المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ||الكنز.. صراعٌ امتد قروناً! || رواية قصيرة ||



تشيزوكو
31-8-2014, 01:30 AM
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/jpg//e5310fad9cc39b3.jpg (http://www.m5zn.com/out.php?code=15463915)




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

سعيدة بتواجدكم في القصة أو الرواية الأولى التي أطرحها هنا ^^

وفي الواقع عنونتُها برواية قصيرة لأنها أطول من القصة وأقصر من الرواية ^^"

سأطرح الرواية على شكل فصول كل بضعة أيام.. وإن شاء الله لن يطول الوقت حتى تكتمل ^^

آمل أن تستمتعوا معي بقراءتها :)


نوع الرواية: تاريخي، غموض..


ولا تهربوا يا كارهي التاريخ فكل ما هنالك هو أن أحداثها وقعت في الماضي XD

ولا أنسى التوجه بجزيل الشكر للغالية رواتي التي شجعتني على طرحها هنا ♥



http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png (http://www.m5zn.com/out.php?code=15463933)

تشيزوكو
31-8-2014, 02:11 AM
عام 1511 م

عمت أصوات الضجيج الحي كله.. صوت تحطمٍ بعيد.. خطواتٌ تهز الأرض من قوتها.. وصراخ ونداءات استغاثة متقطعة.. كانت الأصوات تقترب أكثر فأكثر.. جلس على فراشه متلحفا لا يدري أكان هو من يرتجف أم أن المنزل كله كان يهتز.. فُتح باب غرفته فجأة فكاد قلبه ينخلع من مكانه.. ولكنه عاد وهمس: أ.. أبي؟

كان والده يبدو واجما ومتوترا جدا.. وكان يمسك في يده ورقة ملفوفة بحرصٍ شديد.. اقترب من ولده.. أمسك به بقوة وقال: أنت تذكر ما اتفقنا عليه صحيح؟

هز الفتى رأسه ببطء.. فأردف والده: ممتاز.. لقد حان الوقت لتنفيذ ذلك!

شهق الطفل فزعاً وقال بصوت مبحوح: و.. ولكن..!

نظرةٌ حزينةٌ كانت تلك التي أطلت من عيني والده.. قال له بأسى: أنا آسف.. أنا حقا آسف.. ولكن لا خيار لدينا.. خذ.. احمل اللفافة وحافظ عليها جيدا.. ولا تنس.. اسمك الآن رالف.. تذكر هذا.. رالف.. أنت تعرف أين تذهب.. هيا أسرع!

لم يتحرك الفتى من مكانه.. بل وقف يحدق بوالده والدموع تنحدر من عينيه بصمت.. أمسكه والده وضمه إليه بشدة.. واستمر يردد: أنا آسف.. أنا أحبك يا بني.. أرجوك.. افعل ما طلبته منك.. لا تنس ذلك.. أرجوك..!

هز الفتى رأسه بضعف وهو يحاول عبثا كبح دموعه ونشيجه.. وأخيرا.. حمل اللفافة وخبأها تحت ثيابه.. وأسرع نحو باب المنزل وغادره جاريا..

وكلما التفت الفتى خلفه.. كان يشاهد والده.. ما زال يقف هناك.. أمام باب المنزل.. ينظر إلى ولده مبتسما.. خنقت العبرة الفتى ولكنه لم يتوقف عن الجري.. كما لم يتوقف عن الالتفات.. وبقي والده يقف مكانه مبتسما.. حتى عندما اقترب منه الدخلاء.. حتى عندما اخترقت سيوفهم جسده.. وحتى عندما سقط صريعا.. كان لا يزال مبتسما..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

عام 1809 م

كان يسير في إحدى الطرقات الرئيسية متأملا ما يحيط به.. الباعة المتجولون.. الأسواق ملونة البضائع.. الأطفال الذين يجرون حوله.. من النظرة الأولى تبدو مدينة مثالية.. مدينة سعيدة.. ولكنه يعلم جيدا عنالسر الذي تخفيه هذه المدينة.. السر الذي لا يزدهر إلا ليلا.. السر المرعب.. الذي جاء إلى هنا خصيصاً لاكتشافه..

قطع أفكاره سماعه لخطوات تقترب بسرعة.. التفت ليشاهد وجها مألوفاً.. فتح الشخص القادم فمه ليتكلم ولكنه أشار إليه أن اصمت.. صمت القادم حتى دنا كثيرا من الرجل وهمس: آسف سيدي لمجيئي فجأة..




[*=center]لا بأس.. ولكن حافظ على هدوءك فأنا لا أتجول بصفة رسمية الآن..

[*=center]آسف جدا لمقاطعتك خارج وقت عملك..
[*=center]قلت لك لا بأس.. فنحن هنا في مهمة بعد كل شيء.. والآن ما الذي أردت قوله لي؟
[*=center]هناك اجتماع طارئ..
[*=center]حادث جديد؟
[*=center]يبدو ذلك..



تنهد الرجل وتمتم: تبا للإسبان!

ثم أردف مخاطبا زميله بلهجة آمرة وهو ينطلق مسرعاً: لا يجب علينا أن نغفل دقيقة واحدة ونحن هنا.. هيا بنا لنسرع..




[*=center]نعم! حضرة الكولونيل ليموتسكي!




http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

عندما ابتعد الرجلان.. ظهر طفلان صغيران من خلف الحائط..

فتى ذو شعرٍ رمادي أشعث وعينين عسليتين لامعتين يبدو في الحادية أو الثانية عشر من عمره.. يرافقه فتى أشقر، أخضر العينين، في مثل سنه تقريبا.. تحدث الأخير قائلا: أسمعت يا ألان؟ إنهما من الجنود الفرنسيين!

هز ألان رأسه وتمتم: لقد شتمنا.. شتم الإسبان..

هز الفتى الآخر رأسه منزعجا وخصلات شعره الأشقر تتطاير مع حركته تلك وقال حانقاً: هم يغزون بلادنا ثم يشتموننا! أي منطقٍ هذا؟؟

قال ألان وهو لا يزال يتأمل الاتجاه الذي اختفى فيه الرجلان: هيي كارلوس.. ما المهمة التي كانا يتحدثان عنها برأيك؟

نظر كارلوس إلى حيث كان ينظر ألان وقال: وما أدراني؟

ثم نظر حوله بارتياب واقترب من صديقه وهمس: ربما كانا يتحدثان عن سر الليل..

وقام بحركة استعراضية عندما نطق بعبارة سر الليل، وهو ينتظر وقع هذه الجملة المخيفة على صديقه.. ولكن ألان بدا مستغرباً فقط وسأل صديقه: أي سرٍ تقصد؟؟

ظهرت أمارات الدهشة على وجه كارلوس وقال: لا تقل لي أنك لا تعرف؟؟ الجميع يتحدث بهذا حتى لو لم يقوموا بهذا علناً! ألم تسمع والدك يتحدث بهذا يوماً؟؟

أشاح ألان بوجهه متضايقاً عندما ذكر كارلوس والده وقال: لا لم يفعل..

وبدأ ألان يفكر في والده.. هو لم يسمعه يوما يتحدث عن هذا السر الذي يبدو أن الجميع يعرفه.. بل هو لم يسمعه حتى يتحدث في موضوع مهمٍ من قبل.. هو رجل كتوم جدا.. صحيح أنه يقضي وقتا طيبا معه.. ولكنه حتما يخفي الكثير من الأسرار.. مثل تلك الغرفة التي في القبو والتي يغلق على نفسه الباب فيها يوميا.. ومثل ذلك الصندوق الذي يخفيه تحت سريره ويغلقه بقفل حديدي.. ومثل خروجه المتكرر إلى مكان ما يرفض ذكره.. إن والده يتصرف بغموض كبير وهو لا يفهمه حتى..

حاول إخراج والده من تفكيره.. وعاد يسأل كارلوس: إذاً؟ ما هذا السر الذي يعرفه الجميع؟

شعر كارلوس بالإثارة وهو يقترب من صديقه ليحدثه بالسر.. وقال: إنه الشر! الشر الذي يستيقظ في الليل.. مجموعة غامضة لا أحد يعرف عنها شيئا.. تفعل أشياء مريبة في الليل! أشياء لا يعرفها أحد!

بدا عدم التصديق على وجه ألان وسأل باستنكار: وما معنى هذا؟ كيف تعرف أنهم يقومون بأشياء مريبة إذا كنت لا تعرف ما هي؟؟

صار صوت كارلوس أشبه بالفحيح الآن وهو يضيف المؤثرات على كلماته: أفعالهم تدل عليهم يا صديقي.. أفعالهم..

كان كارلوس يحفظ تقريبا الحوار الذي دار بين والده وبين أحد أصدقاءه يوما عن سر الليل هذا.. هز رأسه ببطء.. ثم قال بطريقة والده وهو يشدد على كل كلمة يقولها: يشعر الناس بقدومهم.. يسمعون أصواتهم الهامسة ليلاً.. ويحسون بخطواتهم الصامتة.. وفي المكان الذي يظهرون فيه.. يكتشف الأهالي في اليوم التالي اختفاء أحد السكان.. أو ربما حتى عائلة كاملة.. وأولئك الذين يختفون.. لا يراهم أحد بعدها.. إطلاقاً!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

أثير الفكر
31-8-2014, 02:50 AM
وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته

*^*

تشيكو ماهذا الإبداع تبارك الرحمن

جميل أن أجد و جبة أحرف بهذه اللذة مع نكهة الحماس الممزوجة بخط أريال XD



عمت أصوات الضجيج الحي كله.. صوت تحطمٍ بعيد.. خطواتٌ تهز الأرض من قوتها.. وصراخ ونداءات استغاثة متقطعة.. كانت الأصوات تقترب أكثر فأكثر.. جلس على فراشه متلحفا لا يدري أكان هو من يرتجف أم أن المنزل كله كان يهتز.. فُتح باب غرفته فجأة فكاد قلبه ينخلع من مكانه.. ولكنه عاد وهمس: أ.. أبي؟


هذه لأسطر تشبثت بأهدابي بعنف مذ لثمتها بنظراتي

بداية قوية تشد انتباه القارئ وفقت فيها يا غالية :)




وكلما التفت الفتى خلفه.. كان يشاهد والده.. ما زال يقف هناك.. أمام باب المنزل.. ينظر إلى ولده مبتسما.. خنقت العبرة الفتى ولكنه لم يتوقف عن الجري.. كما لم يتوقف عن الالتفات.. وبقي والده يقف مكانه مبتسما.. حتى عندما اقترب منه الدخلاء.. حتى عندما اخترقت سيوفهم جسده.. وحتى عندما سقط صريعا.. كان لا يزال مبتسما..


هل تخططين لقتلي :(

هذه الأسطر جعلت عيني تكاد تفارق محاجرهما و تسقط من هول المفاجأة بل إن قلبي أصبح يخفق بشدة و أصابعي تتسابق لتكتب من فورها ردًا -_-



متشوووووقة دعيني فقط ألتقط أنفاسي

هذا الطابع التاريخي و الغموض المغناطيسي و الوصف المذهل و الشخصيات الخلابة و النغمة التراجيدي - نعم تراجيدية لقد قتلتِ الأب *^* -

كلها كلها عااااالم آخر من الوسامة و الجمال


ارحميني يافتاة لا أقدر على هذا الجمال .. اسبانيا و فرنسا :( و عشقي السيوف و التاريخ XD

أظنني سأتربع هنا في أرض تحفتك و أوفر لي ماءً و زادًا لأنتظر الفصول على أحر من الجمر


هل تصدقين مذ قرأت قصصك بالفعاليتين خاصة القلم و قسم كونان

و أنا أحادث نفسي أن من الرائع لو تخط تشيكو رواية :(

وهاهو الخاطر يتربع هاهنا بحلة الابداع

أمتعتني بهذا الجمال و الآن أعلن للجميع عن مكان اقامتي الجديد في زاوية غرفتي حيث يتواجد كتاب الكنز.. صراعٌ امتد قروناً!

و يُفتح الكتاب لتبدأ الحكاية

8wq4

[ اللــيـــث ]
31-8-2014, 09:46 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. تبارك الرحمن :)
بسيطة الأسلوب .. لطيفة الطرح وعلى الرغم من " اعتيادية " اللغة فقد استمتعت بقراءتها ..
لا تحرمينا من إبداعك يا تشيزوكو .. كل التوفيق لكِ

Hercule Poirot
31-8-2014, 04:16 PM
التهمتُ الفصل الأول بصمت، وبانتظار الفصول التالية. نترك التعقيب لوقت لاحق.

كان فصلاً لذيذًا ومشوقًا!

أكل طعامكم الأبرار وصلّت عليكم الملائكة.

dete.ctive2

تشيزوكو
1-9-2014, 01:33 AM
تشيكو ماهذا الإبداع تبارك الرحمن




رواتي أتعرفين.. حتى بعد طرح الموضوع شعرت بالتوتر وكدتُ أحذفه >< ولكن كلماتك جاءت كالبلسم أسعدك الله :")



جميل أن أجد و جبة أحرف بهذه اللذة مع نكهة الحماس الممزوجة بخط أريال
XD

نعم قررت أخيرا تغيير الخط ^^ ولكنه ليس اريال بل ادوب ^^"



هذه لأسطر تشبثت بأهدابي بعنف مذ لثمتها بنظراتي

بداية قوية تشد انتباه القارئ وفقت فيها يا غالية :Smile:

^___^



هل تخططين لقتلي :(

هذه الأسطر جعلت عيني تكاد تفارق محاجرهما و تسقط من هول المفاجأة بل إن قلبي أصبح يخفق بشدة و أصابعي تتسابق لتكتب من فورها ردًا -_-


هههه يجب أن تكون البداية كذلك.. وسنعود لرالف لاحقا فلا تقلقي ; )


متشوووووقة دعيني فقط ألتقط أنفاسي

هذا الطابع التاريخي و الغموض المغناطيسي و الوصف المذهل و الشخصيات الخلابة و النغمة التراجيدي -
نعم تراجيدية لقد قتلتِ الأب *^* -

كلها كلها عااااالم آخر من الوسامة و الجمال


ارحميني يافتاة لا أقدر على هذا الجمال .. اسبانيا و فرنسا :( و عشقي السيوف و التاريخ XD

أظنني سأتربع هنا في أرض تحفتك و أوفر لي ماءً و زادًا لأنتظر الفصول على أحر من الجمر


هل تصدقين مذ قرأت قصصك بالفعاليتين خاصة القلم و قسم كونان

و أنا أحادث نفسي أن من الرائع لو تخط تشيكو رواية :(

وهاهو الخاطر يتربع هاهنا بحلة الابداع

أمتعتني بهذا الجمال و الآن أعلن للجميع عن مكان اقامتي الجديد في زاوية غرفتي حيث يتواجد كتاب الكنز.. صراعٌ امتد قروناً!

و يُفتح الكتاب لتبدأ الحكاية

8wq4

صدقا سعيدة جدا بردك الرائع رواتي ♥ وإن شاء الله ستحمل الفصول القادمة غموضا أكبر فانتظروها ^__*

تشيزوكو
1-9-2014, 01:36 AM
;3473018']وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. تبارك الرحمن :)
بسيطة الأسلوب .. لطيفة الطرح وعلى الرغم من " اعتيادية " اللغة فقد استمتعت بقراءتها ..
لا تحرمينا من إبداعك يا تشيزوكو .. كل التوفيق لكِ

نعم أفضّل الكتابة بالأسلوب البسيط عادة.. شكرا جزيلا لك..

تشيزوكو
1-9-2014, 01:37 AM
التهمتُ الفصل الأول بصمت، وبانتظار الفصول التالية. نترك التعقيب لوقت لاحق.

كان فصلاً لذيذًا ومشوقًا!

أكل طعامكم الأبرار وصلّت عليكم الملائكة.

dete.ctive2


يسعدني ذلك.. وسأكون بانتظار تعقيبكم إن شاء الله..

تشيزوكو
1-9-2014, 11:58 AM
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

توجه ألان نحو منزله وكلام صديقه لا يغادر فكره أبداً.. هل هذا حقيقي؟ أسرار غامضة تحت جنح الظلام وحالات اختفاء جماعية ومجموعة مريبة.. وماذا يمكن أن تكون هذه المجموعة؟ مجرمون؟ عصابة ما؟ ما الذي يريدونه بالضبط؟



لقد تأخرت..


تفاجأ ألان بالصوت الذي قطع عليه تفكيره.. رفع بصره ليشاهد والده يقف أمام الباب.. لقد وصل إلى المنزل دون أن يشعر من شدة انشغال عقله.. رد ببساطة: كنت مع كارلوس..



حاول أن تخفف من احتكاكك بالآخرين.. ليس عليك أن تطيل البقاء معه.. أخبرتك بهذا سابقا، ألم أفعل؟


اكتفى ألان بهز رأسه ودخل المنزل متجاوزا والده.. دائما يتصرف والده بهذا الشكل.. هل يريد أن يعزله عن العالم كما يعزل نفسه؟

دخل الوالد المنزل وأغلق الباب وراءه.. قال بعد صمتٍ قصير: ألان.. تعال يا بني..

التفت ألان وأطاع والده دون أن يُظهر أي تعبير على وجهه.. تنهد الوالد وارتخت ملامحه المتصلبة عادة وقال: ألان.. حدثني عن نفسك وعن أصدقائك وما تفعلونه.. تعال اجلس هنا..

جلس ألان إلى جوار والده.. يحب والده مثل هذه الجلسات.. ولكنها في الواقع لا تفيد كثيرا.. فهو يحيط نفسه بجدار من الغموض.. جدار غير مرئي يمنع ألان من الوصول إليه..

فكر ألان.. لم لا أخبره عن سر الليل؟ ربما يتحدث معي في الموضوع أكثر.. كأي والدٍ آخر..

تنحنح قليلا ثم قال: حسنا.. أخبرني كارلوس اليوم عن أمرٍ سمع والده يتحدث عنه..



حقا؟ ما هو؟


بدا الوالد سعيدا فهذه أول مرة يبدأ فيها ألان موضوعا بنفسه.. تابع ألان وقد بدأ يتحمس لرواية هذا الأمر المثير: إنه سر الليل..! مجموعة غامضة يتجولون في الأرجاء.. وكلما مروا من مكان ما حدثت حوادث اختفاء غامضة هناك! لا أحد يعرف ما.....

توقف ألان عن الحديث فجأة بعد أن لاحظ النظرة المرعبة التي علت وجه والده.. تجمدت الكلمات في حلقه.. وقف والده وصاح والشرر يكاد يتطاير من عينيه: إياك أن تتحدث عن هذا الموضوع مجدداً! ولا أريدك أن ترى كارلوس هذا بعد اليوم! أفهمت؟!

لم يحر ألان جوابا سوى الصمت الأليم.. فغادر الوالد المنزل ضاربا الباب خلفه بقوة..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

جلس رجل أشقر يرتدي زيا عسكريا على أريكة مريحة بجوار باب ضخم مغلق.. دخل رجل آخر بزي مماثل الحجرة.. ولما رأى زميله الجالس هتف: دي ليل! أراك قد عدت يا فتى! هل وجدت الكولونيل؟

رفع الضابط دي ليل بصره نحو الرجل القادم وأجاب باقتضاب: أجل.. إنه في الاجتماع الآن.. فلا ترفع صوتك دانييل..



ما بالك مكتئبا هكذا يا رجل؟ إنهم دائماً يجتمعون للأمور المهمة ويتركوننا نحرس حولهم وكأننا لا شيء!






لا تكن أحمق دانييل! كل يعمل حسب رتبته.. وإذا أديت عملك جيدا قد تنجز أمرا لم كان باستطاعة من هم أعلى منك رتبة إنجازه! وأيضا لا يمكنك الاستمرار بالمزاح واللهو هكذا! ألا تعرف أن أحد رجالنا قد قُتل بالأمس؟





حسناً حسناً هوّن عليك.. لا داعي لكل هذا الانفعال! ولكن حقاً ما الذي نفعله هنا بالضبط؟ أنا أريد فقط العودة إلى فرنسا.. أفتقد عشب فرنسا ونهر فرنسا وهواء فرنسا ورائحة فرنسا! آه يا رجل! إن العيش في هذه البلد أو الموت فيها سواء..



تنهد دي ليل وقال: أعرف.. أعرف هذا دانييل.. وأنا أحن إلى منزلي الصغير.. ووالدتي العجوز التي تحيك قرب المدفأة.. تبقى ساهرةً حتى أعود مهما كنت متأخرا.. لأشتم رائحة الخبز الطازج الساخن فور دخولي.. دائما يكون قد خرج للتو من الفرن عندما أعود.. وعندما أسألها كيف عرفت بموعد قدومي تحديدا تجيب ببساطة: قلب الأم يعرف!

صمت دي ليل وأغلق عينيه مستعيداً صوراً من حياته صارت مجرد ذكريات قبل أن يشعر بذلك حتى.. أطلق دانييل تنهيدة طويلة وقال بألم: ستجعلني أبكي دي ليل!

فتح دي ليل عينيه فجأة ونظرةٌ صارمة تطل منهما وقال بحزم: ولكنني هنا الآن لدي مهمة حقيقية.. مجرمو الليل هؤلاء.. علينا أن نجدهم! لقد أعلنوا الحرب علينا عندما بدأوا بقتل رجالنا الذين يتحرون عنهم.. أن نفقد كل يوم أحدنا هو أمر لا يغتفر! أنا لن أغفر لهم ما فعلوه برفاقنا ولا حتى ما فعلوه بأبناء جلدتهم من الإسبان! أقسم أني سأجدهم! وستشهد ذلك يا دانييل! ستشهد ذلك!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

فُتح باب غرفة الاجتماعات فجأة.. فانتصب كلٌّ من دي ليل ودانييل واقفَين ومؤديين للتحية العسكرية.. مر من أمامها المارشال سولت.. الحاكم العسكري لمدريد.. فازداد انتصابهما.. وبدأ كبار الضباط يتوافدون خارجين من القاعة.. وغادروا جميعا الحجرة ولم يبق سوى الكولونيل ليموتسكي يقف بهدوء إلى جوار الضابطين.. استرخى الضابطان الآن ووقفا باعتدال..

تحدث الكولونيل قائلا: كم يسرني أن أرى اثنين من رجالي هنا.. يبدو أنكما من أشد المخلصين لقضيتنا..

تحدث دي ليل قائلاً: لنا الشرف بذلك حضرة الكولونيل..



إذاً.. هل من أخبار جديدة؟


كان دانييل هو من أجاب هذه المرة قائلا: وصلنا رسولٌ من الراهب ماثيو.. وهو يريد مقابلتك سيدي..



الراهب ماثيو كبير رهبان دير الديوان الإسباني.. أمر مثير..





ولكنه لا يكن لنا أي عداء حضرة الكولونيل..





أعرف ذلك.. الرهبان ذوي طبيعة سمحة.. ولكنهم يجندون حراسا لديرهم ليدافعوا عنه باستماتة.. لا.. لا تحكم على ظواهرهم يا دانييل.. علينا أن نكون دائمي الحذر.. أعتقد أنهم حلفاء لنا في هذه المرحلة فقط.. فهناك نقاط تلتقي فيها مصالحنا..




قال دي ليل متأملاً: نحن وهم نسعى للتخلص من الشيء نفسه.. ونسعى لكشف غموض السر نفسه.. لذا قرروا التحالف معنا..

هز الكولونيل رأسه وتمتم: أجل.. أجل دي ليل.. إنه سر الليل..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

أغلق ألان على نفسه في غرفته مبكرا هذه الليلة.. وعندما سمع صوت فتح الباب مؤذنا بعودة والده اقترب من باب غرفته.. وألصق أذنه به.. وبدأ يسترق السمع باهتمام بالغ..

سمع صوت والدته تقول: مرحبا بعودتك.. لقد عدت مبكرا اليوم..



أجل.. أين ألان؟





لقد ذهب إلى فراشه باكرا..






حقا؟


تنهد الوالد بعمق ثم قال: أعتقد أني والدٌ سيء.. ربما ما كان علينا أن نحضر ألان إلى هذا العالم من الأساس..



ما الذي تقوله؟ أنت تعلم أن الأمر ليس بيدنا.. ما زال ألان صغيرا.. ومن الصعب عليك أن تخبره بالكثير من الأشياء..





