miss coctail
6-1-2012, 03:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة صلح الحديبية ،، حقا من أروع القصص التي سمعتها وقرأت عنها في حياتي:
في صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة حيث كانت قد ارتفعت مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ صوت الاسلام بالوصول الى جميع انحاء جزيرة العرب بعد غزوة الخندق. أصبحت الجزيرة العربية تملك قوتين ،، قوة المسلمين وقوة قريش. ولكن وبعد الهزائم التي تلقتها قريش، أصبحت ضعيفة غير قادرة على اكمال القتال مع المسلمين. هنا أصبح الأمر متوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد أصبحت المدينة المنورة موطن أمان لا يستطيع أحد الاقتراب منها، ولكن هم الرسول صلى الله عليه وسلم الأكبر كان ايصال الرسالة، فكأن أمام الرسول عليه السلام أحد أمرين إما السلام مع قريش أو الحرب مع قريش. لأن قريش لم تخلي بين الرسول عليه السلام والعرب. فلننظر هنا إلى تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث: قتل أولاد المسلمين وطردوا من بيوتهم ومن بلادهم، فأخذوا أموالهم وظلموهم، و أراد المسلمون الانتقام. وبالرغم من ذلك لم يختر الرسول عليه السلام الحرب، واختار السلام بدلا من ذلك!! وذلك لأن الأصل في الاسلام السلام.
فبدأ صلى الله عليه وسلم يفكر بطريقة تجعل قريش مجبورة على قبول السلام. هنا حيث يلهم الله سبحانه وتعالى رسوله عليه السلام بطريقة يجبر بها قريش على السلام،، وكان الإلهام عبارة عن رؤيا رآها عليه السلام. كانت الرؤيا أنه قد دخل صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه مكة المكرة معتمرين محلقين رؤوسهم. فأخبر عليه السلام أصحابه عليهم السلام أن يستعدوا للعمرة. تفاجأة الصحابة بهذا القرار فبعد كل هذه الحروب نذهب بكل بساطة إلى مكة لإقامة العمرة!!
انظروا إلى حكمة الرسول والموقف الحرج الذي وضع قريش فيه ،، فأي قرار تتخذه يكون لصالح الاسلام والمسلمين:
فكان أمام قريش أحد 3 أمور:
أ) منع الرسول صلى الله عليه وسلم من الدخول إلى مكة وما هو بالحل السليم لسببين:
1) لأن قريش لم تمنع أحدا أبدا من الاعتمار، فلو منعت الرسول ستفقد زعامتها الدينية في الجزيرة العربية.
2) أن المسلمين سيعلنون الحرب عليهم وهم الآن في موطن ضعف وسيتغلبون عليهم فتفقد قريش مكانتها القوية في الجزيرة العربية.
ولو فرضنا أن قريش منعت الرسول صلى الله عليه وسلم من الدخول إلى مكة فهو في هذه الحالة أيضا الرابح، لأنه انتشر في ذلك الوقت أن محمد وأصحابه متمردون خارجون عن القوانين والنظم. فلو منعت قريش الرسول عليه السلام من العمرة فستتعاطف بقية القبائل في الجزيرة العربية مع الرسول صلى الله عليه وسلم. فتبدأ الجزيرة العربية بسماع صوت المسلمين. سماع صوت الإسلام والرسالة. وهذا هو الهدف المطلوب!!!
ب) السماح للرسول صلى الله عليه وسلم الدخول إلى مكة:
وفي هذه الحالة أيضا الرسول عليه الصلاة والسلام هو الكاسب لأنه وبهذه الطريقة أيضا سيصل صوت الإسلام إلى العرب! حيث كان عليه السلام قادرا على حل المشاكل بينه وبين قريش.
ت ) منعه صلى الله عليه وسلم بعدة شروط ( إقامة صلح ):
وفي هذه الحالة أيضا يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم الرابح! لأنه في هذه الحالة أيضا سيصل صيت النبي إلى أرجاء الجزيرة بأنه استطاع اقامة الصلح مع قريش وحل المشاكل بينه وبينهم.
