المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شاب في مواجهة القهر "قصة قصيرة"



Intrax
15-2-2015, 05:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


-1-



كان شخصاً يمكن من كوبِ قهوةٍ صغير أن يجعل منه أسعد شخصٍ في هذا الكون، ويمكن أيضاً لذبابة صغيرة أن تأخذ منهُ سعادة يومه وتجعلهُ أتعس شخص على وجه الأرض، بإمكانك أن تكسب ودّهُ بطبق طعام أو أن تجعله أتعس شخصٍ في العالم بحرمانه من طبقه المفضل، كان رجلاً من رجال الشرق البائس، من مدينةٍ سيئةِ الظن بسكانها، إعتقد بداية الأمر أن وجوده وسط الدمار والقتل هو أسوء ما يمكن أن يحصل.. كانَ مخطئاً، فقد كانت القاهرة كئيبة بما يكفي بالنسبة له، وقد أدركَ أنه ليس على ما يرام، ورغم أنه أصبح بعيداً عن الحرب والموت، فقد كان يشعر أنه يقترب منه أكثر وأكثر بقدومهِ إلى هنا، شعر بلحظتهِ المرفوضة في هذا العالم الغبي. مجبراً على أن يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفسه، يبحث في شوارع القاهرة عن أزقة دمشق العتيقة، لم يحالفهُ الحظ بأي حالٍ من الأحوال، سارت حياتهُ بعكسِ ما يشتهي. عاد إلى مكان إقامته متجاهلاً ما يحصل في هذا العالم، شعر بالصمت الثقيل القاتل المطبق على المكان رغم صخب الضجيج الموجودِ حوله، كان صمتاً أشبه بصمت القبور، ورغم أنه أمضى سنةً كاملة في القاهرة إلا أنه لم يستطع تقبل هذهِ المدينة العتيقة، حاول قدر الإمكان أن يتعايش فيها لا أن يعشقها أو أن يستبدلها بدمشق، وحده في أزقتها القديمة يسير هائمَ الخطى لعلهُ يتقبلها، بملامحَ جامدة كئيبة، بعينينِ جاحظتينِ خاليتينِ من أية حياة، يسير بغير وجهة، ولو أن أحداً استوقفه لما أستطاع الوقوف، أو لم يدرك ذلك حتى، أيامه هنا تمضي بشكلٍ بطيء مع الحزنِ العميق. دخل إلى منزله، كان الهدوء جيداً بالنسبة له وقاتلاً في آن، لا أحد ينتظره سوى جماد، حاسب وثلاجة وطائرٌ صغير كان يعزي به نفسهُ كل حين، أعوامه التي قضاها هنا كانت أسوء أيام حياته وأجمل أيام حياته أيضاً، كان تائهاً في دواماتٍ من التدمير الذاتي كقنبلةٍ موقوتة جاهزة للإنفجار في أي وقت، ومتاهاتٍ من محاولات الإنتحار العديدة التي لم يعد يذكرها، أراد المحاربة بعزيمة قوية ولكنه تأخر بالفعل، كان قد شاخ قبل أوانه، ولو شاهده أحد المارة لقدّر عمره بسنواتٍ من العقد الخامس، لا يزال يذكر أنه في طفولته المبكرة لم يحصل على أيةِ مساعدة ولا حتى محاولة فهم، وحتى عندما كبر،دائماً ما كان يُنتظر منه أن يقوم بشيء فوق طاقته، يظنونه شيئاً وهو شيئٌ آخر، لذا فقد شكّل ذلك بطريقةٍ لا إرادية حاجزاً بينه وبين الآخرين لحماية نفسهِ، قام ببناءه مستخدماً القسوة والشك، فالوضع معقدٌ أكثر مما خبِر وأدرك، لا يعرف قريب ولا يثق بغريب، ومهما تعلم وشاهد ودرس وجدَ أنه لا يعرف شيئاً،بالنسبة لوالده فقد غرتهُ الأماني، أراد أن يحقق أحلام شبابه في إبنه، ما لم يستطع الأب تحقيقه إنتظره من الإبن، لذا كان عبثاً أن يحاول التمثيل بأنه على ما يرام بينما هو ليس كذلك، القيام بتعبير يدل على السعادة بينما هو شقي، يعلم جيداً إلى أي مدى كان هذا الشعور كاذباً وغير حقيقي ووهمي، كل هذا جعل روحه تتآكل ، كثقبٍ أسود يمتص الروح على معزوفةٍ أو حتى سيمفونيةٍ طويلة.. مقيتة، تذبح روحه ببطئ، فظلمة الروح تقتله، يخشى على نفسه منها، فقد نفذت حيله جميعها، شعر بأنه يمثل مسرحية كاذبة في نسيان حزنه الذي لا يملك أدنى قدرة للتخلص منه، رأى أن حياته قد تقررت عليه سلفاً، كأنهم قد قرروا عنه هذه الحياة لأن أحداً أخبرهم أنها الأفضل له، ظن أيضاً أن حياته مجرد روايةٍ قام كاتبٌ مغمورٌ أحمق بكتابة تفاصيلها متأثراً بمعاقرة أنواعٍ من الخمور. لم يعد يستطيع التمييز جيداً، هل هو بارعٌ في التمثيل وإخفاء الأسى عمن هم حوله، أم أنه بات واضحاً جداً لدرجة أنه لم يعد قادراً على إخفاء حزنه بشكلٍ جيد الذي قد بات مكتوباً على وجهه! ظن أنه في يومٍ من أيام طفولتهِ السعيدة قد قابل مشعوذة ألقت بتعويذتها عليه ليصبح على هذا الكم الهائل من الشقاء، قضى ما تبقى من حياته يحاول تفسير ما هو فيه، حتى عندما يتوهم بأنه يشعر بإحدى لحظات السعادة النادرة فإنه كان يشعر بالحزن، ذلك أنه كان بعد ذلك ينتظر دفع ثمن هذه اللحظة، لأن كل لحظةٍ من السعادة تساوي دهراً من الحزن، لحظةٍ من سعادة لا يستحقها، عاش في مدينة كان عدد مخبريها أكثر من عدد سكانها! أيام الربيع السوري، أعجبه الدور، إغتر بنفسه، شعر بالزهو، أصابته الحرب التي مات فيها الآلاف بهراوة صنعت جرحاً صغيراً على جبينه، ولم تهدده حتى بالموت.. لم يصب وهو يحارب! على العكس من ذلك فقد أصيب بينما كان يحاول الهرب، رغم ذلك فقد عاش عمره يعتبره وسام شرف تحت الجلد وشارةً للمجد عن مشاركته الوطنية المزعومة، الآن انتهى كل ذلك، ولكن هذا العالم المقرف لم ينتهي منه، حملَ أوزاراً لم يصبها وحروباً لم يشعلها، كان عليه دفع فاتورةٍ عن تاريخٍ لم يصنعه، وهموم بلادٍ لا يملكُ فيها موطئ قبرٍ أو حتى قدمين! في أيام جدهِ الأخيرة كان يكلمه من المشفى ليقول له: أيها الأحمق! لا تدع هذه المدينة اللعينة تنال منك! مدينة لا تورث سوى الكآبة لأصحابها! إهرب، إهرب وإبتعد بقدر ما تستطع من قوة، وأياك أن تنصت لأحد فيها. كان يقول له هذا وكأنها وصيته الأخيرة التي يرغب في تحقيقها ولم يدركها. أثناء عودته إلى المنزل كان يمر على مسجد الحي، قديمٌ نوعاً ما ولكنهُ قريب للحقبةِ العثمانية، كان يرغب كثيراً في الدخول إليه والتعرف على عائلة المسجد بل حتى الإنضمام لها، ولكنهُ كان في كل مرة يكمل سيره ويستمر بالتفكير.. إلى متى سيبقى على هذه الحال، يقضي لياليه وحيداً، فراغ روحه يدفعهُ لأن يجمع شتات نفسه بسرعة، ولكن.. ينتهي به الأمر غارقاً في دموعه بدون أن يشعر، يستيقظ على صداع قاتل، يلجأ للمسكنات قبل كوب قهوته الصباحية، كل ما في نفسه وشخصيته هو ما تمنى أن يكون عليه رغم كل أخطاءه، وكل ما وصل إليه الآن هو ما كان يخشاه، شخصٌ لم يكن يتمنى لقاءه ولا حتى في أحلامه. كل مساء يبكي روحهُ التائهة، يبكي على حزنه الذي لا يستحق أن يولد أبداً، يتكور كل ليلة في سريره، ويحاول أن يعود جنيناً، حاول في إحدى المرات أن يكون متفائلاً ويحول الظلام في داخله