أجل.. ربما سأخبره قريبا.. أعتقد أنه كبير بما يكفي ليعرف..




أوه.. هل تعتقد هذا حقا؟ أليس الوقت باكرا؟



كانت هنالك نبرة خوفٍ في صوتها.. ولكن الوالد أجاب بثقة: لا أريد حتى أن أناديه بألان أكثر من هذا! إنه واعٍ بما فيه الكفاية ليواجه الواقع! على العموم سنتحدث في هذا الأمر لاحقا.. علي الذهاب الآن..



ولكنك عدت لتوك!



ثم تابعت همساً: أهو اجتماعٌ آخر؟



أجل.. لا بد من ذلك.. يبدو أن هنالك معلومات جديدة..





هل يجب أن تذهب حقا؟


مرت فترة من الصمت أعقبها صوت الوالد الذي يقول بهدوء: أجل.. يجب أن أذهب.. ما حفظناه لقرون.. لن يضيع الآن..

استطاع ألان أن يسمع بعدها صوت إغلاق الباب معلنا مغادرته للمنزل..

شعر ألان بعبارات والده تختلط في رأسه دون معنى.. حقيقة مخفية..؟ اسم مزيف..؟ اجتماع سري..؟ قرون طويلة..؟ ما معنى كل هذا؟؟

لم يسعفه الوقت للتفكير أكثر.. فجسده بدأ بالتصرف من تلقاء نفسه.. تسلل من غرفته بهدوء.. تأكد أن والدته لا تراه.. وغادر المنزل بلا صوتٍ تقريبا.. نظر حوله.. فلمح والده يختفي خلف أحد المنعطفات.. فانطلق يتبعه دون أن يلاحظه..

عبر الوالد عدة منعطفات وطرق فرعية متشابكة.. وكاد ألان يفقد أثره أكثر من مرة.. وأخيرا توقف الوالد أمام منزل صغير.. نظر حوله.. ثم طرق الباب بخفوتٍ شديد.. أطل رأسٌ من خلف الباب لم يستطع ألان تمييزه بسبب الظلام.. همس صوتٌ ما: لقد تأخرت..



هل وصل الجميع؟






أجل..






معلوماتٌ جديدة؟






أجل..





إذاً لنبدأ حالاً..



واختفى الوالد داخل المنزل.. وابتلع الصمت أصواتهم..

http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

أثير الفكر
1-9-2014, 12:23 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ما أحوالك يا فتاة ؟

جزء لطيف ملييييء بالغموض غير أنه قصير *^*

لكن التمست في أسلوبك شبهًا لغموض منذر قباني xD

وهذا مديح و ليس ذمًا ، ألان أتراه يملك اسمًا آخر حقًا ؟ و هل لوالده علاقة بالجماعة السرية لذا غضب من سؤال ابنه عنها ؟

غموضك موفق كما أسلوبك :")

أتطلع للقادم و الذي سيكون أطول بلا شك XD

دمت بخير :"""")

تشيزوكو
1-9-2014, 10:44 PM
كتعويض عن قصر الفصل السابق.. فصلان معاً هذه المرة وفي نفس اليوم ^^ أتمنى لكم قراءة ممتعة :)


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png



[*=center]مرحبا بك أيها الراهب ماثيو..




كان هذا الكولونيل ليموتسكي مرحبا بزائره الإسباني.. كان بالإمكان استشعار التوتر الذي يسود الجو رغم الألفة واللطف الظاهرَين في التعامل.. فقد كان هنالك اثنان من حرس الدير الخاص يرافقان الراهب ماثيو..

تحدث الراهب بصوته الهادئ قائلا: بل شكرا لك أيها الكولونيل لأنك وجدت وقتا لهذا اللقاء..




[*=center]لا بأس أبدا.. فأنا أعرف أن مصالحنا مشتركة.. تريد التحدث عن مجرمي الليل صحيح؟



بدا الراهب مندهشا قليلا لدخول الكولونيل في صلب الموضوع مباشرة.. لكنه عاد إلى هدوءه بسرعة وأجاب: نعم أيها الكولونيل.. أنت شخص عملي جدا..




[*=center]إذا ما الذي لديكم من معلومات يمكنكم أن تساعدونا بها؟



هز الراهب ماثيو رأسه بأسى وقال: أخشى أنها ليست بالشيء الكثير.. حوادث الاختفاء تزداد ولا دليل لدينا مطلقا.. كم يؤسفني أن يحدث مثل هذا الأمر في إسبانيا الحبيبة..

بدأ الدمع يتجمع في عيني الراهب.. ولكنه تمالك نفسه وتابع: أريد أن أعرف ما تنوون عمله في مواجهة هذا الإجرام.. سمعت أنكم بدأتم تفقدون عددا من رجالكم كذلك.. إن هذا يؤسفني حقا..



[*=center]ليسوا مفقودين بل قتلى.. نجد جثثهم ملقاة في الطرقات حيث كان من المفترض أن يتحرَّوا عن هؤلاء المجرمين..






[*=center]كم يؤسفني حدوث ذلك لكم وأنتم الذين تحاولون المساعدة فقط..



بدا الألم جليا في تعابير الراهب وهو يقول: لن يلومكم أحد إذا تخليتم عن هذه القضية.. فنحن رهبان الدير مستعدون لدفع حياتنا ثمنا لجلب السلام لإسبانيا..

نظر الكولونيل إلى الحارسين المرافقين للراهب وكاد يقول: طبعا فأنتم تملكون جيشا صغيرا هنا.. ولكنه تراجع في آخر لحظة وقال بدلا من ذلك: لا عليك أيها الراهب ماثيو.. نحن نرى هذا جزءا من مسئوليتنا أيضا..

رد عليه الراهب: ممتن لهذا حقا..

ساد الصمت قليلا في الغرفة الكبيرة.. ثم نهض الراهب ماثيو فجأة وقال: علي الانصراف الآن.. فليبارك الله أعمالكم..

وخرج الراهب مع مرافقَيه بهدوء كما دخل..

التفت الكولونيل إلى دي دليل ودانييل اللذين حضرا الاجتماع.. وقال: لم يقل شيئا آخر.. شعرت وكأنه كان يريد أن يقول لنا أن ندع قضايا إسبانيا للإسبان وألا نتدخل نحن الفرنسيين بها..

ثم هز رأسه وتابع: هذا لن يحدث فهؤلاء القساوسة يعتقدون أنهم قادرون على فعل كل شيء بمفردهم ولكنهم لم يتمكنوا من معرفة شيء عن جرائم الليل هذه.. هم مجرد تماثيل تقف أمام الناس وتردد أنها هنا لإنقاذ أرواحهم دون أن تفعل شيئا من ذلك في الواقع!

أما في الخارج فكان الراهب ماثيو يراجع في رأسه الحوار الذي دار بينه وبين الكولونيل.. ثم تنهد بتعب وقال لمرافقَيه: هيا يا أبنائي.. أمامنا عمل كثير..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

في غرفة مظلمة لا تضيئها سوى الشموع.. جلس مجموعة من الرجال تتراقص ظلال لهب الشموع على وجوههم فيبدون كمخلوقاتٍ أسطورية خرجت من العدم.. كانوا يتحدثون بهمسٍ كالأشباح..

قال أحدهم: وصلتنا معلوماتٌ جديدة.. لن تصدقوا من كان التالي..

رد عليه صوت منخفضٌ مخيف كأنه قادمٌ من أعماق الكهوف: من هو؟




[*=center]إنه فينسنت..



بدأ الهمس يرتفع فجأة ويتداخل مع بعضه:

....فينسنت؟

.... تقصد عائلة فينسنت الشهيرة؟

....من كان ليصدق هذا؟

....هل سيكونون الهدف التالي؟

تنحنح صاحب الصوت العميق فساد الصمت مجددا.. ثم خرج صوته البعيد قائلاً: هل المعلومات مؤكدة؟




[*=center]أجل بالتأكيد..







[*=center]إذاً فقد حُسم الأمر.. هدفنا التالي هو فينسنت!




http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

جلس ألان يرتجف في ظل أحد المنازل.. كان الجو باردا ومخيفا.. وقد طال اجتماع والده ذاك.. شتم ألان نفسه في سره على تهوره.. فها هو الآن وحيد وخائف في الظلام.. لا يجرؤ على الدخول خلف والده.. ولا يعرف كيف يعود إلى المنزل!

سمع أصواتا تقترب من البعيد.. فانكمش على نفسه أكثر.. ودفن وجهه خلف ركبتيه وضمهما نحوه بشدة.. لم يرد أن يسمع أو يرى شيئا.. شعر بالدموع تتجمع في مقلتيه.. ثم أحس بدفءٍ غريب.. دفء شخص ما يقف أمامه مباشرة ويغطيه بظله.. لم يجرؤ على رفع رأسه أو التحرك مطلقا..

ولكنه سمع صوتاً خرج فجأةً من أعماق الصمت: ألان؟؟

وعند تمييزه للصوت رفع رأسه فجأة ليرى والده يقف أمامه مندهشا..

الشعور بالأمان الذي غمر كل ذرةٍ في جسد ألان فاق خوفه من غضب والده.. فانسابت الدموع من عينيه.. وتحشرج صوته بالأنين الصامت.. ثم ألقى بنفسه على والده واحتضنه باكيا..

كان الوالد لا يزال مندهشا وقلقا.. ربت على رأس ألان وسأله: ما الذي تفعله هنا بالضبط؟

ولكن ألان لم يجب.. ازداد القلق المرتسم على ملامح الأب وهو يسأل: هل كنت تتبعني؟

هز ألان رأسه بالإيجاب دون أن يرفع وجهه لينظر في عيني والده.. سأل الوالد بقلق أكبر: وهل سمعت شيئا؟

هز ألان رأسه نافيا هذه المرة.. ساد الصمت طويلا ثم أطلق الوالد تنهيدةً وقال: هيا بنا إلى المنزل..

وهكذا فقد سارا معاً نحو المنزل بصمتٍ تام..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

عام 1511 م

وقف رالف يلهث خلف جدارٍ متهالكٍ لمبنى مهجور.. كل ذرةٍ في جسده كانت ترتجف بلا توقف.. وكلما تذكر صورة والده المسجى أرضاً انتفض بشدة وازداد ارتجافه.. لم تعد ساقاه تقويان على حمله أكثر.. فانهار على الأرض وبدأ يبكي ويشنج بصوتٍ مكتوم..

حاول منع صوته من الخروج ولكن صوت شهقاته بدأ يعلو أكثر.. لماذا يحدث له كل هذا؟ تمنى حقا أن يستيقظ ليجد أن هذا مجرد حلم.. ولكن لا.. لقد أصبح رالف الآن.. لقد أخبره والده بهذا سلفاً.. أخبره عن مصيرهم.. وعن المهمة التي سيكون عليه القيام بها.. المهمة الخاصة التي لا يمكن أن يقوم بها أحدٌ غيره..

تحسس اللفافة تحت ثيابه.. بدأ يمسح دموعه بظاهر كفه، ولكن الدموع لم تتوقف عن السيلان..




[*=center]توقفي.. توقفي..



كان يتحدث إلى نفسه بصوت مكتوم ويائس.. استطاع أخيراً أن يوقف شهيقه ونشيجه.. إنه يحمل كنزاً عظيماً.. كنزاً ضحى والده بنفسه لأجل إنقاذه.. كنزاً سيكون عليه إيصاله بسلام إلى المكان المطلوب.. هذا ليس وقت الانتحاب.. يجب أن يتحرك..

وبصعوبةٍ بالغةٍ وقف.. أغمض عينيه وحاول أن يزيل من تفكيره كل شيءٍ لا يتعلق بإيصال هذه اللفافة سالمة.. فتح عينيه وقد هدأ قليلاً.. أخذ نفساً عميقاً وعاود التحرك.. كانت ندفات من الثلج قد بدأت في التساقط في تلك اللحظات..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

عام 1809 م

بالكاد استطاع ألان النوم في تلك الليلة.. فبعد أن زال عنه خوف مغامرته الليلية تلك.. بدأ خوفٌ آخر يغزو قلبه.. ما الذي سيقوله والده؟ لا شك أنه غاضب عليه كثيرا.. هل سيعاقبه يا ترى.؟.

لذلك كان متوترا جدا عندما حل الصباح.. فتح باب غرفته ببطء.. وأطل منه برأسه أولاً.. ثم خرج يسير بهدوء وبالكاد تلامس قدماه الأرض.. وكم كانت دهشته كبيرة عندما رأى حقيبة كبيرة متربعة وسط غرفة المعيشة..

بقي يحدق فيها دون فهم.. ثم أطلت أمه نحو الغرفة وقد ارتدت ثياب خروجها كاملة..



[*=center]أوه هل استيقظت يا ألان؟ إفطارك معد.. هيا أسرع بتناوله يا عزيزي..



كانت تتحدث بصورة طبيعية تماما.. نظر إلى ثيابها مجددا ثم إلى الحقيبة.. وبعد تردد سأل: هل.. هل سنخرج اليوم؟

وببساطة أجابت أمه: نعم..

مرت لحظات قصيرة من الصمت.. ثم تحدثت والدته مجدداً وقالت: حبيبي ألان.. أنا سأذهب لقضاء بضعة أيام في منزل جدك.. أما أنت فسترافق والدك في رحلة ربما تطول قليلاً.. لذلك كن ولداً مطيعاً اتفقنا؟

شعر ألان بقلبه ينقبض.. وبالكاد استطاع إخراج صوته ليسأل: إ.. إلى أين سنذهب؟؟

وهنا ظهر والده من خلف والدته.. بأكتافه العريضة.. وشعره الرمادي الكث.. وعينيه العسليتين اللامعتين.. في الواقع كان ألان يكاد يكون صورةً مصغرةً عن والده..

تحدث والده وقال: سنذهب في زيارة.. ولكن المسافة ستكون طويلة..

فتحت الأم فمها لتقول شيئا ولكنها غيرت رأيها واكتفت بالصمت..

قال الوالد مجددا: أسرع إلى المطبخ وتناول إفطارك فنحن سنخرج حالاً..




[*=center]من الذي سنزوره؟



صمت الوالد قليلا.. رافق ولده إلى المطبخ ثم أجابه أخيرا: سنزور العم فنسنت!

وبعد أن اختفيا داخل المطبخ.. تهالكت الأم على ركبتيها وغطت فمها بيدها لتمنع صوت بكاءها الذي كتمته طويلا من الخروج..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

خرج ألان من المنزل برفقة والده الذي لم يكن يحمل سوى حقيبة صغيرة فوق كتفه.. كانت هذه التطورات المفاجئة قد أنسته موضوع مغامرته الليلة تماما.. كان عقله مشغولا بهذه الزيارة المفاجئة..

هناك علاقةٌ غريبةٌ تربط عائلته بعائلة العم فنسنت.. مع أن عائلة هذا الأخير غنية ومشهورة.. بينما عائلته هو عادية ومغمورة.. فما الذي صنع هذه العلاقة العجيبة بين العائلتين؟؟

كان والد ألان يصف العم فنسنت أحيانا بـ"والده الروحي" دون أن يفصح عن سبب ذلك.. وكانوا يزورونه أحياناً –وإن كانت تلك الأحيان قليلةً جداً- رغم أنه يعيش بعيداً خارج حدود المدينة..

ولكن لم هذه الزيارة المفاجئة دون سابق تخطيط؟ ولماذا هو ووالده فقط؟ والأهم من هذا كله.. لماذا بالضبط يذهبان سيراً على الأقدام؟؟!!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

طال المسير بألان ووالده.. كانا يقطعان طرقاً وعرةً وملتوية.. واشتد التعب بألان بعد سيرهم لساعات طوال.. فقرر والده أخيرا أن يستريحا.. جلسا تحت ظل شجرة على جانب الطريق.. وأخرج الوالد زجاجة ماء ناولها لألان الذي بدأ يشرب بتعطش شديد..

تأمل الوالد ألان وفي عينيه نظرةٌ حزينة.. تحدث بعد صمتٍ دام دقائق قائلا: عزيزي ألان.. هنالك أمر خطير لا تعرفه.. ولكنك حقا يجب أن تعرفه.. أعني.. لا يمكنك الاستمرار بعدم معرفته! يا إلهي.. ما الذي أقوله..!

بدا الوالد مشوشاً ومضطرباً وهو يمرر يده بارتباك في مقدمة شعره.. مما أثار اهتمام ألان وقلقه.. فهذه أول مرة يرى فيها والده بهذه الحالة..

تحدث الوالد مجددا ولكن ببطء وبتركيز أكبر وهو يحدق في الفراغ أمامه: أنا لا أدري كيف أشرح لك الأمر تحديدا.. فأنت كبرت على الحقيقة التي تراها دون أن تعلم أنها كلها مجرد وهم! أوه.. عزيزي ألان..

واستدار فجأة لينظر في عيني ألان مباشرة: سنتحدث عندما نصل إلى العم فينسنت.. فربما تفهم الأمر بسهولة أكبر عندها.. ولكني أريدك أن تعلم جيدا أنك تبقى أنت وإن تغيرت الأسماء والظروف.. وأريدك أن تعلم أني أحبك.. أحبك حقا.. وسأبقى أحبك مهما حدث!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png




[*=center]القمر جميلٌ الليلة!



قالها دانييل وهو يحدق إلى البدر المكتمل المتربع في كبد السماء.. يقولون أن الدماء تنشط حين يكتمل البدر.. ابتسم دانييل لنفسه عندما فكر بهذا وتمتم: إنني أهذي..

ثم قال بصوتٍ مرتفع وابتسامةٍ عريضة: لا بدر كبدركِ يا فرنسا! لا بدر كبدرك!

اختفت ابتسامته فجأة وتابع سيره وحيدا في الطريق.. ما الذي يفعله هنا؟ لقد تم تجنيده ضمن ضباط الحملة الفرنسية على إسبانيا ولكنه لم يرغب بهذا يوماً.. كل ما رغب به هو البقاء على أرض فرنسا وتحت سمائها.. وبعدها لن يهمه شيءٌ في هذه الدنيا.. ولكن ما خفف عنه قليلاً هو وجود صديقه دي ليل إلى جانبه.. فكر دانييل بأن دي ليل وإن كان جادا أكثر من اللازم وصريحاً أكثر من اللازم كذلك إلا أنه يبقى صديقا جيدا! صديقا حقيقيا!

وعندما وصل بأفكاره إلى هنا قرر المرور بسكن صديقه ليسهر معه الليلة ويحدثه بحنينه إلى فرنسا.. سيغضب منه حتما لمجيئه في هذه الساعة المتأخرة.. وربما يهزأ منه بلسانه السليط.. ولكنه بالتأكيد لن يطرده وسيستمع إليه بصبر.. ابتسم دانييل وهو يفكر بهذا ولم يلحظ الظلال الخفية التي كانت تقترب منه..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


كان ألان يرتجف برداً وخوفاً وهو متعلق بكم والده النائم.. لماذا ينامان هنا في هذه الأحراش؟ لقد كان في كلام والده اليوم ما يكفي من الخوف.. فلماذا يزيد ذلك الآن بالمبيت في العراء حيث البرد القارس وعواء الذئاب المرعب؟!

وانطلق هنا عواء ذئبٍ جديد فانكمش ألان على نفسه أكثر وازداد تعلقه بوالده، ففتح الوالد عينيه وقال وهو يقمع تثاؤبه: ما الأمر يا ألان؟ لمَ لم تنم بعد؟ ألم تكن متعباً من السير طيلة اليوم؟




[*=center]ا.. الجو بارد..!



ولم يتمكن من الاعتراف لوالده بالرعب الذي يشعر به! نهض والده وقال: ولكنك ترتدي معطفاً ثقيلاً! لا بأس إذاً.. خذ هذا..

ونزع معطفه الصوفي ووضعه حول ألان قائلا: هذا سيُشعرك بالدفء.. هيا نم الآن..

واستلقى الوالد مجدداً.. نظر ألان إلى والده النائم بقميص خفيف.. فشد عليه المعطف أكثر.. وشعر بالدفء يغمره.. لم يكن هذا دفء المعطف.. بل كان دفئا من نوع آخر.. دفئاً نابعاً من أعماقه.. شعر ألان بالأمان.. واستلقى إلى جوار والده.. ويده متشبثةٌ بطرف قميصه..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

عندما انعطف دانييل في أحد الطرق الفرعية.. استطاع أن يلمح الظل الذي يتبعه.. بدأ يتوتر.. إنه لا يحمل سلاحه!

حاول أن يسرع بخطواته أكثر.. ولكنه بدأ يسمع الوقع الخافت للخطوات المتسارعة خلفه.. اثنان؟ أو ربما ثلاثة؟ لكنهم بالتأكيد أكثر من واحد.. ولو كانوا مسلحين بالبنادق فستكون هذه هي النهاية حتماً! انعطف مجدداً محاولاً تضييع ملاحقيه ولكنهم كانوا أقرب من أن يضيعوا فقد انقض أحدهم عليه بقوة طارحاً إياه أرضاً..

كان المهاجم يحمل سكيناً ويحاول جاهداً غرزها في صدر دانييل.. وكان دانييل يصدّ الذراع الممدودة نحوه بكل ما أوتي من قوة..

أفلتت من بين شفتيه شتائم عديدة.. ركل مهاجمه بقدمه فأبعده عنه.. ولكن ظلين آخرين هاجماه مجدداً.. ثبتاه تماماً بالأرض..

لم يعد يقوى على التحرك.. لمح البدر المتربع وسط السماء.. تأمله للمرة الأخيرة ثم همس: حقاً.. لا بدر كبدركِ يا فرنسا!

شعر بشيءٍ ساخنٍ يخترق جسده.. وأظلمت الدنيا في عينيه..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

Hercule Poirot
2-9-2014, 09:45 AM
فصل مشوّق أكثر من سابقه، وقد أعجبتني فكرة التقافز الزمني بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر. أعترف أن أحداث الرواية أثارت فضولي حول تلك تلك الحقبة، فأسرعتُ أقرأ عن حملة فرنسا على إسبانيا والبرتغال وتدخلات نابوليون في أمور الحكم الإسباني.

dete.ctive2

أثير الفكر
2-9-2014, 12:39 PM
ليس فقط مشوق بل خيالي تبارك الله

أفكارك خلابة و غير متوقعة ..

و هذا ملتمس من قصصك السابقة و حتى هذه

أتطلع للقادم بشوق .

+

ثقافتك التاريخية يُشاد إليها بالبنان تبارك الله ~

و أتمنى سخاء كهذا - فصلان بيوم واحد - XD

أثير الفكر
4-9-2014, 05:59 PM
أين الفصل ؟

:(

Hercule Poirot
4-9-2014, 07:48 PM
^
من تعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه...
ومن تعجل الشيء بعد أوانه، عوقب بإشراكه في صنع بنيانه (في تأليفه يعني) :icon100:

dete.ctive2

أثير الفكر
4-9-2014, 07:56 PM
ومن تعجل الشيء بعد أوانه، عوقب بإشراكه في صنع بنيانه (في تأليفه يعني)

لا الحمد لله مكتملة :)

لذا أطلب التتمة فأنا أعرف معاناة التأليف XD

تشيزوكو
4-9-2014, 09:28 PM
فصل مشوّق أكثر من سابقه، وقد أعجبتني فكرة التقافز الزمني بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر. أعترف أن أحداث الرواية أثارت فضولي حول تلك تلك الحقبة، فأسرعتُ أقرأ عن حملة فرنسا على إسبانيا والبرتغال وتدخلات نابوليون في أمور الحكم الإسباني.

dete.ctive2


شكرا جزيلا لمتابعتك وتعليقاتك هنا، سعيدة حقا بذلك..

نعم هي حقبة تاريخية مثيرة من أكثر من ناحية.. سأشير إلى هذا في نهاية الرواية إن شاء الله..



ليس فقط مشوق بل خيالي تبارك الله

أفكارك خلابة و غير متوقعة ..

و هذا ملتمس من قصصك السابقة و حتى هذه

أتطلع للقادم بشوق .