ففي جميع الحالات سيكون الأمر من صالح الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
وحتى لا تقول قريش أن الرسول عليه السلام خرج لمحاربة قريش فقد قرر عليه السلام وأصحابه الخروج للعمرة في أحد أشهر الحرم " والمعروف أنه لا قتال في أشهر الحرم"
فيظهر ذكاءه وفطنته عليه السلام! كما أخذ معه مسلمين وغير مسلمين، وبالتالي فإن القضية لم تعد مقتصرة على المسلمين فقط، بل بجميع العرب! !فلا تستطيع قريش التهرب من الأمر. وأخذ معه الهدي ( الأغنام ) وبالتالي تظهر مدى حسن نية الرسول !
علمت قريش بأمر قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم. فأرسلت جيشا 200 كتيبة بقيادة خالد بن الوليد لمحاولة إيقاف تقدم الرسول عليه السلام، وأوصت قريش خالدا أن يفتعل شجارا معهم، فيبدأ المسلمون بالهجوم على قريش، فتكون لقريش أحقية في الدفاع عن أنفسهم!
علم بأمر قريش عليه السلام عندما أخبروه طلحة بن عبيدة الله وسعيد بن زيد عن أمر خالد بن الوليد وبأنه ينتظره بجيشه في لباس الحرب في ذاك المكان وأن قريشا أقسمت ألا تدخل مكة أبدا حتى يموت آخر رجل منهم.
فالتف عليه السلام على من معه وقال: أشيروا علي! فيقوم أبو بكر ويقول: والله يا رسول الله ما خرجنا للقتال، ولكن خرجنا للعمرة .فإن قاتلونا قاتلناهم حتى نعتمر!
ولكن لم يكن هذا ما يريده صلى الله عليه وسلم. فقال: من منكم يدلني على طريق إلى مكة وإن كانت وعرة أتجنب به خالدا والفرسان، فأصل إلى مكة!
فيظهر أحد الصحابة فيقول: أنا أعرف أحد الطرق الوعرة جدا. ففرح الرسول صلى الله عليه وسلم فسلك الطريق الوعرة حتى وصل إلى مكان يطلق عليه الحديبية. فلم يصل خبر تغيير خط سير المسلمين إلى خالد بن الوليد حتى أن فات الأوان!
فلم تعد قريش تعرف ما تفعل. فتجمعوا في دار الندوة ( عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية وسهيل ابن عمر وبديل بن ورقاء (قائد قبيلة خزاعة) وحليس بن علقمة (قائد قبيلة الأحابيش) و عروة بن مسعود (قائد قبيلة ثقيف في الطائف) ) للتشاور عن ما يفعلون!
عند وصوله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية كان جميع من مع الرسول عطشى والتعب كان قد أخذ مأخذه. فسأل صلى الله عليه وسلم من معه: أفي حديبية بئر؟ فقالوا: بئر به ماء جفت يا رسول الله. فسأل عليه السلام: أمعنا ماء؟ قالوا: القليل جدا يا رسول الله. فقال: ائتوني به. فجيئ بالماء وتوضأ به الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أخذ يدعو ويدعو ثم قال: ألقو هذا الماء في البئر. وأخذ سهما من كنانته وقال: اغرسو السهم في قاع البئر.فغرسو السهم في قاع البئر فانفجر البئر ماء فظلوا يشربون منه مدة 20 يوم. طوال فترة جلوسهم بالحديبية.
تقرر قريش ارسال من يفاوض الرسول. ولكن الرسول سبقهم وبعث لهم أحد الصحابة "خراش بن امية" رضي الله عنه على ناقة الرسول وقد أخبره بأن يخبرهم بأنه أتى معتمرا ومعه الهدي ولم يأتي للحرب. وأنهم سيرتحلون بمجر انتهاء العمرة. فبدأت المفاوضات بين الرسول صلى الله عليهم وسلم وبين قريش. فكأن أول شروط الرسول صلى الله عليه وسلم أن قال: خلو بيني وبين الناس. فكأن أول من أرسلته قريش للتفاوض مع الرسول بديل بن ورقاء. فقال عليه السلام عندما رأه من بعيد: هذا رجل عاقل. وعندما أتاه "بديل" قال له الرسول عليه السلام:" يا بديل، قل لهم: إني لم آتي للحرب ولا أريد قتال أحد ولكني جئت للعمرة. وقل لهم أن قريشا أنهكتها الحرب وأضرت بمصالحها. وقل لهم ان شئتم تماددونني بمدة فقد قبلت ذلك. وقل لهم أن الصلح قائم على أن يخلو بيني وبين الناس. وقل لهم إن شئتم أن تدخلو في ما سيدخل فيه الناس من دين الله أسعد بذلك. وقل لهم إن أبو يخلو بيني وبين الناس أو يماددوني مدة فوالله الذي لا اله الا هو لأقاتلنهم" وهذا كان شرط الرسول عليه السلام الأساسي. فقال بديل: قد وعيت ما قلته يا محمد.