إلى نور، ولكنه خشي من النور أن يحرقه، أدرك أن ليس هنالك ثمة فرق.. في كلتا الحالتين هو يتألم، ألم يعتصر قلبه على لحظاتٍ فاتت من عمره.. على عمرٍ فات! موته الذي سعى إليه كان قد وجده أكثر بهجةٍ من حياته التي كانت أسعد لحظاته فيها عندما يتمكن من النوم. شعر حينها بالهزيمة، هزيمة الأرواح، هزيمة الأمل، هزيمة الذكاء القادر على الاستشراف والاستعداد، هزيمة دفء الانتماء لوطن لم يعد يعرفه. أصحبت حالات الآسى والكآبة تأتيه بفترات متقاربة جداً، لدرجة أنه استطاع التأقلم معها لتصبح طبيعية بالنسبة له، بل أنهُ حتى استطاع بعد ذلك التنبؤ بها، وأكثر ما كان يخشاه هو وصوله لاحقاً إلى المضادات. أصابه الهلع عندما أمسك للمرة الأولى مضاداً للإكتئاب، تردد بتناوله في بادئ الأمر، ربما لم تكن تهمه الأعراض الجانبية بقدر ما كان يهمه مشكلة إدمانه عليه، قرأ النشرة الخاصة بالعقار.. يسبب العقم! لا بأس، فهو بكل الأحوال لا يريد أن ينجب طفلاً على هذا العالم البائس ليحقد عليه فيما بعد، إضافة إلى ذلك فإنه يوجد ما يكفي من العبيد. في حينها كل ما كان يهتم به هو أن يحصل على السكينة! أن يجد قليلاً من السكون والسعادة، بحث عن حلول كثيرة قبل أن يلجأ إلى مضادات الإكتئاب، فكر أن يتزوج علّه يشارك بؤسه مع أحدٍ ما، طال عليه العمر وقسى عليه ولم يجد ما يسعى إليه، سأل أحد أصدقائه، قال له أخبرني يا صديقي هل وجدت السعادة التي أبحث عنها، ظل صامتاً فصديقه لم يعرف بما يجيبه، رد عليه أن السعادة موجودة في ثنايا حياتنا ونحن الذين نتجاهلها،فكر كم أنه أحمق عندما سأله وفكر، وجد أقرب حلٍ متاح هو مضاد الإكتئاب وهي فترة قصيرة وسيتمكن من التخلص منه. أراد تجربة السعادة لفترة قصيرة فقط، أن يغترف منها قليلاً وبعدها لا بأس مع ما سيحصل، ولكنه لم يحصل على القليل حتى، كان في حال يعجز عن وصفها اللسان، وهو ليس مما أختبره الرجال قبل ذلك، أمرٌ لا يدركهُ إلا من تذوق تعاسته، فبعد أن اعتاد على الدواء أصبح يدافع باستماتة عن كنوز ذكرياته وتاريخ طفولته المفقود في عاصمة الحرب، شعر أن ذكرياته بدأت تتسرب منه كما تتسرب الماء من كف الساقي، ويتلاشى كل شيءٍ يذّكرهُ بأمه، لكأن رصيدهُ من اللحظات السعيدة قد انتهى! هذا لو كان يملك رصيد سعادة أساساً، بدأت ذكرياته تضيع منه، كل الوجوه تتلاشى بسرعة من ذاكرته وتتحول إلى رماد، إلى مجرد ظلال! إغراء جلد الذات لا يفارقه، يلوم نفسه ويصر على ذلك، كل شيء حصل بسببه، الحرب العالمية الأولى، المجاعة في أفريقيا والحرب في سوريا كل ذلك بسببه، كان يحكم على نفسه ويعاقبها بدون أدنى رحمة أو شفقة، حياته اللعينة كانت كلوحة سيئة لبيكاسو، إعتقد في بداية الأمر في تلك النظرية الغبية التي تقول أنه سيمر بيومٍ واحد سيء وبعد ذلك سعادةً دائمة، ولكن اليوم السيء إستمر سنواتٍ طويلة. جميعنا يحاول أن يعيش حياة ذات معنى، أن يكون له أثر بعد مماته، ولكننا نتوقف في لحظةٍ ما، لحظةً تكاد تكون فارقة، نتوقف بعدها ونفقد الأمل وننخرط في عجلة هذه الحياة البائسة، كان سابقاً يتساءل كيف لسائق تاكسي أن يرسم طموحه على مجرد قيادةٍ للسيارة، لكنه أدرك شيئاً ما فيما بعد ، إختار أن يعيش وحيداً ويموت وحيداً ويدفن وحيداً، حتى أنه لا يريد أحداً في جنازته يتباكى عليه، لكم هو مؤلمٌ ومرعبٌ في نفس الوقت موت من لم يكن سعيداً أبداً، تعتقد لوهلةٍ أنه جاء إلى الأرض ليقوم بجولة سريعة بائسة فيها، لأجل أن يعاني، فقط ليعاني ولا شيء غير ذلك، فكر في نفسه ذلك اليوم: لو أنه خيّر بين قدومه إلى الوجود وبين عدمه، هل كان سيأتي لو أنه أدرك حجم الجحيم الذي كان في إنتظاره، أم أنه سينسحب قبل بدء المبارة؟ لم يستطع أبداً الإجابة على هذا السؤال الذي عانى من إثارته كثيراً! صديقه الفلسطيني.. شريك الغربة والحلم والماضي والحاضر، كان يأكل كفلسطيني، ويشرب ويرسم ويلبس ويحب ويرقص ويعيش حياته كفلسطيني، ومات فلسطينيا من دون أن يعرف فلسطين، كم هو مضحك هذا العالم، يكرر نفس القصة على مسامعنا بتغيير أسماء الشخصيات الرئيسية فقط، تخيل لوهلة، لو أن إبنه سيموت كسوري بدون أن يعرف دمشق! كم هو مزري أن يكون عدمياً وهو في العقد الثالث من عمره. كانت تبدو عليه آثار مقاومة الحنين بشكلٍ واضح، حياته بدأت برحيلٍ مع جرحٍ داخل الصدر، في لحظة من لحظات غرقه في إحدى ذكرياته المتأخرة، كان قد اعتقد أنه يستطيع إفراغ مكنونِ قلبهِ إلى أمهِ، لكنه كان مخطئاً، تمنى أن يبكي على صدرها، أن يبكي ويبكي حتى يجف دمعه، بعدها سيضع رأسه على حضنها ويغفو قليلاً، سيشعر بالطمأنينة التي فقدها منذ زمن، وعندما يصحو، سيحدثها عن نفسه، فيما أنها لو كانت بجانبه لما عومل بهذه القسوة، لما قست عليه الحياة! ولكنه كان مخطئاً حينها،أدرك أنه يحمل من الشقاء ما لو وزّع على أهل الأرض لفاض عليهم. فكيف يجعل من أمهِ مستودعاً لأحزانه! ولكنه كان كاذباً، طفلاً مدللاً، فهو بكل بساطة كان قد فضّل العيش وحيداً على أن يتم إتهامه بأنه بحاجة أحد! رغم أنه يبدو ما زال طفلاً صغيراً ما زال بحاجة إلى العطف والحنان الذي اعتقد أنه لم يعد بحاجة له! أحلامه كانت أكبر من طاقته، ورغباته أوسع من إرادته، ورغم أن روحه كانت مشبعة بالتعاسة، ولكنه في كل موقف يجد أنه قد اكتسب مزيداً من الحكمة، ويستمر بالتفكير: هل خلقنا لنرتاح أصلاً؟! وبعد تسعة عشر عاماً من اللهث وراء أحلامه وكل الأمور التي اعتقدها جيدة، تخلى عن كل شيء، أنسحب من السباق، ليجتاحه الشعور المخيف بالضجر وحالة من الموت البطيء، عاش طوال حياته كسمكة صغيرة، كان أمناً ولكن في حوضٍ زجاجيٍ شفاف، ظن أنه غير قابلٍ للاختراق، وعندما خرج من هذا الحوض الزجاجي، أصيب بالمرض عندما يأوي إلى فراشه مؤخراً، يسمع أصوات أشخاصٍ كثيرين في داخل رأسه، في بادئ الأمر كانوا شخصين أو أكثر ربما، لكن الأمر لم يبق على حاله، أصبحوا لاحقاً أربعة أشخاص وبعد ذلك ثمانية، أما فيما بعد فلم يعد يستطيع إحصائهم، يتشاجرون، يعملون، يصرخون بأعلى صوتهم، فكر كثيراً بالصراخ مثلهم لأن يتوقفوا، أريد النوم! غير أن حنجرته تخونه، لا يسمع حسيس صوته، فقط هم. فيما بعد استطاع أن يسمع في يقظته صوتاً غريباً، لم يكن تألماً أو صراخاً، ولا حتى غرغرة موت، أدرك أنه صدى روحه المخنوقة باليأس!

