تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مراجعة كتاب: العبرات - مصطفى لطفي المنفلوطي



أنــس
28-12-2019, 04:02 PM
.

العبرات
مصطفى لطفي المنفلوطي

.

https://innocentdays.files.wordpress.com/2019/06/img_3651.jpg

.

كان كتاب (العبرات) من أوائل الكتب التي قرأتُها في طفولتي المبكرة، وكان – إلى جانب كتاب (النظرات) – هو البوابة التي دخلتُ عبرها إلى عالم الأدب، وإني لأحمد الله أن تفتَّح وعيي الأدبي أول ما تفتَّح على المنفلوطي، فإن للبوابة الأولى التي يلج الإنسان عبرها إلى الأدب أثراً عظيماً لا يزايله مهما تقدم به العمر ومهما تعدَّد اطِّلاعه وتشعَّبت قراءاته، ذلك أن القراءات الأولى تشكِّل في وعي الإنسان (نقطة مرجعية) هو ولا بدَّ عائدٌ إليها في تقييمه لكل ما سيقرأ بعدها، فهو لا يفتأ يقيس عليها ويقارن بها، ويعتدُّها – واعياً أو غير واعٍ – نقطة الارتكاز التي يتوازن عليها مهما تمايل هكذا وهكذا، ذات اليمين وذات الشمال.

ولقد أعدتُ قراءة (العبرات) فكأن الزمن قد طوي وكأني عدتُ إلى تلك الطفولة المبكرة، فإذا بي أتذكر وأتخيل القصص والمشاهد الموصوفة كما كنتُ أتخيلها في قراءتي الأولى، بيد أني نظرتُ إليها في عمري هذا نظرةً تختلف عن نظرة الطفل الذي لم يقرأ غيرها، ثم ذهبتُ أطلع على آراء الناس فلم أكد أجد في معظمها غير السخرية والاستهزاء بتلك القصص المأساوية الساذجة، والتي لا يُتصوَّر حدوث مثلها في عصرنا هذا ولا في أي عصر قبله.

وإني لأتفهم هذه الآراء المعاصرة الشائعة في كتابات المنفلوطي التي صارت متجاوَزة تماماً، شكلاً ومضموناً، بمقاييس عصرنا هذا الذي تختلف روحه اختلافاً جذرياً عن عصر المنفلوطي وما قبله. واختلافُ روح العصر ينعكس ولا بدَّ على الأساليب المتبعة في التعبير على الأفكار والمشاعر، فكتاب (العبرات) مثلاً يضمُّ مجموعة قصص بعضها موضوعٌ وبعضها مترجم، ولولا الأسماء الأجنبية لما أمكن التمييز بين القصص الموضوعة والمترجمة، إذ يؤلِّف بينها أسلوب المنفلوطي المتفرِّد إضافةً إلى انتمائها للتيار الأدبي الرومانسي الذي كان شائعاً في أوروبا آنذاك.

ثم تغيرت الدنيا تغيراً جذرياً وتغير الأدب معها، فصار كتابٌ كـ (العبرات) في ميدان الأدب أشبه بقطع (الأنتيكة) في عالم الأثاث، نتأملها بإعجاب وربما بانبهار، ونتنسَّم فيها عبق الماضي الجميل المفقود، لكننا في النهاية ننظر إليها بتعال، ولا نأخذها على محمل الجد ولا يفكر أحدنا في استحيائها والعودة لاستعمالها، وإنما تظلُّ قطعاً للزينة والتأمل لا أكثر.

يغلب على قصص (العبرات) طابعٌ كئيبٌ مفرطٌ في سوداويته، حتى إنك لتشعر أحياناً أن الكاتب يلوي عنق الأحداث لياً كي ينتهي بها نهايةً مأساوية، وفي رأيي أن النهاية المأساوية الحقيقية هي أن قصص (العبرات) بعد أن كانت مضرباً للمثل في قدرتها على استدرار الدموع واعتصار الكآبة في قلب القارئ، فإنها صارت اليوم شيئاً أقرب للكوميديا! وإني لأقرأ المشهد في القصة يُفترض أنه يمزِّق نياط القلوب، فلا يثير فيَّ إلا الابتسام والضحك! ولا سيما حين أقرأ الجملة المنفلوطية الشهيرة التي تتكرر في كل قصصه، وربما تكررت أكثر من مرة في القصة نفسها: (وصرخ صرخةً عظمى ثم سقط مغشياً عليه)!

وليس شيءٌ من ذلك لأن القلوب قست، ولكن لأن انفعال الإنسان المعاصر بالأدب يختلف عن انفعال الإنسان القديم، واليوم قد تصدر رواياتٌ مبكيةٌ لكنها حتماً لن تكون كـ (العبرات) ولن يكون أسلوبها كأسلوب المنفلوطي.

على أنني وإن وجدتُ نفسي أنساق وراء موجة الضحك والسخرية من قصص (العبرات) وأسلوب المنفلوطي عموماً، إلا أن ذلك – علم الله – لا ينطوي على شيء قليل ولا كثير من التنقُّص أو الازدراء، وفي رأيي أن الذين يسخرون من (العبرات) وكاتبها إنما قرؤوها منتظرين أن يجدوا قصصاً تصف الواقع كما هو، فلذلك وقعوا في المقارنة بين الموصوف في القصص والواقع المُعاش، وكان المفروض أن تُقرأ (العبرات) على أنها قصصٌ (فانتازية) لها قانونها الخاص القائم بذاته، وباستيعابنا لهذا القانون نستطيع أن نُدخل أنفسنا في جوِّ القصص تماماً كما ندخل في جوِّ أيِّ رواية خيالية أو مسلسل فانتازي نشاهده.

