Keen
2-11-2011, 09:21 AM
بســم الله الرّحمن الرَّحيــــم
http://images.msoms-anime.net/images/62663187978970584988.jpg
أهــلاً و مرحبـاً بكم في أوَّل موضُــوع لـي هُنــا في هذا القسـم ، و بإذنِ الله لن يكُون الأخيــر .
فقــط أعطِنـي عزيزي القارِئ الكريـم من وقتـك القليــل ، لتستفيـد و تتفقَّـه في موضـوعٍ في دِينك .
و لكِن فلنمـرّ أولاً بالمقدّمة البسيطـة التالِيـة .
http://images.msoms-anime.net/images/23013248094987019202.jpg
لــم يكُن العُلمـاء المجتهدون - رحمهم الله - يتكلّمون بالهوى ، بل كانوا يجتهدُون في بيان أحكام الشَّريعة
بحسب ما بلغهم من الأدلّـة ، و بحسب ما فهمُوه منها ، و قد يتفقون فيما بينهم ، و قد يختلفُون في بعـض
الأحيـان . و الخلافُ بين العُلماء يُعـاز إلى أسبابٍ عديدة ، جميعُها تدُور حول بحثهـم عنِ الحقّ و بيـــان
الشريعـة ، فكلّ واحدٍ منهـم إمّا أن يكُون مُصيباً فلهُ أجران ، أو مُخطئـاً معذُوراً فلهُ أجــرٌ واحــد ، كمـا قال
النَّبي - صلّى الله عليه و سلَّم - : (( إذا اجتهـد الحاكِمُ فأصاب فلهُ أجران ، و إذا اجتهد فأخطأ فلهُ أجـر )) .
و من أهــمّ أسبــاب اختلاف العُلمـاء بـاركُ اللهُ فيهــم جميعاً و حفظَهـم للأمَّـة ، ما يلــي :
http://images.msoms-anime.net/images/08225716639484099074.jpg
الســبب الأوَّل :
كــون العالــم لم يسمـع بالدّليـــل .
مثال ذلك : بلغ عائشة رضي اللهُ عنها أنّ عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - يأمُـر النساء إذا اغـتسلــن أن
ينقضن رؤُوسهنّ ، فقالت : يا عجباً لابن عمرو هذا يأمر النّساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤُوسهنّ ، أفلا
يأمرهنّ أن يحلقن رؤوسهنّ ؟ لقـد كُنت أغتسـل أنا و رسُول الله - صلّى الله عليه و سلَّم - من إنـاءٍ واحـد ، و لا
أزيـد على أن أفرغ على رأســي ثلاث إفـراغــات .
،،
السَّـبب الثانـــي :
يبلغُ الحديث عالمِين لكنّه يكُون صحيحاً عند عالمٍ ، ضعيفاً عند العالم الآخر حيثُ لم يبلغهُ بسنـدٍ صحيـح .
مثالُ ذلك : حديـث الْعِينَةِ الذي رواهُ ابن عمر ضي الله عنهُما قال : سمعـتُ رسُول الله- صلّى الله عليه و سلَّم -
يقُـول : (( إذا تبايعتُم بالْعِينةِ ، و أخذتُم أذناب البقـر ، و رضيتُـم بالزّرع ، و تركتُم الجِهـاد ؛ سلَّط الله
عليكُـم ذلَّا لا ينزعهُ حتَّى ترجِعُوا إلى دِينُكـم )) ، هذا الحدِيث لم يعمـل بهِ الشَّافعي لضعفـه عـنـده ، و
و عمـل بهِ الجُمهور ؛ لأنّ لهُ طُرقـاً تُقوِّيـه ، و قد عضدتـه بعض الآثار عن الصَّحابة - رضي الله عنهم -
فِــي تحرِيـــم الْعِينَـة .
* العِينة هي : أن يبيع سلعةً بثمن مُؤجّل ، ثمّ يشتريها من الذي أخذها بأقل من الثمن حالاً .
،،
السَّـبب الثالــث :
أن يبلُـغ الحديث العالم و يعلم أنّه صحيح لكن يظنّه منسُوخاً ، و الآخــر بخـلاف ذلك .