-2-


لا يوجد أحدٌ يهوى الألم ولا يرغب بالأمل ولكن هذا ما فرضهُ عليه هذا الواقع! وقف أمام محطةٍ للقطارات، كان مستعداً جيداً للحظةٍ كهذه، قام بدراسة المكان جيداً، قام بترشيح هذا المكان لخطوته القادمة، كان قد درس كل الإحتمالات الممكنة في حال فشلهِ، سيكون في غرفة بيضاء مليئة بالأجهزة الطبية حوله من يدعي صداقته، نظرات حزينة تشي بالإشفاق والحزن، سيشعر بالحرج، فهو لا يملك سبباً مقنعاً يخبرهم به، سيحتار بماذا يجيبهم، وحتى لو بيّن لهم وجهة نظره فمن المستحيل أن يتمكنوا من فهم شيءٍ مما يقوله، سيشعرون بالشفقة ويبدءؤن بالعطف عليه، سيقولون الحرب، الغربة، وكثير من الخرافات هي السبب، هو اكتشف لاحقاً، أن الإنتحار نادرٌ جداً وقد يكون من الصعب جداً الحصول عليه. نظر إلى الوقت.. دقائق على وصول القطار، نظر حوله نظرة مودع، أراد أن يعانق أي شخص، أن يضمه ويقول له وداعاً، ولكنه كان نكرة، قمامة، لا أحد، في طريقه إلى محطة القطار، أجتمع برجلٍ عجوز، رأى العجوز الحزن في عينيه، بطبيعة الحال أنكر ذلك، بعدها أخبره الرجل العجوز أن يستمتع بحياته، العالم لا يراك.. لا يهتم أبداً بآمالك وأحلامك، الأمر بسيط بقدر ما هو مؤلم ووحشي.. تركه وأكمل، وجوه من حوله بائسة بما فيه الكفاية لتهتم بما هو مقدم عليه، خطا خطوة للأمام، كان مسروراً بما هو مقدم عليه، إرتفع مستوى الأدرينالين في جسمه وازداد عدد ضربات قلبه،شعر يلحظة ظن أنها سعادة وارتسم شبح إبتسامة على وجهه، خطوة أخرى وأخيرة.. لحظة وصول القطار، سرعته مخيفة لدرجة جعلته يشعر أن قلبهُ سيخرج من مكانهِ، حينها تصلبت قدماه وتحجرت حنجرته، لم يستطع التحرك حتى، كان فاشلاً حتى في ذلك، لم يعد يستطيع التحرك للخلف.. تجاوزه القطار، فشل في سعيه.. بكى على غير درايةٍ منه لم يستطع الصراخ فأعضاء جسمه لم تعد تسجيب له، بكى قهراً لماذا قرر ذلك ولماذا لم يستطع تحصيل ذلك! هذا الشخص كان مجنوناً، كان قادرا على فعل اي شيء، ولكن إلا هذا الشيء، لا أحد يعلم أنه يعيش في نفس العالم الذي تحصل به مآسٍ كهذه، لم يعرف كيف يصنف تصرفه هذا في محطة القطارات هل هو جبان أم أنه أحمق؟! ياله من أحمق ولبئس ما صنع، كان قادراً على غفران نفسه ولكن من دون قدرته على نسيان ما اقترف، في بداية الأمر كان الغضب والحقد في داخله قادران على إشعال غابة أمازونية، هذا الحريق كان من الممكن أن ينتشر ويحرق ما على الأرض، ولكن لن يتخلص مما هو فيه، فقد جعل من إنعدام الهدف معياراً حياتياً، وطالما تستمر الحياة، طالما يستمر بؤسهُ.. كان يستمر في ممارسة هوايته القديمة بتدمير الذات.
عندما تريد أن تقول شيئاً ما، يكون بداخلك ضجةً تستطيع أن تملأ الكون كله، بالرغم من ذلك لا تستطيع التفوه بكلمة واحدة! قال لصديقه ذات مرة: الأشقياء غالباً يقعون في الطريق الخطأ والحلم الخطأ والحياة الخطأ.. وغالباً ينقصهم الحظ القليل حتى، لا يملكون سوى العجز، إنه كشيءٍ شبيهٍ بالرعب، فهو شعورٌ مقيت أن تكون عاجزاً أينما وجدت نفسك! لطالما تفكر في سؤالٍ حيره كثيراً، أن أيهما أسوء: القدرة مع الجهل، أم العجز مع المعرفة؟ شعوره بالعجز والتبعية لأحدٍ لا يعلمه كان يقتله، تماماً كما الصورة في المرآة مجبرةٌ على محاكاة كل حركاتك ولا تمتلك من أمرها شيئاً، فالرجل الذي يصبح عجوزاً في عمره إما أنه لا يعرف كيف يعيش أو أنه راغب بالموت، وهكذا قبل أن يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره أصبح رجلاً عجوزاً، رجلاً في عقده الثالث غير قادرٍ على قطع مسافة صغيرة مشياً على الأقدام، لا يستطيع حتى إتمام فكرةٍ أو إنجاز أي عمل. كان والده يتألم وهو يتأمل عالم إبنه الخاص الذي صنعه بيديه، كان يشعر بحزن والده على حزنه، ولكنه يبرر ذلك دوماً! كان من المفروض أن يكون في غمرة أزهى فترات حياتهِ شباباً، أن يكون موضع حسد آلاف من شباب جيله. لم يكن سوى رجلٌ عجوز احتجزت روحه في جسد شابٍ صغير السن، فاليأس كان يزحف من خلف الأمل في كل خطوة يخطوها، أقسى مراحل حزنه عندما يتذكر أيام السرور والهناء والليالي الدمشقية عندما يكون في أشد حالات التعاسة والشقاء! كان دوماً يشعر بوحدة مهولة وعزلة قاسية رهيبة، بدا له أن السعادة كالأرنب البري الذي يجري مسرعاً وتجري مسرعاً للإمساك به ولكنك مهما حاولت فلن تتمكن من إدراكه، كان كالأطفال، يشعر بالفزع من فكرةِ فقدان أي شيء، يخاف أن يترك وحيداً، سنواته الأخيرة في مصر كانت قد قتلت فيه أشياءً كثيرة، بدأ ينسحب داخل نفسه أكثر وأكثر، كان يمارس الموتَ وحيداً في الوقت الذي كان يظنهُ الأخرين أنه يعيش الحياة فيه على أكمل وجه، تتصاعد في حلقهِ ملوحة الحزن، يحاول سجن دموعه، لكنها تثور، وعندما استسلم وسمح لها بالعبور، كانت قد تكبرت عليه، سقط الستار بينه وبينه، لم يستطع البكاء على نفسه!
في المرة الأولى التي تجرأ ليتقدم ويتحدث إليها، دفعته شجاعته إلى ذلك، ولكن فيما بعد أدرك أنه لا يمتلك الجرأة على المواصلة، بل تمنى لو أنه بقي على ما هو عليه على أن يكابد ما هو فيه الآن، كانت بالنسبة له كالماء في وسط الصحراء، كان عطشاً جداً، وسط زقاقٍ قديم كان يوجد عجوزٌ يعمل في مكتبةٍ قديمة، كان يسعى جاهداً إلى تأمين الكتب للشباب، صادف أن اجتمع معها في وقتٍ واحد، لم تتلاقى نظراتهما لأكثر من ثوانٍ شعر بأنها أيام.. بعدها لم يجدها، وعندما سأل عنها العجوز أخبره إسمها لأنها كانت زبونة قديمة للمكتبة، أصر على معرفة ما قامت بشراءه، ولأنه يملك الكثير من وقت الفراغ، إختار شيئاً شبيهاً من نمط ما قامت بشراءه في المرة السابقة وانتظر خارج المكتبة على الطرف الآخر من الزقاق، مرت الأيام الأولى ببطءٍ قاتل إلى حد جعلهُ يفقد الأمل بعد أن ظن أنه وجد ضالته، بعد سبعةِ أيام وفي نفس المكان وجدها قادمة من بعيد، كانت كنجمٍ لامع، لم يعرف كيف يبدأ معها الحديث فقد كان لم يتجرأ قبل ذلك ويتحدث إلى فتاة ، إنتظر دخولها للمكتبة ودخل بعدها بدقائق، لا يعرف عنها شيئاً سوى إسمها، كان قد فكّر كثيراً بالتراجع، وقف إلى جانبها وحياها بلطفٍ وحياءٍ غير مصطنع، وعرفها عن نفسه وقدم لها الكتب التي إنتقاها لها، بنفس اللطف والحياء أخبرته أنها شاكرة لفضله، وأنها لا يمكن لها أن تقبل هذه الهدية، إعتذر منها فهو لم يقصد الإهانة، لم يدرك ما كان يريده من ذلك، أو ماللذي يحاولُ الوصول إليه، ولكنه عرض عليها رقم هاتفه وأخبرها أنه يرغب بلقائها وتجاذب أطراف الحديث في مكانٍ عام تقوم هي بإختياره، لم تقم بإجابته، أخذت الورقة الصغيرة ومضت إلى الخارج مسرعةً على استحياء!
أقنعَ نفسه أخيراً أنه سعيد، إبتعد عن كل المنغصات ومسببات الحزن، في داخله شعر أنه أحمقٌ بعض الشيء، لم تكن هذه الخطوة سهلة بالنسبة له، شعر أنه لم يعد مختلفاً عنهم بعد الآن، فردٌ من مجموعةِ الحمقى والمغفلين، فهو غائبٌ أو مغيّبٌ مثل الجميع.. رغم ذلك فإن هذا الشعور لم يكن ليدوم لولا أقراص منع الأكتئاب التي بدأ بتناولها مؤخراً، مزاجه المتقلب بحاجةٍ إلى زيارةٍ للطبيب في وقتٍ قريب، قريبٍ جداً، فقد سئم كل شيء تقريباً ولم يعد يستهويه شيء، حتى الراحة التي كان يمنحهُ أياها البكاء فقدها، فقد تخلى عنه.. لم يعد يستطيع البكاء بعد الآن. مساءً شعر في تلك الليلة في شيءٍ مختلف، لم يستطع الإستمرار في تجاهل آلامه العظيمة، تلك الليلة بكى كثيراً، بكى نفسه، بكى روحه التائهة، بكى كل شيءٍ في الوجود، لا لشيء إلا لأنه مارس صبره فترةً طويلة ولكن دون أن يفهمه أحد، ساعاتٌ قليلة، ربما أيامٌ معدودة هي تلك التي تفصلهُ عن الانهيار الكامل، كان يرتعد خوفاً لمجرد التفكير بنهايةٍ محتومةٍ بالنسبةِ له.. ولكن ما كان يخيفه أكثر أن يبقى ضائعاً لآخر العمر!
مخيفة هي الغربة، أقسى درجاتها هي الغربة في الموت، أن تدفن بعيداً عن أرضك، عن وطنك، عن أجدادك، لن تجد من يزورك بعد مماتك، كان ككل الغرباء يخشى الغربة في الموت أكثر مما يخافها في الحياة! بكت والدته بسكون على الهاتف عندما أخبرها ما يعتمر في صدره من الغربة وحنين إلى كل شيء، إعتقد والده أن لقاءه بالموت قد انتزع منه تمرده، لم يدرك أحداً أنه قد شعر بالضياع وعدم الانتماء حينها، وجد نفسه حائراً مشوشاً بحاجة إلى بوصلة، كان محبطاً بشكلٍ لا يمكن وصفه أبداً، ينقم على كل شيء وعلى أي شيء، كان الموت يتعمد أن يطل عليه في كل زاويةٍ وكل ركنٍ من حياته، دعا في صلاته: يا رب أمنحني الجهل أو القوة على تحمل المعرفة. بالنسبة له ما كان يحتمل المعرفة مع الضعف! كان لا يأمن الأرض التي يمشي عليها، إذ لا أحساس بالأمان أو الإستمرارية، ولأن المعرفة طريق للشقاء فقد كان يفكر بالتخلص من كل ذلك، وفي الحال راودته فكرة القفز من مبنىً عالٍ، ولكنه أراد طريقة مبتكرة، ليست كأي شيءٍ عادي.