+

ثقافتك التاريخية يُشاد إليها بالبنان تبارك الله ~

و أتمنى سخاء كهذا - فصلان بيوم واحد - XD


شكرا جزيلا رواتي ^^

حقا تسعدني كلماتك دوما ♥



مكاني

بانتظارك عزيزتي.. سعدت حقا بتواجدك هنا



^
من تعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه...
ومن تعجل الشيء بعد أوانه، عوقب بإشراكه في صنع بنيانه (في تأليفه يعني) :icon100:

dete.ctive2


لا الحمد لله مكتملة :)

لذا أطلب التتمة فأنا أعرف معاناة التأليف XD


أعجبني الاقتراح XD

هي شبه مكتملة في الواقع ^^" بإمكاني إنهاؤها بسرعة فهي مكتملة في رأسي ولكن الدوامات وما تفعل ><

سأضع الفصل حالا :) وربما أضع آخر غدا لأن فصل اليوم ليس طويلا ^^

تشيزوكو
4-9-2014, 09:51 PM
شعر ألان بأن العالم كان يهتز يمنةً ويسرة.. ولكنه ما إن فتح عينيه حتى أدرك أنه هو من كان يهتز بفعل يد والده التي تحاول إيقاظه.. نهض وهو يفرك عينيه متعجبا كيف تمكن من النوم في أجواء الليلة الماضية المخيفة..

كان الصباح قد حلّ الآن.. أراد ألان أن يبدي اعتراضا على هذا النهوض المبكر ولكن وجه والده القلق أسكته.. ناوله والده شطيرة من حقيبته وقال: خذ.. وهيا أسرع بالنهوض.. سنأكل ونحن نمشي..

فتح ألان عينيه على اتساعهما متسائلاً: سنعاود المسير الآن..؟

نظر الوالد إلى الطريق الممتد أمامهم ونظرة القلق لا تفارق عينيه: نعم.. علينا أن نسرع فلم يبق أمامنا الكثير..... علينا حقاً أن نسرع..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png



وقف دي ليل مشدوهاً أمام التابوت الماثل أمامه.. لم يستطع أن يصدق عينيه.. لم يستطع أن يصدق أن دانييل الممتلئ بالمرح والمتعة كان مسجىً أمامه الآن.. جسداً بلا روح.. لم ينطق بكلمة.. لم يحرك ساكناً.. بل لم يستطع حتى التفكير بأي شيء..

كان الضباط المتواجدون في القاعة يشيحون جميعا بوجوههم عنه بحزن.. تقدم أحدهم أخيرا وقال بعد تردد: علينا أن ننقله الآن أيها الضابط دي ليل..

لم تصدر عن الضابط دي ليل أية حركة أو حتى همسة.. فأشاح المتحدث بوجهه عنه بأسى وأشار إلى الضباط أن انقلوه.. تقدم الضباط وحملوا التابوت خارج القاعة بينما بقي دي ليل واقفا في مكانه محدقاً في المكان الخالي الذي خلّفه التابوت..

خلفه وقف الكولونيل ليموتسكي.. وفي عينيه نظرةٌ هي مزيجٌ من الحزن والرغبة في الثأر.. تهاوى دي ليل فجأة على ركبتيه وبدأ يردد دون ترابط: لقد.. لقد كان يحلم بالعودة إلى فرنسا.. كان يحن لها.. كان يأتي لي ليشكو همه دائما.. لقد كان قادما إلى منزلي.. وأنا.. كنت فقط أهزأ به.. لقد.. لقد..

واحتبست الكلمات في حلقه.. بينما بقيت عيناه متحجرتين في مكانهما.. اقترب الكولونيل منه وشد على كتفه بقوة وهو يهمس: سننتقم له دي ليل.. سننتقم له..

وكأنما كان دي ليل ينتظر هذه الكلمات ليتأكد حقا من موت صديقه.. فابتدأ فجأة بالنحيب المتواصل وبألمٍ شديد.. أجل.. سينتقم له بالتأكيد.. ولكن دانييل لن يشهد هذا الانتقام كما وعده.. لن يشهده أبداً..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

عرف ألان أنهما قد اقتربا كثيراً من منزل العم فينسنت فقد تعرف على البحيرة الجميلة التي مرا بقربها للتو.. فكثيرا ما كان يلهو هناك في زياراتهم السابقة للعم فينسنت.. ولكن والده مع ذلك استمر في سلوك طرق ملتوية مما زاد المسافة المتبقية أكثر فأكثر..

ومن بين أنغام الأحراش الهادئة.. انبثق فجأةً صوت بعيد كدر صفو الطبيعة المتناغم.. كان صوت حوافر خيل قويةٍ تقترب.. التفت ألان ليرى القادم ولكن والده جذبه فجأة ليختفيا خلف الشجيرات على جانب الطريق.. التفت ألان نحو والده معترضاً ولكن النظرة المرعبة على وجه والده أوقفته مجدداً.. كم مرةً تكرر هذا حتى الآن؟ ما هو هذا الحاجز السميك الماثل بين الوالد وابنه؟ إن ألان يشعر بأن الحاجز يكاد يصير مرئيا من قوته..

ورغم أن ألان لم ينبس ببنت شفة فقد أطبقت يد الوالد بشدة على فمه عندما اقترب الفارس أكثر.. استطاع ألان الآن أن يرى القادم بوضوح.. فرسٌ سوداء.. يمتطيها شخصٌ لا يكاد يظهر منه سوى السواد! فقد كان يغطي جسده ورأسه وأجزاءً من وجهه برداءٍ أسود طويل.. فبدا كمخلوق شيطاني خرج من قعر الجحيم..

ارتجفت أوصال ألان بشدة.. وما كاد الفارس يجتازهم حتى مرّ آخر له نفس هيئة الأول الشيطانية تماماً.. ثم عاد الفارسان مجدداً.. تتبعهما مجموعةٌ من الفرسان السود.. كانوا جميعاً قادمين من اتجاه منزل فينسنت.. لم يبتعد الفرسان كثيراً بل ظلوا يحومون في الأرجاء..

استطاع ألان أن يشعر باضطراب والده من خلال يديه اللتين استمرتا بالضغط أكثر فأكثر على ذراع ألان وفمه.. كما أن العرق كان يتصبب منه بغزارة الآن.. ابتعد الفرسان أخيراً فارتخت يدا الأب.. نظر باتجاه منزل فينسنت وتمتم بقهر: يبدو أننا تأخرنا..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

جلس ألان ووالده في مكانهما بصمت.. كان الوالد مستغرقاً في التفكير.. وأخيراً بدأ يتحدث: لقد عادوا جميعاً.. لم يبق أحدٌ منهم في منزل فينسنت.. فالفارس الذي تبع المجموعة في النهاية كان يتأكد من ألا يتركوا أثراً وراءهم.. أجل.. لا يوجد أي شك في أنهم قد غادروا جميعاً..

بقي ألان يحدق في والده في غير فهم.. ولكن والده تنهد وعاد يقول: ولكنهم لم يبتعدوا بعد.. ربما يعودون لتفتيش المنزل لاحقاً.. تباً..!

بقي يمرر يده في مقدمة شعره بيأس.. بينما ألان يراقبه بصمتٍ مطبق.. وأخيراً التفت الوالد إلى ألان بطريقة مباغتة وقال بإنهاك يائس: هل أستطيع أن أعتمد عليك؟

لم يعرف ألان سر الرجفة التي اجتاحت جسده كله عندما نطق والده بذلك..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


عام 1511 م

لم يعد يشعر بأطراف يديه أو قدميه.. ولكنه لم يتوقف عن السير.. بقي يحرك ساقيه.. ينتزعهما من بين الثلوج المتراكمة.. ويعود ليغرزهما من جديد.. بلا توقف.. لم يشعر يوما أن السير عملية شاقة جدا كما شعر بذلك الآن.. قرب يديه العاريتين الصغيرتين من فمه وبدأ ينفخ عليهما في محاولةً يائسةٍ لتدفئتهما.. كانت أصابعه المحمرة قد تخشبت الآن..

مرر يده فجأة على شعره ليزيل الثلوج التي تراكمت عليه.. الثلج المتساقط بدأ يغشي بصره.. ولكنه لم يتوقف.. فالشيء الوحيد الذي كان موجوداً في عقله الآن: يجب أن أوصل اللفافة!

لم يدرِ كم مرّ من الوقت وهو يسير.. ولم يدرِ كم هي المسافة المتبقية.. استمر بالسير وفقط.. تناهى إلى سمعه فجأة صوت حوافر تقترب.. التفت بعينين جاحظتين.. أراد الجري ولكن ساقيه لم تسعفاه.. في الواقع لقد وصل إلى حدود قدرته.. وقف في مكانه لا حول له ولا قوة.. اقترب الحصان ينثر الثلج حوله مع وقع حوافره.. حصانٌ أسود.. يركبه فارسٌ لا يظهر منه سوى السواد.. بدا كالليل.. وكأنما هو جزءٌ انفصل عنه..

أوقف الفارس حصانه عندما رأى رالف.. ترجل ونظر إليه بتفحص.. كان عقل رالف فارغاً الآن.. كان يلهث بشدة ويرى بخار أنفاسه البيضاء أمامه.. اقترب الرجل أكثر ثم صاح بصوتٍ مجلجل: من أين أتيت؟

لم يجب رالف.. بدأ عقله يدور في دوامات: وماذا الآن؟ ماذا سيحدث لي؟ لا يمكنني الموت بعد..! اللفافة! اللفافة لا تزال معي..!

شد الرجل يده على مقبض سيفه.. اقترب أكثر.. تحركت قدما رالف أخيرا وبدأ يتراجع للوراء بضعف.. سل الرجل سيفه فجأة ورفعه في الهواء بقوة.. وبدأ ينقض به على رالف..

لم يغلق رالف عينيه.. بقي يحدق في السيف المقترب منه.. يستمع إلى صوت الهواء الذي يحركه.. هل سيلحق بوالده أخيراً..؟
انطلقت فجأةً صيحةٌ مجلجلةٌ شقت الظلام: توقف..!!

تجمد سيف الرجل على بعد إنشات فقط من جسد رالف.. التفت بحذرٍ إلى صاحب الصوت.. وعندما تعرّف ملامحَه تصلب فجأة وقال: آسف سيدي.. هل تعرف هذا الفتى؟

رد الصوت بثبات:إنه ولدي!

بُهت الفارس وتمتم: ولكني ظننته....

ثم عاد وقال: أنا آسفٌ جداً إذاً..

جذب لجام حصانه وامتطاه مجدداً ثم اختفى في الظلام كما أتى..

نظر رالف إلى منقذه وهو لا يكاد يفهم شيئاً.. حاول تركيز بصره أكثر فرأى نفسه يقف أمام منزلٍ ضخم.. اقترب الرجل منه وجثا على ركبتيه قائلاً: أحسنت عملا يا بني.. أنت شجاعٌ جداً.. لقد أوصلتها..

كان الرجل ينظر إلى اللفافة التي تطل من تحت ثياب رالف..

بدأ رالف يحاول استيعاب الأمر.. نظر إلى اللافتة المعلقة إلى جانب الباب.. وعندما قرأ الاسم.. ارتخت كل عضلةٍ في جسده فجأة.. تهاوى على الأرض.. وارتفع صوته يشق الليل في بكاءٍ حاد..

بكاءه المتواصل الأليم وأنينه المقطِّع لنياط القلوب أخبرا الرجل بكل القصة.. فمد ذراعيه محتضناً الفتى بقوة.. ازداد بكاء رالف أكثر فأكثر.. لقد انتهت مهمته.. وبوسعه الآن البكاء والحزن على كل لحظةٍ مر بها هذا اليوم..

وبطرف عينه لمح اللافتة مجددا.. اللافتة التي أكدت له وصوله أخيراً.. كان قد حُفر عليها وبكل وضوح.. اسم فينسنت..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

أثير الفكر
5-9-2014, 06:29 PM
قلبي توقف >______<

ما هذا يا فتاة .. تبارك الله .. تبارك الله

الله يحميك و يزيدك من فضله .. الفصل حاااااابس للأنفاس .. مذهل مذهل

المشهد الأخير حكاية أخرى .__.

أتطلع للقادم بشغف <3

>> أسلوبك و لغتك متمرسة .. أهي أول رواية لك ؟؟

:)

تشيزوكو
5-9-2014, 07:41 PM
قلبي توقف >______<

ما هذا يا فتاة .. تبارك الله .. تبارك الله

الله يحميك و يزيدك من فضله .. الفصل حاااااابس للأنفاس .. مذهل مذهل

المشهد الأخير حكاية أخرى .__.

أتطلع للقادم بشغف <3

>> أسلوبك و لغتك متمرسة .. أهي أول رواية لك ؟؟

:)


شكرا جزيلا رواتي >////<

في الواقع هي ليست الأولى، ربما كتبت قبلها روايتين أو ثلاثة.. لكنهم ليسوا بمستوى جيد ربما باستثناء آخر ما كتبته أراها مقبولة.. (ليست هذه بل أخرى كتبتها قبل سنوات ^^)

أول رواية كتبتها كانت عمل مشترك مع أختي وكنت في الابتدائية XD

في الواقع كان في كتابتي دائما طابع أدبي لا بأس به ولكنه مفتقر للخيال والإثارة..

ولم أكتب منذ زمن طويل.. لذلك فصول هذه الرواية الأخيرة ربما تكون تحسنت قليلا من الناحية الأدبية عن الفصول الأولى ^^"

كما أنه لو كانت الإثارة جيدة في هذه الرواية فالفضل في هذا بعد الله لمسومس.. الذي جعلني أكتب بمعدل لم أكتب به سابقا وبتصنيفات لم أحلم يوما أن أكتب فيها..

فجزيل الشكر لكم :")

أثير الفكر
5-9-2014, 10:04 PM
عظيم .. كلنا هنا نتعلم و نطمح للوصول لنجم الأدباء في المستقبل و إن كنت عن نفسي أطمح لشيء غير الأدب ^^

غير أني أمارسه كهواية و صقل للغة فقط :$

أغدقي على القلم يا حبيبة فأنتِ ذات قلم واثق صاخب تبارك الله

و أريد رؤية رواية للقصة الأولى بالفعالية XD

للصديقين المتألقين :)

تشيزوكو
6-9-2014, 08:21 PM
^^^

أجل أذكر أنك أحببتِ تلك القصة ^^" لا أدري حقا إذا كان بإمكاني إطالتها ^^"

أتمنى حقا أن أصبح كاتبة يوما :") مع أن كل شيء في حياتي يسير بعيدا عن هذا الاتجاه XD

+

هل هناك من يتابع القصة بصمت؟ تحدثوا لأراكم XD

فخورة حقاً بكل من يتابع مهما كان عددهم قليلاً.. وسأستمر بوضع الفصول حتى لو تابع الرواية شخص واحد :")

دقائق وأضع الفصل التالي إن شاء الله :)

تشيزوكو
6-9-2014, 08:50 PM
شد الوالد على ذراعي ألان مجددا وسأله للمرة الثالثة: هل فهمتَ ما قلته لك جيداً؟

هز ألان رأسه بضعف وهو يردد: نعم فهمت ولكن..




[*=center]بدون لكن! إن الأمر جد مهم!



شعر ألان برغبةٍ بالبكاء.. إنه حقاً لا يفهم شيئاً من كل هذا.. ارتخت يدا والده وقال: بني.. ألان.. استمع إليّ أرجوك..

توقف قليلاً عن الحديث.. أخذ نفساً عميقاً ثم تابع: لم تكن هذه هي الطريقة التي حلمت بإخبارك بها.. أعترف.. هذا هو الأسوأ.. أنا أب سيء.. ولكن حبيبي ألان.. ما يحدث الآن هو أكبر مني ومنك.. إن التاريخ يُكتب ألان! وقد تضيع فصولٌ كاملةٌ منه إن أخطأنا التصرف!

لم يفهم ألان كل ما قاله والده.. إلا أنه شعر بمدى جدية وخطورة الموضوع.. لم يُذهب هذا خوفه.. ولكنه على الأقل جعله يحاول التغلب عليه..

تابع والده: لا أستطيع أن أشرح لك كل شيء دفعةً واحدة.. ولكني أريدك أن تذهب إلى منزل فينسنت..

أشاح بوجهه جانباً واستطرد: على الأغلب لن تجده هناك.. لقد عرفتُ من أصدقائي أنه كان مراقَباً مؤخراً.. لذلك أردتُ القدوم.. لم أتوقع أن يكون الأمر بذلك السوء.. أردت القدوم بنفسي ليس لأساعده فقط.. بل ليساعدني أيضاً..! ليساعدني على إخبارك..! ولكن... يبدو أن الأمر أخطر مما ظننت.. أخطر بكثير..! لقد تأخرنا كثيراً.. ربما لن يمكننا إنقاذ العم فينسنت الآن.. ولكن.. على الأقل....

عاد يركز نظراته في عيني ولده: هنالك شيء مهم في منزله عليك أن تحضره..! إنه شيء مهم جدا.. إنه كنزٌ حافظنا عليه لقرون.. أولئك الأشخاص سيدمرونه لو وجدوه.. علينا أن ننقذه ألان! أتفهمني؟؟ علينا أن نحمي الكنز!

هز ألان رأسه بتلقائية بينما عشرات الأسئلة تتراقص في ذهنه.. كيف يمكنه أن يكون فجأةً جزءاً من أمرٍ خطيرٍ كهذا..؟ ما الأمر الذي عليه معرفته بالضبط؟ ما الذي عناه والده بإنقاذ العم فينسنت؟ ما الذي جرى له؟ ولماذا كان مراقَباً؟ ومن هم ذوو الملابس السوداء أولئك؟ ألهم علاقةٌ بسر الليل وحوادث الاختفاء التي حدّثه عنها كارلوس؟ أكان لقاء والده الليلي مع أصدقائه أولئك من أجل هذا الأمر؟ لماذا يجتمعون سراً؟ ولماذا قد يراقبهم أحدهم؟ هل العم فينسنت منهم؟ وما قصة هذا الكنز تحديداً؟

إنه حقاً لا يفهم كل ما قيل.. والوقت لا يتسع لشرح كل شيء.. ولكن والده يثق به..! إنه يشعر ولأول مرة كما لو أن الجدار الفاصل بينهما كان مجرد وهم! فتح فمه أخيراً وتكلم قائلاً: هل يجب أن أذهب وحدي؟ لماذا لا يمكنك المجيء معي؟




[*=center]لأن أولئك الأشخاص قد يعودون مجدداً.. على أحدهم أن يبقى للمراقبة..







[*=center]وإذا حاولوا العودة ماذا ستفعل أنت؟






[*=center]...........



أرعبه صمت والده وتخيل الأسوأ.. حاول إبعاد تلك الخيالات السوداء عن تفكيره.. وسأل مغيّراً الموضوع: ما هذا الكنز الذي عليّ إيجاده؟




[*=center]إنها لفافةٌ قديمة..







[*=center]لفافة؟؟







[*=center]نعم.. وهي مهمةٌ جداً.. لا شك أنك ستجدها في مكانٍ أمين.. عمرها يقارب الأربعمائة عام.. ستتعرف عليها بسهولة..



بدا ألان مندهشاً.. أربعمائة عام؟؟!!

قرأ الوالد الدهشة في عيني صغيره فقال: لأنها مهمة حافظنا عليها إلى اليوم.. إنها أغلى من حياتنا.. تذكر هذا ألان.. عندما تجدها اذهب بها إلى البحيرة.. وأنا سأوافيك هناك.. وكن حذراً بني..

قرأ ألان بين كلمات والده أنه يدعوه للانطلاق الآن.. خفق قلبه بشدة وامتلأ بالرهبة.. همس متردداً: هل.. هل تعتقد أني قادرٌ حقاً على القيام بأمرٍ مهمٍ كهذا؟

افترَّ ثغر الوالد عن ابتسامة عريضةٍ وقال: لا يملك الوالد إلا أن يثق بولده.. أتعرف؟ عندما أنقذ جدك الأكبر هذا الكنز قبل أربعمائة سنة كان في نفس عمرك الآن.. لقد أسميناك باسمه تيمناً بشجاعته.. واثقٌ أنك تستطيع القيام بذلك.. هيا انطلق ألان.. ولا تنس.. ألقاك عند البحيرة..

تراجع ألان بضعة خطوات.. أخذ نفساً عميقاً.. ثم استدار أخيراً وانطلق جارياً نحو منزل فينسنت.. ودار حينها بخاطره سؤالٌ ملح طفا فوق بقية الأسئلة عديمة الأجوبة.. كيف بالضبط سُمي على اسم جده الأكبر؟؟ هو واثقٌ تماماً أن أياً من أجداده لم يكن يحمل اسم ألان..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


وقف الكولونيل ليموتسكي أمام مكتبه.. يمسك قلماً بيده.. ويضع إشاراتٍ متفرقة على الخريطة الماثلة أمامه.. كان ذهنه في أشد حالات تركيزه وظهر ذلك جليا في تعابير وجهه المقطبة بشدة.. لذلك لم ينتبه لصوت طرقات الباب أو فتحه.. أو حتى للصوت الذي ينادي باسمه..

- كولونيل ليموتسكي..

- ............

كرر المنادي بصوت أعلى هذه المرة: كولونيل ليموتسكي!

انتبه الكولونيل فجأة من تركيزه.. وبدا كما لو عاد فجأة من عوالم عميقةٍ غامضة.. نظر أمامه في غير فهمٍ للحظات.. ثم استعاد حواسه بسرعة وقال: آه.. دي ليل.. لم أنتبه لقدومك..




[*=center]تبدو منشغلاً حضرة الكولونيل..







[*=center]لا.. ليس كثيراً.. دي ليل.. ألم أقل لك بأنه يمكنك العودة لمنزلك؟ لقد كان يوماً شاقاً عليك كثيراً..






[*=center]لا بأس سيدي أنا بخيرٍ الآن..



بدا في رده بعض الخجل.. عزاه الكولونيل إلى انهياره أمامه هذا الصباح.. كان مندهشاً من تماسكه الشديد.. فقد كان ينظر بحزم بالرغم من أثر احمرار عينيه الملتهب.. ويتحدث بثبات بالرغم من حشرجة صوته الدفينة! ولا تتجلى أقصى معاني الثبات.. إلا في أشد حالات الألم..! خمن الكولونيل أن سر ثبات دي ليل وأن ما يشغل باله الآن هو رغبته بالانتقام بالتأكيد..

وقد كان تخمينه في محله.. فقد ألقى دي ليل نظرةً على الخريطة الماثلة أمام الكولونيل وسأل باهتمام: هل هذه هي الأماكن التي تمت مهاجمة رجالنا فيها؟

أعاد الكولونيل نظره إلى الخريطة وعاد إليه تركيزه بسرعة وتمتم: أجل.. أجل..




[*=center]إنها أماكن متفرقة..







[*=center]أجل ولكنها لا تبعد كثيراً عن بعضها.. انظر.. هنا هوجم دانييل ليلة الأمس..



انقبض قلب دي ليل عن ذكر اسم صديقه.. هتف فجأة: أتفكر في إرسال الرجال إلى هناك؟ أرجوك.. اسمح لي أن أكون منهم!

لم يرد عليه الكولونيل واستمر في تحديقه في الخريطة.. فالخطط التي كان يرسمها في ذهنه كانت مختلفة تماماً..



http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


كان ألان يجري حيناً ويبطئ في خطواته حيناً آخر.. مشتتاً بين رغبته في الإسراع وخوفه من إثارة الانتباه.. ماذا سيقول كارلوس لو عرف بما يمر به الآن؟ لطالما تمنيا القيام بمغامرةٍ مثيرة.. ولكن جلَّ أمانيه الآن هو أنه لم يتمن هذا يوماً!

لاح أخيراً له في الأفق المنزل الضخم لعائلة فينسنت.. فحث خطاه أكثر.. متى كانت أول مرة شاهد فيها العم فينسنت؟ لا يستطيع ألان تذكر هذا فالعم فينسنت كان موجوداً دائماً في حياته منذ وعاها! يذكر كيف كان يداعبه ويلعب معه.. يتناقش معه في أمور الحياة المختلفة.. يذكر صدمته عندما عرف مكانته وعائلته.. فعائلته كانت رائدة العلم والاقتصاد في البلاد طوال قرون.. ربما لا يعرف الجميع اسمها.. ولكن أولئك الذين يعرفون ما وراء الأمور.. يعرفونهم بالتأكيد..

لقد تشرب ألان منذ صغره مفهوم "الوالد الروحي".. وهذه الحقائق عن عائلته جعلته يغدو مثله الأعلى! لذلك وبالرغم من أنه لا يراه كثيراً، العم فينسنت حقاً يعني له الكثير..

