بوح القلم
28-7-2015, 11:35 PM
http://i.imgur.com/fkbsf9A.gif
مرحباً بكم يا جماهير الهنا يا طيور الحب ويا ... فراشات الوفا ^_^
لا أدري إن كنتم لا حظتم وأكيد أنكم لاحظتم أن هذه هي قصتي الأولى في قلم الأعضاء
ولا أعلم حقاً أين سأصل معكم بطرحي موضوعاً لم أتبحر فيه أو تكون لي به بعض خبرة
فجهزوا مقاعدكم واربطوا الأحزمة .. لأننا سننطلق في رحلة فريدة من نوعها
هل انتم جاهزون ؟ هيا بنا
http://i.imgur.com/am55mQy.png
أمسكت قلمي .. في إحدى محاولاتي العقيمة لكتابة قصة قصيرة ، أطلقت فكري للخيال أبحث عن عنوان أوسمها به !
لكن خيالي قد شتّ بي بعيداً عن مرابع أرضي وغاص في بحار الذكريات فجاس فيها باحثاً بين طياتها
ولما أمسك ذكرى قد أتت عبر تأريخ مديد هربت إحدى بنياته تحلق في فضاءات الزمان .
......................................
أبصرت بيوتات تناثرت بين الفيافي !
أين أنا ؟ ومن أنا ؟ هل هذه روحي تتكلم أم خيالي ؟
أين قد حط رحالي ؟
هل ما أراه يكون من مخيّمات اللاجئين .. ؟
أو ربما أرضاً لبني البدو في القفار ساكنين ؟
لكن ما يهم أنها ليست بأرضي ، فلا عمران فيها أو مقاهي
حتى جوالي فيها خارجٌ عن تغطيته يقرأ الشبكات صفراً .. أين قد حط رحالي ؟
تساؤلات إثر تساؤلات .. تزاحمت تبحث عن جوابات أكيدة أو مفيدة !
لمحت دارا خربة بحجم غرفة ، بنيت من الطين ، سقفها .. !؟ لا أدري ؟ هل هو حصير ؟ أو ماذا يكون ؟
لكنه يبدو كالحصير !
رأيت عند تلك الخربة بعض معالم الحياة ، تقدمت منها فوجدت سيدة عجوز قد أعمل الدهر فيها معاوله !
أحنى لها الظهر وزين الوجه بخطوط غائرات حددت رسم العيون والمباسم ، وأضاف رعشة كبر في الكفوف !
تجلس على حصير ممدود ( هذه المرة أنا أكيدة أنه حصير ^_^) تدير حجر رحاة تطحن الحبوب بمهارة
مرحباً أيتها الجدة .. خاطبتها
رفعت إلي نواظر أثقلها مر السنون وأجابت بصوت قد حشرجته لوعة الأيام " مرحباً "
أين نحن ؟ .. بادرتها ، هل هذه الأرض .. من مخيمات اللاجئين؟
أو من مساكن البدو؟ أو ماذا تكون ؟
نظرت إلي بعتب ... " لا تعلمين ...؟ أتراك تمزحين ؟ ثم ما معنى ما تذكرين ؟ لم أسمع في حياتي عن ما تسميه مخيمات اللاجئين ، هل هي من بلاد العجم ؟ أو ربما من بلاد فارس؟ أو من أراضي الصين ؟
يا صغيرتي نحن هنا في أرض النبوة هل سمعت قصة الطفل الرضيع ... عندما مر بنا أمير المؤمنين ؟ هي قصة اشتهرت هذه الأيام بين سائر الأمصار وسارت بها ركبان الراحلين "
لا أفهم ما تقصدين ؟ أو عن أي أمير تتحدثين ؟
"وهل هناك غير مولاي عمر أمير .. من بسط العدل في ربوع الأرض ولم ينم على ظلم ولم يهنأ له ليل ،
يجوب سائراً بين بيوتات العبيد يبحث عن محتاج يمده سراً بالنقود ، أرسل الفاتحين حرر الناس من قيود
الإضطهاد ، كم بكى سراً من ثقل الأمانة ..يقول لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضياعاً لخشيت أن يسألني الله عنها. "
توسعت عيناي مستغربة هل تقصدين ما أظنك تقصدين ؟ أننا في عهد أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب من صحب الأمين
قالت" بلى " ثم شملتني بنظرة فارغة دون أن ترمش جفناً " ماذا ترتدين "
ألقيت نظرة خاطفة نحو لباسي ما يكون نصفي الأول مكسو بقميص قاني اللون بأكمام طويلة ، تنتهي
عند رسغيّ بحبات كالجواهر نصفي الآخر مكسو بتنورة سوداء تنساب بطيات وطيات تنتهي بتخريم عند الكواحل
، فوق زيي أرتدي ( جبة ) بنية اللون تحوي من الأزرار صفين من العنق وحتى القدمين أما رأسي فيغطيه خمار
أسود من حرير .