مثال ذلك : اختلف العُلماء في حُكم الحِجامة للصَّائم هل تُفطِّـر أم لا ؟ فمن قال : إنَّها لا تُفطِّـر استدلّ
بحديث ابن عبَّاس في الصحيح : (( أنَّ النبي - صلّى الله عليه و سلَّم - احتجم و هُو مُحرم ، و احتجم و هو
صائِــم )) ، و من قال : إنَّها تفطّر استدلَّ بحديث : (( أفطـرَ الحاجِـمُ و المحجُوم )) ، و من الأجوِبـة
التي أجابُوا بها عن حدِيـث ابن عبَّـاس قالُوا : إنَّ الحديـث منسُوخ ، و لم يُسلٍّــم لهُم الآخـرون بأنّ
الحديــث منسُـــوخ .
،،
السَّـبب الرَّابـع :
يبلُغ العالِـم الحدِيث و يعلم أنّه غير منسُوخ لكن يعتبره مُعارضاً بحدِيثٍ آخــر .
مثال ذلك : خلاف العُلماء في مسـألـة استقبـال القبلة و استدبارها أثنـاء قضاء الحاجة ، فمنهم من قـال :
إنّ الإستدبار و الإستقبال منهي عنه مُـطلقـاً ، و منهم من قـال : منهي عن الإستقبال دُون الإستدبــار ،
و منهم من قال : منهي عن الإستدبار في الفضاء دُون البنيان ، و سبب ذلك أنّ الرّسول - صلّى الله عليه و سلَّم -
قال : (( إذا أتيتم الغائِط فلا تستقبلُوا القبلة و لا تستدبروها ، و لكن شرِّقوا أو غرّبوا )) ، و ثبــت عن
ابن عُمر - رضي الله عنهما - أنه رَقـيَ على بيت أخته حفصَة - رضي الله عنهما - فوجد النَّبــي - صلّى الله عليه و سلَّم -
جالسـاً لحاجته ، مُستقبل الشّام مُستدبر القبلة ، فهذان الحديثان ظاهرمُما التعارُض و لهذا اختلف
أهــل العلــم في حُكـم هذهِ المسألــة .
،،
السَّـبب الخامِــس :
اخلافُهـم في تفسير لفـظ الدّليـل ، و ذلك لكون اللفظ مُشتركاً أو مجملاً أو لأيّ سببٍ آخــر .
مثال ذلك : اختلاف الفقهاء في مسّ المرأة هل ينقُض الوضُوء أو لا ينقـض الوُضوء ، بسبب
اختلافهم في تفسير قولـه تعالى في آية الوُضوء من سورة المائِدة : { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء } ،
فمن فسّرها بمجرّد اللمـس قال : هُو ينقـض الوضُوء ، و من فسّرها بالجماع قال : اللمـس
لا ينقــض الوُضُــوء .
،،
السَّـبب السَّـــادِس :
اختلافهم في مسألةٍ أصُولية مما يؤدّي إلى الخـلاف في بعــض الأحكــام ،
و ذلك كاختلاف أهل العلـم في الاحتجاج بقول الصّحابي أو فعله ؛ إذا كان في مسألةٍ لا يدخُلها الاجتهـاد ،
و لم يخالفه صحابـي آخـر هل هو حجّـة أم لا ؟
مثال ذلك : فعــل ابن عمر في رفع يديه في التكبيرات في الجنـازة ، فبعض العُلماء لم يختر
هذا الحكم لأنّه لا يعمـل بهذا النَُّـوع من الأدلّــة .
،،
السَّـبب السَّابع :
أنّ بعض العُلماء يفهـم من الحديــث شيئاً ، و يفهم غيرهُ منه شيئـاً آخـــر .
و مثال ذلك : حديث ذي اليدين : أنَّ النبي - صلّى الله عليه و سلَّم - صلَّى بهم إحدى صلاتي العشِيّ فسلَّم
من ركعتيـن ، فلما أخبروه صلَّى الرَّكعتين الباقيتين ، ثمّ سلم ثمّ سجد سجدتِيـن بعــد السلام .