هو اليوم عجوزٌ وحيد.. ماتت زوجته منذ سنوات طوال.. ويعيش ابنه الوحيد خارج البلاد.. هل يشعر بالتعاسة؟ هل سيجده في هذا المنزل عندما يصل؟ ما الذي جرى بالضبط للعم فينسنت؟؟

عندما وصل بخيالاته إلى هنا كان يقف أمام باب المنزل مباشرة.. بوابةٌ خشبيةُ ضخمة.. بمطارق ذهبية لامعة.. لم يشعر ألان بنفسه إلا وهو يمسكها ويطرقها لتصدر ضجيجاً هائلاً أفزعه.. فرفع يده عنها بسرعة وارتباك وأخذ ينظر حوله بتخوفٍ وقلق.. ما الذي يفعله؟! قال والده بأنه ليس في المنزل! عليه أن يدخل بنفسه..

ابتلع ريقه ومد يداً متوجسةً نحو الباب.. دفعه بيده فتحرك! إنه مفتوح..! استمر ألان بالتقدم ودفع الباب حتى صار مشرعاً على مصراعيه.. أول مشهدٍ طالع ألان من داخل المنزل.. كان بركة الدماء الكبيرة التي كانت تسيل تحت قدميه مباشرة..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

Hercule Poirot
6-9-2014, 10:45 PM
<< من المتابعين الصامتين المتكلمين

أولئك الذين لم يبدؤوا قراءة هذه الرواية لا يدرون ما يفوتهم!

ما زال الغموض والإثارة يسيطران على أجزاء جيدة من القصة، مثل هوية الفرسان السود الذين اقتحموا منزل فينسنت، وعلاقة الصراع الإسباني-الفرنسي بالقصة وسر الليل، والكنز نفسه بطبيعة الحال. أجزاء أخرى صارت واضحة أو يمكن استنتاجها، مثل عائلة فينسنت التي هي صلة الوصل بين الحقبتين الزمنيتين، وأمر آخر:
هل أنا محق في ظني أن والد آلان الحقيقي هو العم فينسنت وقد سلمه لأبيه الحالي لحمايته ورعايته وللحفاظ على الكنز وسره؟ وهل يعني هذا أن اسم رالف الأصلي كان ألان أيضًا؟

أسلوب وصف القتل والدماء فريد من نوعه. في كل مرة، نرى تحفة جديدة تمثل الأمر وكأنه مفتاح يوضع في قفل بينما هو سيف يُغرس في قلب إنسان. سترنا الله مما هو قادم :icon100:

dete.ctive2

أثير الفكر
6-9-2014, 11:00 PM
^
^ ذاته شك الاخ بوارو ما يدور بعقلي ><"

أما عن الاسلوب و الغموض و ما اكتنف هذا الفصل من الجمال فلا تعليق و لا تعقيب على فرادته

تبارك الله .. و مع هذا أحتاج إلى إعادة القراءة مرة أخرى لأحفظ الاسماء XD

و سيتم استبدال المميز بالقلم فأنت تستحقينه ^^

الوجه المبتسم
6-9-2014, 11:51 PM
وعليكم من الله سلام ورحمة وغفران...
كما توقعت حقًا.. جمال فاق حدود الخيال...
اللغة بسيطة وراقية.. والأسلوب بديع ومثير.. راقا لي كثيرًا...
الأحداث في أوج التشويق.. أرجو أن تحتمل قلوبنا وقت الانتظار :)
بورك في مسك قلمكِ.. ولا حُرِمنا من إبداعكِ...
بانتظار القادم...

تشيزوكو
7-9-2014, 12:40 AM
<< من المتابعين الصامتين المتكلمين

أولئك الذين لم يبدؤوا قراءة هذه الرواية لا يدرون ما يفوتهم!

ما زال الغموض والإثارة يسيطران على أجزاء جيدة من القصة، مثل هوية الفرسان السود الذين اقتحموا منزل فينسنت، وعلاقة الصراع الإسباني-الفرنسي بالقصة وسر الليل، والكنز نفسه بطبيعة الحال. أجزاء أخرى صارت واضحة أو يمكن استنتاجها، مثل عائلة فينسنت التي هي صلة الوصل بين الحقبتين الزمنيتين، وأمر آخر:
هل أنا محق في ظني أن والد آلان الحقيقي هو العم فينسنت وقد سلمه لأبيه الحالي لحمايته ورعايته وللحفاظ على الكنز وسره؟ وهل يعني هذا أن اسم رالف الأصلي كان ألان أيضًا؟

أسلوب وصف القتل والدماء فريد من نوعه. في كل مرة، نرى تحفة جديدة تمثل الأمر وكأنه مفتاح يوضع في قفل بينما هو سيف يُغرس في قلب إنسان. سترنا الله مما هو قادم :icon100:

dete.ctive2





^
^ ذاته شك الاخ بوارو ما يدور بعقلي ><"

أما عن الاسلوب و الغموض و ما اكتنف هذا الفصل من الجمال فلا تعليق و لا تعقيب على فرادته

تبارك الله .. و مع هذا أحتاج إلى إعادة القراءة مرة أخرى لأحفظ الاسماء XD

و سيتم استبدال المميز بالقلم فأنت تستحقينه ^^

كم أنا سعيدة بمتابعتكما وتعليقاتكما..

بعض الأمور تكشّفت في هذا الفصل وبعضها لا..

بالنسبة لتوقعاتكما فلن أرد عليها مباشرة حتى لا أفسد متعة المتابعة :)

ولكن سأذكّركما بنقطتين ذُكرتا في الرواية سابقا: ألان يكاد يكون نسخة مصغرة عن والده + قال والد ألان: "لا أرغب حتى أن أناديه ألان بعد الآن" أي أنه حتى "ألان" ليس اسماً حقيقياً!

وللتشويق: سيتم ذكر المزيد عن موضوع الاسم في الفصل القادم بإذن الله :)

+

رواتي شكرا جزيلا لك على ختم القلم ♥ أسعدك الله :")



وعليكم من الله سلام ورحمة وغفران...
كما توقعت حقًا.. جمال فاق حدود الخيال...
اللغة بسيطة وراقية.. والأسلوب بديع ومثير.. راقا لي كثيرًا...
الأحداث في أوج التشويق.. أرجو أن تحتمل قلوبنا وقت الانتظار :)
بورك في مسك قلمكِ.. ولا حُرِمنا من إبداعكِ...
بانتظار القادم...


مرحبا بك هنا عزيزتي أسعدني تواجدك وكلماتك حقا ^^

لن أتأخر عليكم بإذن الله :)

تشيزوكو
8-9-2014, 11:40 PM
متابع صاااامت :)

تسعدني متابعتك حقا.. وسأكون بانتظار ملاحظاتك وانتقاداتك متى سنحت لك الفرصة :)


+

دقائق وينزل الفصل التالي وهو أطول من سابقه ^^

تشيزوكو
9-9-2014, 12:07 AM
سرت رجفةٌ شديدةٌ في جسد ألان من أعلى رأسه وحتى أخمص قدميه! شعر بأن ساقيه قد صارتا خاويتين فجأة فسقط على ركبتيه وكفيه، لتتشبع ثيابه بالدماء وليتطاير بعضٌ منها على ذراعيه ووجهه!

وببطء رفع يديه المرتجفتين.. نظر إلى كفيه المصبوغين بالأحمر.. شعر بالغثيان.. وبفقد القدرة على التنفس.. أغمض عينيه بشدة.. أنا الآن في المنزل! أجل أنا الآن في المنزل! أمي قادمةٌ لتوقظني الآن.. سأتناول إفطاراً شهياً! وسأطلب منها أن تسمح لي بشرب العصير مع الإفطار فأنا لم أشربه بالأمس.. أجل.. سأفعل هذا! أجل!

عاد انتظام تنفسه تدريجيا.. ولكنه عندما فتح عينيه كان الواقع المرعب ما يزال كما هو.. إنه جالسٌ وسط بركة من الدماء.. الدماء البشرية! جحظت عيناه وأوشك على الصراخ.. ولكن شيئاً ما منعه.. شعر بذكرياته التي كانت قد توقفت فجأة تعود إليه مجدداً.. أجل.. العم فينسنت.. والده المنتظر عند البحيرة.. الكنز.. الأمر الأكبر منا.. التاريخ..!

لم يكن هنالك من ترابط.. ولكنه في مهمة! إنه على الأقل يذكر هذا! مهمة وثق والده به لأجلها! بالكاد استطاع الوقوف.. بالتأكيد هذه الدماء لا تخص العم فينسنت! حاول جاهداً تصديق هذا.. أجل.. إن كان الفرسان السود أولئك هم مجرمو الليل، فكارلوس تحدث عن حوادث اختفاء لا قتل!

ساعد هذا على بث الثقة في قلبه مجدداً.. وبدون أن ينظر تحت قدميه.. قاد خطواته بسرعة عبر بركة الدماء ليستقر داخل المنزل.. أراد حقاً الارتماء على الأرض والتقاط أنفاسه.. ولكن والده ينتظره! عليه ألا يتأخر!

حاول مسح يديه بأي شيء حتى لا يترك أثر الدماء حيثما لمس.. وقرر البدء بالبحث فوراً! كان المنزل كبيرا مكونا من طابقين.. توجه ألان مباشرةً للطابق الثاني.. إذا أراد العم فينسنت إخفاء شيء مهم فلا شك أنه سيخفيه هناك..

كان يتحرك وهو لا يكاد يبصر سوى ما أمام قدميه مباشرة.. أراد فقط أن يُنهي الأمرَ بأسرع ما يمكن.. العديد من الأبواب كان عليه فتحها.. ومجموعةٌ من الغرف كان عليه دخولها.. لم يتوقف قلبه عن الخفقان بشدة.. ولم يَعُد ذهنُه من عند والده المنتظِر.. عليه أن يسرع!

دلف أخيرا حجرةً كبيرة بدت كحجرة عمل خاصة للعم فينسنت.. كانت تحوي مكتباً خشبياً ضخماً وعدة خزائن ودواليب.. تقدم بحرص.. حاول فتح إحدى الخزائن فوجدها مغلقة بإحكام.. نظر حوله مجدداً.. توجه نحو المكتب الكبير وبدأ يفتش أدراجه بسرعة.. وجد أخيراً سلسلة تحوي مفاتيح كثيرة.. أسرع بها نحو الخزانة ليجربها..

كان يستغرق وقتاً ليتمكن من إدخال المفاتيح في القفل.. فيداه كانتا لا تتوقفان عن الارتجاف.. وقد أدهشه هذا كثيراً فقد ظن أنه قد هدأ أخيراً..

كان متوتراً ومتعجلاً ليجد هذا الكنز وليُنهيَ الأمر برمته ليعودوا بعدها إلى البيت! ليت هذا ينتهي بسرعة!

تمكن أخيراً من فتح الخزانة.. كانت تحوي أوراقاً وكتباً وأدواتٍ منوّعة.. ولكن عينيه تعرفتا فوراً على الدُرج المخفي أسفلها.. في الواقع هناك درجٌ مماثل في خزانة والده.. هل سبب تكتم والده وأماكنه السرية تلك له علاقة بكل ما يحدث الآن؟

أبعد هذا عن تفكيره بسرعة.. هذا ليس وقته..! فليُنهِ الأمر ويغادر المكان..! بعد أن جرب عدة مفاتيح فُتح الدرج أخيراً.. وهناك.. شاهدها.. لفافةٌ كبيرة ذات لون باهتٍ للغاية..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


بقي يحدق فيها لبعض الوقت.. لقد وجدها حقاً! وجدها بسرعة! أجل.. لا شك أن الأمور ستسير بسهولةٍ الآن.. لقد وجد الكنز..!

بالكاد تمكن من مدّ يده لتناول اللفافة.. إنها كنزٌ حُفظ لقرون..! كيف ما تزال سليمة؟ لا شك أن العم فينسنت -أو أحد أسلافه- قد وضع عليها مادةً ما ليحفظها.. فهم عائلة علمٍ بعد كل شيء!

حمل ألان اللفافة بحذرٍ شديد.. لقد انتهى الأمر.. إنها معه! أراد إغلاق الدرج مجدداً ولكنه لمح ورقةً صغيرةً ملقاةً في ركنه.. تناولها بيده.. كانت مهترئةً وباهتة اللون كثيراً.. لا شك أن عمرها من عمر اللفافة تقريباً!

نظر إليها متفحصاً وكم أدهشه أن رأى فيها رسومات طفل!

كان في الورقة رسمٌ لرجلٍ وطفلٍ صغير.. يمسكان بأيدي بعضهما وعلى وجهيهما ابتسامةٌ كبيرة.. تحت صورة الرجل كان قد سُطِّر اسم فينسنت.. وتحت صورة الطفل سُطِّر اسم رالف.. كان الفتى في الصورة يحمل في يده الأخرى لفافةً كالتي يحملها ألان الآن تماماً!

بقي ألان يتأملها في حيرة.. هل هذا الطفل المدعو رالف هو من رسم هذه الصورة؟ إنه يحمل هذه اللفافة نفسَها!

تذكر فجأةً ما أخبره به والده قبل قليل.. "عندما أنقذ جدك الأكبر هذا الكنز قبل أربعمائة سنة كان في نفس عمرك الآن".. أجل.. إن جده الأكبر يُدعى رالف! لابد أنه هو! هو أنقذ اللفافة وهي الآن عند عائلة فينسنت..! لا بد أنه أحضرها له! ألهذا يُعدّه والدُه "والداً روحياً"؟

لمح فجأةً أثراً قديماً بالكاد يُرى على الورقة.. فبخطٍ خفيف كان قد شُطِب اسمُ رالف وكُتب مكانه اسمٌ آخر.. وبمجرد أن قرأ ألان الاسم.. شعر بالعالم يدور من حوله!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


كيف يمكن لكلمةٍ واحدةٍ أن تكشف كل شيءٍ فجأة؟ وكأنما هي كلمة سر تفتح الأبواب المغلّقة لتنساب المعلومات سيلاً إلى الدماغ.. أمسك ألان رأسه بين يديه وعيناه تحدقان في الفراغ أمامه.. أجل.. إنه يفهم الآن!

تردد صوت والده في رأسه: "لا أريد حتى أن أناديه بألان بعد الآن!".. "لقد أسميناك باسمه تيمناً بشجاعته.."

نظر إلى الاسم المسطر بخفةٍ على الورقة مجدداً.. إذاً هذا هو اسمه!

إنه حقاً يفهم الآن.. يفهم سرية والده وأصدقائه.. والعم فينسنت.. يفهم من هم ذوو الملابس السود.. ولماذا تحدث حوادث الاختفاء.. لقد حاولوا جاهدين محو فصولٍ كاملةٍ من التاريخ.. ولكن حتى هو سمع بهذه الفصول قبلاً! إذاً.. هو ينتمي إلى هذه الفصول..!

نظر إلى اللفافة مجدداً.. ما عساه أن يكون هذا الكنز يا ترى؟ مهما يكن الأمر هو واثقٌ الآن تماماً أنه في غاية الأهمية!

عجيبٌ كيف يمكن للحقائق المتكشفة أن تغير الإنسان! صحيحٌ أن ألان لم يفهم كل شيء بعد.. وصحيحٌ أن معلوماته حول الموضوع شحيحةٌ للغاية.. ولكنه شعر بأن كلمات والده "التاريخ يُصنع الآن" تسكن كل ذرةٍ في جسده!

بدا أكثر ثقة.. وأكثر إدراكاً للأمور.. اهتز وجدانه عندما وعى حقيقة وخطورة المهمة الموكلة إليه.. عليه أن يذهب بهذه اللفافة إلى والده! أهذا هو ما كان والده يحاول إخباره به طوال الوقت؟؟

لم يستطع الانتظار لرؤية والده.. أسرع بإعادة كل شيءٍ كما كان.. حمل اللفافة بيده بحرصٍ شديد.. وغادر المنزل مسرعاً.. كان يجري بأقصى طاقته متوجهاً نحو البحيرة.. لمح دماء متناثرة في الطريق.. لقد سلك مع والده طريقا آخر في قدومهما لذلك لم يريا هذه الدماء..

خلف شجرةٍ كبيرة لاحت بركة أخرى من الدماء.. اقترب منها بحذر.. ليرى يداً ملقاةً في وسطها..

لم يكن منظر اليد المقطوعة المفزع هو ما جمّد ألان وشلّ حركته.. بل رؤيته للخاتم الفضي في بنصرها.. والذي أكد له أن اليد التي ينظر إليها.. هي يد والده..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


بقي يحدق في اليد لدقائق مرت ببطء شديد.. ثم إنه رفع بصره عنها وتابع سيره ببساطة..! لم يشعر بنفسه وهو يتمتم: البحيرة.. أبي ينتظرني عند البحيرة!

كانت هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يستوعبها.. بدا كما لو أن عقله قد أزاح الصورة المرعبة التي رآها للتو جانباً.. واستمر بتصديق قناعته السابقة.. والده عند البحيرة!

تابع سيره وكأنما قوةٌ خفيةٌ تسيّره.. وكأنما كان يطفو خارج حدود الزمان والمكان.. لم ير شيئا من معالم الطريق.. ولم يدرِ كيف صار أمام البحيرة مباشرة..!

وببساطة جلس تحت شجرةٍ ضخمة.. اتكأ على جذعها.. وانتظر عودة والده كما وعده..!

بماذا كان يفكر وهو جالسٌ بلا حراك يحدق في مكانٍ ما أمامه؟ في الواقع لم يبد أنه يفكر في شيء.. بدا فقط كما لو أن عقله قد تجمد كما جسده.. كل ما يفقهه الآن هو أن عليه انتظار والده..!

وهكذا رغم الجوع والبرد والوحدة.. انقضت ساعةٌ كاملة وهو جالسٌ في مكانه دون حراك..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


شيئاً فشيئاً شعر ألان بالغشاوة تنزاح من أمام ناظريه.. لتحل محلها الحقيقة المرة.. تلك اليد.. لقد كانت لوالده..!

بدأ تنفسه يضطرب.. وأوصاله ترتعش.. ثم ما لبث صوته أن أخذ يعلو تدريجيا دون أدنى تحكم منه: آآه.. آآآآه.. آآآآآآآه..!!

كوّر نفسه على الأرض التي ابتلعت صرخاته الباكية.. لماذا يحدث كل هذا؟! ما الذي جرى لوالده؟! هل...... لا! لا بد أنه لا يزال بخير..! هم فقط..... قطعوا يده! أو.. ربما سرقوا خاتمه ووضعوه في يدٍ أخرى..!

بقي يقلّب في ذهنه كل الاحتمالات التي تؤدي إلى أن والده بخير.. كان يريد أن يتعلق بأصغر قشة أمل.. أمل بانتهاء هذا الكابوس..
مهما يكن الأمر.. فقد أدرك ألان أخيراً أن والده لن يوافيه عند البحيرة مهما طال انتظاره..!

نظر إلى اللفافة الملقاة إلى جانبه.. بدت ضبابية وهو يراها من بين دموعه.. ها هي.. مجرد لفافة عادية ملقاة على العشب! أتستحق حقاً كل هذا؟؟

تذكر والده وهو يقول بأن اللفافة "أغلى من حياتنا".. شعر بالغصة في حلقه تزداد.. لماذا؟؟ لماذا هي أغلى من حياتنا؟؟ ما الأمر الخاص في هذه الورقة المعمرة لقرون؟؟

وفي قمة يأسه.. أزال الشريط الذي يربط اللفافة وفتحها بقوة.. وارتسمت معالم الدهشة على وجهه.. عندما شاهد ما حوته اللفافة.. كانت خريطةً مرسومةً بدقةٍ شديدة..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


نظر ألان إلى اللفافة المفتوحة أمامه مشدوهاً.. خريطة..؟ أهذا هو الكنز؟ إلى أين توصل هذه الخريطة تحديدا..؟

وأدرك فجأةً أن ما يمسكه الآن بعنف هو كنزٌ حُفظ لقرون.. فأجفل مُبعداً يديه عنها بارتباك.. لتعود أطرافها للالتفاف على نفسها مجدداً..

والده خاطر لأجل هذه اللفافة.. لقد ائتمنه عليها..! لا شك أنه سيعود قريباً..! أجل سيعود..! وعندها عليه أن يسلمه اللفافة آمنة..!

هدّأه هذا الخاطر قليلاً.. مسح دموعه بكمه ثم اقترب من البحيرة.. هالته الصورة التي طالعته هناك.. كان يبدو مخيفاً بوجهه الشاحب والدماء الجافة عليه.. شعره كان أشعث أكثر من أي وقتٍ مضى.. والدموع السائلة من عينيه صارت حمراء بفعل الدماء التي جرت فوقها..! وعيناه كانتا محمرتين ومنتفختين بشكلٍ مريع.. مدّ يديه إلى الماء الصافي معكِّراً صورته المرعبة.. ملأ يديه بالماء مراراً غاسلاً وجهه ويديه.. نظر إلى صورته مجدداً.. لا تزال مريعة.. ولكن الدماء اختفت على الأقل..

تذكر فجأةً الاسم الذي قرأه في الورقة القديمة.. أجل.. إنه الآن يدافع عن أمرٍ هام.. هامٍ جداً..! عليه أن يتحرك..!

ولكن.. إلى أين يذهب تحديداً؟؟ إنه وحيدٌ في هذا المكان الموحش.. تكوم على نفسه ليمنع ارتجافه.. ماذا يفعل؟ وإلى أين يذهب؟ كان ينظر حوله بتوتر وارتباك.. لمح اللفافة المستلقية على العشب.. هتفت كل حواسه فجأة: الخريطة..!!

أسرع بالتقاط اللفافة مجدداً وعاد ينظر إلى الخريطة بتفحص.. إنه لا يعلم إلى أين ستقوده بالضبط.. ولا يعلم ماذا سيجد عند وصوله إلى حيث ترشده.. ولكنه على الأقل مكانٌ يذهب إليه..! مكانٌ يحوي شيئاً ما لا يدرك كنهه حتى الآن..!

استطاع أن يعرف أن المكان الذي تؤدي إليه الخريطة لا يبعد كثيرا عن موقعه الحالي.. تفحصها بحذرٍ شديد.. ثم رفع بصره عنها لينظر حوله بتمعن.. أخذ نفساً عميقاً.. وأعاد الكرة ثانيةً وثالثة.. ثم أطلق ساقيه أخيراً وجرى نحو أعماق الغابة..

في مكان آخر.. وقف مجموعةٌ من الرجال بملابس سوداء تغطيهم تماماً.. وقفوا ينظرون حولهم في أرجاء المنزل الكبير.. كانت هنالك العديد من الآثار الواضحة لأقدامٍ وأيدٍ صغيرة ملوثة بالدماء.. تحولّت أنظارهم إلى أحدهم فجأة وكأنهم ينتظرون كلمته.. صمت قليلاً.. تنهد بعمق.. ثم قال: أحضروا الكلاب..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

Hercule Poirot
9-9-2014, 06:47 PM
أموت وفي نفسي شيء من هذا الاسم الخطير الذي فتحت له معرفته كل الأسماء المغلقة وظل مع ذلك في ضباب وغشاوة عما يحدث من حوله! :icon100:

آمل فقط ألا يكون الاسم المخفي هو فان غوخ! xD

dete.ctive2

تشيزوكو
10-9-2014, 12:03 AM
أموت وفي نفسي شيء من هذا الاسم الخطير الذي فتحت له معرفته كل الأسماء المغلقة وظل مع ذلك في ضباب وغشاوة عما يحدث من حوله! :icon100:

آمل فقط ألا يكون الاسم المخفي هو فان غوخ! xD

dete.ctive2

الاسم لن يُكشف إلا في الفصل الأخير ^_____^ هو عرف منه ما كان يخفيه والده طوال الوقت.. وما حقيقة الفرسان السود..

ما لم يعرفه هو التفاصيل التي تُعتبر شحيحة حول هذا الموضوع بالإضافة إلى ماهية الكنز..

أعتقد أن كل شيء سيتضح مع الفصل الأخير إن شاء الله ^^

بالمناسبة بقي فصلان فقط ><

Hercule Poirot
10-9-2014, 03:29 PM
نسيتُ نهائيًا أنها رواية قصيرة >__<

آمل ألا نفتقد أسلوبك ورواياتك بعدها طويلاً!

dete.ctive2

تشيزوكو
11-9-2014, 11:42 AM
نسيتُ نهائيًا أنها رواية قصيرة >__<

آمل ألا نفتقد أسلوبك ورواياتك بعدها طويلاً!

dete.ctive2



شكرا جزيلا لك.. سأبذل جهدي في الكتابة إن شاء الله..