لكنها أمسكت ما قصدت : " ما هذه ؟ أتراها بقايا من نصل سيف "
نسيت كيف كانوا يرتدون النعل من سعف النخيل أو قباقيب الخشب ..
قلت : بل كعب حذائي
"لا أدري كيف تسيرون على نصل للسيوف ، هذه من عجائب ما رأيت لكن من أنت؟ ومن أين أتيت ؟ فزيك غريب عن ما اعتاده نظري "
قلت : أنا بنت من بنات الفكر .. من جمع أطياف حائرات ، قد هربت حين أطلقت في فضاءات الخيال فتسللت عبر فجوات الزمن ..
قد هجرت زماني البائس نحو زمان مشرق بالصالحات ..
وجذبتني فجوة تعاظم نورها بين الفجوات فدخلتها وها نحن معاً نادني طيف .
" هل تخبريني أنك من غير زمان ومكان ؟ فكرة قد حلقت عبر القرون ؟"
" هذا حالي .." قد كان جوابي " خبريني من تكوني ؟ "
لم تقابل نظرات عينيها نظراتي .. كانت تنظر في شرود من فوق كتفي ثم قالت :
" هل قرأتم عن زماني ؟ "
قلت : " نعم قد قرأنا عنه الكثير "
" هل قرأتم عن أمر عجوز أوقفت أمير المؤمنين بينما رجالات قريش في انتظار؟ "
فتذكرت ذكرى مرت بقربي بين أطياف الذكريات عندما كنت أهرب ..
قلت : بلى
"كانت تتلمس الطريق بعصا فى يدها , قوست الأيام ظهرها , وأثقلت كاهلها , استوقفت عمر بن الخطاب
رضى عنه الذى كان يتوسط القوم , ومالت به إلى جانب الطريق .
دنا منها أمير المؤمنين , أرهف إليها السمع يصغى بانتباه فسرى الصوت الضعيف إلى أذنه بتباطئ ,
ولم ينصرف حتى قضى لها ما أرادت .
وعندما ذهب إلى القوم الذين طال بهم الوقوف , قال رجل : يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش
على هذه العجوز ؟!
قال عمر: ويحك ! أتدرى من هذه ؟!
قال الرجل : لا
قال عمر: هذه إمرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات !!
هذه خولة بنت ثعلبة , والله لو لم تنصرف عنى إلى الليل ما إنصرفت حتى تقضى حاجتها"
" هذا هو أمري وأنا تلك العجوز "
يا إلهي هل حقيق أنني في زمن الفاروق قد حط رحالي ؟!
قلت : حدثيني عن الفاروق يا جدة
"ماذا أقول أي بنية ومن أين أبتدي فمناقبه كثيرة ، أكثر بكثير من أن تحصيها أفكاري ويكفيك أن تعلمي
بحديث للرسول -صلَّى عليه ربي- وهو يقول: «لو كان من بعدي نبي؛ لكان عمر بن الخطاب»
نعم لقد قرأت هذا الحديث ، مدت الجدة عصاها وبها استعانت للوقوف ، ثم قالت :
" إتبعيني "
دخلت خلفها إلى حجرتها وجدتها لا تحوي الكثير، ليس فيها من الأثاث سوى مصطبة من لوح خشبي
وظيفتها بدل سرير !وفي الزاوية البعيدة رف يحمل جرة سمن وسلة تمر بجانبها كوز ماء
والنافذة عبارة عن كوة مرتفعة ، أرضية الغرفة ترابية مفروشة أركانها ببسط مشغولة يدوياً من ثياب باليات ،
أشارت إلي نحو إحداها للجلوس ثم ذهبت نحو ركن الحجرة وكشفت غطاء جرة تحوي بداخلها لبن رائب
منه غرفة بقدح نحاسي وبدأت تحركه بحركة لولبية وهي تتابع حديثها :
" مرة أبطأ على الناس يوم الجمعة، فلما خرج اعتذر إليهم عن تأخره، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره."