فأخـذ منه بعض العُلماء أن سجود السهو يكُون بعد السلام إذا سلّم من نَقْضٍ في صلاتِـهِ ، فإنَـه
يتمّها ثم يسجُد للسهو بعد السّلام ، و فهم منه آخـرون أنّ سجود السهو يكون بعد السلام إذا
زاد في صلاتِه سهواً ، و ذلك لأنه في هذا الحدِيث زاد الصلاة على النّبي - صلّى الله عليه و سلَّم -
و السلام من الصَّـلاة ، فقـالوا : كلّ زيادة سهواً فالسُّجـود لها بعـــــد السَّـــــلام .
،،
السَّـبب الثامِـن :
أن لا يكُون في المسألة نصّ ، فيجتهد العُلماء في استنباط حكمها من بعض النصوص و القواعد الشّرعيّة ؛
فيختلــف اجتهادُهــم .
و من ذلك : اختلاف العلماء المعاصرين في حكم الإجارة المنتهية بالتّمليك ؛
بناءً على خلافهم في تنزيلها على النُّصوص و القواعد الـشَّرعيّــة .
http://images.msoms-anime.net/images/23013248094987019202.jpg
ننتقـل الآن إلى الفقــرة التي توضَّـح الموقف من خلاف العُلمــاء .
http://images.msoms-anime.net/images/59199689785583313987.jpg (http://images.msoms-anime.net/images/59199689785583313987.jpg)
الخِلاف في بعض المسائل من السُّنن الكونية و من طبيعة البشر لاختلافهم في الفهم و العلـم ، و في الإدراك و التفكير
و لكن ما موقفنــا نحن من هــذا الخِــلاف ؟
،،
أوَّلاً :
يجب إحترام العلمـاء و إجلالهم ؛ المُخطئ منهم و المُصيـب ، و لا يعني خطـأ بعض الأئمة المجتهدِيـن
التعدّي عليهم و الطّعن فيهم و انتقاصُهم ، فهذا ما أدّى إليه اجتهاده ، و هو معذُور في ذلك مأجُور ،
فعن عمرو ابن العاص - رضي الله عنه - أنه سمع رسُول الله - صلّى الله عليه و سلَّم - يقُـــول : (( إذا حكم الحاكم
فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران ، و اذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجـر )) ، و قد سبق لك أسباب خلاف
العُلماء و هي أعذار ، كما أنّ بعض الأشياء التي ترى هذا الإمام قد أخطأ فيها قد تكُون صـوابـاً في
حقيقـة الأمــر ، و الخطـأ في هذهِ الحالة هو ما عندك . و لتتأمل قوله تعالى في قصة حكم داود
و سليمان - عليهما السلام - في الحرث عندما قال تعالى : {وَ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ
نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ( 78 ) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } ،
فالحقّ كان مع سليمان - عليه السلام - و مع ذلك قال الله عنهما : { وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
،،
ثانيـاً :
الأئمة المجتهدُون متفقون في أصُـول الشريعة ، و إنما خلافهم في فرُوع الشَّريعة ، فلا نجـد عند
الصحابة رضوان الله عليهم خلافاً في مسائل العقيدة ، و إنما الخلاف عندهم في بعض المسائل
المتعلقة بالصلاة و الحجّ و البيـع و نحوهــا .
،،
ثالثـاً :
وقُـوع الخطـأ من بعض العُلماء يدلّ على أنّ التعظِيـم يكون للنصُوص الشرعيّة لا للأشخاص ، فكلٌّ
يُــؤخـذ من قوله و يُـردّ إلا رسُـول اللهِ - صلّى الله عليه و سلَّم - .
،،
رابعـاً :
لا يجُوز لنا التعصُّب لقول أحدٍ من العُلماء و نحن نعلم أنّ الحق مع العالـم الآخـر ، فالعالم الذي أخطأ
معذُور مأجُـور ، و لكن لا يعني ذلك أن نتابعه على خطئه و نتعصَّب له ، و نلوِي النصُوص من أجل
تصحِيــــح قولــه .
،،
خامسـاً :
النَّـاسُ من حيث عملُهم بالمسائل التي اختلف فيها العُلماء ثلاثة أقســام :
القسم الأوَّل : عالم رزقه الله علماً و فهماً : فهذا لهُ حقّ الإجتهـاد ، بل يجب عليه القُول بمقتضى الدليل
قال تعالـى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } ، و هذا من
أهـل الإستنباط الذين يعرفون ما يدلّ عليه كلامُ الله و كلام رسُولـه الكرِيـــم .
