معتزة بديني
10-6-2011, 08:41 AM
http://images.msoms-anime.net/images/64267078734986781324.png
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلْفا. اللهم اجزه عنا أفضل ما جزيت به نبيا عن أمَّتِه، اللهم وأَعْلِ على جميع الدرجات درجته، واحشرنا تحت لوائه وزمرته. اللهم أوردنا حوضه، واجعلنا من أتباع سنته وشرعته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بسنته واهتدى بسيرته، وبعد .... اخواني واخواتي تكملة لمسيرتنا المباركة لسلسلة الآداب الشرعية (http://www.msoms-anime.net/showthread.php?t=155986) ، فلقد سبق وتحدثت عن أول الاداب واوجبها على الإطلاق ألا وهو{ الأدب مع الله -عز وجل- (http://www.msoms-anime.net/showthread.php?t=155986) }، وذكرت في المقدمة أن الأدب هو الدين كله، وأن الملتزم بهذا الدين العظيم هو المؤدب على الحقيقة.واوضحت أن الأدب مع الله -تعالى-،هو الأصل لما وراءه من أدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-وأدب مع الخلْق، لأن الله-سبحانه وتعالى-هو الآمر به عز وجل.
http://images.msoms-anime.net/images/53462939958810702824.png
فلقد أوجب الله تعالى له الأدب - عليه الصلاة والسلام - على كل مؤمن ومؤمنة وذلك بصريح كلامه عز وجل إذ قال :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } " الحجرات : 1"
وقال سبحانه : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } " النور : 63"
ولكي يكون المسلم مؤدباً مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فلابد من:
1 - تحقيق الإعتقاد الصحيح فيه .
2 - تحقيق المحبة الصادقة له .
3 - تحقيق الإتباع الصحيح له .
هذه النقاط الثلاث تشملها العبارة الجميلة التي يتناولها العلماء، ويتواصلون بها مع طلابهم:
{تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، وعبادة الله بما شرع وأمر}
http://images.msoms-anime.net/images/16312508083374261667.png
أولاً: تحقيق الاعتقاد الصحيح فيه -صلى الله عليه وسلم-
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل إلى العالمين الجن والإنس أهل الكتاب وغيرهم، وأن من لم يؤمن به -صلى الله عليه وسلم- منهم فهو كافر، وإن مات على ذلك فهو عدو لله -تعالى-، ومن أهل النار خالداً فيها.
قال الله -تعالى-:
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍقَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴿15﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(المائدة:15-16)
قال ابن جرير -رحمه الله-:
"قد جاءكم يا أهل التوراة والإنجيل من الله نور، يعني بالنور: محمد -صلى الله عليه وسلم-، والذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به، يبين الحق..." أ.هـ من تفسيره 4/2792.
وقال الله -تعالى-: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(البقرة:101)
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده،لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم.
وفي حديث بعـْث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذاً -رضي الله عنه- إلى اليمن قال له -صلى الله عليه وسلم-: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة...) رواه مسلم.
http://images.msoms-anime.net/images/16312508083374261667.png
ثانيا : تحقيق المحبة الصادقة له -صلى الله عليه وسلم-
إن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبة، ويجب تقديمها على النفس والوالد والولد؛ لقول الله -تعالى-: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)(الأحزاب:6)، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم، وفي رواية له أيضاً: (حتى أكون ِأحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين).
وقال ابن بطال -رحمه الله-: "معناه: أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي -صلى الله عليه وسلم- آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن به -صلى الله عليه وسلم- استنقذنا من النار، وهدينا من الضلال".
وقال القاضي عياض -رحمه الله-: "ومن محبته -صلى الله عليه وسلم- نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه. وإذا تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا، واعتقد سواه، فليس بمؤمن". أ.هـ من شرح مسلم2/ 19.
كما أن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب لتحصيل لذة الإيمان وحلاوته، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...) متفق عليه.
درجات محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- :-
قال ابن رجب -رحمه الله-: { محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على درجتين : -
إحداهما: فرض، وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية، ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديقه في كل ما أخبر به، وطاعته فيما أمر به من الواجبات، والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات، ونصرة دينه، والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة، فهذا القدر لابد منه، ولا يتم الإيمان بدونه.
والدرجة الثانية: فضل، وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الاقتداء بسنته في أخلاقه وآدابه ونوافله وتطوعاته وأكله وشربه ولباسه، وحسن معاشرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة، والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه، واهتزاز اللب عند ذكره، وكثرة الصلاة عليه لما سكن في القلب من محبته وتعظيمه وتوقيره، ومحبة استماع كلامه وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين.
- ومن أعظم ذلك: الاقتداء به في زهده في الدنيا والاجتزاء باليسير منها، ورغبته في الآخرة." أ.هـ من (استنشاق نسيم الأنس صـ34/35).
http://images.msoms-anime.net/images/16312508083374261667.png
بواعث محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-:-
لابد وأن نستثير محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أنفسنا، وذلك بما يلي:
أولاً: أن نوافق الله -تعالى- في مراده، لأن الله -تعالى- قد اتخذه -صلى الله عليه وسلم- خليلاً.