-3-


ليذهب مجتمعنا إلى الجحيم، هذا ما فكرت هي به، كانت قد أعجبت به من دون أن تدرك ذلك، وجدته لطيفاً، هشاً قابلاً للإنكسار ولأنها قد تنبأت ذلك بسهولة فقد أدركت أن بوسع أي شخص أن يجرحه ما دام قد اختار في شبابه الحزن الذي لا يناسب سنه بدون أن يدرك ذلك، شديد السيطرة على تصرفاته وسلوكه، يَشعرُ من يقابله أنه لن يفتح قلبه لأحد، بالنسبة له فقد شعر بأن روحه ستحلق خارج جسده، شعر بقشعريرة تجتاح روحهُ، وجدها وسيلة للخروج من سخط القدر الذي مارس تسلطه عليه وقد أدرك أن الحياة من دون حب هي غربة فوق غربته، وضع إحتمال أن ذلك لن يجعله ذلك أكثر سعادة ولكنه رغم ذلك وبكل تأكيد سيترك أثراً جميلاً بعض الشيء في داخله. لم يفكر أن هذا الطريق من الممكن أن يؤدي به إلى نهايته، خوفه من الوحدة، العزلة والهجر كل هذا جعله يتردد فيما سيقدم عليه، كان قد خرج من المكتبة وهو يشعر أنه يملك الدنيا وما عليها، ولكنه الآن متأرجحاً بين الشك واليقين مما سيحصل فيما بعد، وجدها كالأمل الحقيقي، كان الأمل متجسداً فيها بالنسبة له، ساورته الشكوك والظنون حولها، وجد ذلك مخرجاً سهلاً للتخلص من هذا الموقف، فمن بعدها لن يوجد سوى العجز.. وشيء شبيه بالرعب، تجاهل هذه الأفكار المشؤمة. سألت عنه صاحب المكتبة، قال لها: لقد إنكسر الفتى، لن يعود أبداً كما كان، صحيح أنّ البلاء قد يشتمل الجميع، ولكن هنالك دائماً من يعيش أوقاتاً أسوء من الآخرين، الوقت بالنسبة له لم يكن مناسباً، فالإفراط في الأمل كان يسبب له الإحباط الزائد، أخبريني: من لا يمتلك حضناً دافئاً في هذا البرد ما عساه يفعل؟!
ضجيج أفكاره المشؤومة يقوده للجنون، فقد مضى أسبوعٌ كامل على لقاءهما العابر ولم يحصل أي جديد، تمتم في نفسه: يا ليتني ما عرفتها، كان متأخراً عن ذلك.. لأنه بعد أن استبعد أعراض جنون الارتياب به سابقاً وجد نفسه لاحقاً يعاني من كافة أعراضها، أفكارهُ العظيمة قبل ساعةٍ من الزمن تبدو الآن مملة وسخيفة بالنسبة له، كان يحب نفسه، يعشقها ويمجد أخطاءها، ولو أنه وجدها لتزوجها وهام حباً بكل تفاصيلها، لاحظ يوماً ما، أنه لا يستطيع فعل شيء جيد، وعندها عليه أن يمتلك الشجاعة لكي يغادر هذا العالم بشكلٍ هادئ، هكذا بكل بساطة، أثقل روحهُ بإثم متخيل، لم يكن أقل بؤساً في ما مضى، ولكنه كان بائسا مع خطوط بيانية توضح مستقبله بعض الشيء، لم يتخيل أن هذا العدد من الأيام القليلة سيحوي على هذا الكم الهائل من الشقاء، مؤشراته من السعادة كانت هستيرية، مثل مؤشرات أسواق المال، ساعةً صعود وساعةً هبوط، وسواس قهري ينهش روحه، يجبره على النزول إلى الدرك الأسفل من هذه الحياة.
قرر العودة إلى مكان لقاءهما، أراد أن يواجه أسوء الإحتمالات، إما لقاءها وإما فلا، ومرةً أخرى يومين وثلاثة ولا جديد، هل تنتهي أحلام رجلٍ مثلهُ لأجلِ واقعٍ مريرٍ كهذا؟! كلا لم يفقد الأمل بعد، ربما أضاعت الرقم وربما إنشغلت، برر لها وعذرها سبعيناً من الأعذار، بقي متماسكاً لآخر لحظة.. أو أنه تظاهر بالتماسك، كان هذا الروتين السقيم ورغم سوءه إلا أنه كان يشتت إنتباهه عن الظلمة المستمرة التي كانت تحوم في كل زاوية من عقله، جعل لنفسه هدفاً في هذه الحياة، أخيراً! ربما راق لهُ أكثر لو أنه كان لم يعرفها ولم يراها في ذلك اليوم، وما الفرق! فهي لم تزده إلا شقاءً، يبدو أن حياته شرٌ لا بد منه على هذه الأرض!
صور خيالية تراءت أمامه فور ظهورها،خانته عيناه، فكر قليلاً، مالذي جعله يقع في حبها! كان محتاراً، فهو لم يذكر كم من الأيام مضى على ذلك اللقاء الأول، وبعدما ظفر بلقاءها لم يرغب بإحراجها، لم يسألها عن عدم إتصالها طوال هذه الفترة ولكنها إعتذرت منه بدون أي تبرير، قال في نفسه: عفى الله عما سلف، لم يخطى حدسه، ولكيلا يعود مضطراً إلى ممارسة التظاهر بالسعادة بعد الآن، حدثها عن نفسه، عن نفسه ما قبل الكارثة وما بعدها، كيف كان وكيف هو الآن، قالت له: إغسل ذاكرتك بالنسيان، طهرها من ذنوب الحياة، أعتق نفسك، لست مضطراً بعد الآن إلى ذلك، قال لها: بكل بساطة.. أنا مجردُ طفلٍ صغير قاتل لأجل الحصول على حريتهِ وإستقلاله، وعندما حصل عليهما حارب واستشرس للعودة إلى الحوض الزجاجي الكاذب الذي كان فيه! أشد همومي إزعاجاً ذبابة، يروق يومي عندما أبدأه بكوب قهوة، ليس لدي من أحبهم، أملك فقط من أحيا معهم، لا أصدقاء، ولا أحد، حالياً أعيش بالأبيض والأسود وأتابع حياتي في مصر باللون الرمادي! تردد وفكر.. يا لي من أحمق، كم أنا أحمق لأثق بالمشاعر الإنسانية، عندما أخبرته عن خوفها عليه أخبرها أن لا تخشى عليه فهو بطل القصة، وهو من عليه أن يخاف على البقية ولا ينبغي لأحدٍ آخر أن يخاف عليه، الفكرة بالنسبة لها بدت معقدة ومضجرة أكثر من المعقول، كانت فكرةً كبيرةً مستحيلةُ التطبيق، فالعكس هو الصحيح وليس ما يظنه، أحست أن كل الشكوك والنظريات التي كانت تراودها سابقاً قد كانت أمراً واقعاً.
يقال أن طبيعتنا البشرية نصفها خبث ونصفها استهتار، لذا عندما تواجه النفس البشرية الموت فإنه من المتوقع أن تتلاشى جميع العُقد الموجودة فيها، والبعض يظن أن أصل الإنسان الخير والبعض الآخر يعتقد العكس، هو كان يملك نظرية مختلفة تماماً، وخشية من الرفض الدائم، فقد توقف عن البحث عن وطن وتقبل فكرة ألا وطن له، ولكنها هي من قامت بنقض فرضياته كلها، كان حذراً جداً، المزاجية الحادة التي يعاني منها جعلت حياة من حوله سقيم، لم يرد لها أن تتأثر ببؤسه، لم يرد لها أن تحزن بسببه، تأكد الآن أن الإنسان الأشقى هو الذي يبحث داخل نفسه عن بقايا من حقيقته! لم يزده تأكده إلا بؤساً، دائماً ما ظن أنه يعيش في بيئة مريضة، لم يدرك أنه هو المريض، أنه هو من في حاجة إلى الشفاء، ولأن العالم الذي يعيش به ليس بهذه البساطة، لم يعد يستطيع النضال بمفرده.
قال لها أن تجاهل اليأس لا يلغي وجوده من حياتنا، هل علينا أن نربح دائماً؟ هل يمكننا أن نحصل على كل ما نريده دوماً! عراقيل النصر والسعادة في كل زاوية، هل ننتظر الجني الذي يظهر ويلبي رغباتنا، لحظات زيف قليلة نتوهم فيها بمعنى الحياة السعيدة، ولكن الإستسلام لليأس يعني أنه لا مزيد من الوهم، لا مزيد من الكذب، اليأس المطلق، الأنيق والجميل، فقدان الحس بالأمل، إنه نموذج مطلق ونهائي للشعور بالأمان، بالراحة الأبدية التي لا يضاهيها شيء في الوجود! الموت في تصوري ليس نذير شؤم، ولا مصيبة، على العكس تماماً، كانت قد شعرت بالرعب وهي تستمع له، تمنت فيما لو أنها ماتت قبل أن تسمع شظايا أفكاره، فقد كان يمثل البؤس البشري في أبشع صوره!