القسـم الثاني : طالب علم عنده من العلم ما لا يصل بهِ درجة التبحر في العلـم : فهذا لا حرج عليه إذا
أخذ بالعمُومات و الإطلاقات و بما بلغه ، و لكن يجب عليه الإحتراز في ذلك و عدم التقصير في سؤال
العلماء لاحتمال خطئه ، فقد لا يصل علمه إلى دليل خصَّصَ ما كان عاماً ، أو قيّـد ما كان مُطلقــاً ،
أو نسخَ ما ظنَّــه مُحكمــاً .
القسم الثالِـث : عامِّيٌّ بالنسبة للأحكام الشرعيّة ، فلا يعرف تفصيل الأحكام الشرعية و لا أدلتها ولا
طرق الإستدلال ؛ و إن كان عالماً في فن آخر ؛ فهذا يجب عليه سؤال أهل العلم ، لقوله تعالى :
{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، و الأوْلى أن يسأل من يراه أفضل في دينه و علمه
و يظنُّـه أقرب للصواب ، فإذا أفتاهُ بفتوى عمل بفتواه ، و لا يجُوز له سُؤال أكثر من عالم بقصد
العمل بأخفّ الفتاوى و أسهلها ؛ لأنّ هذا من تتبــع الرّخـص الذي حـذّر منه العُلمــــاء .
،،
http://images.msoms-anime.net/images/23013248094987019202.jpg
فقــط ؛ إنتهـــى الموضُوع على أمل أن تكُونوا قد استفدتُــم منــه ..
بإذنِ الله ستكُون لـي مواضيع قادمة في فترات مختلفة في هذا القسـم الجميـل ؛ ..
شُكــراً لكم للقــراءة .. و مع خالص تحيَّاتي و تقدِيري لكُــــم .
http://images.msoms-anime.net/images/96010531737998686059.jpg (http://images.msoms-anime.net/images/96010531737998686059.jpg)
http://images.msoms-anime.net/images/62663187978970584988.jpg
أهــلاً و مرحبـاً بكم في أوَّل موضُــوع لـي هُنــا في هذا القسـم ، و بإذنِ الله لن يكُون الأخيــر .
فقــط أعطِنـي عزيزي القارِئ الكريـم من وقتـك القليــل ، لتستفيـد و تتفقَّـه في موضـوعٍ في دِينك .
و لكِن فلنمـرّ أولاً بالمقدّمة البسيطـة التالِيـة .
http://images.msoms-anime.net/images/23013248094987019202.jpg
لــم يكُن العُلمـاء المجتهدون - رحمهم الله - يتكلّمون بالهوى ، بل كانوا يجتهدُون في بيان أحكام الشَّريعة
بحسب ما بلغهم من الأدلّـة ، و بحسب ما فهمُوه منها ، و قد يتفقون فيما بينهم ، و قد يختلفُون في بعـض
الأحيـان . و الخلافُ بين العُلماء يُعـاز إلى أسبابٍ عديدة ، جميعُها تدُور حول بحثهـم عنِ الحقّ و بيـــان
الشريعـة ، فكلّ واحدٍ منهـم إمّا أن يكُون مُصيباً فلهُ أجران ، أو مُخطئـاً معذُوراً فلهُ أجــرٌ واحــد ، كمـا قال
النَّبي - صلّى الله عليه و سلَّم - : (( إذا اجتهـد الحاكِمُ فأصاب فلهُ أجران ، و إذا اجتهد فأخطأ فلهُ أجـر )) .
و من أهــمّ أسبــاب اختلاف العُلمـاء بـاركُ اللهُ فيهــم جميعاً و حفظَهـم للأمَّـة ، ما يلــي :
http://images.msoms-anime.net/images/08225716639484099074.jpg
الســبب الأوَّل :
كــون العالــم لم يسمـع بالدّليـــل .