فعاد إلى قريش يقول لهم: أيها الناس لا تقفوا أمام هذا الرجل والله يدعوكم إلى خير الدنيا. فقال عكرمة: لا تخبرنا عنه ولكن أخبره عنا أنه لن يدخل علينا مكة عنوة فينتشر ذلك بين العرب. فقال عروة: ما هذا يا عكرمة عجبا! أترفض أن تسمع مع قاله الرجل! فقالوا: قل ما عندك. فأخبرهم بأنه يريد السلم ولا يريد الحرب. وقال: خلو بينه وبين الحرم. واني مرتحل بمن معي من خزاعة ( بديل هو قائد قبيلة خزاعة).
فأرسلت قريش مكرز بن حفص. فقال عنه الرسول عندما رآه: هذا رجل غادر. فقال له الرسول ما قاله لبديل. فعاد بدون جدوى. فأرسلت قريش الحليس بن علقمة فقال عنه الرسول عندما رآه: ذلك رجل يعظم شعائر الله أطلقوا الهدي أمامه وارفعوا أصواتكم بالتلبية. فرآ الحليس كل هذا فعاد أدراجه ويقول: يا معشر قريش أتدعون سفلة العرب يطوفون بالبيت ويمنع ابن عبد المطلب! فيأخذ قبيلته ويغادر! فلا يتبقى الا عروة بن مسعود. فيقولوا: اذهب يا عروة ففاوضه. فيقول: أفاوضه بشرط، إن فاوضته فلا تردوا كلامي. فقالوا: اذهب وفاوضه. فقال: قد نصالحه. فقالوا: اذهب وفاوضه. فدخل على الرسول عليه السلام وقال: يا محمد ما أراك جمعت إلا أوباش الناس، وأراك جئت إلى بيضتك لتقضها وتكسرها، وإني أرى قريشا قد لبست لك جلود النمور يقاتلونك حتى آخر رجل. وإني أرى هؤلاء غدا سيتحقرون عنك ويجرون في كل مكان. فشتمه ابو بكر رضي الله عنه. فذهل عروة وقال: والله يا أبا بكر لولا فضلك علي في ما مضى لرددت عليك. وخلال حديثه مع الرسول عليه السلام كان يحاول خفض روحه المعنوية من خلال شد شعر دقن الرسول عليه السلام! فيضربه بن المغيرة كلما مد يده حتى أوجعه. فقال عروة: أوجعتني! فقال النبي: ان شئت فانتظر حتى آتيك بعد الصلاة. هلم بالوضوء لي. فتوضأ الرسول وخلال وضوئه تجمع الصحابه حوله يحاولون الوضوء من ماء الرسول! فذهل عروة! وغادر المكان لقريش وقال لهم: يا معشر قريش، خلو بين الرجل وبين ما يريد! والله لقد دخلت على الملوك، دخلت على كسرى في ملكه، دخلت على قيصر في ملكه، دخلت على النجاشي في ملكه فما رأيت أحدا يعظم أحد كتعظيم أصحاب محمد لمحمد! فحاولت قريش الاحتكاك مع الرسول محاولة أخيرة قد تأتي بنفع. فبعثوا بخالد بن الوليد مع 70 يدخل 40 منهم بين المسلمين ولكن جميع الأربعين أسروا!
فيعيد عليه السلام جميع الأسرى مقيدين إلى قريش بدون أن يمسهم بأذى بالرغم من أنهم أرسلوا كجواسيس.