غدا بإذن الله سأضيف الفصل ما قبل الأخير..

[ اللــيـــث ]
11-9-2014, 09:07 PM
تبارك الرحمن .. مصدوم مذهول مما قرأت هنا >_< .. لا أصدق ، أبدعتي يا فتاة :)

الأحداث مشووقه .. الممتع في هذه الرواية الإسلوب السردي ولغتها المتماسكة وتناغم أحداثها كأنك تشاهدها لا تقرأها !
~~ حماسية .. متشوقٌ للنهاية بفارغ الصبر ، وفقك الله وأهنئك على هذه الرواية القصيرة الممتعة ..

لا تتأخري بالفصل القادم :/ << شحاد ومشارط كمان :icon100:

Neveto
11-9-2014, 09:20 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، رائعة الرواية وحماسية أيضاً ، بنظري الرواية مقبولة نوعاً ما ، لكن الرواية ***** تماما من الحبكة اللغوية والألفاظ الجميلة وهذا أسوأ ما فيها وأيضاً وصف الشخصيات و مشاعرهم كان ضحلا بعض الشيء فكثير من الأحيان لم أستطيع شعور الموقف الذي تمر به الشخصية !!

تشيزوكو
11-9-2014, 09:33 PM
;3475083']تبارك الرحمن .. مصدوم مذهول مما قرأت هنا >_< .. لا أصدق ، أبدعتي يا فتاة :)

الأحداث مشووقه .. الممتع في هذه الرواية الإسلوب السردي ولغتها المتماسكة وتناغم أحداثها كأنك تشاهدها لا تقرأها !
~~ حماسية .. متشوقٌ للنهاية بفارغ الصبر ، وفقك الله وأهنئك على هذه الرواية القصيرة الممتعة ..

لا تتأخري بالفصل القادم :/ << شحاد ومشارط كمان :icon100:



شكرا جزيلا لك ^^ بإذن الله سأضع الفصل غدا ^^



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، رائعة الرواية وحماسية أيضاً ، بنظري الرواية مقبولة نوعاً ما ، لكن الرواية ***** تماما من الحبكة اللغوية والألفاظ الجميلة وهذا أسوأ ما فيها وأيضاً وصف الشخصيات و مشاعرهم كان ضحلا بعض الشيء فكثير من الأحيان لم أستطيع شعور الموقف الذي تمر به الشخصية !!

شكرا جزيلا لمرورك ومتابعتك ولانتقادك ^^ ماذا تقصد بالحبكة اللغوية؟ طالما أن اللغة متماسكة وسليمة فهذا هو المطلوب، أما الأسلوب فهو يختلف من كاتب لآخر.. أفضّل في كتابتي الأسلوب السردي البسيط والمباشر بدلا من التركيز على الوصف الجمالي.. صحيح أن التركيز على الوصف الجمالي يجعلها تحفة فنية ولكنه غالبا يؤثر على سرد الأحداث، بينما الكتابة السردية المباشرة ربما تفتقر جماليات الوصف ولكن الأحداث ستكون أفضل.. وفي النهاية لكل أسلوب جماله الخاص ولكل كاتب أسلوبه الخاص :)

أثير الفكر
12-9-2014, 01:56 AM
لمن ينتقد الأسلوب

بالعكككككس .. أحسست بالأجواء سلاسة و جمال من نوع خاص - تبارك الرحمن -

الفصل حابس للأنفاس و وصفك لحالته النفسية لما أى اليد مددددهشة >> شريرة يا أنت XD

الحق أقول .. من بين الروايات الانترنتية لم أقرأ شيئًا بجمال هذه تبارك الله

من حيث الحبكة و اللغة و السلامة من الهفوات و العثرات ،، تبارك الله تبارك الله

أهنئك على هذا النتاج و سأفضفض براحة في آخر فصل بحول الله

أتعشم في أن يعود الجهاز من جلسة الإنعاش التي سأرسله إليها XD

دمتِ برعاية الله ^^

[ اللــيـــث ]
12-9-2014, 07:34 AM
اها .. إذا الرواية لم تعجبك يا هذا .. أرى بأنك لم تقرأها أصلاً ، بما أن ردك منقول حرفياً من مكانِ ما ..

وها هو الرد الأصلي

http://up.msoms.ae/do.php?img=1087



http://up.msoms.ae/do.php?img=1088

...

تلتقط الردود من هنا وهناك .. وإن كنت تريد ما أشعر به ، هو أنك لم تقرأ الروايةَ أصلاً !!
وإن عدتم عدنا !!

تشيزوكو
12-9-2014, 01:18 PM
لمن ينتقد الأسلوب

بالعكككككس .. أحسست بالأجواء سلاسة و جمال من نوع خاص - تبارك الرحمن -

الفصل حابس للأنفاس و وصفك لحالته النفسية لما أى اليد مددددهشة >> شريرة يا أنت XD

الحق أقول .. من بين الروايات الانترنتية لم أقرأ شيئًا بجمال هذه تبارك الله

من حيث الحبكة و اللغة و السلامة من الهفوات و العثرات ،، تبارك الله تبارك الله

أهنئك على هذا النتاج و سأفضفض براحة في آخر فصل بحول الله

أتعشم في أن يعود الجهاز من جلسة الإنعاش التي سأرسله إليها XD

دمتِ برعاية الله ^^

شكرا لك رواتي >< أسعدك الله :")

كلماتك شهادة أعتز بها :")

وبالسلامة لجهازك XD

+

دقائق وأضع الفصل التالي ^^.. وسيكون طويلا بعض الشيء لأنه الفصل ما قبل الأخير :")

تشيزوكو
12-9-2014, 01:44 PM
شعر بجسمٍ حادٍ ودقيقٍ كالإبرة يخترق ظهره.. فانطلقت رغماً عنه صيحةٌ قوية لم يسمع غيره صداها.. كان محبوساً في تابوت ضيق.. لا تزال ذراعه تؤلمه حيث حُرقت بالزيت المغلي بعد قطع يده عنها حتى لا يموت نزفاً.. هم لا يريدونه ميتاً.. ليس الآن على الأقل.. فكيف سيعذبونه لو كان ميتاً؟!

والآن يُضاف إلى الألم المروّع في ذراعه، ألمٌ آخر أفظع منه تسببه هذه الإبر التي تُغرز عبر التابوت في مواضع مختلفة من جسده..
ومع كل إبرة.. كان يشعر وكأن جسده يحترق.. وكأن آلافاً من الشظايا تدخل كل خليةٍ في جسده.. فتنطلق صيحةٌ حادةٌ تشقُ حلقَه والظلامَ من حوله.. أهذا هو طعم الموت؟؟ لا أحد يسمع صوته.. لا أحد يعلم مكانه.. وذهنه يدور في مكانه لا يكاد يعي أو يفكر إلا بشيءٍ واحد.. ألان..!!



http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


كان ألان يتحرك بين أحراش الغابة بحذر شديد.. رغب حقاً بالإسراع والجري.. ولكنه لا يعلم ما الذي يمكن أن يخرج له من بين الشجيرات الشائكة..

كان يقلب عينيه بين الخريطة القديمة والأحراش من حوله.. لولا الجبل العالي الذي يبرز وسط الغابة لضلّ طريقه حتماً.. ولكنه لن يضيع الآن.. كيف لا والجبل هو وجهته؟؟

كان من الواضح أن الخريطة تشير إلى مكان ما في الجبل.. أو ربما عليه؟ لن يعرف حتى يصل إلى هناك.. أمرٌ ما كان يجعل قلبه منقبضاً طوال الوقت.. أهو خوفه مما يمكن أن يظهر له في أية لحظة؟ أم هو رهبته من المجهول الذي لا يعلم ماهيته؟ أو هو والده الذي اختفى لمكانٍ ما تاركاً إياه وحيداً في وجه مصيره؟

لماذا ما يزال يتبع هذه الخريطة وهو لا يدري إلى أين ستقوده حتى؟ ما الأمل الذي يمكن أن يجده في جبل مقفر وسط أحراشٍ مهجورة؟

فقط المزيد والمزيد من الأسئلة.. ولا إجابات.. مرّ من أمامه فجأةً ثعبانٌ كبير.. رآه لثوانٍ فقط.. ثم اختفى كما ظهر.. احتوى الرجفةَ التي سكنته.. وابتلع الغصةَ التي خنقته.. فرك عينيه بباطن كفه قبل أن تنزل دموعه حتى..! عليه فقط أن يتابع..

كان يسمع أصواتاً مخيفة بين الفينة والأخرى ولكنه لم يتوقف.. خدشته الأغصان والأشواك أكثر من مرة حتى أن كم قميصه تمزق ووجنته المحمرة من التعب أدميت.. ولكنه لم يتوقف.. لهاثه يزداد والتعب يأخذ منه كل مأخذ والوقت يمر ببطءٍ شديد.. ولكنه لم يتوقف مطلقاً.. لم يتوقف إلا عندما وجد نفسه يقف أمام الجبل مباشرة..



http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


رفع ألان بصره نحو الجبل العالي وبدت قمته الآن معانقةً للسماء الفسيحة.. ألقى بنفسه على الأرض منهكاً.. تمدد على ظهره وبدأ يحدق في السماء التي تخترقها القمة الحجرية.. كان لون السماء قد بدأ يتغير الآن حيث أوشكت الشمس على الرحيل.. إذاً هذا هو المكان.. المكان الذي حُفظ سراً لقرون..

فضوله الشديد وخوفه من حلول الظلام تغلبا أخيراً على تعبه.. فنهض جالساً وهو يحس بأن كل عضلةٍ في جسده تؤلمه.. تناول اللفافة وفتحها مجدداً.. وبدأ يتأمل الخطوط الدقيقة للخريطة.. الجزء الذي يُوصل للجبل كان سهلاًً.. ولكن الآن تبدأ المهمة الأصعب.. كان من الواضح أن الخطوط المرسومة تتجه إلى داخل الجبل من مكانٍ ما في وسطه..! ولكن كيف يصعد إلى هناك..؟ طالع الجدار الصخري الأملس الماثل أمامه ثم صرف نظره عنه نحو الخريطة.. من المستحيل أن يتمكن من تسلقه..!

ولكن الخريطة لا تحوي تسلقاً..! بل إنها تُظهر شيئاً أشبه بطريق يقود إلى أعلى الجبل.. لم يستطع ألان أن يميز أين يقع هذا الطريق.. فيبدو أنه قد وصل الجبل من جهةٍ أخرى غير تلك الموضحة في الخريطة.. وهكذا لم يكن أمام ألان إلا أن ينهض ويدور حول الجبل باحثاً عن ضالته..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

مع أن الظلام بدأ يحل إلا أن دي ليل لم يرغب في المغادرة إلى منزله.. هو فقط لا يريد أن يبقى وحيداً حتى لا تحاصره الذكريات الأليمة.. كان يعرف أن الكولونيل ليموتسكي يقضي كل ليلةٍ ساهراً في مكتبه حتى قبيل الفجر.. فيم يفكر يا ترى؟ وما الأمر الذي يخطط له؟

لا شك أنه يبحث عن أفضل مكانٍ يمكنهم إيجادهم فيه.. أجل.. لقد كان يدرس الخريطة بعناية شديدة.. ولكن.. لقد تجاهل طلب دي ليل اليوم عندما أصر عليه أن يجعله مع الفرقة التي ستهاجمهم..! ما الذي يشغله حقاً؟!

لم يحب دي ليل كل هذه التساؤلات المتراكمة.. ولم يتقبل الغموض الذي يحيط الكولونيل به نفسه.. وهكذا قرر أن يتوجه بأسئلته إليه مباشرة..

توجه إلى مكتبه.. أخذ نفساً عميقاً.. ثم طرق الباب عدة طرقات.. لم يسمع دي ليل رداً على طرقاته.. كرر الطرق مجدداً ومجدداً.. وفي النهاية فَتح باب المكتب وهو ينادي بحذر: كولونيل ليموتسكي؟

وفي الداخل.. كانت الغرفة مظلمة.. والخريطة لا تزال ممددةً بعرض المكتب الفسيح.. الكثير من الأوراق كانت قد تناثرت على الأرض بفعل الرياح القادمة من النافذة المفتوحة.. الكولونيل ليموتسكي لم يكن موجوداً..

دخل دي ليل الغرفة بحذر.. فتش فيها بعينيه سريعاً.. سلاحه ليس هنا! إلى أين خرج وحيداً في الليل حاملاً معه سلاحه دون أن يخبر أحداً؟ شعر بقلبه ينقبض.. اتخذ قراره سريعاً.. فحمل سلاحه هو الآخر وغادر المكان..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

كيف يستغرق مجرد الدوران حول الجبل كل هذا الوقت؟ هذا هو السؤال الملح الذي لم يغادر ذهن ألان طوال سيره المنهِك.. لم يتوقع أن يكون الجبل بهذه الضخامة.. لقد حل الظلام وقدماه الصغيرتان لم تعودا تقويان على المتابعة.. هل سيتمكن حتى من إبصار طريقه في هذه الظلمة الحالكة؟ تعثر فجأة بشيءٍ ما فسقط على وجهه مباشرة.. نهض متألماً ومكتئباً.. هذا يكفي.. لقد اكتفى حقاً من كل هذا..!

التفت ليرى ماهية الشيء الذي تعثر به فوجده جسماً مغطى بالطين والأوراق.. حاول إزالة ما استطاع إزالته عنه.. ليتضح له في النهاية أنه فانوس قديم..! كان يبدو بحالةٍ جيدة.. فلم يكن في زجاجه إلا خدوشٌ سطحية.. فتش ألان في جيوبه وهو يأمل أنه يحمل قداحة بارود والده معه.. ولكن أمله خاب.. فيبدو أن القداحة بقيت في حقيبة والده..

جلس مكانه مُحبَطاً ويائساً.. نظر إلى الفانوس مجدداً فشعر بفكرةٍ ما تلتمع في رأسه.. وشيئاً فشيئاً ازداد لمعان عينيه ليهُب واقفاً فجأة وهو يمعن النظر فيما حوله.. إن كان الفانوس هنا فهذا يعني أن أحدهم مرّ من هنا! وربما عنى هذا أن طريقه المفقود موجودٌ هنا أيضاً..!

اقترب من الجبل وهو يتحسس صخوره الصلبة بيديه الصغيرتين.. شعر بأن جزءاً من الصخور كان متراجعاً للخلف بطريقة غريبة.. وبعدها اختفت الصخور فجأةً لتحل محلها شجيراتٌ شائكة.. بدأ يزيحها بيديه العاريتين بسرعة ولهفة غير عابئٍ بالخدوش الكثيرة التي كانت تصيبهما.. وأخيراً رآه.. طريقٌ صخري طويل.. يتجه مباشرةً إلى أعلى الجبل!

سعادة ألان بإيجاد الطريق منحته طاقةً مفاجئة.. شعر بنبضات قلبه تتسارع وبحماسته تزداد.. رنا ببصره نحو الطريق المضاء بنور القمر.. ثم انطلق يصعده بسرعة غير منتبهٍ لأصوات النباح البعيدة التي بدأت تقترب..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


سار الكولونيل ليموتسكي وحيداً في طريقٍ هادئٍ كهدوء الأموات.. لقد اختار المكان بدقة.. فهذا المكان يقع بالضبط وسط بقية الأمكنة التي وقعت فيها حوادث قتل الجنود الفرنسيين..!

لقد خمّن أن إرساله لفرقةٍ عسكريةٍ لن يجدي نفعاً.. فلا شك أن جميع من في المنطقة سيعلم بقدومهم.. الجميع بمن فيهم المهاجمون أنفسهم..!

ولذلك فضّل أن يأتي لوحده بحثاً عن الأدلة والآثار.. كما أنه يحمل سلاحه معه تحسباً لأي طارئ فلا داعي للقلق..! كان يسير بصمت.. يحدق في الأزقة المظلمة ويفتش عن الأماكن المريبة.. كان يبدو كصيادٍ متأهبٍ للانقضاض على فريسته.. كل ما يتمناه هو أن يتمكن من الانتقام لرجاله.. وبعد هذا لا شيء يهمه..!

مرت نسمة هواء عليلة غيّرت الهواء الراكد العفن لهذه الأزقة المهجورة.. شعر الكولونيل بهذه النسمة تخترق كل خلية في جسده.. إنه عبق الحياة.. عبق الأشجار والورود.. لم دارت فرنسا في ذهنه في هذه اللحظة بالذات؟ لا يريد أن يفكر حتى بأنه يفتقدها.. دائماً يقاوم هذا التفكير.. فإذا ضعف هو فمن سيثبّت رجالَه؟؟ هذا الحنين المفاجئ لفرنسا في هذه الأزقة الحالكة ذكره بدانييل.. لقد قُتل في مكان قريب من هنا.. نظر إلى الظلمة الممتدة أمامه.. تصور دانييل ملقىً على الأرض ومهاجمه يطعنه بسكينٍ في قلبه مباشرة.. سرت رعشةٌ في جسده.. حاول إبعاد هذه الصور المشؤومة عن ذهنه.. عليه ألا يفقد تركيزه..!

ولكن في الواقع.. فقده لتركيزه في هذه الثواني القليلة كلفه غالياً جداً..!

فقبل أن يتمكن حتى من إدراك الأمر قفز عليه أحدهم من خلفه بعد أن ظهر فجأة من وراء صناديق متكدسة.. كانت حركةً مفاجئةً وقوية، سقط على إثرها الكولونيل وارتطم رأسه بالأرض بقوة.. أصدر تأوهاً مكتوماً.. استجمع ذهنه بسرعة.. عضّ على شفتيه وحافظ على تماسكه.. سلاحه لا يزال بيده..!

كان المهاجم يحاول تثبيت الكولونيل أرضاً بوضع ركبته فوق صدره، والضغط بالركبة الأخرى على ذراعه.. كان يريد أن يمنعه من استخدام سلاحه بأي ثمن..! ولكن الكولونيل استمر بالمقاومة المستميتة.. شعر وكأن كل ذرةٍ من قوته تتجمع الآن في ذراعه المحجوزة.. لو يستطيع فقط تحريكها قليلاً!

شتم نفسه في سره على تشتت ذهنه في مثل هذا الموقف.. لقد خطط للأمر جيداً.. لطالما استطاع الثبات وحده.. لماذا الآن من بين كل الأوقات خرجت مشاعره الدفينة عميقاً؟؟ تلك النسمات التي ذكرته بفرنسا.. أجل.. هي من أضاعته.!. ولكن... هو لم ينتقم لجنوده بعد! هو لم يؤد وظيفته كقائدٍ لهم! إنهم رجاله! عليه ألا يخذلهم! لو يستطيع تحريك ذراعه قليلاً فقط!

بدا المهاجم متوتراً وهو يحاول السيطرة على حركة الكولونيل.. مما منعه من سحب سكينه.. أشعر هذا الكولونيل ببعض التفوق وإن كان هو الشخص الذي في الأسفل..! بقي يحاول جاهداً تحرير ذراعه باستخدام الأخرى الحرة، وركلاتٍ قويةٍ من ساقيه.. فتح فمه لينادي علّ أحدهم يسمعه.. أهو ضعفٌ أن يستغيث القائد بهذا الشكل؟ ليس إن كان يفعل هذا لأجل جنوده! مهمته لم تنته بعد! لا يمكنه الموت هنا! ولكن حتى لو نادى أنّى لأحدٍ أن يسمعه في هذا الزقاق المهجور؟

لمح فجأةً ظلاً يقترب.. تسلل بصيصٌ رفيعٌ من الأمل إلى قلبه.. فرفع صوته بالنداء مستغيثاً.. اقترب الظل كثيراً.. لمح الكولونيل شيئاً يلمع في يده.. شيئاً يقترب بسرعة.. ثم ينغرس بوحشيةٍ في ذراعه..!

شقت صرخة الكولونيل المتألمة صمت الليل.. وأُفلت سلاحُه من يده.. ثبته الاثنان تماماً الآن.. وتمكن المهاجم الأول من سحب سكينه أخيراً.. ودون إبطاء رفعها عالياً وبدأ ينقض بها بقوة انتقامية.. أغمض الكولونيل عينيه وأفلتت الشتائم من بين شفتيه.. لم يرد يوماً أن ينتهي هكذا.. هل هكذا هي الحياة؟ تسير على غير ما نشتهي وتنتهي قبل أن نشعر؟ هل سيموت قبل أن ينتقم؟ قبل أن ينهي مهمته؟ قبل أن.... قبل أن يعود لثرى فرنسا؟

كانت أجزاءً من الثانية تلك التي عبرت خلالها كل هذه الأفكار ذهنه.. في لحظات النهاية يعترف المرء بضعفه.. يعترف بحنينه! فقط لو اعترف بهذا أبكر..! لن يكون بمقدوره بعد اليوم أن يعبر حتى عن حبه لفرنسا.. كل ما بقي أمامه.. هو انتظار اختراق النصل لجسده..!

علا فجأةً صوتٌ جهورٌ ينادي من بعيد: من هناك؟!!

لم يشعر الكولونيل إلا بالثقل ينزاح عن جسده وبظلين أسودين يختفيان بسرعةٍ في الظلام..

بقي ممدداً على ظهره محدقاً بالسماء لا يصدق ما حدث.. لقد.. لقد نجى..! لقد أُعطي فرصةً أخرى! لقد.. عاد للحياة من جديد....!



http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


بالكاد استطاع النهوض جالساً والألم يملأ كل أنحاء جسده.. التفت ليرى هوية منقذه..

شاهد أنواراً بعيدةً تقترب.. وعندما أصبحوا في مرمى بصره عرف فيهم فرسان فرنسا الموكلين بحفظ الأمن في طرق إسبانيا.. دنوا منه قلقين ومتسائلين.. لم يستطع أن يجيبهم من فوره.. كان لا يزال يلتقط أنفاسه بعد كل ما مر به.. لقد عاش من جديد..! عليه أن يستغل هذه الحياة جيداً.. فهو لا يعلم متى يمكن أن تنتهي..! ربما كانت هذه من الحقائق المسلّمة لدى الجميع.. ولكنه يشعر الآن كما لو أنه يدرك هذه الحقيقة لأول مرة.. سمع فجأةً صوتاً مألوفاً ينادي بجزع: كولونيل ليموتسكي!!

رفع الكولونيل بصره ليرى دي ليل واقفاً أمامه.. بدا مشدوهاً وقلقاً جداً.. عاد يقول بفزع: لماذا ذهبت وحدك حضرة الكولونيل؟؟ لقد كدت تفقد حياتك..!!

رتّب الكولونيل أفكاره سريعاً.. لا وقت لتضييعه.. لا يريد أن يندم على شيءٍ بعد الآن..! نهض ليقف على قدميه أخيراً ويقول: جئت في وقتك دي ليل.. علينا الذهاب فوراً إلى المارشال سولت..

تفاجأ دي ليل وقال: ولكنك تنزف حضرة الكولونيل..! سنستدعي لك الطبيب حالاً ويمكنك غداً أن تقابل الحاكم الـ...

قاطعه الكولونيل بقوة وحزم: هذا لا شيء! الأهم الآن هو مقابلة المارشال فوراً! عليّ أن أخبره بهوية المهاجمَين!!

بدا الذهول التام على وجه دي ليل الآن.. بالكاد تمكن من ابتلاع الصدمة ليسأل: تـ.. تقول أنك تعرّفتهما؟؟!!

أجاب الكولونيل: أجل.. عرفتهما من ثيابهما..

تنهد بعمق.. تراءى له شبح المهاجمَين.. ثم تابع بصوتٍ يفيض غيظاً وهو يسير مغادراً الزقاق: إنهما من جنود دير الديوان..!!!



http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

Hercule Poirot
12-9-2014, 03:02 PM
فصل رهيب! نقف على أطراف أصابعنا نترقب التتمة!

dete.ctive2

تشيزوكو
19-9-2014, 01:48 AM
ماشاء الله تبارك الله !

هذا الفصل أجمل الفصول وأقواها !