-4-


كانت طفولتها بسيطةٌ جداً، في عيد ميلادها السابعة عندما سألتها جدتها عن مستقبلها ومالذي ستكونه عندما تصبح كبيرة، هي قد كانت كبيرة وواعية بما يكفي لتقرر أنها ترغب في أن تصبح صحفية، تعمل في أحد الصحف الرسمية، تفوم بنشر أخبار ودراسات عن المجتمع والبيئة المحيطة بها، لم يكن جوابها منطقياً بالنسبة للجدة! كانت جدتها أساساً لا تعلم ما عمل الصحفي ولا من أين لطفلة في السابعة من عمرها أن تحدد مهنة أكبر منها كهذه!
مرت السنين وكانت قد حققت أول أحلامها بتخصصها في كلية الإعلام، كانت حياتها رتيبة تسير على ما يرام، كان ذلك حتى السنة الثالثة عندما قابلته في المكتبة، كان يوماً مفصلياً، فقد إنقلبت موازين حياتها رأساً على عقب، كان طريقاً مختلفاً تماماً، لم تستطع تخليه ولا حتى التخطيط له جيداً، سألته ذات مرة.. لو أن حياتك وردة فما هو اللون الذي ستختاره لها؟ قال لها: بالتأكيد هي ليست وردة، سيكون السؤال أفضل لو قلنا لو كانت حياتك ورقة فما هو اللون الذي ستصبغها به؟ بالنسبة لي لن يكون اللون الرمادي، ربما الأحمر يناسبني أكثر، وسأختار لكِ اللون الأزرق السماوي، تشبهينها كثيراً.
ولما كان طفلاً صغيراً وعندما كان يمتدحه الكبار، كان يتوارى عن الأنظار ليقوم بعد ذلك بحركة سرية، تلك الحركة كانت سره الصغير، كان يقوم برفع رأس أنفه بسبابته بكل زهوٍ وغرور، حركة طفولية استمر بها كثيراً حتى بعد أن بلغ العشرين من العمر، ولكنه الآن لم يعد يستطيع الشعور بأي شيء، ولا حتى ذرةٍ من غرور، أصبح حجراً مصقول على الحزن!كان يعاني المزاجية الحادة، فجأةً يتحول مزاجه من سيء إلى أسوء، لم يعد يرغب بالخروج من المنزل، يخاف الإجابة على الهاتف، كالمصروع يسير في الغرفة ذهاباً وأياباً، لم يأكل منذ يومين، إختار العزلة، كان قد حنّ إلى جنونه ويأسه، أو أن العكس قد حصل، المهم أنهم لم يستطيعوا الإبتعاد عن بعض هو واليأس، إحتار فيما يفعله، يبكي.. يضحك.. يصرخ.. يشكي، ولكن يشتكي لمن! حياته البائسة الفارغة جعلت حياة من حوله معقدة، الجميع أصبح يتجنب الحديث معه، نفس الأحاديث، الفقر، البطالة، القهر، اليأس، أصبح من حوله يتجنبه، لشدة سلبيته، أصبح مصدراً للسلبية بين أصدقائه وعائلته، ومن شدة الظلم والقسوة فقد تعلم الأرتياب والشك في كل من حوله، ظنوه يتظاهر بالجنون، يدعي العظمة، يرغب بلفت الإنتباه، لم يدركوا أنه كان يتوارى من أنظارهم، يختار العزلة ويفضلها، نعم.. هو بشر، يخطئ ويصيب، يحب ويكره، بالإضافة إلى أن سبب تميزه.. هو بؤسه العزيز!
المكان الذي قدم منه كان كل شخص يظن نفسه مفتي الجمهورية، وكل شخص هو طبيبٌ يشخصُ الأمراض جميعها إلا العقلية منها! حتى ليقال أنه عندما يجتمع سوريين إثنين فإنهما يقيمان ثلاثة فصائل مسلحة وكل فصيل يتّبع عقيدة مختلفة عن الأخرى وربما تحاربها! نعم إنها أساطير السوريين!
فما قيمة أن يكون سعيداً وكل الأشياء من حوله لا تؤمن بالسعادة،تساءل في نفسه: ماذا تعني حياته؟ واستمر بالتساؤل: ما السعادة؟ ما الحزن؟ شعر بأنه فضلة من فضلات الحياة، وجد نفسه متروكاً في زاوية الكون، قمامة، في داخله غيوم لا تمطر إلا قهراً، تستمر ألف سنة بالهطول، صلى لجفاف غيومه، دعى ربه.. ربي.. لا تذرني فرداً، وأنت خير الوارثين.
ربما يوماً ما، في المستقبل، وهي على مائدة الإفطار في شهر رمضان، ستكون حينها مع زوجهاوأطفالها، إستبدلته به، ستكون مسرورة لأنها لم تستمر معه، ولكنها ومن غير أن تدرك ستسقط دمعة حزنٍ على ذكرى قديمة من زمنٍ فات، لن تندم على ما فات، إنها بهجة المعاناة، كان هو ما جعلها وحيدة من بعده، وحيدة مع ألمها في هذا العالم، وثلاثة أطفال هم ثمرة زواج لم تعد تذكر بدايته، لم تعرف ما كان عليها عمله ليغفر لها ما صنعت، بعد أن حصل ما حصل، غرقت في بركة من اليأس إلى الأبد، إستلمت راية الحزن من بعده، أسرفت وتجاوزت الحد في بؤسها، بل وتقدمت عليه، لكنها أصبحت من الخاسرين، الخسارة ليست شيئاً ليس إستثنائياً من بعده، الإنتحار بالمقابل شيءٌ فاخر، ليس كل من يرغب به يستطيع إدراكه،كانت ترغب بموتٍ يرد بالإنتقام والتطهير، كانت تدرك فعلتها الشنيعة هي التي تسببت في نهايته القاسية، رغم أنها كانت ترغب في إخراجه من دائرة بؤسه، إلا أنها أدخلته جهنم!
كم هو رائع أن تعلم أن هناك وعلى بعد مئات الأميال من يدعو لك ويصلي لأجلك في ظهر الغيب، هكذا كان يبدأ حديثه معها عن عائلته، كانت تستمع لحديثه جيداً وترتسم علامات الإستمتاع على وجهه لإصغائها، فهو أخيراً وجد من يستمع له، كان قد وجد فيها كل ما كان ينقصه، عوض بها شوقه لوالدته! إعتقد أنه ربما يجد بعض السعادة في مكانٍ ما، هذا ما يفكر به، بالتأكيد عليه ذلك، لا يستطيع الموت قبل أن يختبر بعض ما فاته، على الأقل أن يحصل على عطفٍ وعناية مناسبة، يدرك في بعض الأحيان أنه ليس سوى مخلوقاً بائساً، بل ويعمم قوله في حديثه معها، يقول لها: نحن كائناتٌ بائسة تظهر للخير وتضمر الشر، تظهر السعادة وتضمر التعاسة، هي التزمت الصمت، لم ترد عليه، بل أنها لم تكمل طريقها معه، إعتذرت بحجج غير معقولة وذهبت!
حتى الرياح نفسها لم تكن بهذه القسوة في الوطن، هذه الكآبة ستبتلعه، لن يجني أية فائدة من ذلك سوى نهايته هو، رغم ذلك فهو لن يختار أسلوب الحياة المنعم، ما زالت مأساته بدون إجابة، لم يفقد يوماً الأمل بإيجاد الجواب المفقود، تنطوي عليه ظلمته لتمحي ما تبقى من نور الأمل، تعب من الأنتظار، يعاني حالاتٍ من تشتيت الإنتباه وفقدان التركيز، أتعبه التفكير المستمر بحثاً عن حل، هل يوجد حزن جميل وحزن غير جميل!
نصف السعادة كانت بالنسبة له أنه غاب سنة كاملة عنها وعندما إلقتيا مجدداً وجدها تذكر طريقة شربهِ للقهوة، لكن الوقت كان متأخراً جداً لذلك، كان يرغب في إخبارها أنه لن يمنح لأحد أمتياز الأهمية التي تجعل من رحيله كارثة بالنسبة له، ليخبرها أن أشدَ من الشقاء الذي عرفه قبل لقاءها زوال النعمة بعد اختبارها، الأمر بدأ بها وانتهى بها، إنها هي من أذلت قلبه وروحه، ستعيش ما تبقى من عمرها مع الذنب والندم على ما صنعت، دقات قلبها المضطربة تصم أذنيه، ، ولكنه لن يخطئ مرتين، أصبح بعدها كعجوز ظهره منحني، متكئ على عصا غليظة، أدرك لاحقاً أن جميع من حوله معجبين بالسحر لا بالساحر! كان قد اكتشف فعلتها، أدرك أنه كانت تلعب معه كما كانت الحياة تلعب به، وقتها حانت ساعة الانهيار بالنسبة له،أصابته بكسرٍ في روحه ما من شيءٍ قادر على ترميمه، صارت الأحزان تعشش داخله وتنهش روحه، صرخ بصوتٍ عالٍ: من قلبي.. هنا عاصمةُ الحزن.
أراد أن يتوج مسيرة بؤسه العظيمة بنهاية تليق به، أصبح ظهرهُ محنياً بما يكفي ليدل على ما حمل من هموم السنين التي عاشها رغم قصرها، كان مشهداً مقدساً بالنسبة له، فقد دخل ربوع اليأس من أوسع أبوابها، لم تعد ترعبه فكرة الموت، وعلى اعتبار أنه المظلوم الوحيد في هذا الكون، فقد استمر مؤخراً في استهلاك نفسه ليصل إلى غايته في الوصول إلى الموت المأساوي!
لحيته القصيرة أصبحت بيضاء بين ليلةٍ وضحاها، كانت آلامه ومعاناته عظيمة لدرجة أنه أراد خاتمةً لحياته وبسرعة، فكر قليلاً، ربما لأن قتل نفسه فهو خير له من هذا، الشهور الأخيرة من حياتي كانت احتضاراً قاسياً جداً، فقد دخل ربوع اليأس من أوسع أبوابه، هذا الدرس من دون ألم لا معنى له، ولكن عندما تصمد أمام كل ذلك الألم وتتغلب عليه، ستحصل على قلبٍ قوي.. أقوى من أي شي، ستقدر على مواجهة أعظم مخاوفك!
في نهاية الأمر، فقد بات على يقين من أنه سيجن، ولم يعد يستطيع مكابدة هذه الأوقات الرهيبة بعد الآن، لم يعد يستطيع التركيز سوى بأمرٍ واحد، ولا حتى سماع أو رؤيةِ شيءٍ آخر، سيفعلُ شيئاً مختلفاً هذه المرة، هذا ما حدث به نفسه.
رأى أنه قد حان الوقت المناسب للدخول إلى مسجد الحي، ولكن هذه المرة لم يكن لإنضمام إلى عائلة المسجد، صلى فيه آخر صلاة قد يصليها، ودعا الله كثيراً، وخرج يكمل ما بدأ به،تحول حلمه إلى مقصلة كي تدقَ عنقه، بائسٌ جداً هذا القدر الذي أوصله إلى هنا، ذهب إلى مكان بداية كل شيء بالنسبة له، المكتبة! توجه مباشرة إلى ذلك الزقاق الحقير، ورغم أن مكتبة بهذه الحجم لم يكن حجم بناءها عالياً جداً، فقد قرر على أية حال أختيار هذا المكان، وتوجه صعوداً إلى السطح، ومع كل درجة يصعد بها ستؤدي به إلى موته الوشيك، كان يشعر بآثامه وخطاياه تطفو، كانت ذنوبه تطفو على عقله وتسيطر عليه، شريط حياته كان عبارةً عن مجموعة آثام إرتكبها في هذه الرحلة التي حطت بها روحه على الأرض، أدرك أنه حتى لو قام بما هو مقدم عليه فلن يكون من الحكمة القيام به هنا وفي هذا المكان، فضلاً عن أنه لن يصلى عليه، خسر الأولى والآخرة، ولأنه كان قد قرر سلفاً فلن يستطيع أحدٌ أن يغير رأيه، فقد أراد أن يتوج مسيرة بؤسهِ العظيمة بنهاية تليق به، دفعه تفكيره هذا إلى مزيدٍ من التقدم، رغم تفكيره هذا فلم يستغرق منه الوصول إلى الأعلى أكثر من ثلاثة دقائق كانت كفيلةً بجعله يتريث قليلاً.هناك في الأعلى كان الوضع مختلفاً، رغم أنه كان جباناً إلا أنه كان من المستحيل أن يعدل عن قراره، وكان الهواء في الأعلى نقياً بدرجة كافية لتعجل ذاكرته صافية، تذكر أمه وأخوته، تذكر وطنه، وعيناها.. اللتان هم السبب في كل شيء!