مثال ذلك : بلغ عائشة رضي اللهُ عنها أنّ عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - يأمُـر النساء إذا اغـتسلــن أن
ينقضن رؤُوسهنّ ، فقالت : يا عجباً لابن عمرو هذا يأمر النّساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤُوسهنّ ، أفلا
يأمرهنّ أن يحلقن رؤوسهنّ ؟ لقـد كُنت أغتسـل أنا و رسُول الله - صلّى الله عليه و سلَّم - من إنـاءٍ واحـد ، و لا
أزيـد على أن أفرغ على رأســي ثلاث إفـراغــات .
،،
السَّـبب الثانـــي :
يبلغُ الحديث عالمِين لكنّه يكُون صحيحاً عند عالمٍ ، ضعيفاً عند العالم الآخر حيثُ لم يبلغهُ بسنـدٍ صحيـح .
مثالُ ذلك : حديـث الْعِينَةِ الذي رواهُ ابن عمر ضي الله عنهُما قال : سمعـتُ رسُول الله- صلّى الله عليه و سلَّم -
يقُـول : (( إذا تبايعتُم بالْعِينةِ ، و أخذتُم أذناب البقـر ، و رضيتُـم بالزّرع ، و تركتُم الجِهـاد ؛ سلَّط الله
عليكُـم ذلَّا لا ينزعهُ حتَّى ترجِعُوا إلى دِينُكـم )) ، هذا الحدِيث لم يعمـل بهِ الشَّافعي لضعفـه عـنـده ، و
و عمـل بهِ الجُمهور ؛ لأنّ لهُ طُرقـاً تُقوِّيـه ، و قد عضدتـه بعض الآثار عن الصَّحابة - رضي الله عنهم -
فِــي تحرِيـــم الْعِينَـة .
* العِينة هي : أن يبيع سلعةً بثمن مُؤجّل ، ثمّ يشتريها من الذي أخذها بأقل من الثمن حالاً .
،،
السَّـبب الثالــث :
أن يبلُـغ الحديث العالم و يعلم أنّه صحيح لكن يظنّه منسُوخاً ، و الآخــر بخـلاف ذلك .
مثال ذلك : اختلف العُلماء في حُكم الحِجامة للصَّائم هل تُفطِّـر أم لا ؟ فمن قال : إنَّها لا تُفطِّـر استدلّ
بحديث ابن عبَّاس في الصحيح : (( أنَّ النبي - صلّى الله عليه و سلَّم - احتجم و هُو مُحرم ، و احتجم و هو
صائِــم )) ، و من قال : إنَّها تفطّر استدلَّ بحديث : (( أفطـرَ الحاجِـمُ و المحجُوم )) ، و من الأجوِبـة
التي أجابُوا بها عن حدِيـث ابن عبَّـاس قالُوا : إنَّ الحديـث منسُوخ ، و لم يُسلٍّــم لهُم الآخـرون بأنّ
الحديــث منسُـــوخ .
،،
السَّـبب الرَّابـع :
يبلُغ العالِـم الحدِيث و يعلم أنّه غير منسُوخ لكن يعتبره مُعارضاً بحدِيثٍ آخــر .
مثال ذلك : خلاف العُلماء في مسـألـة استقبـال القبلة و استدبارها أثنـاء قضاء الحاجة ، فمنهم من قـال :
إنّ الإستدبار و الإستقبال منهي عنه مُـطلقـاً ، و منهم من قـال : منهي عن الإستقبال دُون الإستدبــار ،
و منهم من قال : منهي عن الإستدبار في الفضاء دُون البنيان ، و سبب ذلك أنّ الرّسول - صلّى الله عليه و سلَّم -
قال : (( إذا أتيتم الغائِط فلا تستقبلُوا القبلة و لا تستدبروها ، و لكن شرِّقوا أو غرّبوا )) ، و ثبــت عن
ابن عُمر - رضي الله عنهما - أنه رَقـيَ على بيت أخته حفصَة - رضي الله عنهما - فوجد النَّبــي - صلّى الله عليه و سلَّم -
جالسـاً لحاجته ، مُستقبل الشّام مُستدبر القبلة ، فهذان الحديثان ظاهرمُما التعارُض و لهذا اختلف
أهــل العلــم في حُكـم هذهِ المسألــة .