فأرسل لهم الرسول عليه السلام عثمان بن عفان ليخبرهم بما أخبرهم به الرسول من قبل وأنه يطالبهم بأن يماددوه بمدة. أي يعقد الصلح. فقررت قريش حبس عثمان وإيصال خبر مقتله للرسول. فقال عليه السلام: من يبايعني على الموت ونصرة رسولي عثمان! فبايعه الألف وأربع مئة صحابي كلهم. ولكن ما أن وصل أمر الحرب إلى قريش حتى خلت بعثمان عليه السلام فيستمر السلام قائما.
فتقرر قريش أخيرا الصلح ببعثهم لسهيل بن عمرو فتنجح خطة الرسول عليه السلام. فلما رأه الرسول عليه السلام قال: سهيل بن عمرو سهل الله لكم، انما أرسلوا هذا الرجل يريدون الصلح. فيجلس سهيل أمام الرسول عليه السلام ويعتذر منه عن تأخر عثمان عليه السلام وعن دخول الأربعين شخص بينهم . فقال النبي: ماذا تريد يا سهيل؟ فقال سهيل: شيء واحد لا تدخلوا علينا هذا العام وافعلوا بعد ذلك بالصلح ما تشاء. فقال عليه السلام: نعم يا سهيل، ماذا تريد يا سهيل؟ فقال: ألا تدخل مكة هذا العام، وتعود العام القادم فتدخلها مدة ثلاثة أيام فقط. فقال النبي: نعم يا سهيل. فقال سهيل: المؤمن المسلم الذي يأتيك من قريش ترده إلينا. فقال عليه السلام: نعم. قال سهيل: والمسلم من عندك لا نرده إليك. فقال الرسول: نعم. وكان المقابل هدنة بين الرسول عليه السلام وبين قريش مدة 10 سنوات. وهذا دليل على اعتراف قريش بالرسول عليه السلام.
وبعد ذلك رآي المسلمون أفواج العرب القادمة للمدينة المنورة والمعلنة عن إسلامها ،، فعلموا أن بعد نظر الرسول عليه السلام لك يكن مقتصرا على الاعتمار، بل الهدف الأعظم من ذلك وهو نشر الرسالة
... اللهم صلي وسلم على خير البرية ...
* الموضوع مقتبس من أحد أبحاثي التي قدمتها للجامعة..
قصة صلح الحديبية ،، حقا من أروع القصص التي سمعتها وقرأت عنها في حياتي:
في صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة حيث كانت قد ارتفعت مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ صوت الاسلام بالوصول الى جميع انحاء جزيرة العرب بعد غزوة الخندق. أصبحت الجزيرة العربية تملك قوتين ،، قوة المسلمين وقوة قريش. ولكن وبعد الهزائم التي تلقتها قريش، أصبحت ضعيفة غير قادرة على اكمال القتال مع المسلمين. هنا أصبح الأمر متوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد أصبحت المدينة المنورة موطن أمان لا يستطيع أحد الاقتراب منها، ولكن هم الرسول صلى الله عليه وسلم الأكبر كان ايصال الرسالة، فكأن أمام الرسول عليه السلام أحد أمرين إما السلام مع قريش أو الحرب مع قريش. لأن قريش لم تخلي بين الرسول عليه السلام والعرب. فلننظر هنا إلى تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث: قتل أولاد المسلمين وطردوا من بيوتهم ومن بلادهم، فأخذوا أموالهم وظلموهم، و أراد المسلمون الانتقام. وبالرغم من ذلك لم يختر الرسول عليه السلام الحرب، واختار السلام بدلا من ذلك!! وذلك لأن الأصل في الاسلام السلام.
فبدأ صلى الله عليه وسلم يفكر بطريقة تجعل قريش مجبورة على قبول السلام. هنا حيث يلهم الله سبحانه وتعالى رسوله عليه السلام بطريقة يجبر بها قريش على السلام،، وكان الإلهام عبارة عن رؤيا رآها عليه السلام. كانت الرؤيا أنه قد دخل صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه مكة المكرة معتمرين محلقين رؤوسهم. فأخبر عليه السلام أصحابه عليهم السلام أن يستعدوا للعمرة. تفاجأة الصحابة بهذا القرار فبعد كل هذه الحروب نذهب بكل بساطة إلى مكة لإقامة العمرة!!