في هذه الأثناء تجمهر عددٌ من المارة في الزقاق لمحاولة لمعرفة ما يجري، كان ذلك ريثما أتى شيخ المسجد للتعرف على ما يحصل وقد فوجئ فيما رأى، بركات الشيخ ونورانيته جعلته يدرك بسرعة ما كان يحصل وبسرعة ذهب إلى داخل البناء ليجد باب السطح مقفلاً، في الخارج كان بعض المارة كان يحرضه على القفز والبعض الآخر يحاول أن يؤثر في قراره، بعد دقائق من وقوفه بدأ في الطقوس الخاصة بما هو مقدمٌ عليه، إرتبك قليلاً، إختفت الطيور من السماء فجأة، إختفى المارةُ أيضاً، تبعهم القمر والشمس تباعاً،خلع حذاءه، أغمض عينيه، رفع رأسه للأعلى، وأستنشق نفساً عميقاً، فردَ يديهِ وهو يشعر بهما كأنهما جناحان سيحلق بهما، تقدم قليلاً وقد علا ضجيج من في الأسفل، رغم عدم إدراكه ما قد يقولونه ربما بسبب بعد المسافة أو بسبب ضجيج أفكاره في هذه اللحظات، قام بمزيد من التقدم، المزيد قليلاً و.. شعر بأجمل شعور في حياته، حرية لا يضاهيها حرية، وأخيراً قام بشيء هو يريده لا ما يريده الآخرين، لم يعد يسمع الضجيج المنبعث من الأسفل والذي عما قريب سيصبح حوله، ولأن اللحظات الجميلة تمر بسرعة فقد أستغرق سقوطهُ بضع ثوانٍ فقط.لم يكن الإصطدام هو ما قتله، بضع ثوان كانت كفيلة بقتله قبل وصولهِ إلى الأرض،ربما من شدة الفرح،سعادة عظيمة تلك التي أختبرها هناك، من الأعلى كانت الصورة واضحة، جثة شابٍ أنتحر بالقفز من على سطح بناءٍ قديم في زقاقٍ شعبي، كان هنالك الكثير من الدماء حول رأسه مشكلةًلوحةً فنيةً باللون الأحمر، ساقه كانت محطمة بشكلٍ مؤسفٍ، ولكن وجههُ كانَ هادئاً جداً، يوحي بالسكون والسلام، والكثير من الهدوء. بعد وفاته وجد المحققون في محفظته ورقتان مكتوبتان بخط اليد كانت الأولى منهما موجهة لعائلته كتب فيها:
"أبي وأمي.. كل ما شعرت به في حياتي من سعادةٍ عظيمة قد كان بسببكم، والآن لا أعتقد أنه هنالك أحداً قادراً على منحي مثل ذلك الحب والحنان الذي قد رأيتهُ منكم، لم أعد أستطيع الصمود والمقاومة أكثر من ذلك بعد الآن، يكفيني ما مررت به، وإنني متيقن فيما لو أنني عدت إلى دمشق فإنني سأشوه صورتها في نظري، ستصبح كريهة بالنسبة لي، فضلاً عن أنني سأخرب حياتكم وسأجلب لكم المزيد من الشقاء أكثر مما جلبت إلى نفسيحتى الآن، وستكون الحياة أفضل بالنسبة لكم بعد أن تتجاوزا أمري، أنا شقيٌ مذ ولدت يا أمي."
أما الثانية فقد كانت بيضاء فارغة إلا من كلمةٍ واحدة: إسمها.