يالزهده ..( حدثت نفسي ) فولاة الأمر اليوم يرتعون في الملذات لهم مئات من الأطقم أو ربما ألوف
لا يخرج إلى العلن إلا وطيات قميصه تجرج الطير من حدتها يتحلى بساعة رولكس تحوي من الماس ما يطعم أكبر المخيمات
أكملي يا جدتي ...
تقدمت نحوي ببطئ ناولتني القدح وتابعت :
" ولما يحج كان لا يضرب له فسطاطا، ولا خباء، بل كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة فيستظل تحته."
قلت في نفسي هذا هو أمير المؤمنين ساس رعية من المشرق والمغرب يجلس على تراب الأرض تحت رداء
كأنه أدنى الرعية ، أخذت رشفة من القدح وراقني مذاقه نظرت إلى الجدة وهي تستكمل حديثها :
"بل إنه من شدة زهده في الطعام، ينهى عن نخل الدقيق قال يسار : والله ما نخلت لعمر دقيق قط إلا وأنا له عاصٍ."
"وكذا مولاه أسلم قال : رأى عمر إنسانا ينخل الدقيق، فقال: أخلطه، إن السمراء لا تنخل."
وضعت القدح جانباً ونفسي تتوق لآخر وسألتها
لم كل هذا الحرص من أمير المؤمنين ؟ ولم حكم على نفسه بهذا العيش الخشن ؟
لم لا يمتع نفسه بملذات الطعام وقد حللها الله لعباده؟
رفعت رأسها نحو سقف بيتها كأنها تنظر لتلك الحصر المكون منها سقفها والأعمدة الخشبية التي تمسكه ببعضه
ثم إلى عمود يتوسط الحجرة لتسند ثقله معلق به قنديل زيت
ثم نظرت نحوي قائلة :" هذا الحرص من الفاروق على الزهد في المطعم إنما جاء بعد عظة مرت عليه في حياة
النبي ، وقد عاشها عمر بن الخطاب بنفسه.
قال عمر بن الخطاب: لقد رأيت رسول الله يَظَل اليوم يلتوي، ما عنده ما يملأ بطنه من الدَّقَل.
قلت : وما هو الدقل؟ يا جدتي
قالت : إنه نوع من التمر الرديء، يطلق على سيئ التمر، صغير الحب، وهو قليل الحلاوة
ثم أكملت :
"ويقول لابنته حفصة أم المؤمنين عندما تطلب منه أن يلين من خشونة عيشه
" لي صاحبان سلكا طريقًا، فإن سلكت طريقًا غير طريقهما سلك بي غير طريقهما، إني والله
سأصبر على عيشهما الشديد لعلي أن أدرك معهما عيشهما الرَّخِيّ "
أما في عام الرمادة فما أروعه وهو يشارك الناس المحنة زاهدًا في مطعمه فقد غلا فيها السمن، وكان عمر
يأكله، فلما قل، قال: لا آكله حتى يأكله الناس. فكان يأكل الزيت فقال: يا أسلم، اكسر عني حره بالنار، فكان
يطبخه له فيأكله فيتقرقر بطنه عنه فيقول: تقرقر تقرقرك، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس.
أوقفتها .. يكفي ..يا جدتي يكفي ! إن واصلت الحديث سوف أبكي ..
لكنني لم أستطع منع دموعي من هطول متأثر
هل هكذا كان أمير المؤمنين ؟ مع أن الدنيا بسطت تحت قدميه والبلاد فتحت على يديه ، كانت الأموال
تصب في بيت المال صبا ، لم يغرهِ بريقها ..
الزهد ! ليس أن تترك الدنيا من يديك، وهي في قلبك، وإنما الزهد أن تخرجها من قلبك، وهي في يديك.
مدت الجدة يداً رقيقة كنسمات صباح ربيعي تجفف من دموعي " خبريني أي بنية كيف صارت الأمصار بعدما مرت قرون ..
وما هذا المحيا المعذب الذي أظهرته كقناع غلف جمال القسمات "
لونت دماء الخجل خدودي .. كيف أحكي عن ذلتي أوعن مأساة أمتي وأصدمك بهولها يا جدتي ؟
"في البداية أخبريني كم صارت أعدادهم فلقد سمعت أن رسول الله قال
" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ"، فهل بلغناه ؟ "
قلت : ماذا ؟! .. بل لقد زدناه عشر أضعاف ضَرْبَ عشرة .. أو يزيد .. لكننا صرنا غثاء كغثاء السيل ، لا نفع من كثرة
الأعداد إن لم تربيهم عقيدة .. لا خير في كثرة الأعداد إن لم تحركهم غيرة على الحرمات أو تجمعهم مودة أو
يحمسهم جهاد ..