انظروا إلى حكمة الرسول والموقف الحرج الذي وضع قريش فيه ،، فأي قرار تتخذه يكون لصالح الاسلام والمسلمين:
فكان أمام قريش أحد 3 أمور:
أ) منع الرسول صلى الله عليه وسلم من الدخول إلى مكة وما هو بالحل السليم لسببين:
1) لأن قريش لم تمنع أحدا أبدا من الاعتمار، فلو منعت الرسول ستفقد زعامتها الدينية في الجزيرة العربية.
2) أن المسلمين سيعلنون الحرب عليهم وهم الآن في موطن ضعف وسيتغلبون عليهم فتفقد قريش مكانتها القوية في الجزيرة العربية.
ولو فرضنا أن قريش منعت الرسول صلى الله عليه وسلم من الدخول إلى مكة فهو في هذه الحالة أيضا الرابح، لأنه انتشر في ذلك الوقت أن محمد وأصحابه متمردون خارجون عن القوانين والنظم. فلو منعت قريش الرسول عليه السلام من العمرة فستتعاطف بقية القبائل في الجزيرة العربية مع الرسول صلى الله عليه وسلم. فتبدأ الجزيرة العربية بسماع صوت المسلمين. سماع صوت الإسلام والرسالة. وهذا هو الهدف المطلوب!!!
ب) السماح للرسول صلى الله عليه وسلم الدخول إلى مكة:
وفي هذه الحالة أيضا الرسول عليه الصلاة والسلام هو الكاسب لأنه وبهذه الطريقة أيضا سيصل صوت الإسلام إلى العرب! حيث كان عليه السلام قادرا على حل المشاكل بينه وبين قريش.
ت ) منعه صلى الله عليه وسلم بعدة شروط ( إقامة صلح ):
وفي هذه الحالة أيضا يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم الرابح! لأنه في هذه الحالة أيضا سيصل صيت النبي إلى أرجاء الجزيرة بأنه استطاع اقامة الصلح مع قريش وحل المشاكل بينه وبينهم.
ففي جميع الحالات سيكون الأمر من صالح الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
وحتى لا تقول قريش أن الرسول عليه السلام خرج لمحاربة قريش فقد قرر عليه السلام وأصحابه الخروج للعمرة في أحد أشهر الحرم " والمعروف أنه لا قتال في أشهر الحرم"
فيظهر ذكاءه وفطنته عليه السلام! كما أخذ معه مسلمين وغير مسلمين، وبالتالي فإن القضية لم تعد مقتصرة على المسلمين فقط، بل بجميع العرب! !فلا تستطيع قريش التهرب من الأمر. وأخذ معه الهدي ( الأغنام ) وبالتالي تظهر مدى حسن نية الرسول !
علمت قريش بأمر قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم. فأرسلت جيشا 200 كتيبة بقيادة خالد بن الوليد لمحاولة إيقاف تقدم الرسول عليه السلام، وأوصت قريش خالدا أن يفتعل شجارا معهم، فيبدأ المسلمون بالهجوم على قريش، فتكون لقريش أحقية في الدفاع عن أنفسهم!
علم بأمر قريش عليه السلام عندما أخبروه طلحة بن عبيدة الله وسعيد بن زيد عن أمر خالد بن الوليد وبأنه ينتظره بجيشه في لباس الحرب في ذاك المكان وأن قريشا أقسمت ألا تدخل مكة أبدا حتى يموت آخر رجل منهم.
فالتف عليه السلام على من معه وقال: أشيروا علي! فيقوم أبو بكر ويقول: والله يا رسول الله ما خرجنا للقتال، ولكن خرجنا للعمرة .فإن قاتلونا قاتلناهم حتى نعتمر!
ولكن لم يكن هذا ما يريده صلى الله عليه وسلم. فقال: من منكم يدلني على طريق إلى مكة وإن كانت وعرة أتجنب به خالدا والفرسان، فأصل إلى مكة!
فيظهر أحد الصحابة فيقول: أنا أعرف أحد الطرق الوعرة جدا. ففرح الرسول صلى الله عليه وسلم فسلك الطريق الوعرة حتى وصل إلى مكان يطلق عليه الحديبية. فلم يصل خبر تغيير خط سير المسلمين إلى خالد بن الوليد حتى أن فات الأوان!