إنتهى

تشيهايا
17-2-2015, 09:24 PM
جميلة الكلمات النابعة من الواقع منسوجة بالمشاعر الدفينة
ابهرني اسلوب الحياكة ، ووقع الاحداث التي اصبحنا نعيشها يوميا
اتمنى ان تُكمل ما بدأته لتصنع منها رواية ترسخ بعقول وقلوب البشر
اعتذر لأني عقبت رغم وضعك لكلمة يتبع ! لكن احببت ان اعبر عن مشاعري التي انتابتني اثناء القراءة حتى نهايتها
كل ذلك كان ابتلاءً من الله عز وجل ، فقط على المرء ان يصبر ويقاوم لا ان يلقى باللوم على كل شيء حوله
كثيرا منا يعيش في بلاد مغتربين دون ان يعلموا اين وطنهم وبيتهم فقط بالاسم يعرفونه ، هذا ليس بشيء غريب اليوم للاسف
علينا بالصبر ومهما حدث في زماننا من قلوب البشر المريضة ، يجب ان لا ننسى موطننا واصلنا ويكفي ان يبقى ذاك محفورا بقلوبنا وان سنحت الفرصه ان نكتبها في التاريخ ونخبرها للعالم
ولا لليأس ، يجب ان نبتسم دوما ، امر المؤمن كله خير
تقبل تعليقي

Intrax
18-2-2015, 03:01 AM
السلام عليكم

بعد التحية، فقد قمت بإضافة الفصل الثاني من هذه القصة القصيرة التي أنتظر منكم هنا أن تقوموا بالنقد والتصحيح الأدبي
عذراً على التأخر في التكملة.



جميلة الكلمات النابعة من الواقع منسوجة بالمشاعر الدفينة
ابهرني اسلوب الحياكة ، ووقع الاحداث التي اصبحنا نعيشها يوميا
اتمنى ان تُكمل ما بدأته لتصنع منها رواية ترسخ بعقول وقلوب البشر
اعتذر لأني عقبت رغم وضعك لكلمة يتبع ! لكن احببت ان اعبر عن مشاعري التي انتابتني اثناء القراءة حتى نهايتها
كل ذلك كان ابتلاءً من الله عز وجل ، فقط على المرء ان يصبر ويقاوم لا ان يلقى باللوم على كل شيء حوله
كثيرا منا يعيش في بلاد مغتربين دون ان يعلموا اين وطنهم وبيتهم فقط بالاسم يعرفونه ، هذا ليس بشيء غريب اليوم للاسف
علينا بالصبر ومهما حدث في زماننا من قلوب البشر المريضة ، يجب ان لا ننسى موطننا واصلنا ويكفي ان يبقى ذاك محفورا بقلوبنا وان سنحت الفرصه ان نكتبها في التاريخ ونخبرها للعالم
ولا لليأس ، يجب ان نبتسم دوما ، امر المؤمن كله خير
تقبل تعليقي


شكراً لكِ تشيهايا
مثقال حبةٍ من عطفٍ هي التي تصنع فارق في حياة طفلٍ صغير أخذت الحرب منه أبويه

القصة قد لا تكون قريبة للواقع، وقد يكون مبالغ بها، ولكنني قد أردت بها شيئاً أريد إيصاله وقد تم.

شكراً على ردك

تشيهايا
18-2-2015, 03:45 AM
العفو ، رسالتك ان شاء الله ستصل للقراء ، الرواية ممتعه فعلا
كنتُ دوماً اقول لنفسي ان الغربة امر سهل ! لا ابالي لها ، ماذا بها الغربة !
كل ما في الامر انني في بلد غير بلدي وامكث بها لاوقات معدوده لربما طويلة او قصيره ، في العادة امكث قصيرا بالغربة
لكن عندما طالت مدتها شعور الضياع انتابني لحظتها ! لربما لم اعتد عليها ! او لربما لم اجد من يفهمني هناك ! هكذا فكرت !
في النهاية عدت باكية اقول لجدتي" معكِ حق انا والغربة متناقضان " icon147

شكرا على الموضوع واعتذر على الاسهاب في الكلام
بإنتظار المزيد ، بس جد اكتبها رواية وارسلها لدار النشر لانها تستحق

أثير الفكر
18-2-2015, 09:17 AM
قرأت حتى نهاية الجزء الثاني :(

أسلوبك القصصي أدهشني ، تميل للسرد ولكنه ممتع للغاية

أحداث القصة موجعة ، لا شيء أشد إيلامًا من الغربة

والتعايش مع مجتمع لم تألفه ولم يألفوك

لم أحب نظرة البطل السوداوية للحياة ، الجميل أنك ذكرتَ على لسان البطل /

- هل خُلقنا لنرتاح ؟!

والجواب بكل تأكيد /

- لا

مهما كان مالك وجاهك ونسبك ، لن تستطيع بأيٍ منهما أن تتحدى السنة الكونية المتمثلة في :

" لقد خلقنا الإنسان في كبد "

ومع هذا يحاول الناجحون التعايش مع هذا الكبد وتقبل الحياة كما هي ، وجعله وسيلة للتقرب من الله في عبادتهم ودعائهم وما إلى ذلك

أتحرّى التتمة بفارغ الصبر

سعيدة بوجود اسمك وقصتك بيننا

كن بخير أخي ~

Intrax
3-3-2015, 04:18 AM
تم نشر الفصل الثالث..

أدرك أنني تأخرت كثيراً

أعتذر فالتأخير غير مقصود

شكراً لكم

تشيهايا
6-3-2015, 01:47 PM
الله يعطيك العافيه ،جميل ما قرأت
حبذا لو وصفت القدر بصورة اجمل حتى لو كانت رواية! تعجبنا عبارات مثل سخرية القدر وما الى ذلك لكن لو تفكرت بها تجد ان من غير اللائق وصفها بالتسلط !

(سخط القدر الذي مارس تسلطه عليه )

وقلت طهرها من ذنوب الحياة ، الله عز وجل يسير الحياة فكيف تصفها بانها ذنوب لماذا لم تقل بان طهرها من ذنوب البشر؟

لكن كما قلت في البداية انها جميلة وتستحق نشرها مع تصحيح التي قلتُها يكُن افضل بحسب وجهة نظري ان لم يعجبك الكلام تستطيع تفاديه

Hope Tear
14-3-2015, 01:40 PM
ما اجتاحني هنا أن الغربة قد تكون كالقبر لأحدهم وليس بأي شخص قادر على تجرّعها !
ليستُ بهنا المعضلة إنما بكونها غربة بغربتين .. !
الحنين القاتل والضعف المميت والروح المشرئبّة إلى ما كان جميلاً ..
جميعها مشاعر تُدّثر المغترب بلحافها على أمل أن تكتسحه موجة دفء في صقيع الغربة
ربما يكون قد وجد الحل ولم يلتفت له ! الغربة غربة الروح قبل الجسد
وما يُشبعُ الروح سينعكس إيجاباً على سائره دون شك ..
الحياة قد تكون سيئة لمن يتصورها كذلك، لكنها قد تكون ليست بذاك السوء ربما !
مزيداً من الحب فقط قد يُلوّن أيامه ويُعيدُ لها الحياة ويُنسيه قليلاً ما تجرّعه من ألم الغربة
وكما أن البحث عن الهدف قاتل، لكن ما يقتل أكثر البقاء في ذات المكان ونفس اللحظة
لم يكن الهدف ليُخلق إلا بالتجربة والعمل مع نبذ الخوف من الفشل وتقبّل عدم المثالية
حينها قد يكبر الصغير ويعود الكهل لأوجِ شبابه ..
هو ذاته من بيده زمام الأمور، وإن كانت تعتري الإنسان لحظات يحتاج بها لمن يسنده وضعفه
فالحب والإيمان وحدهما من سيملآن كيانه ويطبطبان على فؤاده حتى يواصل المسير قدماً

صياغة أدبية جميلة ما شاء الله
راقني الكثير من التشبيهات والربط المذهل للمواقف
أبدعتَ بالفعل زادك الله من فضله

Intrax
17-3-2015, 07:42 PM
تم نشر الجزء الأخير من القصة القصيرة

أعتذر كثيراً على التأخر بها ولكن الظروف جبرتني

سأقوم بالرد مساءً إن شاء الله

تشيهايا
18-3-2015, 01:30 AM
ما شاء الله عليك اسلوب الرواية لديك جميل ، فرحت عندما وجدت انك وضعت القسم الرابع من الرواية
بعد فرحة كبداية ، وصلت الى حالة اليأس بسبب صراع نفسي الغربة وما يوجهه المرء من مشاكل في الحياة بشكل عام !
لم افقد الأمل طبعا ، لكن احبطني فلم اتوقع هذا التشاؤم !! يجب ان يتحلى المرء بالأمل وان يثق ان الغد افضل وبما ان الله عز وجل اختار لنا هذه الحياة فعلينا ان نشكره ونصبر ، واذا رأينا ما هو شر في حياتنا فهذا من انفسنا ، وما ربك بظلام للعبيد .
بسبب الصراع الذي تواجهه الشخصيه اجدها متناقضه ، دخل على المسجد ليصلي وقد قرر ان هذه اخر صلاة يصليها واخر عمل يقوم به !! الا ترى ان بطلك جبان !
لمجرد انه لم يعد يحتمل الابتلاءات والمصائب قرر الانتحار ! وكانه يخبر الله عز وجل ، انا اليوم راح احدد على الساعه كذا وفي مكان كذا وفي حالة كذا ان اموت ! رغم ان الله عز وجل اخبرنا ،لا تدري نفس بأي ارضٍ تموت .
تعليقي لا يعني بانها ليست جميلة ، لكن لا احب التشاؤم وان وجد التشاؤم الافضل في نهاية المطاف ان تعكس الصورة حتى لا يُحبط من يقرأ ويستمتع كذلك
بحسب رأيي الفقرة الاخيرة 4 لا احبذ ان تمدح شعور الشخص حينما يتسلق السطح كي يقدم على الانتحار فانت تحرض على فعل ذلك ! لا تعلم العقول التي تقرأ النص الآن وكم منهم في مكنونه فعل ذلك وينتظر الفرصة !!
اضف ايضا انك في هذه الفقرة قلت [
بائسٌ جداً هذا القدر الذي أوصله إلى هنا ] لا ادري لم فقط انا من ارى ذلك او رايته ولم يعقب احد ! لكنك ترينا "القدر بصورة سلبية" مرة بائس ومرة سخط القدر ويتسلط !