قد ضاعت الأمانة وكثر أعوان الطغاة ، ترين النساء بملابس من ضيقها كأنما استنبتن جلداً من قماش ،
والربا كان زلال والمعازف والموسيقى ؟.. حلال ! حتى بما ينسب للدين من الأناشيد تحتوي لحن موسيقى ،
والمساجد قد زخرفت بشتى أنواع الجمال وتطاول البنيان حتى سمي بناطحات للسحاب ، والقتل تكاثر
واستشرى بين العباد حتى أن القاتل يقتل للنكاية لا لذنب والضحية ..! ليس يعلم أسباب سلب الروح منه .. أي كرب ،
والشرك تسلل بين ألفاظ العوام وقطيعة الرحم صارت منهجاً والشيخ متباهٍ كالشباب ، والتجارة زادت الناس بمال ،
وأسافل القوم تعالو وتوارى الصالحون ، تركت أعمال السنن .. وتكاثر الكذب في نقل أخبار البلاد..
وشهادات الزور وكتمان شهادات الحق والحقيقة .. وكثر موات الفجأة بين العباد ..
" يكفي " تعالى صوتها بضعف
" هل تخبريني أن الساعة قامت ؟ فهذه أشراطها "
كنت أصف في السرد زماني لكن ..! ويْكأني قد عددت ما هو كائن من علامات القيامة ..
قلت : كلا .. ليس بعد
" هل منكم من تمنى الموت من هول البلاء "
قلت : الكثير
" فقالت : قال رسول الله :" لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ياليتني مكانه " ..
وقال ابن مسعود: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه .. ..
هل تعاهدتم مع الروم "
قلت : هذا مايبدو
قالت : " سينكثون بعهدهم ، هل جف نهر الفرات ؟ "
قلت : ليس بعد .. لكنه في تناقص
" سينحسر عن جبل من الذهب .. إن أدركته فإياك ثم إياك أن تأخذي منه شيئاً فعليه سيقتل الناس بعضهم بعضاً
ويكون فتنة ، يبدو أنكم في آخر الزمان .. أكثري من الطاعات فالساعة لا تقوم إلا على شرار القوم واحذري فتنة
الدجال فهو بات منكم قريب "
اهتز صوتي جزعاً ، رمشت بعيني أشتت العبرات منعاً للهطول ، حاولت أن أشغل نفسي حتى تتركني الغصة
وأقوى على الكلام دون نشيج أو بكاء ، قمت من مكاني ومررت بأناملي على فم الجرة ثم تقدمت من طبق صنع
من السعف الملون مشغول بمهارة ، أغمضت عيني وأخذت نفساً عميقاً ليهدئ من هول اضطرابي والتفت
فإذا بالصورة تهتز وأحسست بذبذبات تشدني في غير اتجاه ، دخلت مجدداً عبر بوابات الزمن ورجعت إلى حيث
كنت عند صاحبي وجدته نائما قد أرهقه السهر تقدمت من أوراقه وسطرت رحلتي ، شعرت أني أيضاً مرهقة
منعت تثاؤباً كاد يهرب من بين شفتي بأناملي ثم دخلت بين شقيقاتي من بنيات فكره توسدت يدي ودخلت في
سبات الذكريات
http://i.imgur.com/am55mQy.png
شيء قد اخترق رأسي وشعرت بالقلم يهتز بين أناملي فتحت عيني ببطئ فوجدت أني لا أزال في مكتبي
قمت أمدد جسدي فشعرت بآلام في جميع أنحاءه نتيجة نومي غير المريح على مقعدي ولما هممت نحو سريري
لمحت أوراقي ممتلئة سطورها رفعت يدي إلى جبيني ..لا أذكر ما كتبت ! رفعتها كي استبين ما هي فرأيت
الحروف تتراقص أمام عيني ليس لها ثبات فعلمت أن النعاس أخذ مني كل طاقتي فوضعت أوراقي بجانب سريري
، رفعت الغطاء ودخلت بين طياته ثم بين حلمي واليقظة شعرت وكأنني كنت في زمن أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وكأنني كنت أحصي علامات الساعة التي ظهرت في زماننا .. !
