المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصحاب القرية (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ))



عُبيدة
10-12-2011, 04:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعدُ:
http://j.imagehost.org/0578/by_layan201_4_1.png
أخي القارئ الكريم ها نحن نبدأ معًا قصة أخرى من قصص القرآن؛ لعلنا ننتفع بها في واقعنا، ونتطلع من خلال ذلك إلى مستقبل مشرق بالإيمان – إن شاء الله –؛ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده، جعلنا الله وإياك منهم، ولكل قصةٍ ما تتميز به عن الأخرى، ولها محورها الذي تدور حوله، ولها علاقة بالسورة التي وردت فيها، ولها هدف ترمي إليه، ولها خصائصها.
سنتناول هذه القصة من خلال المحاور التالية:
1- علاقتها بالسورة التي وردت فيها.
2- المقصود بالقرية التي ضرب الله بها المثل.
3- ومن هم المرسلون.
4- وما موقف المدعوين.
5- مؤمن (يس) وقصته مع المرسلين ومع أصحاب القرية.
6- كيف واجه أصحاب القرية دعوتهم لهم.
7- العاقبة.
ونستطيع أن نلحظ عرض القرآن الكريم للقصة على النحو التالي:
أولاً: أصحاب القرية في مواجهة المرسلين: (من الآية: 13: 19).
ثانيًا: أصحاب القرية ودعوة العبد الصالح المؤمن (من 20: 30).
http://h.imagehost.org/0295/by_layan201_4_2.png
أولاً: أصحاب القرية في مواجهة المرسلين
قال الله تعالى: « وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ » [يس: 13- 19].
http://h.imagehost.org/0295/by_layan201_4_2.png
- علاقة القصة بالسورة:
حفلت سورة «يس» بمناقشة قضايا البعث والجزاء، والنبوة والرسالة، وموقف أهل مكة والمعاندين والمكابرين، « يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ » [يس:1 - 5].
القرآن حكيم، وتنزيل من رب العالمين، ومحمد صلى الله عليه وسلم من المرسلين، وهو على صراط مستقيم، اختاره الله واصطفاه وهو ليس بدعًا من الرسل، بل جاء بما جاء به من الله وليس من عند نفسه.
وقوله تعالى: « لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ » [يس:6]: لقد أرسل الله رسوله لينذر هؤلاء القوم بعد انقطاع الوحي عنهم لفترة طويلة، فهم في غفلة من أمر الرسالة والمرسلين، حتى وصل الأمر بهم في الإعراض والكبر بأن صموا آذانهم واستغشوا ثيابهم، وأعرضوا عن سماع الذكر، فهم لا يسمعون، وإن سمعوا لا يعقلون، وهذه حال أكثرهم، إلا من رحم الله، « لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ » [يس:7 - 10].
ولما كانت هذه حال قريش من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت حالهم أشبه بحال أصحاب هذه القرية المذكورة، فناسب ذكرها هنا لبيان عاقبة المكذبين للرسل، وكيف يفعل الله بهم من الخزي والنكال في الدنيا قبل الآخرة، وكيف ينصر الله رسله والذين آمنوا معهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
http://h.imagehost.org/0295/by_layan201_4_2.png
مَن هم أصحاب القرية؟
اشتهر عند جمهور المفسرين أن القرية المقصودة هي (أنطاكية)، لكن الإمام المحقق ابن كثير يرى رأيًا آخر، ذكره في تفسيره وانتصر له؛ بشواهد من سياق القرآن، ومن التاريخ.
فمن سياق القرآن يرى أن الرسل أرسلهم الله، ولم يرسلهم المسيح عليه السلام، والذي قال عن القرية: إنها أنطاكية يقول: إنهم رسل المسيح.
والأمر الثاني يرى أن أنطاكية لم يثبت تاريخيًّا أنها دُمرت، وهذه القرية دمَّرها الله بالصيحة.
ثالثًا: روى الإمام ابن كثير رحمه الله أن موقف أنطاكية مع حواريي المسيح معروف تاريخيًّا، وأنها آمنت بهم وأكرمتهم.
وهذا القول يرجّحه كثير من أهل العلم المعاصرين، منهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: «وتعيين تلك القرية، لو كان فيه فائدة لعيّنها الله، فالتعرض لذلك وما أشبهه من باب التكليف، والتكلف بلا علم، ولهذا إذا تكلم أحد في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخلط والاختلاف الذي لا يستقر له قرار.
ثم قال – رحمه الله -: إن طريق العلم الصحيح هو الوقوف مع الحقائق، وترك التعرض لما لا فائدة فيه، وبذلك تزكو النفس ويزيد العلم.
هذا الذي ذكره الشيخ بخلاف ما يظن كثير من الناس أن ذكر الأقوال التي لا دليل عليها توسعٌ في العلم، لا، بل هو تشوشٌ للذهن، واعتبارٌ لأمور مشكوك في صحتها، والحاصل أن هذه القرية جعلها الله مثالاً للمخاطبين، وجعلها عبرة، وسكت عن تعيين زمانها ومكانها، فلنلتفت إلى ما وجهنا القرآن إليه، ولنسكت عما سكت عنه من غير نسيان منه أو تقصير.