طبعا لك الحرية في تقبل التعقيب ام لا / احببت ان اقول رأيي وما اراه صواباً ، مع احترامي لك
وفقك الله

Intrax
19-3-2015, 02:21 PM
ما اجتاحني هنا أن الغربة قد تكون كالقبر لأحدهم وليس بأي شخص قادر على تجرّعها !
ليستُ بهنا المعضلة إنما بكونها غربة بغربتين .. !
الحنين القاتل والضعف المميت والروح المشرئبّة إلى ما كان جميلاً ..
جميعها مشاعر تُدّثر المغترب بلحافها على أمل أن تكتسحه موجة دفء في صقيع الغربة
ربما يكون قد وجد الحل ولم يلتفت له ! الغربة غربة الروح قبل الجسد
وما يُشبعُ الروح سينعكس إيجاباً على سائره دون شك ..
الحياة قد تكون سيئة لمن يتصورها كذلك، لكنها قد تكون ليست بذاك السوء ربما !
مزيداً من الحب فقط قد يُلوّن أيامه ويُعيدُ لها الحياة ويُنسيه قليلاً ما تجرّعه من ألم الغربة
وكما أن البحث عن الهدف قاتل، لكن ما يقتل أكثر البقاء في ذات المكان ونفس اللحظة
لم يكن الهدف ليُخلق إلا بالتجربة والعمل مع نبذ الخوف من الفشل وتقبّل عدم المثالية
حينها قد يكبر الصغير ويعود الكهل لأوجِ شبابه ..
هو ذاته من بيده زمام الأمور، وإن كانت تعتري الإنسان لحظات يحتاج بها لمن يسنده وضعفه
فالحب والإيمان وحدهما من سيملآن كيانه ويطبطبان على فؤاده حتى يواصل المسير قدماً

صياغة أدبية جميلة ما شاء الله
راقني الكثير من التشبيهات والربط المذهل للمواقف
أبدعتَ بالفعل زادك الله من فضله


شكراً لكِ Hope..



ما شاء الله عليك اسلوب الرواية لديك جميل ، فرحت عندما وجدت انك وضعت القسم الرابع من الرواية
بعد فرحة كبداية ، وصلت الى حالة اليأس بسبب صراع نفسي الغربة وما يوجهه المرء من مشاكل في الحياة بشكل عام !
لم افقد الأمل طبعا ، لكن احبطني فلم اتوقع هذا التشاؤم !! يجب ان يتحلى المرء بالأمل وان يثق ان الغد افضل وبما ان الله عز وجل اختار لنا هذه الحياة فعلينا ان نشكره ونصبر ، واذا رأينا ما هو شر في حياتنا فهذا من انفسنا ، وما ربك بظلام للعبيد .
بسبب الصراع الذي تواجهه الشخصيه اجدها متناقضه ، دخل على المسجد ليصلي وقد قرر ان هذه اخر صلاة يصليها واخر عمل يقوم به !! الا ترى ان بطلك جبان !
لمجرد انه لم يعد يحتمل الابتلاءات والمصائب قرر الانتحار ! وكانه يخبر الله عز وجل ، انا اليوم راح احدد على الساعه كذا وفي مكان كذا وفي حالة كذا ان اموت ! رغم ان الله عز وجل اخبرنا ،لا تدري نفس بأي ارضٍ تموت .
تعليقي لا يعني بانها ليست جميلة ، لكن لا احب التشاؤم وان وجد التشاؤم الافضل في نهاية المطاف ان تعكس الصورة حتى لا يُحبط من يقرأ ويستمتع كذلك
بحسب رأيي الفقرة الاخيرة 4 لا احبذ ان تمدح شعور الشخص حينما يتسلق السطح كي يقدم على الانتحار فانت تحرض على فعل ذلك ! لا تعلم العقول التي تقرأ النص الآن وكم منهم في مكنونه فعل ذلك وينتظر الفرصة !!
اضف ايضا انك في هذه الفقرة قلت [
بائسٌ جداً هذا القدر الذي أوصله إلى هنا ] لا ادري لم فقط انا من ارى ذلك او رايته ولم يعقب احد ! لكنك ترينا "القدر بصورة سلبية" مرة بائس ومرة سخط القدر ويتسلط !

طبعا لك الحرية في تقبل التعقيب ام لا / احببت ان اقول رأيي وما اراه صواباً ، مع احترامي لك
وفقك الله




شكراً لكِ، بدايةً أعتذر عن إحباطكِ، بالطبع أعجبني ردك وأعدت قراءته مرتين، إضافة إلى أن شخصاً مريضاً كالبطل لم أجد له نهاية أفضل ولو أنني أردت أن أعتذر متأخراً عن النص الوارد في الأعلى، وإنني لأخجل مما قد صدر مني سابقاً، ولكن ما فات قد فات، ولو أنني رغبت أنني لم أقم بكتابة ما كتبت
النص معبأ بالعبارات الفارغة والتناقضات الضخمة والصراعات التي قد تملأ عالم أحدهم حد الجنون

طبعاً أرى أن رأيك هو الصواب حتماً!

Hope Tear
19-3-2015, 03:59 PM
شعر بأنه فضلة من فضلات الحياة، وجد نفسه متروكاً في زاوية الكون، قمامة، في داخله غيوم لا تمطر إلا قهراً، تستمر ألف سنة بالهطول، صلى لجفاف غيومه، دعى ربه.. ربي.. لا تذرني فرداً، وأنت خير الوارثين.
تجسيد الموقف مذهل وترابطه فتنة !

نهاية مأساوية جداً لم أكن أرغب بالتفكير بها حتى مُذ قرأتُ الرواية
ولكن ثمة إحساسٌ داخلي أرّقني قليلاً من نهاية متوقعة كهذه رغم فشلها !
ومع كل ما قرره البطل لم يحصل مطلقاً على السعادة التي يرغب بها -هكذا أظن-
الوصل الروحي وحده ما كان ينقصه، لماذا عندما دخل المسجد ازدادَ بؤساً !
لأنه كوّم نفسه ببؤسه وختم على حياته بالشقاء المستميت رغم عطايا القدر
مازلتُ أؤمن أنه كان بإمكانه اختيار نهاية أخرى أكثر بُعداً عمّا تمّلكه من يأس ..

أدعو ألّا يُعاين أحداً واقعاً كهذا ^^"
وإن كنتُ أراها رواية واقعية للأسف :|
جزيل الشكر =)

تشيهايا
19-3-2015, 04:55 PM
شكراً لكِ، بدايةً أعتذر عن إحباطكِ، بالطبع أعجبني ردك وأعدت قراءته مرتين، إضافة إلى أن شخصاً مريضاً كالبطل لم أجد له نهاية أفضل ولو أنني أردت أن أعتذر متأخراً عن النص الوارد في الأعلى، وإنني لأخجل مما قد صدر مني سابقاً، ولكن ما فات قد فات، ولو أنني رغبت أنني لم أقم بكتابة ما كتبت
النص معبأ بالعبارات الفارغة والتناقضات الضخمة والصراعات التي قد تملأ عالم أحدهم حد الجنون

طبعاً أرى أن رأيك هو الصواب حتماً!







العفو شكرا لتقبلك تعقيبي
وفقك الله

Intrax
24-3-2015, 02:17 PM
تجسيد الموقف مذهل وترابطه فتنة !

نهاية مأساوية جداً لم أكن أرغب بالتفكير بها حتى مُذ قرأتُ الرواية
ولكن ثمة إحساسٌ داخلي أرّقني قليلاً من نهاية متوقعة كهذه رغم فشلها !
ومع كل ما قرره البطل لم يحصل مطلقاً على السعادة التي يرغب بها -هكذا أظن-
الوصل الروحي وحده ما كان ينقصه، لماذا عندما دخل المسجد ازدادَ بؤساً !
لأنه كوّم نفسه ببؤسه وختم على حياته بالشقاء المستميت رغم عطايا القدر
مازلتُ أؤمن أنه كان بإمكانه اختيار نهاية أخرى أكثر بُعداً عمّا تمّلكه من يأس ..

أدعو ألّا يُعاين أحداً واقعاً كهذا ^^"
وإن كنتُ أراها رواية واقعية للأسف :|
جزيل الشكر =)


شكراً لكِ Hope
أدركت متأخراً أنه بإمكاني إختيار نهاية أكثر إشراقاً وتفاؤلاً..
بدايةً ظننت أن شخصاً مريضاً كما هو ليس من نهايةٍ تناسبهُ أكثر من هذه

وأنا أدعو أيضاً أن لا يعاين أحدٌ ما شعر به صديقنا في القصة..
ولإن ناءت بنا الحياةُ فالأرواح تتصل!