.. فغرقت بنومي وأنا أردد اللهم سلم سلم
http://i.imgur.com/Kte3Tz3.gif
مرحباً بكم يا جماهير الهنا يا طيور الحب ويا ... فراشات الوفا ^_^
لا أدري إن كنتم لا حظتم وأكيد أنكم لاحظتم أن هذه هي قصتي الأولى في قلم الأعضاء
ولا أعلم حقاً أين سأصل معكم بطرحي موضوعاً لم أتبحر فيه أو تكون لي به بعض خبرة
فجهزوا مقاعدكم واربطوا الأحزمة .. لأننا سننطلق في رحلة فريدة من نوعها
هل انتم جاهزون ؟ هيا بنا
http://i.imgur.com/am55mQy.png
أمسكت قلمي .. في إحدى محاولاتي العقيمة لكتابة قصة قصيرة ، أطلقت فكري للخيال أبحث عن عنوان أوسمها به !
لكن خيالي قد شتّ بي بعيداً عن مرابع أرضي وغاص في بحار الذكريات فجاس فيها باحثاً بين طياتها
ولما أمسك ذكرى قد أتت عبر تأريخ مديد هربت إحدى بنياته تحلق في فضاءات الزمان .
......................................
أبصرت بيوتات تناثرت بين الفيافي !
أين أنا ؟ ومن أنا ؟ هل هذه روحي تتكلم أم خيالي ؟
أين قد حط رحالي ؟
هل ما أراه يكون من مخيّمات اللاجئين .. ؟
أو ربما أرضاً لبني البدو في القفار ساكنين ؟
لكن ما يهم أنها ليست بأرضي ، فلا عمران فيها أو مقاهي
حتى جوالي فيها خارجٌ عن تغطيته يقرأ الشبكات صفراً .. أين قد حط رحالي ؟
تساؤلات إثر تساؤلات .. تزاحمت تبحث عن جوابات أكيدة أو مفيدة !
لمحت دارا خربة بحجم غرفة ، بنيت من الطين ، سقفها .. !؟ لا أدري ؟ هل هو حصير ؟ أو ماذا يكون ؟
لكنه يبدو كالحصير !
رأيت عند تلك الخربة بعض معالم الحياة ، تقدمت منها فوجدت سيدة عجوز قد أعمل الدهر فيها معاوله !
أحنى لها الظهر وزين الوجه بخطوط غائرات حددت رسم العيون والمباسم ، وأضاف رعشة كبر في الكفوف !
تجلس على حصير ممدود ( هذه المرة أنا أكيدة أنه حصير ^_^) تدير حجر رحاة تطحن الحبوب بمهارة
مرحباً أيتها الجدة .. خاطبتها
رفعت إلي نواظر أثقلها مر السنون وأجابت بصوت قد حشرجته لوعة الأيام " مرحباً "
أين نحن ؟ .. بادرتها ، هل هذه الأرض .. من مخيمات اللاجئين؟
أو من مساكن البدو؟ أو ماذا تكون ؟
نظرت إلي بعتب ... " لا تعلمين ...؟ أتراك تمزحين ؟ ثم ما معنى ما تذكرين ؟ لم أسمع في حياتي عن ما تسميه مخيمات اللاجئين ، هل هي من بلاد العجم ؟ أو ربما من بلاد فارس؟ أو من أراضي الصين ؟
يا صغيرتي نحن هنا في أرض النبوة هل سمعت قصة الطفل الرضيع ... عندما مر بنا أمير المؤمنين ؟ هي قصة اشتهرت هذه الأيام بين سائر الأمصار وسارت بها ركبان الراحلين "
لا أفهم ما تقصدين ؟ أو عن أي أمير تتحدثين ؟
"وهل هناك غير مولاي عمر أمير .. من بسط العدل في ربوع الأرض ولم ينم على ظلم ولم يهنأ له ليل ،
يجوب سائراً بين بيوتات العبيد يبحث عن محتاج يمده سراً بالنقود ، أرسل الفاتحين حرر الناس من قيود
الإضطهاد ، كم بكى سراً من ثقل الأمانة ..يقول لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضياعاً لخشيت أن يسألني الله عنها. "
توسعت عيناي مستغربة هل تقصدين ما أظنك تقصدين ؟ أننا في عهد أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب من صحب الأمين
قالت" بلى " ثم شملتني بنظرة فارغة دون أن ترمش جفناً " ماذا ترتدين "
ألقيت نظرة خاطفة نحو لباسي ما يكون نصفي الأول مكسو بقميص قاني اللون بأكمام طويلة ، تنتهي
عند رسغيّ بحبات كالجواهر نصفي الآخر مكسو بتنورة سوداء تنساب بطيات وطيات تنتهي بتخريم عند الكواحل
، فوق زيي أرتدي ( جبة ) بنية اللون تحوي من الأزرار صفين من العنق وحتى القدمين أما رأسي فيغطيه خمار
أسود من حرير .
