المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة جدي



حَالِمة
7-10-2011, 02:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



إن أدرتُ عجلةّ الزمنِ إلى الخلفِ , عشر سنواتٍ أو تزِيدْ . .
إلَى ذلك المُسّن الذِي يقضِي عصِرهُ مُمسكاً مُصحفهُ الكّبِيرْ , ذاكَ ضُعفُ النّظَر وحاجتُه إلى أحرفِ كبِيرَة !
حِين كُنتُ فِي السّادِسة , كنتُ ألمسُ حُبّهُ لِي فِي تلقِيبِي " يا غّزَالة " و أنا أركضُ حَولهُ وحَواليهِ ببراءة , و لم يزّل مُصحفَهُ ذاكْ .. فِي يديهْ !
,
كّان " سيدِي " مُسناً , لكنّهُ كان طِفلاً , إن سمعنِي أطلبُ المَال لأذهَب إلى دُكّانِ الحارة , يستوقفُنِي لأشترِي لهُ الفشفاش , أو " الهّوا " كما يُسميهْ . .
أو " اسكُمُو لمُون " [ ايسكريم ليمُون ] , فأذهبُ راكضةً أشترِي لهُ مايُحبْ , وأعُودُ وقد خدمتُ ملكَ المنزِلْ .
إن ذهبَ لقضاء حاجتِه , أسرعُ الجُلوس على سريرهِ الخشبيّ , و أمُسكُ مُصحفهُ الكبِير , أفتحهُ وأقلّد جدِي وهُو يقرأ , وكم كُنتُ أُسّرُ لسماعِ الثناء من والدِي و أعمامِي .

,

وحين كُنتُ فِي التاسِعة . .
كَان جدّي قّد مرض , وبلغت الشيخُوخةُ منه مبلغَها , لا أذكرُ شيئاً مُعيناً آنذاكْ
إلا صُورةٌ تأبَى أن تُمحَى من خيَالِي . .
حِين خرجَ و أعمامِي لتوديعنَا وقتَ الرحِيلْ , ركِبنا البَاصَ , لوحّنا لهُمْ جميعاً من خلفِ الزُجاجْ .
لم يتمَالك ذلك المُسّن نفسهُ فوقعَ من طُولهِ , قلبِي حينها سقَطْ , و والدِي كتمَ دمعتَهْ ..
يالهُ من وداعْ . . يالهُ مِن مشهدْ . . يالهُ من آخرِ لقَاءْ

,

مرضَ جدَي بعدّها كثيراً . .
نسِي كُلّ شيء , كُلّ شيءْ , من هُو .. من اولاده .. اين هُو
نسيء كُل شيء .. إلا ثلاثة !
عمِي الأكبر .. أخِي الأكبر - الذي قد سُمّيَ به - و القراءن
كان أعمامِي يتصّلُون بِنا .. يُطالبُون بأخِي ليكلّمه , وأتذكر أخي وعلاماتُ التأثر باديةً
عليهْ , هذا ان نلقَى الدّمُوع قد انحدرت !


كنتُ في الصفّ الخامِس . .
حين عُدتُ إلى المنزِل وفتحتُ البّابْ , أبِي و إخوتِي جالسون بصمتٍ وكأنّ على رؤُسهمِ الطيرْ !
سألتُ وقلبِي يكاد يتوقف بسبب ذلك الشعُور المُخيف الذي اغتالنِي وقتها ..
" شوو فيي ؟ " .. لم أتلقّ إجابةً , أعدتُ السُؤال ..
فأجابنِي أخِي " سيدو مات "

كان يومَ اثنينْ .. نزل عمّي ليلقِي التحيّة على جدّي قبل ذهابهِ لصلاة الفجَرْ ..
وجدهُ وقد ندِي جبينُه , لازال دافئاً , جالساً على مقعدِه ذاك .. وقد صعدت روحُه
إلى مالكِها ..

,

كنتُ في الصفّ السادِسْ . حين سافرَنا مرةً أُخرى لنلقَى البيتَ خالياً من سيّده .
كان خاوياً جداً , ينقصُه المنَار على ذلك الكُرسيّ , !
,
أذكرُ أن ابن عمّي قال لنا مرّة .. أن جدّي أثناء مرضِه طلب منه أن يقرأ لهُ القُرءان ..
وقد نسي كُلّ شيءٍ إلاه , بدأ ابنُ عمّي يتلُو له الايات .. ليُفاجأ بجدّي يستوقفُه
قائلاً : حسبُك !! انا أتذكرُ هذهِ الاية , و أتمّها جدِي بصوتٍ وآهِن . .

,

كان أخِي الأكبَر في السادسة عشِرة من عُمرهْ
رأى مرةً في المنامْ , أن جدّي في مثل عُمرهِ , كانا يلعبان معاً , ثم ذهب جدّي ليلعب
مع فتياتٍ جميلاتْ .. ! !
إلى الان لا ادري هل لهذا المنام تفسيراً ام لا , لكنني أسأل الله ان يكُون على خيرْ !