ثانياً:" أن نعلم أن مقتضى الإيمان به -صلى الله عليه وسلم- محبته وتوقيره ومحبته على محبة كل أحد، ونصرته بكل مستطاع.
قال الله -تعالى-: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الأعراف:157).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم ما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدّ الوقار". أ.هـ. من الصارم المسلول 1/45.
ثالثاً: التعرف على خصائصه ومميزاته التي ميزه الله به، وهي كثيرة عظيمة شريفة تجدها في كتب المناقب من دواوين السنة
رابعاً: التفكر في جهاده -صلى الله عليه وسلم- حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه -تعالى-، وكذلك التفكر في رحمته وشفقته وحرصه على هداية قومه والأمثلة على ذلك كثيرة من سيرته -صلى الله عليه وسلم-.
خامساً: كثرة الصلاة والتسليم عليه -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(الأحزاب:56).
وهذه الآية مع أحاديث أخر دليل على وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذُكِر، وأما ابتداءً فهو استحباب، لأن الله أمر بها، والأمر يفيد الوجوب، وقول جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
(رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك)(رواه البيهقي وصححه الألباني).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (البخيل من ذُكِرتُ عنده فلم يصلّ عليّ)(رواه الترمذي وصححه الألباني)،
- وأي مجلس لا يذكر فيه الله -تعالى-، ولا يصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه إلا كان على أهله حسرة يوم القيامة، قال -صلى الله عليه وسلم-:
(ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله -تعالى- فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة -أي: حسرة-، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم)(رواه الترمذي وصححه الألباني).
حبّ الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم-:-
لقد عبَّر عليٌّ -رضي الله عنه- عن محبة الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم- أصدق تعبير بقوله: "كان أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا وأهلينا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".
وانظر أيضاً لشهادة أبي سفيان -رضي الله عنه- قبل إسلامه، وهو يقول لزيد بن الدثنة -رضي الله عنه- حين قدموه ليقتلوه: "أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: والله، ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة توذيه، وأنا جالس في أهلي. قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً" رواه ابن إسحاق.
- وعمر -رضي الله عنه- يقول للعباس -رضي الله عنه- يوماً: (إن تُسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب، لأن ذلك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)(رواه البيهقي والبزار).
والأخبار في ذلك كثيرة جداً، ولو تتبعناها لطال بنا المقام، وفيما ذكرنا كفاية للمحب الصادق.
جعلنا الله -تعالى- منهم، وجعلنا ممن يقومون بواجبات وحقوق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الوجه الذي يُرضي الله -تعالى- عنا. آمين.
http://images.msoms-anime.net/images/16312508083374261667.png
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلْفا. اللهم اجزه عنا أفضل ما جزيت به نبيا عن أمَّتِه، اللهم وأَعْلِ على جميع الدرجات درجته، واحشرنا تحت لوائه وزمرته. اللهم أوردنا حوضه، واجعلنا من أتباع سنته وشرعته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بسنته واهتدى بسيرته، وبعد .... اخواني واخواتي تكملة لمسيرتنا المباركة لسلسلة الآداب الشرعية (http://www.msoms-anime.net/showthread.php?t=155986) ، فلقد سبق وتحدثت عن أول الاداب واوجبها على الإطلاق ألا وهو{ الأدب مع الله -عز وجل- (http://www.msoms-anime.net/showthread.php?t=155986) }، وذكرت في المقدمة أن الأدب هو الدين كله، وأن الملتزم بهذا الدين العظيم هو المؤدب على الحقيقة.واوضحت أن الأدب مع الله -تعالى-،هو الأصل لما وراءه من أدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-وأدب مع الخلْق، لأن الله-سبحانه وتعالى-هو الآمر به عز وجل.
http://images.msoms-anime.net/images/53462939958810702824.png
فلقد أوجب الله تعالى له الأدب - عليه الصلاة والسلام - على كل مؤمن ومؤمنة وذلك بصريح كلامه عز وجل إذ قال :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } " الحجرات : 1"
وقال سبحانه : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } " النور : 63"
ولكي يكون المسلم مؤدباً مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فلابد من:
1 - تحقيق الإعتقاد الصحيح فيه .
2 - تحقيق المحبة الصادقة له .
3 - تحقيق الإتباع الصحيح له .
هذه النقاط الثلاث تشملها العبارة الجميلة التي يتناولها العلماء، ويتواصلون بها مع طلابهم:
{تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، وعبادة الله بما شرع وأمر}
http://images.msoms-anime.net/images/16312508083374261667.png
أولاً: تحقيق الاعتقاد الصحيح فيه -صلى الله عليه وسلم-
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل إلى العالمين الجن والإنس أهل الكتاب وغيرهم، وأن من لم يؤمن به -صلى الله عليه وسلم- منهم فهو كافر، وإن مات على ذلك فهو عدو لله -تعالى-، ومن أهل النار خالداً فيها.
قال الله -تعالى-:
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍقَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴿15﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(المائدة:15-16)
قال ابن جرير -رحمه الله-:
"قد جاءكم يا أهل التوراة والإنجيل من الله نور، يعني بالنور: محمد -صلى الله عليه وسلم-، والذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به، يبين الحق..." أ.هـ من تفسيره 4/2792.