لكنها أمسكت ما قصدت : " ما هذه ؟ أتراها بقايا من نصل سيف "
نسيت كيف كانوا يرتدون النعل من سعف النخيل أو قباقيب الخشب ..
قلت : بل كعب حذائي
"لا أدري كيف تسيرون على نصل للسيوف ، هذه من عجائب ما رأيت لكن من أنت؟ ومن أين أتيت ؟ فزيك غريب عن ما اعتاده نظري "
قلت : أنا بنت من بنات الفكر .. من جمع أطياف حائرات ، قد هربت حين أطلقت في فضاءات الخيال فتسللت عبر فجوات الزمن ..
قد هجرت زماني البائس نحو زمان مشرق بالصالحات ..
وجذبتني فجوة تعاظم نورها بين الفجوات فدخلتها وها نحن معاً نادني طيف .
" هل تخبريني أنك من غير زمان ومكان ؟ فكرة قد حلقت عبر القرون ؟"
" هذا حالي .." قد كان جوابي " خبريني من تكوني ؟ "
لم تقابل نظرات عينيها نظراتي .. كانت تنظر في شرود من فوق كتفي ثم قالت :
" هل قرأتم عن زماني ؟ "
قلت : " نعم قد قرأنا عنه الكثير "
" هل قرأتم عن أمر عجوز أوقفت أمير المؤمنين بينما رجالات قريش في انتظار؟ "
فتذكرت ذكرى مرت بقربي بين أطياف الذكريات عندما كنت أهرب ..
قلت : بلى
"كانت تتلمس الطريق بعصا فى يدها , قوست الأيام ظهرها , وأثقلت كاهلها , استوقفت عمر بن الخطاب
رضى عنه الذى كان يتوسط القوم , ومالت به إلى جانب الطريق .
دنا منها أمير المؤمنين , أرهف إليها السمع يصغى بانتباه فسرى الصوت الضعيف إلى أذنه بتباطئ ,
ولم ينصرف حتى قضى لها ما أرادت .
وعندما ذهب إلى القوم الذين طال بهم الوقوف , قال رجل : يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش
على هذه العجوز ؟!
قال عمر: ويحك ! أتدرى من هذه ؟!
قال الرجل : لا
قال عمر: هذه إمرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات !!
هذه خولة بنت ثعلبة , والله لو لم تنصرف عنى إلى الليل ما إنصرفت حتى تقضى حاجتها"
" هذا هو أمري وأنا تلك العجوز "
يا إلهي هل حقيق أنني في زمن الفاروق قد حط رحالي ؟!
قلت : حدثيني عن الفاروق يا جدة
"ماذا أقول أي بنية ومن أين أبتدي فمناقبه كثيرة ، أكثر بكثير من أن تحصيها أفكاري ويكفيك أن تعلمي
بحديث للرسول -صلَّى عليه ربي- وهو يقول: «لو كان من بعدي نبي؛ لكان عمر بن الخطاب»
نعم لقد قرأت هذا الحديث ، مدت الجدة عصاها وبها استعانت للوقوف ، ثم قالت :
" إتبعيني "
دخلت خلفها إلى حجرتها وجدتها لا تحوي الكثير، ليس فيها من الأثاث سوى مصطبة من لوح خشبي
وظيفتها بدل سرير !وفي الزاوية البعيدة رف يحمل جرة سمن وسلة تمر بجانبها كوز ماء
والنافذة عبارة عن كوة مرتفعة ، أرضية الغرفة ترابية مفروشة أركانها ببسط مشغولة يدوياً من ثياب باليات ،
أشارت إلي نحو إحداها للجلوس ثم ذهبت نحو ركن الحجرة وكشفت غطاء جرة تحوي بداخلها لبن رائب
منه غرفة بقدح نحاسي وبدأت تحركه بحركة لولبية وهي تتابع حديثها :
" مرة أبطأ على الناس يوم الجمعة، فلما خرج اعتذر إليهم عن تأخره، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره."