فلم تعد قريش تعرف ما تفعل. فتجمعوا في دار الندوة ( عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية وسهيل ابن عمر وبديل بن ورقاء (قائد قبيلة خزاعة) وحليس بن علقمة (قائد قبيلة الأحابيش) و عروة بن مسعود (قائد قبيلة ثقيف في الطائف) ) للتشاور عن ما يفعلون!
عند وصوله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية كان جميع من مع الرسول عطشى والتعب كان قد أخذ مأخذه. فسأل صلى الله عليه وسلم من معه: أفي حديبية بئر؟ فقالوا: بئر به ماء جفت يا رسول الله. فسأل عليه السلام: أمعنا ماء؟ قالوا: القليل جدا يا رسول الله. فقال: ائتوني به. فجيئ بالماء وتوضأ به الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أخذ يدعو ويدعو ثم قال: ألقو هذا الماء في البئر. وأخذ سهما من كنانته وقال: اغرسو السهم في قاع البئر.فغرسو السهم في قاع البئر فانفجر البئر ماء فظلوا يشربون منه مدة 20 يوم. طوال فترة جلوسهم بالحديبية.
تقرر قريش ارسال من يفاوض الرسول. ولكن الرسول سبقهم وبعث لهم أحد الصحابة "خراش بن امية" رضي الله عنه على ناقة الرسول وقد أخبره بأن يخبرهم بأنه أتى معتمرا ومعه الهدي ولم يأتي للحرب. وأنهم سيرتحلون بمجر انتهاء العمرة. فبدأت المفاوضات بين الرسول صلى الله عليهم وسلم وبين قريش. فكأن أول شروط الرسول صلى الله عليه وسلم أن قال: خلو بيني وبين الناس. فكأن أول من أرسلته قريش للتفاوض مع الرسول بديل بن ورقاء. فقال عليه السلام عندما رأه من بعيد: هذا رجل عاقل. وعندما أتاه "بديل" قال له الرسول عليه السلام:" يا بديل، قل لهم: إني لم آتي للحرب ولا أريد قتال أحد ولكني جئت للعمرة. وقل لهم أن قريشا أنهكتها الحرب وأضرت بمصالحها. وقل لهم ان شئتم تماددونني بمدة فقد قبلت ذلك. وقل لهم أن الصلح قائم على أن يخلو بيني وبين الناس. وقل لهم إن شئتم أن تدخلو في ما سيدخل فيه الناس من دين الله أسعد بذلك. وقل لهم إن أبو يخلو بيني وبين الناس أو يماددوني مدة فوالله الذي لا اله الا هو لأقاتلنهم" وهذا كان شرط الرسول عليه السلام الأساسي. فقال بديل: قد وعيت ما قلته يا محمد.
فعاد إلى قريش يقول لهم: أيها الناس لا تقفوا أمام هذا الرجل والله يدعوكم إلى خير الدنيا. فقال عكرمة: لا تخبرنا عنه ولكن أخبره عنا أنه لن يدخل علينا مكة عنوة فينتشر ذلك بين العرب. فقال عروة: ما هذا يا عكرمة عجبا! أترفض أن تسمع مع قاله الرجل! فقالوا: قل ما عندك. فأخبرهم بأنه يريد السلم ولا يريد الحرب. وقال: خلو بينه وبين الحرم. واني مرتحل بمن معي من خزاعة ( بديل هو قائد قبيلة خزاعة).