،،
السَّـبب الخامِــس :
اخلافُهـم في تفسير لفـظ الدّليـل ، و ذلك لكون اللفظ مُشتركاً أو مجملاً أو لأيّ سببٍ آخــر .
مثال ذلك : اختلاف الفقهاء في مسّ المرأة هل ينقُض الوضُوء أو لا ينقـض الوُضوء ، بسبب
اختلافهم في تفسير قولـه تعالى في آية الوُضوء من سورة المائِدة : { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء } ،
فمن فسّرها بمجرّد اللمـس قال : هُو ينقـض الوضُوء ، و من فسّرها بالجماع قال : اللمـس
لا ينقــض الوُضُــوء .
،،
السَّـبب السَّـــادِس :
اختلافهم في مسألةٍ أصُولية مما يؤدّي إلى الخـلاف في بعــض الأحكــام ،
و ذلك كاختلاف أهل العلـم في الاحتجاج بقول الصّحابي أو فعله ؛ إذا كان في مسألةٍ لا يدخُلها الاجتهـاد ،
و لم يخالفه صحابـي آخـر هل هو حجّـة أم لا ؟
مثال ذلك : فعــل ابن عمر في رفع يديه في التكبيرات في الجنـازة ، فبعض العُلماء لم يختر
هذا الحكم لأنّه لا يعمـل بهذا النَُّـوع من الأدلّــة .
،،
السَّـبب السَّابع :
أنّ بعض العُلماء يفهـم من الحديــث شيئاً ، و يفهم غيرهُ منه شيئـاً آخـــر .
و مثال ذلك : حديث ذي اليدين : أنَّ النبي - صلّى الله عليه و سلَّم - صلَّى بهم إحدى صلاتي العشِيّ فسلَّم
من ركعتيـن ، فلما أخبروه صلَّى الرَّكعتين الباقيتين ، ثمّ سلم ثمّ سجد سجدتِيـن بعــد السلام .
فأخـذ منه بعض العُلماء أن سجود السهو يكُون بعد السلام إذا سلّم من نَقْضٍ في صلاتِـهِ ، فإنَـه
يتمّها ثم يسجُد للسهو بعد السّلام ، و فهم منه آخـرون أنّ سجود السهو يكون بعد السلام إذا
زاد في صلاتِه سهواً ، و ذلك لأنه في هذا الحدِيث زاد الصلاة على النّبي - صلّى الله عليه و سلَّم -
و السلام من الصَّـلاة ، فقـالوا : كلّ زيادة سهواً فالسُّجـود لها بعـــــد السَّـــــلام .
،،
السَّـبب الثامِـن :
أن لا يكُون في المسألة نصّ ، فيجتهد العُلماء في استنباط حكمها من بعض النصوص و القواعد الشّرعيّة ؛
فيختلــف اجتهادُهــم .
و من ذلك : اختلاف العلماء المعاصرين في حكم الإجارة المنتهية بالتّمليك ؛
بناءً على خلافهم في تنزيلها على النُّصوص و القواعد الـشَّرعيّــة .
http://images.msoms-anime.net/images/23013248094987019202.jpg
ننتقـل الآن إلى الفقــرة التي توضَّـح الموقف من خلاف العُلمــاء .