يالزهده ..( حدثت نفسي ) فولاة الأمر اليوم يرتعون في الملذات لهم مئات من الأطقم أو ربما ألوف
لا يخرج إلى العلن إلا وطيات قميصه تجرج الطير من حدتها يتحلى بساعة رولكس تحوي من الماس ما يطعم أكبر المخيمات
أكملي يا جدتي ...
تقدمت نحوي ببطئ ناولتني القدح وتابعت :
" ولما يحج كان لا يضرب له فسطاطا، ولا خباء، بل كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة فيستظل تحته."
قلت في نفسي هذا هو أمير المؤمنين ساس رعية من المشرق والمغرب يجلس على تراب الأرض تحت رداء
كأنه أدنى الرعية ، أخذت رشفة من القدح وراقني مذاقه نظرت إلى الجدة وهي تستكمل حديثها :
"بل إنه من شدة زهده في الطعام، ينهى عن نخل الدقيق قال يسار : والله ما نخلت لعمر دقيق قط إلا وأنا له عاصٍ."
"وكذا مولاه أسلم قال : رأى عمر إنسانا ينخل الدقيق، فقال: أخلطه، إن السمراء لا تنخل."
وضعت القدح جانباً ونفسي تتوق لآخر وسألتها
لم كل هذا الحرص من أمير المؤمنين ؟ ولم حكم على نفسه بهذا العيش الخشن ؟
لم لا يمتع نفسه بملذات الطعام وقد حللها الله لعباده؟
رفعت رأسها نحو سقف بيتها كأنها تنظر لتلك الحصر المكون منها سقفها والأعمدة الخشبية التي تمسكه ببعضه
ثم إلى عمود يتوسط الحجرة لتسند ثقله معلق به قنديل زيت
ثم نظرت نحوي قائلة :" هذا الحرص من الفاروق على الزهد في المطعم إنما جاء بعد عظة مرت عليه في حياة
النبي ، وقد عاشها عمر بن الخطاب بنفسه.
قال عمر بن الخطاب: لقد رأيت رسول الله يَظَل اليوم يلتوي، ما عنده ما يملأ بطنه من الدَّقَل.
قلت : وما هو الدقل؟ يا جدتي
قالت : إنه نوع من التمر الرديء، يطلق على سيئ التمر، صغير الحب، وهو قليل الحلاوة
ثم أكملت :
"ويقول لابنته حفصة أم المؤمنين عندما تطلب منه أن يلين من خشونة عيشه
" لي صاحبان سلكا طريقًا، فإن سلكت طريقًا غير طريقهما سلك بي غير طريقهما، إني والله
سأصبر على عيشهما الشديد لعلي أن أدرك معهما عيشهما الرَّخِيّ "
أما في عام الرمادة فما أروعه وهو يشارك الناس المحنة زاهدًا في مطعمه فقد غلا فيها السمن، وكان عمر
يأكله، فلما قل، قال: لا آكله حتى يأكله الناس. فكان يأكل الزيت فقال: يا أسلم، اكسر عني حره بالنار، فكان
يطبخه له فيأكله فيتقرقر بطنه عنه فيقول: تقرقر تقرقرك، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس.
أوقفتها .. يكفي ..يا جدتي يكفي ! إن واصلت الحديث سوف أبكي ..
لكنني لم أستطع منع دموعي من هطول متأثر
هل هكذا كان أمير المؤمنين ؟ مع أن الدنيا بسطت تحت قدميه والبلاد فتحت على يديه ، كانت الأموال
تصب في بيت المال صبا ، لم يغرهِ بريقها ..
الزهد ! ليس أن تترك الدنيا من يديك، وهي في قلبك، وإنما الزهد أن تخرجها من قلبك، وهي في يديك.
مدت الجدة يداً رقيقة كنسمات صباح ربيعي تجفف من دموعي " خبريني أي بنية كيف صارت الأمصار بعدما مرت قرون ..
وما هذا المحيا المعذب الذي أظهرته كقناع غلف جمال القسمات "
لونت دماء الخجل خدودي .. كيف أحكي عن ذلتي أوعن مأساة أمتي وأصدمك بهولها يا جدتي ؟
"في البداية أخبريني كم صارت أعدادهم فلقد سمعت أن رسول الله قال
" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ"، فهل بلغناه ؟ "
قلت : ماذا ؟! .. بل لقد زدناه عشر أضعاف ضَرْبَ عشرة .. أو يزيد .. لكننا صرنا غثاء كغثاء السيل ، لا نفع من كثرة
الأعداد إن لم تربيهم عقيدة .. لا خير في كثرة الأعداد إن لم تحركهم غيرة على الحرمات أو تجمعهم مودة أو
يحمسهم جهاد ..