في انتظار التتمة



فصل رهيب! نقف على أطراف أصابعنا نترقب التتمة!

dete.ctive2


شكرا جزيلا.. يسعدني ذلك..


في الواقع لم أكن قد أكملت الفصل الأخير بعد، ولكنه اكتمل الآن.. ويبدو أنني لم أوفّق في تخمين طوله ^^"

ربما كان عليّ أن أجعله أربعة أجزاء ^^"

ولكني وعدتكم بالفصل الأخير لذلك ترقبوا غداً بإذن الله فصلاً أخيراً طويلاً جداً :")

تشيزوكو
19-9-2014, 08:09 PM
وقف الكولونيل ليموتسكي أمام المارشال سولت الحاكم العسكري لمدريد والذي بدا منذهلاً مما سمعه من الكولونيل.. ورويداً رويداً اختفت ملامح الدهشة من وجهه لتحل محلها ملامح الغضب والغيظ الشديدين..

في الواقع كان الإمبراطور نابليون قد أمر سابقاً بحلّ دير الديوان، ولكن الفرنسيين أبطأوا في تنفيذ القرار كي لا يزيدوا الأمور تأزماً.. فالعلاقة بين الدير والفرنسيين لم تبدُ مشجعةً منذ البداية.. ولكن أن يصلوا إلى هذا الحد بعد كل التسامح الذي قابلهم به الفرنسيون!! وجد المارشال سولت أن هذا أمرٌ لا يُغتفر أبداً..

صرّ على أسنانه بقوة وقال: "لا شك بأن من يقتل جنودنا كل ليلة هم أولئك الأشرار.. لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم.. والآن خذ معك ألف جندي وأربعة مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة..!!!"


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


سار بخطواتٍ بطيئةٍ رتيبة.. أراد حقاً أن يسرع ولكن بعد كل ما لاقاه اليوم ها هو الآن يصعد طريقاً منحدراً بشدة..! ساقاه متشنجتان بشكلٍ رهيب وبالكاد يتمكن من تحريكهما.. ولكن لا بأس.. لا شك أنه سيحصل على راحةٍ رهيبة بعد كل هذا التعب.. سيستلقي في فراشه لأسبوع ولن يقوم بأي مجهودٍ من أي نوع.. كان ألان يسلي نفسه بهذه التخيلات لعلها تنسيه مشقة الصعود، وأوهام المخاوف..

لم تبد لطريقه نهايةٌ واضحة.. كان فقط يصعد ويصعد.. صعوداً شعر أنه يمتد بلا نهاية.. كانت الغيوم السوداء قد بدأت تتجمع في السماء الحالكة.. مخفيةً ضوء القمر الذي كان ألان يستنير ويستهدي به.. كان الآن لا يكاد يرى سوى مواضع خطواته.. خطواته الثقيلة التي بالكاد يثبتها في مكانها مقاوماً الرياح المشتدة.. خطواته التي طالت كثيراً..

بدأ يتسلى بعدّ خطواته المنهكة: واحدة.. اثنتان.. ثلاثة.. أربــ....

اصطدم وجهه بقسوةٍ بحاجزٍ صخري صلب.. ارتدّ للخلف من شدة الصدمة.. تحسس وجهه وأنفه بألم.. ما هذا؟ ماذا الآن؟ مدّ يديه متحسساً الظلام أمامه.. الطريق مسدود..! إنه يتوقف هنا..!! ما معنى هذا؟؟ كيف يتوقف الطريق هنا؟؟ هل كانت رحلته الشاقة كلها بلا معنى؟؟

وقف في مكانه بيأس وذهول.. تهب الرياح القاسية على أكوام بؤسه.. لم يعرف ماذا يفعل بعد الآن أو كيف يتصرف.. انهار جالساً.. وشعر بالدموع تتجمع في مقلتيه.. ماذا يفعل الآن وإلى أين يذهب؟ لماذا بعد كل هذا التعب، ينتهي بلا شيء؟؟

كان لا يزال جالساً منهاراً عندما تنبّه فجأةً لصوت صفير الهواء القوي المنبعث من جانبه.. بدا كما لو أن أحدهم كان ينفخ في قربةٍ مجوفةٍ ضخمة.. التفت إلى جواره بارتياب.. صحيحٌ أن الرياح قويةٌ جداً هنا على هذا الارتفاع.. ولكن الصوت كان قادماً من الجبل نفسه..!

نهض من مكانه بتردد.. توجه بخطواته نحو الجبل وهو يمد يديه أمامه حتى لا يفاجئه الاصطدام به.. ولكن يديه لم تلامسا شيئاً.. بل استمرت خطواته بالتقدم حتى شعر برطوبة الهواء من حوله، وبارتداد الرياح نحوه، وبازدياد الظلمة أكثر من السابق حتى..

بقي يقلب الوضع في رأسه.. الشيء الوحيد الذي كان من الممكن إدراكه.. هو أنه الآن يقف داخل كهفٍ معتم..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

كانت خطواتهم تهز الأرض من قوتها.. بدأت المنازل تنير وبدأت الرؤوس تطل من النوافذ.. فإلى أين يتجه ألف جندي فرنسي مدججين بالسلاح والمدافع في ليلةٍ أوشكت على الانتصاف؟؟

استمر الجيش بالتقدم حتى صار أمام الدير مباشرة.. توقف الجنود.. أمسكوا أسلحتهم متأهبين.. تقدم الكولونيل ليموتسكي للأمام بثبات.. وقف ونادى بأعلى صوته: الجيش الفرنسي..!! سلموا أنفسكم..!!

وكانت الإجابة التي تلقاها هي رصاصةٌ صفرت بجوار أذنه مباشرة..! توالى بعدها إطلاق النار من قبل جنود الدير..!

لم يحتج الكولونيل وقتاً ليتخذ قراره.. فقد أشار لجنوده أن أطلقوا.. وفعلاً بدأ إطلاق النار العنيف والمتبادل بين الطرفين..

الجنود الفرنسيون كانوا يقاتلون بأقصى طاقتهم.. تتمثل أمامهم صور إخوانهم وأحبائهم القتلى.. فيتابعون الإطلاق والتقدم بقوةٍ أكبر.. يسقط منهم من يسقط.. فيسارع رفاقه بحمله وإسعافه.. ولكن لا يتوقفون أو يجبنون مطلقاً!

دي ليل كان معهم كذلك.. يقف وسطهم غير عابئٍ بالنيران الكثيفة من حوله.. كان يرى صورة دانييل في كل طلقة يطلقها.. يناديه في سره.. أنْ هذه لأجلك..!

على الطرف الآخر كان حراس الدير يقاتلون باستماتةٍ كذلك رغم إثخان جراحهم.. ما الذي كانوا يدافعون عنه؟ وما الأمر الخطير الذي يختفي خلف نوافذ الدير الزجاجية؟

الرهبان في الداخل ملأهم القلق.. بدأ كلٌّ منهم يتخذ لنفسه ساتراً يحميه من الرصاص المنهمر.. النوافذ بدأت تتحطم.. والإصابات من الطرفين بدأت تزداد.. رأى الكولونيل ليموتسكي الأمر بدأ يطول فنادى بأعلى صوته: أحضروا المدفع..!!

وبدأ المدفع يتقدم ثقيلاً مخيفاً.. أخذ حراس الدير بالتراجع.. والفرنسيون بالتقدم.. أكثر فأكثر.. الطلقات صارت تزداد في محيط المدفع.. لا يجب أن يدعوهم يستخدمونه..!

سقط الجندي الذي كان يعدّ المدفع.. وسالت دمائه تحت عجلاته.. سحبه رفاقه بسرعة.. واستلم أحدهم مكانه دون تردد.. كان قد علم أن الرصاصة التالية ستستقر في جسده حتى قبل أن يحدث ذلك بالفعل.. بدا المدفع الرمادي مصبوغاً بالأحمر الآن.. ولكنهم لم يتوقفوا..

تجمع الجنود حولهم يحمون ظهورهم في أخطر مكانٍ في أرض المعركة الآن.. لم يتوقف عمل جنود المدفع لحظة رغم الإطلاق الكثيف عليهم.. يحمل أحدهم المشعل.. يغمره الآخر بالزيت.. يشعله الثالث.. يقربه الرابع من المدفع.. وعندما أوشك على تلقيمه.. ألقى حراس الدير أسلحتهم.. وأعلنوا استسلامهم..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

عبر الكولونيل ليموتسكي وعشراتٌ من جنوده بوابات الدير الكبيرة.. كان حراس الدير قد أُخذوا جميعاً أسرى تمهيدا لتقديمهم لمجلسٍ عسكري.. كما تم القبض على رهبان الدير جميعاً.. ولكن الكولونيل أمر بأن يظلّوا في الدير تحت الحراسة إلى حين انتهاءه وجنوده من التفتيش..

كان الدير عبارةً عن قاعاتٍ كثيرةٍ فخمة.. مملوءةٍ بالكراسي الهزازة والسجاجيد الفارسية والصور والمكاتب الكبيرة.. وكانت الأرضيات مصنوعةً من الخشب المصقول المدهون بالشمع.. كما أن شموعاً مخلوطةً بماء الورد كانت موقدةً أمام صور الرهبان باعثةً شذاها العطر في كل أنحاء الدير.. مما جعله يبدو كقصرٍ من قصور الأساطير..

وقف الرهبان بصمت وخشوع يراقبون الجنود الفرنسيين يقلبون المكان رأساً على عقب دون أن يتمكنوا من العثور على ما يريب..

بينهم وقف كبيرهم الراهب ماثيو.. كانت عيناه تكادان تفيضان بالدمع.. تحدث بتأثر بصوته الهادئ: أيها الكولونيل.. إننا لا ندري حقاً سر تهجمكم هذا علينا.. لقد كنا ندافع عن أنفسنا فقط! إن كان بلغكم شيء عنا فهو بلا شك محض إشاعات باطلة! لا يمكن لي أو لأي من أتباعي الذين أثق بهم كما أثق بنفسي، لا يمكن لأي منا القيام بالأعمال الشنيعة التي تتهموننا بها..!

بدا عدم الاقتناع على وجه الكولونيل.. ولكنه لم يعقّب.. لقد فتشوا الدير شبراً شبراً ولا أثر لما يريب إطلاقا..! هل يعقل أنهم أخطأوا في حكمهم؟ لا لقد رآهما..! اللذان هاجماه كانا من حراس الدير بلا شك..! هل يمكن أن يكون قد أخطأ..؟

شعر الكولونيل بالأمور تختلط في رأسه الآن.. لم يملك إلا أن ينادي في جنوده: لقد انتهت مهمتنا هنا.. استعدوا للمغادرة..!

وقف الجنود مذهولين.. لا يمكن..!! أقاتلوا وفقدوا رفاقهم من أجل لا شيء؟ ألن يثبت على هؤلاء الأبالسة قتلهم لرفاقهم وأحبائهم..؟

أشدهم ذهولاً وقهراً كان دي ليل.. لم يصدق أنهم سيغادرون بهذه البساطة..! وماذا عن رفاقهم القتلى؟ وماذا عن نضالهم للدخول؟ وماذا.. وماذا عن دانييل..؟؟ لقد وعده بالانتقام..!!

لم يرد أن يغادر هكذا ببساطة.. ولكن ما عساه يفعل؟ أطرق برأسه نحو الأرض بألم.. لتباغت رأسه فكرة مفاجئة..! رفع بصره بسرعة ونادى الكولونيل: اسمح لي حضرة الكولونيل! إن مهمتنا هنا لم تنته بعد..!

التفت الكولونيل إليه.. كان يفهم مشاعره جيداً فقال: دي ليل.. لقد فتشنا الدير كله ولم نجد ما يريب.. هذا هو الواقع..

ولكن دي ليل أجاب بثقة: أرغب بفحص أرضية هذه الغرف.. فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها..!

استطاع الكولونيل أن يلمح بطرف عينيه نظرات الرهبان القلقة.. فالتمعت عيناه بالحماسة والأمل وقال: لك ذلك دي ليل! الأمر بين يديك..!

تقدم الضابط دي ليل ونادى في الجنود: ارفعوا السجاجيد..!

وفعلاً تم رفع السجاجيد الفارسية الفاخرة وإلقاؤها جانباً..

ثم عاد دي ليل يأمر الجنود: أحضروا الماء..!

فجُلبت دلاءٌ مملوءةٌ به.. أمسك دي ليل بأحدها وسكب محتوياته أرضاً قائلاً: هكذا أريدكم أن تفعلوا.. صبوا الماء بكثرة على أرضيات الغرف.. الأرضيات اللامعة المشمعة..!

وبدأ الجنود يسكبون الماء في الغرف غرفةً تلو غرفة.. وعيون الجميع ترقب الماء المنسكب.. الغرفة الأولى.. الثانية.. الثالثة.. وفوجئ الجميع بمرأى الماء قد ابتلعته أرضية تلك الغرفة..!

صفّق دي ليل بيديه فرحاً وقال: إنه هو! إنه باب! انظروا جميعاً! انظر حضرة الكولونيل!

اقترب الكولونيل يمعن النظر.. فإذا به يرى بالفعل حدود الباب قد ظهرت.. وقد تربعت فوقه حلقةٌ صغيرة وضعت بمكر إلى جانب رجل مكتب الراهب ماثيو..!

أقبل الجنود المتحمسون يكسرون الباب بأعقاب بنادقهم.. يراقبهم الراهب ماثيو ومن معه بوجوهٍ تعلوها الصفرة والغبرة.. وبمجرد أن تحطم الباب تماماً.. طفت رائحة الموت داخل الغرفة..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


وقف ألان مكانه في مدخل الكهف المظلم.. يشعر بالرياح تعبره.. تخلل جسده كما خصلات شعره.. وتعود له مجدداً.. إنه حقاً كهف..! هل الكنز موجودٌ هنا؟ لو يتمكن فقط من الإبصار قليلاً..

وتحققت أمنيته فوراً.. فقد كشفت الغيوم الثقيلة خلال حركتها عن خطٍ رفيع من نور القمر تسلل عبرها بخفة.. ليمتد ويمتد حتى ينعكس على جانب من الجبل.. وينساب بين صخوره وكهوفه..!

النور الباهت الذي عم جنبات الكهف كان أكثر من كافٍ ليتمكن ألان من إبصار ما حوله.. كان كهفاً واسعاً.. لا مغاور عميقة فيه.. أرضيته خاليةٌ تماماً إلا من بعض الصخور المدببة.. ولكن ما شد انتباه ألان وجعله يفغر فاه من الدهشة هو المنظر الذي رآه على جدران الكهف..!

اقتربت خطوات ألان من الجدران ببطء.. إذا.. هذا.. هذا هو الكنز..! إنه يقف أمام الكنز مباشرة.. يحدق فيه بعينيه.. مدّ يده للأمام فاختفى نور القمر فجأة.. أجفل ألان.. شعر بحواسه تتنبه وكأنه استيقظ للتو من حلمٍ بعيد.. التقطت أذناه صوتاً لم يكن قد انتبه له قبل الآن.. صوت زمجرةٍ قريبة..!

توجه نحو مدخل الكهف بارتياب.. شاهد نوراً غريباً وضئيلاً ينبعث من أسفل حافة الجبل.. اقترب من الحافة بحذر.. أطل برأسه.. فارتجفت كل أوصاله..!

ففي ضوء المشعل الضخم المضيء.. استطاع أن يراهم واقفين أسفل الجبل.. ثلاثة فرسانٍ سود.. بصحبةٍ كلابٍ سوداء كبيرة.. كان يلتفتون حولهم.. يفحصون الأرض جيداً.. التقط أحدهم فانوساً قديماً.. اقتربوا جميعاً منه.. أمعنوا النظر فيه.. ثم نظروا نحو الجبل..

اقتربوا من حيث كان يقف أحد الكلاب نابحاً بإصرار على الشجيرات الشائكة.. أزاحوها قليلاً ليظهر أمامهم الطريق المنحدر..
وفجأةً رفعوا رؤوسهم لتلتقي أعينهم بعيني ألان في لحظة مرعبة شعر ألان بقلبه يكاد ينخلع خلالها.. لا.. من المستحيل أن يكونوا قد تمكنوا من رؤيته في هذا الظلام..!

كانوا الآن يتحدثون فيما بينهم.. تركوا الكلاب في أسفل الطريق.. أزاحوا الشجيرات الشائكة من أمامهم.. وبدأوا يحثّون خطاهم صعوداً لأعلى الجبل..

بالكاد تمكن ألان من التراجع للوراء بعد أن شلّ الرعب حركته.. لقد حاصروه تماما..! عاد بخطواته المهزوزة إلى الكهف.. يلتمس بعض الأمان.. الأمان الزائف..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

وقف الكولونيل ليموتسكي وجنوده ينظرون بذهول إلى السلم المؤدي إلى باطن الأرض، والذي ظهر لهم عبر الباب المكسور..

استعاد الكولونيل حواسه بسرعة، وأسرع بتناول شمعة كبيرة طولها أكثر من متر كانت تتربع أمام صورةٍ لأحد كبار رهبان الدير.. وقف ينظر إلى السلم..

ابتلع ريقه ومدّ قدمه لينزل فشعر بيدٍ تربت على كتفه بهدوء.. التفت ليُفاجأ بالراهب ماثيو ينظر إليه بلطف ويهمس بخشوع: بني.. لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدماء القتال.. إنها شمعة مقدسة..!!

استشاط الكولونيل غضباً وأزاح يد الراهب بعنف وهتف: بل إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء! وسنرى من النجس فينا.. ومن القاتل السفاك!

ولم يملك الراهب إلا أن يتراجع للخلف ببطء وقد خلا وجهه من أي تعبير.. فانطلق الكولونيل هابطاً السلم يتبعه رجاله بأسلحةٍ متأهبة..!

لمَ تبدو الأوقات أبطأ عند الانتظار..؟ شعروا بأن السلم لا ينتهي مطلقاً.. وبأن كل درجةٍ يهبطونها كانت تستغرق دهراً.. كانوا يقظين متأهبين متوترين.. اختلطت مشاعرهم وهم ينتظرون ما سيلقونه في آخر السلم.. وأخيراً وصلوا الدرجة الأخيرة.. وفغروا أفواههم من الدهشة..!

وجد الكولونيل وجنوده أنفسهم وسط قاعةٍ كبيرة مرعبة.. عرفوا من النظرة الأولى أنها قاعة محاكمة!

كان يتوسط القاعة عمودٌ من الرخام.. به حلقة حديدية ضخمة، ربطت بها سلاسل من أجل تقييد المتهمين بوحشية.. وأمامها منصة للقاضي وأعوانه..

وقفوا يتأملون القاعة بذهول.. حتى التفت دي ليل فجأة ليقول: هناك المزيد من الغرف..!

أولئك الذين دخلوا الغرف التالية لم ينسوا ما شهدوه هناك طوال حياتهم..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

دخل الجنود ببطء إلى الغرف التالية يتقدمهم الكولونيل ليموتسكي.. أول شيء استقبلهم كان صندوقاً كبيراً أشبه بالتابوت، يقف بطريقة مريبة وسط الغرفة..

تقدمت خطوات الكولونيل بهدوء حتى صار أمام التابوت مباشرة.. كانت أنظار جنوده مثبتة نحوه الآن.. مهما كان المرء جريئاً فهو لا يملك إلا أن يرتبك في مثل هذه المواقف..!

أخذ نفساً عميقاً.. مدّ يده أخيراًَ نحو الصندوق.. حرك قفله ببطء.. فإذا بالغطاء يُفتح نحو الخارج بقوة، وإذا بالكولونيل يكاد يفقد توازنه عندما سقطت محتوياته المندفعة عليه..!

بالكاد تمكن الكولونيل من استجماع نفسه بعد هذه المفاجأة.. نظر إلى الشيء الساقط عليه ليتعرف ماهيته.. وما إن أدركت عيناه حقيقة الشيء الذي تنظران إليه حتى سرت القشعريرة في جسده كله.. فما كان ينظر إليه، لم يكن سوى عظامٍ بشرية متهالكة..!!

بقي يحدق مشدوهاً لا يصدق ما يراه.. شهقات الجنود المصدومة تعالت من خلفه.. تقدم دي ليل نحو الكولونيل دون وعي تقريبا..

همس برعب: ما الذي بالضبط كان يجري داخل هذه الغرف؟؟

نظر الكولونيل إلى العظام الساقطة مجدداً.. هذه جمجمة وهذا قفص صدري.. وعظام لذراعين لا تزال مثبتة في أغلالها..! إنه إنسان.. إنسانٌ حُبس هنا واقفاً حتى الموت..! ولكن كم مر من الزمن على موته ليستحيل هكذا عظاماً دون أن يلتفت له أحد..؟

شعر بالألم والقهر يغزو فؤاده.. أي قلبٍ يملك أولئك المجرمون؟؟

نادى أحد الجنود فجأة: سيدي هناك المزيد من هذه التوابيت..!

التفت الكولونيل حوله يتأمل أركان الغرفة المظلمة.. الكثير من التوابيت المصفوفة عمودياً وأفقياً.. أكلهم مجرد عظام..؟

استجمع شتات نفسه وأفكاره مجدداً.. ثم أعلن لجنوده: لينطلق كلٌ منكم إلى تابوت.. أقل ما يستحقه هؤلاء الأموات منا هو دفنهم بطريقة مشرّفة..!

ورغم معرفتهم بالرعب الذي ينتظرهم داخل التوابيت فقد انطلق الجنود بسرعة ودون تردد، كلٌّ إلى تابوتٍ مختلف..

الكثير منها كان يحوي عظاماً متفتتة.. بعضها كان فيه جثثٌ متحللة أو متعفنة.. كان الجنود بالكاد يكبتون صرخاتهم ويتمالكون شعور الغثيان الذي يصيبهم عندما يبصرون هذه المناظر المروعة ويشمون الروائح الكريهة المصاحبة لها..

أحد الجنود صرخ فجأة: سـ.. سيدي!! سيدي!!!

بدا صوته مرتجفاً وكأنه لا يقوى على وصف ما يشاهده.. التفت إليه الكولونيل متسائلا: ما الأمر؟ ما وراءك الآن؟

بالكاد استطاع الجندي فتح فمه وإخراج صوته ليقول: إ.. إنه حي..!!!

وفي لمح البصر كان الكولونيل وجنوده قد تجمعوا كلهم عند تابوت هذا الجندي.. بداخله أطل جسد شابٍ فاقد للوعي.. مكبلٍ بالأغلال..

تحسس الكولونيل نبضه.. إنه في الرمق الأخير ولكنه حي بالتأكيد..! صاح بمن حوله: أخرجوه!

حطم الجنود أغلال الشاب وأخرجوه من تابوته.. غطوه بمعاطفهم.. أسعفوه قدر ما استطاعوا.. أسرع أحدهم صاعداً ليجلب بعض الماء للشرب..

نادى الكولونيل برجاله بقوة: هنالك أحياء! إنه يومكم يا رجال! انطلقوا!

وهكذا انطلق الجنود بهمةٍ وحماسةٍ أكبر يفتشون عن الحياة بين أنقاض الموت..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

استطاع الرجال إيجاد بعض الأحياء الآخرين.. رجالاً ونساءً وحتى أطفالاً..! بعضهم كان في الرمق الأخير.. وبعضهم كان واعياً وبقي يتأمل منقذيه لا يكاد يعي حقيقة أنه قد نجا.. أما بعضهم الآخر فكان قد جن من شدة التعذيب.. كان مشهداً تشيب له الرؤوس.. وتذوب له الصخور..

كان الجنود يسترونهم بمعاطفهم.. يسقونهم الماء.. ويسعفونهم ما استطاعوا.. لم يريدوا إخراجهم إلى النور فجأة حتى لا تتأذى أبصارهم..

أولئك الذين كانوا يدركون أنهم قد نجوا فعلاً كانوا يجهشون بالبكاء، وينهالون تقبيلا على أيدي وأقدام الجنود الذين أعادوهم للحياة مجدداً.. لينهار بعض الجنود باكين معهم.. كانت الصخور لتبكي في مثل هكذا موقف فكيف بالبشر..؟

أخيراً أنهى الجنود فتح كل توابيت هذه الغرفة.. لينتقلوا بعدها إلى الغرف التالية.. لم يعلموا أن ما شاهدوه هنا لا يعد شيئا بالمقارنة مع ما ينتظرهم في الغرف والقاعات الأخرى..!