وقد يتساءل البعض: هل يجتمع ثلاثة رسل في قرية واحدة ويُرسلون إليها؟ أقول: نعم هذا قد وقع كثيرًا في بني إسرائيل؛ لأنهم كانت تسوسهم الأنبياء، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي قام نبي». الحديث. وقد أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون وقومه، وقد اجتمع أكثر من نبي ورسول في مكان واحد وزمان واحد، كاجتماع زكريا ويحيى وعيسى ابن مريم عليهم السلام في بيت المقدس في زمن واحد.
http://h.imagehost.org/0295/by_layan201_4_2.png
موقف القرية من المرسلين:
قال الله تعالى: « إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ َ» [يس:14]. واضح من السياق أن هذه القرية كانت تتسم بالعنت وتكذيب رسل الله؛ لأن الله سبحانه أخبر أنه أرسل إليها رسولين، فكذبوهما، فعزّز برسول ثالث يشد من أزر أخويه، ويناصرهما في الدعوة إلى الله، ومن السياق نفهم أنهم رسل من الله، وهذا واضح في ردِّ أصحاب القرية عليهم حين قالوا لهم: « قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ » [يس:15]، وهذه دائمًا حجة مكذبي الرسل على مرِّ التاريخ؛ كانوا ينكرون عليهم كونهم من البشر، ويريدونهم من الملائكة، أو ينزل معهم ملائكة، وهذا عين ما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم، « وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ » [الأنعام:8 - 9].
ثم توالى الحوار بين الرسل وأهل القرية: قال الرسل: « قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ » [يس:16 - 17].
انظر كيف ارتفعت نبرة التوكيد عند المرسلين ردًّا على تكذيب المكذبين، فأوكلوا العلم إلى الله بأمرهم، وهذا منتهى التفويض، ثم استخدموا أساليب التوكيد اللفظي من استخدام الضمير (نا) مع حرف التوكيد «إن» ولام التوكيد في قوله: «لمرسلون»، وقال صاحب التحرير في قولهم: «ربنا يعلم»: إنه قسم للتوكيد، وعلى هذا تكون اللام واقعة في جوابه، والله أعلم.
وفي قول المرسلين: « وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ » [يس:17]، هذا القول منهم يدل على التجرد الصادق في دعوتهم، وأنهم ليس لهم من مصلحة في كفرهم أو إسلامهم، إن هم إلا مبلّغون عن الله، لا يسألونهم أجرًا.
قال أصحاب القرية: « قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ » [يس:18]:
قال صاحب التحرير والتنوير: «لما غلبتهم الحجة من كل جانب، وبلغ قول الرسل: « وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ » [يس:17] من نفوس أصحاب القرية مبلغ الخجل والاستكانة من إخفاق الحجة، وألا توسم بميسم المكابرة والمنابزة للذين يبتغون نفعهم؛ انصرفوا إلى ستر خجلهم وانفحامهم بتلفيق السبب لرفض دعوتهم». اهـ. مختصرًا.
وهكذا كل مكابر ومعاند تلجمه الحجة، لا يجد أمامه إلا التهديد والوعيد؛ لذلك جاء رد الرسل عليهم أكثر إفحامًا وإيلامًا، قال الرسل: « قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ » [يس:19]، نعم هكذا كان رد الرسل قويًّا واضحًا ومفحمًا في نفس الوقت لهؤلاء المسرفين، قالوا لهم: ما الذي يدعوكم للتطير والتشاؤم من دعوتنا لكم؟ ألئننا دعوناكم للإيمان، وذكّرناكم بالله، هل هذا مدعاة للتشاؤم، أم أن هذا التشاؤم هو في نفوسهم السيئة التي ألفت الكفر، إنها الحقيقة فأنتم قوم مسرفون، نعم إن المانع الحقيقي الذي منعكم من اتباع الحق هو اتصافكم بالإسراف، وهو مجاوزة الحدِّ، والخروج على منهج الأنبياء، وهذه طبيعة الإسراف والمسرفين في كل زمان ومكان.
قال تعالى: « وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ » [سبأ:34].
وقال تعالى: « وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ » [الشعراء:151, 152].
فالترف طريق إلى السرف، والمترفون هم المسرفون الذين حذّر منهم صالح عليه السلام، وحذر من اتباعهم ومن صنيعهم؛ لأنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فيا لها من نفوس فاسدة إذا دُعيت للحق تنفر منه، وإذا دُعيت للباطل تفرح به، وصدق الله القائل عن أمثال هؤلاء: « وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ » [الزمر:45].
والحمد لله رب العالمين
http://h.imagehost.org/0599/by_layan201_4_3.png

Jasmine..!
11-12-2011, 02:25 PM
جزآكَ الله خيراً وجعله في موازين حسناتك ..
وباركَ الله فيك
في حفظِ الله ورعايته ..

عُبيدة
13-12-2011, 08:35 PM
جزآكَ الله خيراً وجعله في موازين حسناتك ..
وباركَ الله فيك
في حفظِ الله ورعايته ..

بارك الله فيك وجزاك الله خير الدنيا والاخرة
اسعدك الله
استودعك الله

أبو رويم
21-12-2011, 04:24 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيراً أخى عبيدة على هذه القصة الطيبة
وبارك فيك وجعلها فى ميزان حسناتك ووفقك لكل خير
وننتظر منك قصص جديدة بإذن الله
فى حفظ الله ورعايته