فأرسلت قريش مكرز بن حفص. فقال عنه الرسول عندما رآه: هذا رجل غادر. فقال له الرسول ما قاله لبديل. فعاد بدون جدوى. فأرسلت قريش الحليس بن علقمة فقال عنه الرسول عندما رآه: ذلك رجل يعظم شعائر الله أطلقوا الهدي أمامه وارفعوا أصواتكم بالتلبية. فرآ الحليس كل هذا فعاد أدراجه ويقول: يا معشر قريش أتدعون سفلة العرب يطوفون بالبيت ويمنع ابن عبد المطلب! فيأخذ قبيلته ويغادر! فلا يتبقى الا عروة بن مسعود. فيقولوا: اذهب يا عروة ففاوضه. فيقول: أفاوضه بشرط، إن فاوضته فلا تردوا كلامي. فقالوا: اذهب وفاوضه. فقال: قد نصالحه. فقالوا: اذهب وفاوضه. فدخل على الرسول عليه السلام وقال: يا محمد ما أراك جمعت إلا أوباش الناس، وأراك جئت إلى بيضتك لتقضها وتكسرها، وإني أرى قريشا قد لبست لك جلود النمور يقاتلونك حتى آخر رجل. وإني أرى هؤلاء غدا سيتحقرون عنك ويجرون في كل مكان. فشتمه ابو بكر رضي الله عنه. فذهل عروة وقال: والله يا أبا بكر لولا فضلك علي في ما مضى لرددت عليك. وخلال حديثه مع الرسول عليه السلام كان يحاول خفض روحه المعنوية من خلال شد شعر دقن الرسول عليه السلام! فيضربه بن المغيرة كلما مد يده حتى أوجعه. فقال عروة: أوجعتني! فقال النبي: ان شئت فانتظر حتى آتيك بعد الصلاة. هلم بالوضوء لي. فتوضأ الرسول وخلال وضوئه تجمع الصحابه حوله يحاولون الوضوء من ماء الرسول! فذهل عروة! وغادر المكان لقريش وقال لهم: يا معشر قريش، خلو بين الرجل وبين ما يريد! والله لقد دخلت على الملوك، دخلت على كسرى في ملكه، دخلت على قيصر في ملكه، دخلت على النجاشي في ملكه فما رأيت أحدا يعظم أحد كتعظيم أصحاب محمد لمحمد! فحاولت قريش الاحتكاك مع الرسول محاولة أخيرة قد تأتي بنفع. فبعثوا بخالد بن الوليد مع 70 يدخل 40 منهم بين المسلمين ولكن جميع الأربعين أسروا!
فيعيد عليه السلام جميع الأسرى مقيدين إلى قريش بدون أن يمسهم بأذى بالرغم من أنهم أرسلوا كجواسيس.
فأرسل لهم الرسول عليه السلام عثمان بن عفان ليخبرهم بما أخبرهم به الرسول من قبل وأنه يطالبهم بأن يماددوه بمدة. أي يعقد الصلح. فقررت قريش حبس عثمان وإيصال خبر مقتله للرسول. فقال عليه السلام: من يبايعني على الموت ونصرة رسولي عثمان! فبايعه الألف وأربع مئة صحابي كلهم. ولكن ما أن وصل أمر الحرب إلى قريش حتى خلت بعثمان عليه السلام فيستمر السلام قائما.
فتقرر قريش أخيرا الصلح ببعثهم لسهيل بن عمرو فتنجح خطة الرسول عليه السلام. فلما رأه الرسول عليه السلام قال: سهيل بن عمرو سهل الله لكم، انما أرسلوا هذا الرجل يريدون الصلح. فيجلس سهيل أمام الرسول عليه السلام ويعتذر منه عن تأخر عثمان عليه السلام وعن دخول الأربعين شخص بينهم . فقال النبي: ماذا تريد يا سهيل؟ فقال سهيل: شيء واحد لا تدخلوا علينا هذا العام وافعلوا بعد ذلك بالصلح ما تشاء. فقال عليه السلام: نعم يا سهيل، ماذا تريد يا سهيل؟ فقال: ألا تدخل مكة هذا العام، وتعود العام القادم فتدخلها مدة ثلاثة أيام فقط. فقال النبي: نعم يا سهيل. فقال سهيل: المؤمن المسلم الذي يأتيك من قريش ترده إلينا. فقال عليه السلام: نعم. قال سهيل: والمسلم من عندك لا نرده إليك. فقال الرسول: نعم. وكان المقابل هدنة بين الرسول عليه السلام وبين قريش مدة 10 سنوات. وهذا دليل على اعتراف قريش بالرسول عليه السلام.
وبعد ذلك رآي المسلمون أفواج العرب القادمة للمدينة المنورة والمعلنة عن إسلامها ،، فعلموا أن بعد نظر الرسول عليه السلام لك يكن مقتصرا على الاعتمار، بل الهدف الأعظم من ذلك وهو نشر الرسالة
... اللهم صلي وسلم على خير البرية ...
* الموضوع مقتبس من أحد أبحاثي التي قدمتها للجامعة..