كانت الغرف الأخرى مليئة بآلات التعذيب التي تقشعر لهول مرآها الأبدان.. منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري..

كان هناك صناديق في حجم رأس الإنسان تماماً.. يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة.. وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس السجين بانتظام.. في كل دقيقة نقطة.. وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب.. ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت..!

عثر الجنود كذلك على الكثير من الآلات الأخرى المليئة بالسكاكين والكلاليب.. الفزع والرعب الذي سكن قلوبهم لمرآها، ولتخيُّل الوحشية التي تُستخدم بها، لم يكونوا قد شعروا به من قبل إطلاقاً..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

شيئاً فشيئاً أخرج الجنود المساجين إلى العالم الخارجي.. لا يدري أحدٌ كيف تنتشر الأخبار بهذه السرعة..! أولئك الذين كانوا قد تجمعوا ليشهدوا معركة دخول الدير.. وأولئك الذين لامست أسماعَهم قصصُ التعذيب المريعة هنا.. كانوا قد ازدادوا الآن ليصبحوا معظم سكان مدريد تقريباً!

تجمع الناس بالآلاف ليروا بأم أعينهم آلات التعذيب الرهيبة المدفونة في الدير.. أدركوا جميعاً وكأنما هم يفكرون بعقلٍ واحد أن أسطورة سر الليل كانت بالفعل حقيقة.. حقيقة وحشية أنشأها هذا الدير المجنون..!

لا توجد قوةٌ قادرة على إيقاف جموح آلافٍ من الشعب الثائر.. أمسكوا بالراهب ماثيو.. قادوه بعنف وهو يستغيث بالجنود الفرنسيين.. تأملهم الكولونيل ليموتسكي وهم يسحبونه لقبو تعذيبه.. فكر في نفسه: كم استغاث بك ضحاياك بهذه الطريقة وتجاهلتهم.. فات أوان الاستغاثة الآن..!

وقُتل الراهب ماثيو..! قُتل بنفس الطريقة والآلات التي قَتل بها آلافاً من ضحاياه.. كانت نصف ساعة فقط تلك التي قضى فيها الشعب الثائر على حياة ثلاثة عشر راهباً ثم أخذ ينهب ما في الدير..!

وقف الضابط دي ليل يتأمل السكان الثائرين.. والناجين المرتجفين.. لا يكد يصدق أن كل هذا حدث في ليلةٍ واحدة.. بالأمس فقط رحل دانييل عن هذه الدنيا.. واليوم ها هو قد انتقم له.. رفع بصره نحو السماء.. كان البدر يطل بخجل من بين الغيوم المتراكمة..

دانييل.. هل كان يتأمل البدر كما يتأمله هو الآن ليلة مهاجمته..؟ دانييل.. لتلقِ نظرةً على العالم من حيث أنت.. لقد انتقمنا جميعاً لأجلك..!

شعر كما لو أن حملاً ثقيلاً قد انزاح عن كاهله.. شعر برغبةٍ في بكاء دانييل مجدداً بعدما لم تعد تسكنه من مشاعر سوى الأسى والحزن عليه..

ولكن لا.. ليس بعد.. ما تزال هناك مهمةٌ عليه أن ينجزها.. التفت إلى الكولونيل ليرى التعابير نفسها مرتسمةً على وجهه.. إنه لا يزال في أوج تركيزه وعمله.. لن يرتاح حتى ينهي المهمة المتبقية لديه..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

جلس ألان على الأرض الحجرية الباردة.. يروح عقله ويجيء في دوامات وحلقات مفرغة.. مشاعر كثيرة مختلطة لم يشعر بها سابقاً سكنته.. شعر بأنه لم يعد يعي ما يجري حتى..

- ركّز.. ركّز.. ركّز..!

هكذا بقي يحدث نفسه بصوتٍ مسموع.. أراد أن يفكر بشيء ما على الأقل.. أي شيء! فقط لو يتحرك دماغه وجسده..!

حاول السيطرة على أعصابه المتهالكة.. بالكاد تمكن من استجماع ذهنه المنهار.. إنه هنا.. وحيدٌ في كهفٍ بمدخلٍ واحد.. طريقه الوحيد للهروب هو الطريق نفسه الذي يتقدم خلاله مطاردوه..! وحتى لو تمكن من تفاديهم بطريقةٍ أو بأخرى.. فتلك الكلاب المتوحشة تنتظره في الأسفل..!

كبح رغبته العارمة في الإجهاش في البكاء.. قد يسمعونه إذا بكى..! نهض أخيراً ليقف على قدميه المرتجفتين.. فقط لو يجد مكاناً للاختباء..! كانت هنالك صخورٌ يمكنه الاختباء خلفها.. ولكنهم سيجدونه بسهولةٍ بالتأكيد! فهم هنا للبحث عنه بعد كل شيء..!

دارت عيناه في محجريهما.. فقط لو يجد حلاً! لو يتمكن من التفكير بشيء ما.. أي شيء..!

بقي يتجول في الكهف المظلم على غير هدى.. تعثرت قدمه فسقط أرضاً ليخدش ركبته بشدة.. أمامه على الأرض شاهد قطراتٍ تتساقط بصمت.. لماذا؟ لماذا هو يبكي؟ لقد صمّم على عدم البكاء! فلماذا تنساب دموعه وحدها الآن..؟

كافح بشدة الغصة المؤلمة التي تخنق حلقه.. مسح دموعه المتواصلة بكمه.. عليه أن يفعل شيئاً.. أي شيء..!

أجل.. أي شيء.. أي شيء.. أي شيء..!!

عبرت ذهنه فجأة فكرةٌ خاطفة.. ربما يتمكن من الاختباء خلف إحدى الصخور المتواجدة في الطريق المنحدر.. سيصلون الكهف.. سيفتشونه.. وسيرحلون مع كلابهم إن عاجلاً أو آجلاً! بإمكانه البقاء مختبئاً..! هم لن يبقوا هنا للأبد!

أنعشه هذا الخاطر قليلا.. استجمع شتات نفسه وتوجه نحو مدخل الكهف بسرعة.. وما إن أطل برأسه حتى رأى نور المشعل وقد صار في مرمى بصره..! شعر بقلبه يسقط من مكانه ليستقر بين قدميه..! لقد تأخر كثيراً..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

تراجعت خطواته الصغيرة ببطء.. تلفّت حوله برعب وكأنما يبحث عن مخرج ينبثق من أعماق الظلام المحدق به.. بدأت هالاتٌ ضعيفةٌ من نور المشعل تتسلل إلى الكهف.. بدأت أصوات خطواتهم المقتربة تلامس مسامعه.. بقي يتراجع وعيناه محدقتان بمدخل الكهف حتى لامس ظهره جداره.. شعر وكأن الجدران كانت تهتز مع أوصاله المرتجفة..

عليه أن يختبأ خلف صخرة ما..! أي صخرة..!

الخطوات تقترب.. النور يزداد..

ألقى ببصره نحو صخرة تكاد تلتصق بجدار الكهف.. حرك قدميه نحوها.. ولكن شيئاً ما في عقله اللاواعي قاده نحو صخرةٍ أخرى بقرب المدخل..! إنه مهربه الوحيد.. ومهما كان المنطق الذي يتبعه فقد أدرك عقله أن الأمان الأكبر سيكون بقربه..

قفز خلف الصخرة الضخمة المجاورة للمدخل.. وفي اللحظة نفسها تقريباً أُضيء الكهف بنورٍ ساطع قادم من المشعل الضخم الذي دلفه..!

التصق ألان بالصخرة حتى كاد يصبح جزءاً منها.. أطل الجسد الضخم الأسود إلى داخل الكهف أخيراً.. وتبعه اثنان آخران.. مرت لحظاتٌ مرعبةٌ من الصمت.. لم يكن ألان يسمع فيها سوى صوت حفيف أرديتهم المتطايرة مع الرياح.. ولم يكن يرى سوى ظلال تراقص لهبهم..!

ألقى نظرةً نحوهم بطرف عينه.. كان قد صار خلف ظهورهم الآن.. وكم أرعبه رؤيتهم يحدقون بجدران الكهف.. الـ.. الكنز..!! لقد وجدوه..!!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


شعر ألان وكأنه تلقى صفعةً مفاجئة.. لقد نسي أمر الكنز تماماً.. الكنز الذي حفظ سرا لقرون.. تم اكتشافه الآن.. بسببه..! لأي درجةٍ يمكن أن يكون أحمقاً..؟

شعر بالرياح الباردة تزداد قوة.. تنخر حتى أعماق عظامه.. لتزيد ألمه ألماً..

كان الفرسان الثلاثة قد اقتربوا من الجدران الآن.. وأخذوا يتفحصونها بحذر.. تكلم أحدهم أخيراً مسبباً انخلاع قلب ألان وقال: يا للهول..! هل كان هذا هنا طوال القرون الماضية..؟

أجابه آخر: لقد تمكنوا منا بالفعل..! ولكن لعبتهم انتهت الآن.. فها نحن هنا وسنحيل كل هذا إلى رماد..!

تحدث ثالثهم بصوت مخيف: لا تنسيا كيف وصلنا إلى هنا.. أحدهم هنا.. وأغلب الظن أنه طفل..

ساد الصمت فجأة وبدأ الثلاثة يلتفتون حولهم بارتياب.. كاد ألان يدخل الصخرة من شدة التصاقه بها..!

بدأوا يتحركون ببطء.. يقرّبون مشعلهم من كل ركن.. ويضيئون كل شبر.. ويفتشون خلف كل صخرة..!

ضغط ألان بيديه على صدره محاولاً كتمان صوت خفقانه الذي أحسه قد أضحى مسموعاً..

بدأ نورٌ يقترب منه.. صوت خطواتٍ تدنو.. رياحٌ باردةٌ تنخر عظامه.. بدا الزمن متوقفاً من شدة بطئه.. دموعه متحجرةٌ في مقلتيه..

تقترب الخطوات أكثر فأكثر.. اللهب يتراقص بشدة.. صوت الرياح المترددة في الكهف الأجوف يزيد المشهد رعباً.. يغمض ألان عينيه ويهمس قلبه من بين أعماق اليأس: أبي..!!

وعمّ الظلام فجأة..!

ما.. ما الذي حدث..؟ لم يدرك ألان ما الذي يجري.. وكأن العالم قد توقف فجأة.. لم يفهم ما يحدث إلا عندما سمع همهمات الفرسان العصبية.. يسبون الرياح ويبحثون عن قداحتهم البارودية..

إنـ.. إنها فرصته..! إنها فرصة حياة جديدة..! إما الآن أو أبداً..!

وهكذا فقد حركته غرائزه المتشبثة بالحياة.. هب واقفاً مستتراً بالظلام.. حرك قدميه متخفياً بالأصوات المختلطة.. وأطلق ساقيه للريح خارجاً من الكهف.. هابطاً الطريق المنحدر.. ومختبئاً داخل تجويف صخري ضيق مخفي بين صخور الجبل..!

استطاع أن يلمح آثار الضوء تصدر من الكهف مجدداً.. أجل سيبقى هنا حتى يرحلوا بكلابهم تلك..! لا شك أنهم سيظنونه قد رحل سابقاً.. لا شيء لديهم ليفعلوه هنا..! سيغادرون قريباً بلا شك..! أجل.. لا شيء لديهم هنا.. لا.. لا شيء..

عبرت ذهنه صورة الكنز.. والفرسان.. والمشعل.. اعتصر فؤاده ألماً.. رفع بصره نحو هالات النور مجدداً.. هل سيدمَّر الكنزُ بسببه..؟؟



http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


لم يدرِ كم مرّ من الوقت وهو في مكانه يحدق بهالات النور المنبعثة من الكهف.. ما الذي يفعلونه؟ أتراهم يتفحصون الكنز..؟

وخز عذاب الضمير آلمه بشدة.. عليه أن يفعل شيئاً ما.. ولكن ماذا بيده أن يفعل..؟ تذكر كلمات والده: "إنه أغلى من حياتنا".. غزا الألم صدره الآن.. هو حقاً لا يستطيع عمل شيء.. وأيضاً.. هو لا يريد أن يموت هنا!!

ولكن.. والده.. والعم فنسنت.. لقد خاطروا بأنفسهم من أجل الكنز..! ومن قبلهم الآلاف لطوال أربعة قرون..!

داهمته كلمات والده مجددا: "عندما أنقذ جدك الأكبر الكنز كان في مثل عمرك تقريبا".. جده الأكبر.. رالف.. كيف تمكن من حمل مسئولية كبيرة كهذه..؟ كيف كان يشعر وقتها..؟ أكان يشعر بكل الخوف والرعب واليأس وعذاب الضمير الذي يشعر هو به الآن..؟؟ لا.. لماذا كان عليه أن يشعر بعذاب الضمير..؟ لقد أنقذ الكنز! لم يتسبب في تدميره كما يفعل هو الآن..!

ما الذي سيظنه به والده والعم فنسنت لو عرفوا بذلك..؟ كيف أفسد الأمر بعد أن أدرك حقيقته وأهميته..؟ بعد أن أدرك انتماءه لتاريخٍ قديم.. لفصولٍ ضائعة.. ولبقايا حياةٍ خرجت من تحت الرماد..؟

بقي تائهاً في عذاب صراعه.. يتقدم عقله ويتأخر في مكانه.. ما أخرجه من عالمه الداخلي ذاك كان تغييراً حدث في المشهد الثابت الذي كان يطالعه طوال الوقت.. هالات النور المنبعثة من الكهف.. اخترقها جسم أسود.. أحد الفرسان الثلاثة كان منحنياً عند مدخل الكهف الآن.. ركز ألان بصره.. فرآه ينثر البارود أرضاً..!

الأمر حقيقي..! سيُحرقون الكنز..! سيدمرونه الآن..! الآلاف الذين حموه.. جده رالف.. العم فنسنت.. والده.. إنه يخذلهم جميعاً..!!

سكنت هذه الأفكار كل جوارحه.. إنه لا يريد أن يموت.. حقاً لا يريد ذلك.. لماذا إذا يخرج الآن من مخبئه وينطلق مسرعاً باتجاه الكهف..؟

هو يعلم يقيناً أنه لا يملك شيئاً ليفعله.. ولكن لو كان هناك أمل بإنقاذ الكنز.. أي أمل ضئيل.. فهو سيؤمن بإمكانية تحققه..! هذا كل ما يفهمه.. هذا كل ما يريده.. أهذا ما كان والده يسميه بالتضحية..؟ ربما يفهمه قليلاً الآن.. مع أنه حقاً.. لا يريد أن يموت..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


وقف الفرسان الثلاثة السود يتأملون الكهف للمرة الأخيرة.. كل شيءٍ معد.. البارود منثورٌ في أماكنه المناسبة.. ولم يبق عليهم سوى إشعاله بالنار.. لينتهي كل شيء..

كم مرّ من الزمن وهم يحاولون إنهاء هذا الأمر..؟ أربعة قرون..؟ لماذا لا يزالون قادرين على المقاومة..؟ لماذا لم يختفوا بعد..؟ لم يتركوا أي وسيلة ممكنة لإخفاء هذه الفصول من التاريخ.. فلماذا لم يختفوا إلى الآن..؟

نظر حامل المشعل إلى البارود الأسود المفترش للأرض.. نظر إلى بقاياهم المتربعة في الكهف والتي تصر على التجذر هنا رغم السنين.. هو سينهيها الآن..! علّهم ينتهون حقاً..!

مدّ مشعله الضخم.. قربه من البارود.. الآن.. عندما يختلط اللهب بالسواد سينتهي كل شيء..!

لمح فجأة في لحظةٍ خاطفة ظلاً أسود أشبه بقطٍ كبير.. يدنو منه.. يقفز عليه.. ويُسقطه أرضاً على ظهره..!

علا صوت أحد زميليه صارخاً فجأة: من أين أتى هذا؟؟

نظر إلى الجسم المتكور فوقه.. إنه طفل..! أهو صاحب الآثار في منزل فنسنت..؟

مد يده مناولاً مشعله لزميله.. وأخذ يزيح هذا الجسد المتشبث به.. بالكاد تمكن من رفعه من ثيابه.. ليواجه ملامحه.. فيتصلب جسده.. ثم يلقيه بعيداً بقسوة..!

مجدداً..! هذه الوجوه وهذه الملامح.. إنه حقاً يكرهها! كانت عيناه الرماديتان تلتمعان إصراراً وغضباً.. وتحتهما سيلٌ من الدموع المنهمرة..!

كلهم هكذا.. يملكون نفس هذه النظرات المتحدية رغم الألم.. لهذا يكرههم..! كان الفتى ينهض متألماً الآن.. ودون أن ينظر نحوهم.. يسرع مترنحاً نحو البارود يفرّقه بيديه وقدميه باهتياج.. دنا أحد رفيقيه منه.. ركله بقدمه بقوة..

تأوه الفتى بألم.. اصطدم بالجدار بعنف.. ثم ارتدّ ساقطاً على الأرض..!

اقترب الفارس الأسود من الجسد الصغير الملقى أرضاً دون حراك.. حركه بقدمه.. فانقض الفتى فجأة على ساقه متشبثاً بها ليُفقده توازنه مجدداً ويسقط معه أرضاً..!

استشاط الفارس غضباً.. ركله مجدداً.. هذه المرة نهض الفتى واقفاً على ساقيه المرتجفتين.. الدماء تقطر من جبينه.. دموعه لم تتوقف.. لمعان عينيه لم يبهت.. وصوته يصرخ بإصرار من بين شهقاته الباكية: لن أدعكم تدمرون الكنز..!!

لماذا..؟ لماذا هم هكذا..؟ يجب أن يموتوا..! يجب أن يختفوا..! مدّ الفارس يده إلى داخل رداءه.. أخرج مسدساً عتيقاً.. وجّهه نحو الفتى.. ليست هذه طريقتهم.. ولكنه حقاً لا يحتمل نظرتهم تلك.. لا يحتملهم..!

التفت بناظريه إلى زميليه فأشارا له بالإيجاب.. ليس وحده من لا يطيق هذه النظرة المتحدية التي لا تزال تطل من العينين الدامعتين رغم مواجهتهما للسلاح..

يجب أن ينتهي..!

شد بإصبعه على الزناد.. وعلا صوت الرصاص..


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

سقط الجسد أرضاً.. سالت الدماء الحمراء..

ووقف ألان ينظر بدهشةٍ إلى حامل البندقية الواقف بمدخل الكهف..! كان ضياءٌ ضئيلٌ من نور الفجر قد بدأ يتسلل إلى المكان مبدداً عتمته الرهيبة.. دلف شخصان آخران إلى الكهف.. هاجما الفارسين الأسودين المذهولين.. وطرحاهما أرضاً..!

لم يصدق ألان ما تراه عيناه.. لم يعِ عقله ما يحدث حوله.. عبْر النور الضئيل لمح رجالاً أكثر في الخارج.. أحدهم اقترب منه.. بأكتافٍ عريضة.. وشعرٍ رمادي كث.. وعينين رماديتين لامعتين.. ويدٍ يمنى مقطوعة..!

حدّق ألان بالرجل بعدم فهم.. اقترب الرجل أكثر حتى صار أمامه مباشرة.. جثا على ركبتيه.. ومن خلال عينيه الدامعتين وصوته المتحشرج همس: ألان..!

كان صوتاً سحرياً خلّص ألان من كل آلامه وأوجاعه.. حرره من قيوده وبؤسه.. أنهى مخاوفه ويأسه.. فانهار في حضن والده منتحباً..!



http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png


دقائق طويلةٌ مرت لا تحمل صوتاً سوى النشيج والبكاء.. كان ألان قد دفن وجهه في صدر والده الذي كان يحتضنه بقوة..

عندما شعر ألان أخيراً بالراحة والأمان يسكنان خلايا جسده.. رفع وجهه نحو والده متسائلاً: كـ.. كيف عرفت...؟

أومأ الوالد برأسه بألم وقال: لقد أنقذني هؤلاء الجنود الفرنسيون.. وفوراً أخبرتهم عن أمرك.. وصلنا بسرعةٍ على ظهر الخيول.. لم نعثر لك على أثر في منزل فنسنت أو عند البحيرة.. لذلك توقعت هذا المكان.. كنت قد اطلعتُ سابقاً على محتويات اللفافة.. لم أعرف مكان الطريق تحديداً ولكني عرفت الجبل..! وهنا كان سهلاً معرفة مكانكم من صوت نباح الكلاب المرتفع..!

رفع ألان بصره نحو الرجال المتجمهرين في الكهف.. بالفعل.. إنهم يرتدون زي الجنود الفرنسيين.. لقد كانوا يشيحون بوجوههم الباكية عنهما بألم.. شعر بالامتنان لهم من كل قلبه..

لمع في ذهنه أمرٌ أخر فجأة.. العم فنسنت..! نظر إلى والده بقلق وسأل: و.. والعم فنسنت..؟

أشاح الوالد بوجهه جانباً بحزن.. ففهم ألان ما جرى ولم يعقب.. سالت دموعه بغزارةٍ أكبر الآن.. لم يرغب الوالد أن يحدّث ابنه عن الطريقة الفظيعة التي مُزِّق فيها جسد فنسنت..

أحاط ولده بذراعيه.. وبكى معه بصمت..

وقف الكولونيل ليموتسكي والضابط دي ليل وبقية الجنود يراقبون المشهد الفاطر للفؤاد.. لم يعد الكولونيل يقوى على المشاهدة أكثر.. خرج من الكهف.. استنشق عبير الصباح العليل.. وشعر بكل همومه تخرج مع زفراته..

نظر إلى ضوء الشمس الذي بدأ يظهر بخجلٍ في الأفق.. لقد أنهى مهمته أخيراً.. ابتسم لأول مرة منذ أيام.. وهمس معترفاً ببساطة: لأجل المظلومين والمعذبين.. ولأجلك فرنسا..!

في الكهف.. كان الوالد يمسح شعر ألان برقة وحنان.. خاطبه بصوتٍ اختلطت فيه السعادة والألم: لقد كنت شجاعاً يا بني.. أنا حقاً فخورٌ بك.. لقد أنقذت الكنز..!

نظر ألان حوله في الكهف.. كان نور الصباح الآن كافياً ليشاهد بوضوح رفوف الكتب المجتمعة بالآلاف على الجدران الصخرية..!

همس ألان: أهذا هو الكنز؟

أومأ الوالد مجيباً: أجل بني.. لقد أُنقذت قبل أربعة قرون من النيران الحاقدة التي التهمت كل شيء.. هذه بقايا تاريخنا وتراثنا وعقائدنا وعلمنا.. نحن نموت ألان ولكن هذه الكلمات لا تموت.. ولهذا سنبقى.. وسنعيش.. في كل كلمةٍ سُطرت فيها..!

ربما كانت هذه الكلمات أكبر من أن يستوعبها ألان.. ولكنه شعر وكأنه يستطيع الفهم.. إنه حقاً يشعر بالفخر..!

ربت الوالد على رأسه وكرر مجدداً: أنا حقاً فخورٌ بك ألان..!

هز ألان رأسه نافياً.. رفع وجهه المضاء بنور الشمس وقال: لا تناديني ألان..

اسمي عبد الله..!!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

خاتمة

لم يعد والد ألان -والآلاف معه- بحاجةٍ إلى الإغلاق على نفسه في القبو لأداء صلاته..

لم يعد بحاجة إلى إخفاء مصحفه العتيق في صندوق محكم الإغلاق أسفل سريره..

لم يعد بحاجة إلى تغيير اسمه وهويته.. إلى تجنب الحديث بالعربية أو حتى الوقوف باتجاه القبلة..

فبعد أربعةٍ قرونٍ من القتل والملاحقة والتعذيب الذي مارسه بحقهم رهبان دير ديوان التفتيش، تحرر الأندلسيون المورسكيون أخيرا..!


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

تشيزوكو
19-9-2014, 08:12 PM
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

وهكذا نكون قد وصلنا أخيراً إلى نهاية هذه الرواية القصيرة..

وبقي لنا فقط بوح الكاتب :")

ربما تكونون قد لاحظتم الواقع المختبئ بين سطور الرواية.. الحقيقة أنه أكثر بقليل مما خمنتم ^^

أحد مشاهد الرواية هو مشهدٌ حقيقي في مجمله.. وهو ما أوحى إليّ بهذه الرواية كلها..

