف – جائزة شرعًا؛ ذلك أن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، وأظن أننا الآن في الزمان الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يأكلون الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره». وفي رواية: «من بخاره». (النسائي 4455 وضعفه الألباني).
ويحضرني في هذا المقام ما جاء في صحيح البخاري من قول عبدالله بن سلام – رضي الله عنه – لأبي بردة: «إنك في أرض – يقصد العراق – الربا بها فاشٍ: إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قتّ، فإنه ربا».
ومثل هذا الأمر في مصنف عبدالرزاق (8/143) عن أبي بن كعب رضي الله عنه، وفيه: «فخذ قرضك، واردد إليه هديته».
فإذا كان مسلك بعض التجار العراقيين وحيلهم – ففي رواية: إنكم بأرض تجار – جعل الصحابيين الجليلين يمنعان أخذ الزيادة غير المشروطة، فمن باب أولى يجب الحذر والحيطة في زمننا، حيث قامت نظم اقتصادية على أساس الربا، وأصبح التعامل بالربا أسوأ مما كان عليه الحال في الجاهلية، وقد أثبتّ هذا في أكثر من كتاب من كتبي.
والثاني: أن معنى الودائع الشائع المستعمل ودائع البنوك، أو الودائع لأجل، أو الودائع الاستثمارية، لا يعني عقد الوديعة في الفقه الإسلامي، وإنما هي تسمية اصطلح الناس عليها في العرف المصرفي، وهي في غير موضعها اللغوي والشرعي، وقد نبّهت إلى هذا منذ أكثر من عشرين سنة، وبينت أن ودائع البنوك الربوية عقد قرض، وأن الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية شركة مضاربة، وقد تم تدريس ما كتبته في بعض المعاهد التجارية العليا منذ سنة 1400هـ، وقت أن كانت البنوك الإسلامية في المهد، وقبل بضع سنوات من وجود أي بنك إسلامي في قطر.
سبحانك اللهم.. هذا بهتان عظيم.
وللحديث بقية، والحمد لله رب العالمين.

Miaka Yuki
13-5-2011, 10:41 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزييت خيرا ..وبارك الله فيك..

في حفظ الله ورعايته

أنس أسامة
13-5-2011, 04:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ألف شكر لك على الموضوع الجميل و الخطير أخي عبيدة، و أتمنى أن تكون بألف صحة وعافية. تحياتي لك و للجميع

عُبيدة
13-5-2011, 09:31 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزييت خيرا ..وبارك الله فيك..

في حفظ الله ورعايته


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا أخى على الرد الطيب
وبارك الله فيك وجعلها فى ميزان حسناتك
ووفقك لكل خير

عُبيدة
13-5-2011, 09:33 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ألف شكر لك على الموضوع الجميل و الخطير أخي عبيدة، و أتمنى أن تكون بألف صحة وعافية. تحياتي لك و للجميع


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا أخى اسعدك الله
وبارك الله فيك ورزقك جنة النعيم
ووفقك لكل خير

ابن القلعة
14-5-2011, 11:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا اخي الحبيب عبيدة ووفقك لمرضاته أـدامك الله اخا عزيزا محبا لنشر الخير والعلم بين أفراد أمته

أخوك

عُبيدة
16-5-2011, 10:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا اخي الحبيب عبيدة ووفقك لمرضاته أـدامك الله اخا عزيزا محبا لنشر الخير والعلم بين أفراد أمته

أخوك


جزاك الله خيرا أخى على الرد الطيب
وبارك الله فيك وجعلها فى ميزان حسناتك
ووفقك لكل خير