قد ضاعت الأمانة وكثر أعوان الطغاة ، ترين النساء بملابس من ضيقها كأنما استنبتن جلداً من قماش ،
والربا كان زلال والمعازف والموسيقى ؟.. حلال ! حتى بما ينسب للدين من الأناشيد تحتوي لحن موسيقى ،
والمساجد قد زخرفت بشتى أنواع الجمال وتطاول البنيان حتى سمي بناطحات للسحاب ، والقتل تكاثر
واستشرى بين العباد حتى أن القاتل يقتل للنكاية لا لذنب والضحية ..! ليس يعلم أسباب سلب الروح منه .. أي كرب ،
والشرك تسلل بين ألفاظ العوام وقطيعة الرحم صارت منهجاً والشيخ متباهٍ كالشباب ، والتجارة زادت الناس بمال ،
وأسافل القوم تعالو وتوارى الصالحون ، تركت أعمال السنن .. وتكاثر الكذب في نقل أخبار البلاد..
وشهادات الزور وكتمان شهادات الحق والحقيقة .. وكثر موات الفجأة بين العباد ..
" يكفي " تعالى صوتها بضعف
" هل تخبريني أن الساعة قامت ؟ فهذه أشراطها "
كنت أصف في السرد زماني لكن ..! ويْكأني قد عددت ما هو كائن من علامات القيامة ..
قلت : كلا .. ليس بعد
" هل منكم من تمنى الموت من هول البلاء "
قلت : الكثير
" فقالت : قال رسول الله :" لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ياليتني مكانه " ..
وقال ابن مسعود: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه .. ..
هل تعاهدتم مع الروم "
قلت : هذا مايبدو
قالت : " سينكثون بعهدهم ، هل جف نهر الفرات ؟ "
قلت : ليس بعد .. لكنه في تناقص
" سينحسر عن جبل من الذهب .. إن أدركته فإياك ثم إياك أن تأخذي منه شيئاً فعليه سيقتل الناس بعضهم بعضاً
ويكون فتنة ، يبدو أنكم في آخر الزمان .. أكثري من الطاعات فالساعة لا تقوم إلا على شرار القوم واحذري فتنة
الدجال فهو بات منكم قريب "
اهتز صوتي جزعاً ، رمشت بعيني أشتت العبرات منعاً للهطول ، حاولت أن أشغل نفسي حتى تتركني الغصة
وأقوى على الكلام دون نشيج أو بكاء ، قمت من مكاني ومررت بأناملي على فم الجرة ثم تقدمت من طبق صنع
من السعف الملون مشغول بمهارة ، أغمضت عيني وأخذت نفساً عميقاً ليهدئ من هول اضطرابي والتفت
فإذا بالصورة تهتز وأحسست بذبذبات تشدني في غير اتجاه ، دخلت مجدداً عبر بوابات الزمن ورجعت إلى حيث
كنت عند صاحبي وجدته نائما قد أرهقه السهر تقدمت من أوراقه وسطرت رحلتي ، شعرت أني أيضاً مرهقة
منعت تثاؤباً كاد يهرب من بين شفتي بأناملي ثم دخلت بين شقيقاتي من بنيات فكره توسدت يدي ودخلت في
سبات الذكريات
http://i.imgur.com/am55mQy.png
شيء قد اخترق رأسي وشعرت بالقلم يهتز بين أناملي فتحت عيني ببطئ فوجدت أني لا أزال في مكتبي
قمت أمدد جسدي فشعرت بآلام في جميع أنحاءه نتيجة نومي غير المريح على مقعدي ولما هممت نحو سريري
لمحت أوراقي ممتلئة سطورها رفعت يدي إلى جبيني ..لا أذكر ما كتبت ! رفعتها كي استبين ما هي فرأيت
الحروف تتراقص أمام عيني ليس لها ثبات فعلمت أن النعاس أخذ مني كل طاقتي فوضعت أوراقي بجانب سريري
، رفعت الغطاء ودخلت بين طياته ثم بين حلمي واليقظة شعرت وكأنني كنت في زمن أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وكأنني كنت أحصي علامات الساعة التي ظهرت في زماننا .. !
.. فغرقت بنومي وأنا أردد اللهم سلم سلم
http://i.imgur.com/Kte3Tz3.gif