وهذا المشهد هو مشهد اقتحام الجنود الفرنسيين لدير ديوان التفتيش وإنقاذهم الأندلسيين، ثم مقتل الرهبان على أيدي الشعب الثائر.. >>>>> أضفت الكثير من الرتوش والتفاصيل للمشهد بالطبع ^^"

بل إن أسماءً ثلاثةً وردت في هذا المشهد هي أسماءٌ لشخصيات حقيقية باستثناء التفاصيل الكثيرة التي اخترعتها لهم XD

هذه الأسماء هي:

المارشال سولت: الأمر الحقيقي عنه هو أنه الحاكم العسكري لمدريد وهو من أمر بمهاجمة الدير..

الكولونيل ليموتسكي: الأمر الحقيقي عنه هو أنه قائد الهجوم على الدير، وهو من أخبر المارشال بأمرهم بعد أن تعرّف عليهم عندما هاجموه ليلاً..

دي ليل: الأمر الحقيقي عنه هو أنه ضابط شارك في الهجوم على الدير واقترح فكرة البحث تحت الأرضيات..

تفاصيل تعذيب الأندلسيين المورسكيين حقيقية أيضاً، بل ما وضعته هو ألطف بكثير من الحقيقة :"(

هذا المشهد كله مرويٌّ على لسان الكولونيل ليموتسكي (الحقيقي طبعا XD ) في مذكراته الشخصية..

في الرابط التالي تجدون مقالاً يحوي معلومات أكثر عن الأندلسيين الموريسكيين ومعاناتهم، كما يحوي مشهد اقتحام الدير من مذكرات الكولونيل :")

http://quran-m.com/quran/printarticles/2887

ملاحظة: استمروا في إعادة تحميل الصفحة إذا لم تعمل من أول مرة ^^"

وأخيراً.. سعيدة حقاً بكل من مرّ وعقّب وأبدى رأياً أو حتى اكتفى بالقراءة..

ممتنة لكم بصدق.. وأطمع في رؤية انتقاداتكم وملاحظاتكم وتعقيباتكم حول الفكرة والأسلوب وكل شيء ><

سعدتُ بتواجدي معكم هنا.. ألقاكم على خير.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. :")


http://www.m5zn.com/newuploads/2014/08/30/png//3070f451692ec48.png

أثير الفكر
19-9-2014, 08:57 PM
يا سيدة الألق أنتِ

لله دوك و و الله لولا الوسن لعقبت على كل حرف هنا

لي عودة بعد الاستيقاظ من النوم

ساعة التخدير
19-9-2014, 09:01 PM
"عمل رائع"
هذا ما التمسته من الردود هاهنا
حقيقة لم أقرأ سطرًا مما كتب لسببن أولاهما الانشغلات والثاني
أن صُرِفت عن الروايات فلم أعد أجد لها صدىً أو وقعًا أو حتى قبولًا في نفسي
لكن مع هذا قد أقرؤها يومًا -وأضيفها لأطنان ما يجب علي قراءته هنا-
فيكفي أنها عن تاريخنا ومن الواقع-وهذا ما أصبحت أجد له القبول فأحسن القصص الواقعية
بدلالة "سورة يوسف وما قاله المفسرون عن هذه الأمر"..
ويكفي أنها ذيلت باسم..
تشيزوكو
تحياتي،

Hercule Poirot
19-9-2014, 10:52 PM
رهيييييييييييبة!

نهاية ما كانت لتخطر على بال، وامتزاج لأطراف القصة المتفرقة بطريقة ناعمة وهادئة لا مثيل لها...

تاريخ الأندلس تاريخ صار شبه مطموس في أيامنا هذه، خاصة الحقبة التي تلت سقوط آخر ممالكها غرناطة وتعرض المسلمين الأندلسيين بعد ذلك للتهجير والتنكيل والتعذيب والقتل. أكثر من في الغرب (باستثناء أهل إسبانيا) لم يسمعوا باسم الأندلس قط في حياتهم، بل ويظنون أن العلوم التي تلقوها وتابعوا تطويرها حتى خرجوا من ظلمات العصور الوسطى إلى ما هم عليه من التقدم العلمي اليوم، يظنون أنهم نقلوها عن الإغريق (اليونانيين)، والحق أنهم نقلوها عن العرب المسلمين الأندلسيين والمغاربة، ولم يتعلموا اليونانية قط في تلك الحقبة، بل تعلموا اللغة العربية ودرسوا في الجامعات العربية الأندلسية، ونقلوا علوم العرب إلى لغتهم، وكذلك كُتب القدامى من اليونانيين وغيرهم نقلوها من ترجمة العرب لها إلى العربية. وأوضح أدلة على ذلك الأرقام العربية التي يعرفها ويستخدمها معظم سكان العالم اليوم، ونظام الحساب العربي العُشري، ولباس التخرج الجامعي/المدرسي مع القبعة ذات السطح المربع، وهي ثياب عربية (عباءة) كان يلبسها الأوروبيون الذين يدرسون في جامعات أندلسية ويضعون فوق القبعة الكتاب الذي درسوه كناية عن إنهاءهم له (اليوم أخذنا عنهم ذلك التقليد دون أن نعرف أننا نحن كنا الأصل فيه!)، والقائمة تطول... وأنا خرجتُ عن موضوع ردي الأصلي :icon100:

أهنئك أختي على هذه الموهبة الفذة. حقيقة هناك بضع نقاط بقيت غامضة في هذه القصة بالنسبة لي، وبما أن الكاتبة ما زالت موجودة بيننا نستغل الفرصة :). ما سبب اعتداء جماعة الدير على الجنود الفرنسيين وإثارة الشبهات حول أنفسهم؟ واسم فنسنت هل هو مرتبط في الواقع بهذه الأحداث فعلاً؟ وأخيرًا، كيف عرف الضباط الفرنسيون بأن مهمتهم لم تنتهِ وعرفوا بأمر الكنز ومكانه من رجل معذّب كان على حافة الموت؟

دام قلمكِ مبدعًا، وأرجو أن نرى لكِ رواية أخرى قريبًا إن شاء الله.

dete.ctive2

تشيزوكو
19-9-2014, 11:43 PM
يا سيدة الألق أنتِ

لله دوك و و الله لولا الوسن لعقبت على كل حرف هنا

لي عودة بعد الاستيقاظ من النوم


سأكون بانتظارك ♥



"عمل رائع"
هذا ما التمسته من الردود هاهنا
حقيقة لم أقرأ سطرًا مما كتب لسببن أولاهما الانشغلات والثاني
أن صُرِفت عن الروايات فلم أعد أجد لها صدىً أو وقعًا أو حتى قبولًا في نفسي
لكن مع هذا قد أقرؤها يومًا -وأضيفها لأطنان ما يجب علي قراءته هنا-
فيكفي أنها عن تاريخنا ومن الواقع-وهذا ما أصبحت أجد له القبول فأحسن القصص الواقعية
بدلالة "سورة يوسف وما قاله المفسرون عن هذه الأمر"..
ويكفي أنها ذيلت باسم..
تشيزوكو
تحياتي،



شكرا جزيلا لك ومرحبا بك متابعا جديدا.. :) مع أنه كان من المفترض أن يظل موضوع الرواية غامضا حتى نهايتها حتى تزداد الإثارة.. ^^"

سأكون بانتظار عودتك بعد القراءة..



رهيييييييييييبة!

نهاية ما كانت لتخطر على بال، وامتزاج لأطراف القصة المتفرقة بطريقة ناعمة وهادئة لا مثيل لها...

تاريخ الأندلس تاريخ صار شبه مطموس في أيامنا هذه، خاصة الحقبة التي تلت سقوط آخر ممالكها غرناطة وتعرض المسلمين الأندلسيين بعد ذلك للتهجير والتنكيل والتعذيب والقتل. أكثر من في الغرب (باستثناء أهل إسبانيا) لم يسمعوا باسم الأندلس قط في حياتهم، بل ويظنون أن العلوم التي تلقوها وتابعوا تطويرها حتى خرجوا من ظلمات العصور الوسطى إلى ما هم عليه من التقدم العلمي اليوم، يظنون أنهم نقلوها عن الإغريق (اليونانيين)، والحق أنهم نقلوها عن العرب المسلمين الأندلسيين والمغاربة، ولم يتعلموا اليونانية قط في تلك الحقبة، بل تعلموا اللغة العربية ودرسوا في الجامعات العربية الأندلسية، ونقلوا علوم العرب إلى لغتهم، وكذلك كُتب القدامى من اليونانيين وغيرهم نقلوها من ترجمة العرب لها إلى العربية. وأوضح أدلة على ذلك الأرقام العربية التي يعرفها ويستخدمها معظم سكان العالم اليوم، ونظام الحساب العربي العُشري، ولباس التخرج الجامعي/المدرسي مع القبعة ذات السطح المربع، وهي ثياب عربية (عباءة) كان يلبسها الأوروبيون الذين يدرسون في جامعات أندلسية ويضعون فوق القبعة الكتاب الذي درسوه كناية عن إنهاءهم له (اليوم أخذنا عنهم ذلك التقليد دون أن نعرف أننا نحن كنا الأصل فيه!)، والقائمة تطول... وأنا خرجتُ عن موضوع ردي الأصلي :icon100:

أهنئك أختي على هذه الموهبة الفذة. حقيقة هناك بضع نقاط بقيت غامضة في هذه القصة بالنسبة لي، وبما أن الكاتبة ما زالت موجودة بيننا نستغل الفرصة :). ما سبب اعتداء جماعة الدير على الجنود الفرنسيين وإثارة الشبهات حول أنفسهم؟ واسم فنسنت هل هو مرتبط في الواقع بهذه الأحداث فعلاً؟ وأخيرًا، كيف عرف الضباط الفرنسيون بأن مهمتهم لم تنتهِ وعرفوا بأمر الكنز ومكانه من رجل معذّب كان على حافة الموت؟

دام قلمكِ مبدعًا، وأرجو أن نرى لكِ رواية أخرى قريبًا إن شاء الله.

dete.ctive2





ما سبب اعتداء جماعة الدير على الجنود الفرنسيين وإثارة الشبهات حول أنفسهم؟

ذُكر في الرواية أن الجنود الفرنسيين كانوا يحققون في أمر سر الليل، ولهذا أرادوا إخافتهم والتخلص منهم..



واسم فنسنت هل هو مرتبط في الواقع بهذه الأحداث فعلاً؟

لا ^^"



وأخيرًا، كيف عرف الضباط الفرنسيون بأن مهمتهم لم تنتهِ وعرفوا بأمر الكنز ومكانه من رجل معذّب كان على حافة الموت؟

ربما لم يكن موضوع الكنز ليهمّ الجنود الفرنسيين كثيرا.. وربما لم يذكره والد ألان حتى.. كل ما هنالك هو أنهم بعد سماع قصة والد ألان ( لم يكن على حافة الموت بالمناسبة.. فلم يمض وقت طويل على إمساكهم به ^^ ) أرادوا القبض على من تبقى من الرهبان وإنقاذ حياة طفل :")

+

المعلومات التي أضفتها جميلة جدا.. حضارة الأندلس موضوع شيق ومؤلم في آن واحد..


حقا أشكر متابعتك وتعقيباتك على الرواية جزاك الله خيرا :)

الفتاة المشاغبة
23-9-2014, 05:17 PM
السلام عليكم
ما أشد خجلي منك يا أخية و من جمال الحروف التي تسطيرنها
ارتويت من شراب كلماتك رغم أنني لم أظهر و بقيت صاتتة حتى النهاية
و يا لهما من قصة و يا لها من ارتواء
لغة بسيطة سلسة مفهومة مزينة بعبق شتى من البلاغة و الوصف
نسجت أحرف من ذهب بارك الله فيك و بارك لك في هذا القلم

سعيدة بتواجدكم في القصة أو الرواية الأولى التي أطرحها هنا ^^

وفي الواقع عنونتُها برواية قصيرة لأنها أطول من القصة وأقصر من الرواية ^^"

icon146
لم أجد ما أقول تبخرت كلماتي أمام جزيل عطائك
دمت ذخرا لهذا القسم

تشيزوكو
25-9-2014, 12:57 AM
السلام عليكم
ما أشد خجلي منك يا أخية و من جمال الحروف التي تسطيرنها
ارتويت من شراب كلماتك رغم أنني لم أظهر و بقيت صاتتة حتى النهاية
و يا لهما من قصة و يا لها من ارتواء
لغة بسيطة سلسة مفهومة مزينة بعبق شتى من البلاغة و الوصف
نسجت أحرف من ذهب بارك الله فيك و بارك لك في هذا القلم

icon146
لم أجد ما أقول تبخرت كلماتي أمام جزيل عطائك
دمت ذخرا لهذا القسم

وعليكم السلام ورحمة الله.. أهلا بالغالية سكون ♥

كم تسعدني زيارتك وقراءتك للرواية :")

أسعدك الله.. شكرا من القلب لجمال كلماتك :"")

دمت على خير ما تحبين ♥

أثير الفكر
25-9-2014, 01:24 AM
الحق أني و حتى اللحظة هذه لا أجد ما أسطره هاهنا

أمن جمال الحبكة و الأسلوب

أم من الفكرة و الربط الفائق في الروعة بين الأحداث

أم من المنطلق المبدع الذي انبثقت منه هذه الكلمات

الرواية من بدايتها ساحرة ، وسمو فكرتها و أصالتها زادتها سحرًا على السحر

هنيئًا لكِ هذه الموهبة و حماك من أسكن الإبداع فيك

تشيزوكو
25-9-2014, 10:42 PM
الحق أني و حتى اللحظة هذه لا أجد ما أسطره هاهنا

أمن جمال الحبكة و الأسلوب

أم من الفكرة و الربط الفائق في الروعة بين الأحداث

أم من المنطلق المبدع الذي انبثقت منه هذه الكلمات

الرواية من بدايتها ساحرة ، وسمو فكرتها و أصالتها زادتها سحرًا على السحر

هنيئًا لكِ هذه الموهبة و حماك من أسكن الإبداع فيك


أهلا بعودتك رواتي ♥

شكرا جزيلا لك ^^

كلماتك شهادة أعتز بها :")

الوجه المبتسم
4-10-2014, 09:26 PM
تشيزو العزيزة...
يا للروعة.. أذهلتني بحق...
أسلوبكِ السلس المبهر الذي أحببته مذ أول قصة أقرأها بقلمكِ.. الحبكة والفكرة الأكثر من رائعين.. الأحداث التي تجعلك تحبس أنفاسك من فرط التشويق والحماس كلها ساهمت في هذه التحفة الفريدة...
لا يمكنني قول سوى أبدعتِ حقًا...
وفقكِ الله...

تشيزوكو
6-10-2014, 04:13 PM
تشيزو العزيزة...
يا للروعة.. أذهلتني بحق...
أسلوبكِ السلس المبهر الذي أحببته مذ أول قصة أقرأها بقلمكِ.. الحبكة والفكرة الأكثر من رائعين.. الأحداث التي تجعلك تحبس أنفاسك من فرط التشويق والحماس كلها ساهمت في هذه التحفة الفريدة...
لا يمكنني قول سوى أبدعتِ حقًا...
وفقكِ الله...


شكرا جزيلا لك ^^

أسعدتني كلماتك :")

سعيدة بقراءتك للرواية واستمتاعك بها.. أسعدك الله :")

Michelle Kris
15-10-2014, 08:16 AM
أذهلتِني يا فتاة *______*
حجر ليوم واحد!!! *0*
متابعة صامته الآن تكشف عن نفسها XD

.
.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حجز ليوم واحد =_="" تباً لي..
أُعذرييييييييييني على التأخير غاليتي ><""
انشغلتُ بالكثيــــــر ولم تسنح لي الفرصة لقراءة الفصل الأخير حتى الآن :""(
والآن.. صدمتِني *-*
أنا أعشـــــــــــــــق الروايات والأنيميات التأريخية icon152
أمّا هذه *_* حطمت كل توقعاتي!!
أبدعتِ في السرد! لم أرَ أحداً من قبل قد اعتنى بسد الأحداث وترك الوصف أجاد فيها أكثر منكِ 3>
ما شاء الله عليكِ غاليتي مبدعة والقصة رهيــــــــبة *////*
خصوصاً الفصل الأخير! طوييييييييل جداً وأحداث القصة المقبورة أخيراً اتضحت للعيان
أعجبني الكولونيل ليموتسكي 3> كان أكثر شخصية أثرت فيَّ :""")
ولا أنسى والد آلان، كان له دور البطولة بعد آلان مباشرةً! حمداً لله انه لم يمت *_*
تسلسل الأحداث وتتابعها ونهاية كل فصلٍ كانت مشوقةً ومُحمّسةً غامضة!
حقاً.. لا أدري ما اقول بعد أن قرأتُها 3>
لا أقول شيئاً بعد هذا سوى أن
أتحفينا بالمزيد من كتاباتِ قلمكِ الياقوتية 3>
أدامكِ الله بخيرٍ وسعادة~

تشيزوكو
17-10-2014, 11:31 PM
أذهلتِني يا فتاة *______*
حجر ليوم واحد!!! *0*
متابعة صامته الآن تكشف عن نفسها XD


بانتظارك ميشا :")



ما شاء الله تبارك الله !

نهاية رائعة لرواية ممتعة !

استمتعت بكل حرف من أحرف هذه الرواية !


شكرًا جزيلًا على ما سطرت ..


العفو.. كل الشكر لك على متابعتك وتشجيعك..

سعدت حقا بإعجابك بالرواية..

جُزيت خيرا..

Michelle Kris
22-10-2014, 05:15 PM
تمت العودة~ 3>

تشيزوكو
25-10-2014, 05:23 PM
أذهلتِني يا فتاة *______*
حجر ليوم واحد!!! *0*
متابعة صامته الآن تكشف عن نفسها XD

.
.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حجز ليوم واحد =_="" تباً لي..
أُعذرييييييييييني على التأخير غاليتي ><""
انشغلتُ بالكثيــــــر ولم تسنح لي الفرصة لقراءة الفصل الأخير حتى الآن :""(
والآن.. صدمتِني *-*
أنا أعشـــــــــــــــق الروايات والأنيميات التأريخية icon152
أمّا هذه *_* حطمت كل توقعاتي!!
أبدعتِ في السرد! لم أرَ أحداً من قبل قد اعتنى بسد الأحداث وترك الوصف أجاد فيها أكثر منكِ 3>
ما شاء الله عليكِ غاليتي مبدعة والقصة رهيــــــــبة *////*
خصوصاً الفصل الأخير! طوييييييييل جداً وأحداث القصة المقبورة أخيراً اتضحت للعيان
أعجبني الكولونيل ليموتسكي 3> كان أكثر شخصية أثرت فيَّ :""")
ولا أنسى والد آلان، كان له دور البطولة بعد آلان مباشرةً! حمداً لله انه لم يمت *_*
تسلسل الأحداث وتتابعها ونهاية كل فصلٍ كانت مشوقةً ومُحمّسةً غامضة!
حقاً.. لا أدري ما اقول بعد أن قرأتُها 3>
لا أقول شيئاً بعد هذا سوى أن
أتحفينا بالمزيد من كتاباتِ قلمكِ الياقوتية 3>
أدامكِ الله بخيرٍ وسعادة~

كم أنا سعيدة بردك عزيزتي ميشا :")

يسعدني أن وجدتِ القصة مشوقة وغامضة.. أول مرة أكتب في هذا التصنيف ^^"

شكرا جزيلا لكلماتك اللطيفة ^^

سعيدة بك حقا :")

دمت على خير ما تحبين ♥

بوح القلم
21-1-2015, 11:20 PM
يا الله ياتشيكي لقد أدهشتني وأذهلتني جداً جداً


مع أني دخلت وأنا متأكدة أن ما سأراه سيكون رائع ومذهل بما أنك من كتبه


لكني لم أتوقع هذا الإبداع وهذا الأسلوب الراقي والسياق السلس ...


أنت مبدعة بمعنى الكلمة كما أن الموضوع الذي اخترته كان راقي


فهو يتحدث عن فترة مظلمة في التأريخ ... محاكم التفتيش التي انتشرت في إسبانيا والبرتغال

حتى أننا نرى أحفادهم اليوم خجلون مما فعل أسلافهم من فضائع


فقد قدم 30 مؤرخًا من مختلف أنحاء العالم مشروع قرار إلى البابا حول إمكان اعتذار الكنيسة الكاثوليكية عن محاكم التفتيش وجرائمها بحق المسلمين..




وكذا الرئيس البرتغالي جورج سمبابو بدوره اعتذر عن جرائم أجداده بحق العرب في أثناء محاكم التفتيش، لكن اعتذاره كان في ندوة التراث العربي فبدا وكأنه اعتذار سري !!


لكن من الأمور التي يجب أن نفخر بها أن المسلمين في الأندلس لم يتزحزحوا عن معتقداتهم رغم كل التعذيب وعمليات الكثلكة وأبرز مثال لهم الموريسكوس


فقد تكثلك المسلمون بالظاهر فقط ، ولكنهم فعليًّا يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سرًّا، يتزوجون على الطريقة الإسلامية، يرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن في مجالسهم ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم أدخلوا عددًا من الكاثوليك الإسبان في الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية.


جميل أنك أظهرت الكتب والتراث الإسلامي ككنز يتوارثه الأجيال ويضحون من أجله بكل غالٍ ونفيس


ويكفي أولئك الرهبان وصمة العار التي جللتهم حتى باتوا لا يستطيعون كشف أراشيفهم الكنسية !! ولم تنتقص تلك الحقبة من تأريخنا الإسلامي بل سطرت أروع التضحيات وأجلّ مواقف البطولة والثبات فرحم الله مسلمي الأندلس وغفر لهم


ما شاء الله لم تتركي شيئاً إلا وتطرقتي له وأدخلت ما ذكر عن تلك الحقبة كـ " اللفتنانت دي ليل " وكذا " رفع السجاد وصب الماء وتبينت باب أرضية كأنها قطعة من أرض الغرفة تفتح بواسطة حلقة صغيرة " " عثر على صندوق في حجم رأس الإنسان تماماً توضع فيه الرأس المعذبة ببعد ربط الأيدي والأرجل ويقطر على رأسه من ثقب في أعلاه ماء بارد بانتظام وقد جن من جراء ذلك الكثير ويبقى المعذب حتى الموت "وكذا قول الكولونيل لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، " في سياق الرواية بأسلوب محبب غير ممل فزدتها تشويقاً وإثارة ورعبا


ويبدو أن محاكم تفتيش الأمس عادت اليوم وإن لم تسمى باسمها ، تجند كل طاقاتها لإبادة المسلمين والمؤمنين بدين الله وتتخذ كل وسيلة لتشويه صورة الإسلام أمام الناس ، باستهتار للحق وامتهانٍ للحقيقة وتزوير للفضائل فها نحن نرى أهل السنة وقد تكالبت عليهم الأمم من فرس ونصارى ويهود وكل ذنب أعوج فأضحى كل مسلم ملتزم إرهابي وغدا كل شريف فوضوي فإنا لله وإنا إليه راجعون


وكأني أقرأ إحدى الروايات الفرنسية فلك الأسلوب ذاته حتى وكأنها تحكى من وجهة نظر فرنسية .. وكأنكِ سلطت من الضوء ..الكثير على جنود فرنسا ؟!


لكنك أبدعت عليها بأن أظهرتِ الرهبان ومكاتب التفتيش وكأنها جماعات سرية تقوم بطقوس مرعبة تحمل اسم سر الليل ذكرتني بالكاتب دان براون وكيف يصور الجماعات السرية والطوائف الغريبة الأطوار


فجمعت روايتك بين الأسلوب الفرنسي السلس وأفكار دان براون اللامعة وخرجت لنا رواية رائعة ساحرة تسلب الألباب وتقتحم الأفئدة أنا مسرورة أني قرأت رواية بهذا الجمال سلمت وسلمت أناملك المبدعة

لكِ أجمل وردة

تشيزوكو
25-1-2015, 02:36 PM
^

سعدتُ جدا لقراءتك وتعقيبك عزيزتي بوح ^^

ما شاء الله معلوماتك التاريخية وافرة.. تبدين من محبي التاريخ :)

شكرا جزيلا لكلماتك اللطيفة.. أسعدك الله :")

أتمنى أن نقرأ لك رواية قريبا كذلك ^^