http://images.msoms-anime.net/images/59199689785583313987.jpg (http://images.msoms-anime.net/images/59199689785583313987.jpg)
الخِلاف في بعض المسائل من السُّنن الكونية و من طبيعة البشر لاختلافهم في الفهم و العلـم ، و في الإدراك و التفكير
و لكن ما موقفنــا نحن من هــذا الخِــلاف ؟
،،
أوَّلاً :
يجب إحترام العلمـاء و إجلالهم ؛ المُخطئ منهم و المُصيـب ، و لا يعني خطـأ بعض الأئمة المجتهدِيـن
التعدّي عليهم و الطّعن فيهم و انتقاصُهم ، فهذا ما أدّى إليه اجتهاده ، و هو معذُور في ذلك مأجُور ،
فعن عمرو ابن العاص - رضي الله عنه - أنه سمع رسُول الله - صلّى الله عليه و سلَّم - يقُـــول : (( إذا حكم الحاكم
فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران ، و اذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجـر )) ، و قد سبق لك أسباب خلاف
العُلماء و هي أعذار ، كما أنّ بعض الأشياء التي ترى هذا الإمام قد أخطأ فيها قد تكُون صـوابـاً في
حقيقـة الأمــر ، و الخطـأ في هذهِ الحالة هو ما عندك . و لتتأمل قوله تعالى في قصة حكم داود
و سليمان - عليهما السلام - في الحرث عندما قال تعالى : {وَ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ
نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ( 78 ) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } ،
فالحقّ كان مع سليمان - عليه السلام - و مع ذلك قال الله عنهما : { وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
،،
ثانيـاً :
الأئمة المجتهدُون متفقون في أصُـول الشريعة ، و إنما خلافهم في فرُوع الشَّريعة ، فلا نجـد عند
الصحابة رضوان الله عليهم خلافاً في مسائل العقيدة ، و إنما الخلاف عندهم في بعض المسائل
المتعلقة بالصلاة و الحجّ و البيـع و نحوهــا .
،،
ثالثـاً :
وقُـوع الخطـأ من بعض العُلماء يدلّ على أنّ التعظِيـم يكون للنصُوص الشرعيّة لا للأشخاص ، فكلٌّ
يُــؤخـذ من قوله و يُـردّ إلا رسُـول اللهِ - صلّى الله عليه و سلَّم - .
،،
رابعـاً :
لا يجُوز لنا التعصُّب لقول أحدٍ من العُلماء و نحن نعلم أنّ الحق مع العالـم الآخـر ، فالعالم الذي أخطأ
معذُور مأجُـور ، و لكن لا يعني ذلك أن نتابعه على خطئه و نتعصَّب له ، و نلوِي النصُوص من أجل
تصحِيــــح قولــه .
،،
خامسـاً :
النَّـاسُ من حيث عملُهم بالمسائل التي اختلف فيها العُلماء ثلاثة أقســام :
القسم الأوَّل : عالم رزقه الله علماً و فهماً : فهذا لهُ حقّ الإجتهـاد ، بل يجب عليه القُول بمقتضى الدليل
قال تعالـى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } ، و هذا من
أهـل الإستنباط الذين يعرفون ما يدلّ عليه كلامُ الله و كلام رسُولـه الكرِيـــم .
القسـم الثاني : طالب علم عنده من العلم ما لا يصل بهِ درجة التبحر في العلـم : فهذا لا حرج عليه إذا
أخذ بالعمُومات و الإطلاقات و بما بلغه ، و لكن يجب عليه الإحتراز في ذلك و عدم التقصير في سؤال
العلماء لاحتمال خطئه ، فقد لا يصل علمه إلى دليل خصَّصَ ما كان عاماً ، أو قيّـد ما كان مُطلقــاً ،
أو نسخَ ما ظنَّــه مُحكمــاً .
القسم الثالِـث : عامِّيٌّ بالنسبة للأحكام الشرعيّة ، فلا يعرف تفصيل الأحكام الشرعية و لا أدلتها ولا
طرق الإستدلال ؛ و إن كان عالماً في فن آخر ؛ فهذا يجب عليه سؤال أهل العلم ، لقوله تعالى :
{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، و الأوْلى أن يسأل من يراه أفضل في دينه و علمه
و يظنُّـه أقرب للصواب ، فإذا أفتاهُ بفتوى عمل بفتواه ، و لا يجُوز له سُؤال أكثر من عالم بقصد
العمل بأخفّ الفتاوى و أسهلها ؛ لأنّ هذا من تتبــع الرّخـص الذي حـذّر منه العُلمــــاء .
،،
http://images.msoms-anime.net/images/23013248094987019202.jpg
فقــط ؛ إنتهـــى الموضُوع على أمل أن تكُونوا قد استفدتُــم منــه ..
بإذنِ الله ستكُون لـي مواضيع قادمة في فترات مختلفة في هذا القسـم الجميـل ؛ ..
شُكــراً لكم للقــراءة .. و مع خالص تحيَّاتي و تقدِيري لكُــــم .
http://images.msoms-anime.net/images/96010531737998686059.jpg (http://images.msoms-anime.net/images/96010531737998686059.jpg)