,


قبل أشهرُ , كنتُ في بيت جدّي أتأملُ مكانهُ مرارً وتكراراً .. " رحمكَ الله يا جدي "
رغم كل شيءِ لازلتُ أراكْ , و المُصحفُ بيديكْ ..

:


قصص ذكرها والدِي لنا !!

قال ان جدّي كان بالاصل أميّاً , لكنهُ كان يجلسُ مع طُلاب المدارس ليتعلّم
معهُم .. و كرّس ما تعلمهُ لكتاب الله :')


وقال لي والدِي
انه مرةً في صغره أصيبت عينهُ بالرمد , ذهب به جدّي إلى المصحّة , وأثناء العودة
لقي والدِي شجر صبارٍ مُثمر .. فاشتهَى صبارةً ليأكُلها ..
فسارع جدِي ليقطف له صبرةً و ينزع قشرها المشّوك بيديهِ العاريتينْ .. يمدُها لوالدي
بكل عطَف وحنانِ وحُب !!

,




رحمة الله عليكَ يا جدّي
وأسألُ الله ان يكُون مُصحفكَ .. شفيعُك الان .. !

حفيدُتك المحبّة التي لن تنساكَ ابداً ..


صلوا ع الحبيب

هالة
10-10-2011, 10:36 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جدك يذكرني بجدتي (حفظها الله وأطال في عمرها) ،،
عملها طول اليوم هو قراءة المصحف والصلاة وليس هذا فقط بل هي مووووولعة بالدراسة دراسة العلم الشرعي
لا تترك مسجدا ولا جمعية إلا وتشارك معهم، وهما أول شيء تسأل عن وجودهما عندما ننتقل إلى مكان ما
تتعجبين حين تدخلين غرفتها وتجديها تحاول فهم كتاب رياض الصالحين أو تقرأ قصص الأنبياء ،،
قد تفوتها الكثير من الجمل ولا تفهمها لكنها لا تستسلم أبدا

لا تمل ولا تكل ،،
رغم عدم دخولها للمدرسة في صغرها إلا انها كانت تسمتع لوالدها الذي كان يدرس الأطفال في البيت ..
لم أرى شخصا محبا للدراسة والعلوم مثل جدتي ..
والحمد لله صحتها جيدة بالنسبة لشخص في نفس عمرها كما أن ذاكرتها قوية جدا ماشاء الله
أسأل الله أن يثبتها على ذلك : )

وأكثر شيء يعجبني فيها هي عدم تخليها عن الصلاة وقراءة القرآن في جوف الليل ،،
لم تترك قيام الليل منذ عدة سنين ولا تصلي إلا قائمة
أغبطها جدا جدا ،،جميع من يعرفها يتمنى أن يكون مثلها في الكبر

سمايل أعتذر منك وبشدة فقد قلبت موضوعك من جدك إلى جدتي : (

أسلوبك سلسٌ وشيِّق جدا ،، رحم الله جدك واسكنه فسيح جنانه
لاتنسوا ولد صالح يدعو له،
مات يوم الإثنين اليوم الذي ترفع فيه الأعمال واليوم الذي مات فيه نبيناsalla
أسأل الله أن يجعله في عليين ,


شكرا لك سمايل لمشاركتكِ إيانا تلك الذكريات الطيبة : )
وسيبقى أجدادنا فخر لنا ^___^
واصلي ولاتحرمينا جديدكِ فأنا متابعة لك ; )

في أمان الله

طَيْفْ
10-10-2011, 10:46 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

أبكيتني حقا... وكأنكِ تتحدّثين عن جدي، رحمهم المولى وجمعنا بهم..

لنلقَى البيتَ خالياً من سيّده .
كان خاوياً جداً , ينقصُه المنَار على ذلك الكُرسيّ , !

صدقتِ وربي، كل شيء أصبح خاويًا بعده، المنزل العامر ينقصه قلبه!
رغمَ كل محاولات النسيان والصبر، يبقى في الفؤاد شوق له، يثير الدمع كلما لاحت الذكرى وأحرقت القلب..

أثرتِ الشجن، وتحدّرت المدامع، أملي أن تبرد حرقة القلب بلقاء في جنات النعيم.

سلمتِ عزيزتي،،

~

حَالِمة
10-10-2011, 11:57 PM
هـآلة ..
ماشاءلله تبارك الله :) .. أسأل الله ان يُطيل في عُمرهـا ..
وأن يحفظها
دامت لكم منارة ,
ابداً ابداً .. كبارُ السّن لهُم طعمُ خاص في المنزل
لهم ذكريات لا تموت بموتهم ..
و جدتكِ سيرتها اسعدتني حقاً ..
أشكركِ من القلب

,

طيف يَ عزيزة . .
جدي وجدك و أجدادٌ كُثر .. رحمهم الله و جعل الجنة مسكنهم ..
: " ( ..
الأشواقُ باقِية .. و بركة وجودهم اختفت برحيلهم ..
لكن بركـات دُعائهم باقية .. ولله الحمد ..
,

اللهم اجمعنا بأحبتنا في الجنان ..

:

صلوا على الحبيب