وقال الله -تعالى-: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(البقرة:101)
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده،لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم.
وفي حديث بعـْث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذاً -رضي الله عنه- إلى اليمن قال له -صلى الله عليه وسلم-: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة...) رواه مسلم.
http://images.msoms-anime.net/images/16312508083374261667.png
ثانيا : تحقيق المحبة الصادقة له -صلى الله عليه وسلم-
إن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبة، ويجب تقديمها على النفس والوالد والولد؛ لقول الله -تعالى-: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)(الأحزاب:6)، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم، وفي رواية له أيضاً: (حتى أكون ِأحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين).
وقال ابن بطال -رحمه الله-: "معناه: أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي -صلى الله عليه وسلم- آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن به -صلى الله عليه وسلم- استنقذنا من النار، وهدينا من الضلال".
وقال القاضي عياض -رحمه الله-: "ومن محبته -صلى الله عليه وسلم- نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه. وإذا تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا، واعتقد سواه، فليس بمؤمن". أ.هـ من شرح مسلم2/ 19.
كما أن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب لتحصيل لذة الإيمان وحلاوته، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...) متفق عليه.
درجات محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- :-
قال ابن رجب -رحمه الله-: { محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على درجتين : -
إحداهما: فرض، وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية، ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديقه في كل ما أخبر به، وطاعته فيما أمر به من الواجبات، والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات، ونصرة دينه، والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة، فهذا القدر لابد منه، ولا يتم الإيمان بدونه.
والدرجة الثانية: فضل، وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الاقتداء بسنته في أخلاقه وآدابه ونوافله وتطوعاته وأكله وشربه ولباسه، وحسن معاشرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة، والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه، واهتزاز اللب عند ذكره، وكثرة الصلاة عليه لما سكن في القلب من محبته وتعظيمه وتوقيره، ومحبة استماع كلامه وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين.
- ومن أعظم ذلك: الاقتداء به في زهده في الدنيا والاجتزاء باليسير منها، ورغبته في الآخرة." أ.هـ من (استنشاق نسيم الأنس صـ34/35).
http://images.msoms-anime.net/images/16312508083374261667.png
بواعث محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-:-
لابد وأن نستثير محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أنفسنا، وذلك بما يلي:
أولاً: أن نوافق الله -تعالى- في مراده، لأن الله -تعالى- قد اتخذه -صلى الله عليه وسلم- خليلاً.
ثانياً:" أن نعلم أن مقتضى الإيمان به -صلى الله عليه وسلم- محبته وتوقيره ومحبته على محبة كل أحد، ونصرته بكل مستطاع.
قال الله -تعالى-: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الأعراف:157).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم ما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدّ الوقار". أ.هـ. من الصارم المسلول 1/45.
ثالثاً: التعرف على خصائصه ومميزاته التي ميزه الله به، وهي كثيرة عظيمة شريفة تجدها في كتب المناقب من دواوين السنة
رابعاً: التفكر في جهاده -صلى الله عليه وسلم- حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه -تعالى-، وكذلك التفكر في رحمته وشفقته وحرصه على هداية قومه والأمثلة على ذلك كثيرة من سيرته -صلى الله عليه وسلم-.
خامساً: كثرة الصلاة والتسليم عليه -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(الأحزاب:56).
وهذه الآية مع أحاديث أخر دليل على وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذُكِر، وأما ابتداءً فهو استحباب، لأن الله أمر بها، والأمر يفيد الوجوب، وقول جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
(رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك)(رواه البيهقي وصححه الألباني).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (البخيل من ذُكِرتُ عنده فلم يصلّ عليّ)(رواه الترمذي وصححه الألباني)،
- وأي مجلس لا يذكر فيه الله -تعالى-، ولا يصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه إلا كان على أهله حسرة يوم القيامة، قال -صلى الله عليه وسلم-:
(ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله -تعالى- فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة -أي: حسرة-، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم)(رواه الترمذي وصححه الألباني).
حبّ الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم-:-
لقد عبَّر عليٌّ -رضي الله عنه- عن محبة الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم- أصدق تعبير بقوله: "كان أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا وأهلينا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".
وانظر أيضاً لشهادة أبي سفيان -رضي الله عنه- قبل إسلامه، وهو يقول لزيد بن الدثنة -رضي الله عنه- حين قدموه ليقتلوه: "أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: والله، ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة توذيه، وأنا جالس في أهلي. قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً" رواه ابن إسحاق.
- وعمر -رضي الله عنه- يقول للعباس -رضي الله عنه- يوماً: (إن تُسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب، لأن ذلك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)(رواه البيهقي والبزار).
والأخبار في ذلك كثيرة جداً، ولو تتبعناها لطال بنا المقام، وفيما ذكرنا كفاية للمحب الصادق.
جعلنا الله -تعالى- منهم، وجعلنا ممن يقومون بواجبات وحقوق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الوجه الذي يُرضي الله -تعالى- عنا. آمين.
http://images.msoms-anime.net/images/16312508083374261667.png