هذا ومكانة المنفلوطي محفوظةٌ لا يُنال منها، وأياديه البيضاء على الأدب أعظم من أن تُنكر، وحسبه فضلاً أنك إلى يوم الناس هذا لا تسأل كاتباً ولا روائياً ولا أديباً عن بداياته إلا ويجيبك بأنه دخل الأدب من باب المنفلوطي، وأن هذا الرجل هو الذي حبَّب إليه القراءة ورغَّبه فيها، وقدح فيه من ذلك رغبة الكتابة، وما زلنا إلى اليوم لا يُذكَر الأدب العربي المعاصر إلا ويُذكر المنفلوطي في كبار روَّاده بل في أوائل مؤسِّسيه.

وأختم بهذه الملاحظات الطريفة الباسمة التي قيَّدتُها أثناء قراءتي للعبرات، وفيها توصيفٌ عامٌّ لملامح أسلوب المنفلوطي الذي طبع كل نتاجه الأدبي من القصص القصيرة والروايات الموضوع منها والمترجم:

– كل القصص قصص حبٍّ عنيفٍ تنتهي نهايةً مأساوية.

– كل القصص تنتهي بالموت، يموت البطل وتموت البطلة، ولو كان هناك راوٍ خارجيٌّ للقصة فسيموت هو أيضاً!

– كل الشخصيات تمرض مرضاً شديداً وتقع طريحة الفراش حين يُحال بينها وبين من تحب.

– كل الشخصيات تصرخ صرخةً هائلة وتقع مغشياً عليها حين تتلقى صدمةً عاطفيةً أو خبراً مؤلماً.

– ليس هناك حواراتٌ قصيرةٌ بين الشخصيات، الحوار هو عبارةٌ عن خطبٍ مطوَّلةٍ تلقيها كل شخصية على مسامع الأخرى، وبلغة عربية شديدة الفصاحة والبلاغة، بل قد تتخلَّلها أبيات شعرية!

– الشخصيات حين تبكي لا تكتفي دموعها بالسيلان على الخدود فقط، بل تنهمر انهماراً وتسقي تربة الأرض (في إحدى القصص انصرفت شخصيةٌ باكيةٌ فأتى الراوي إلى مكانها فوجد تراب الأرض مخضلّاً بدموعها)!

أنس سعيد محمد
21/06/2019

Jomoon
29-12-2019, 10:02 AM
السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

أهلاً بك :"),
المنفلوطي أذكر إني قرأت له وأنا صغيرة وأعجبني جداً!
أظن أنهُ هو!!
لكن كتيب صغير، ما محتواه نسيت!
بودي أن أقرأ له شيء آخر
كلامه جميل!
ما شاء الله
بوركت لتذكيري به
أتمنى فعلاً أن اقتني له كتاب
ربي يوفقك يارب
ونتطلع لمزيد من الموضوعات
يارب ما يكون الأخير!
استمر
في حفظ المولى،،
~

أم مودة
30-12-2019, 04:05 PM
لم أقرأ هذا الكتاب من قبل لكن جربت هذا الشعور بقراءة
شئ لمرة ثانية بعد أن كنت قد قرأته منذ فترة 😅
أنا من محبى آدب المنفلوطى وكتبه لم أقرأ منها إلا كتابات أو مقالات صغيرة
لكن لفت نظرى أسلوبه المتفرد وأحترام كتاباته
أحسست أنه لمس بداخلى شئ ما وفى كثير من الأحيان
كنت أقول لنفسى لو أنى كاتبة فى ذلك الأمر لكنت كتبت مثل ما كتب
لكن لا أحب النهايات المأساوية المطلقة نهائيا لذلك صوتت بعدم تحمسى
لقراءة الكتاب 😅
دام قلمك ..
فى أمان الله

أنــس
31-12-2019, 01:08 PM
السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

أهلاً بك :"),
المنفلوطي أذكر إني قرأت له وأنا صغيرة وأعجبني جداً!
أظن أنهُ هو!!
لكن كتيب صغير، ما محتواه نسيت!
بودي أن أقرأ له شيء آخر
كلامه جميل!
ما شاء الله
بوركت لتذكيري به
أتمنى فعلاً أن اقتني له كتاب
ربي يوفقك يارب
ونتطلع لمزيد من الموضوعات
يارب ما يكون الأخير!
استمر
في حفظ المولى،،
~

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

أهلاً ومرحباً بك أختي الكريمة ^__^

شكراً على حسن تفاعلك مع الموضوع، وبالفعل يتميز أسلوب المنفلوطي بالجزالة والفصاحة وقوة الألفاظ والتراكيب، وهو ذو فائدة عظمى لمن يريد تطوير أسلوبه العربي :Emoji Smiley-111:

جزاك الله خيراً وبإذن الله لن يكون هذا الموضوع هو الأخير :Emoji Smiley-56:

في أمان الله :)

أنــس
31-12-2019, 01:15 PM
لم أقرأ هذا الكتاب من قبل لكن جربت هذا الشعور بقراءة
شئ لمرة ثانية بعد أن كنت قد قرأته منذ فترة 😅
أنا من محبى آدب المنفلوطى وكتبه لم أقرأ منها إلا كتابات أو مقالات صغيرة
لكن لفت نظرى أسلوبه المتفرد وأحترام كتاباته
أحسست أنه لمس بداخلى شئ ما وفى كثير من الأحيان
كنت أقول لنفسى لو أنى كاتبة فى ذلك الأمر لكنت كتبت مثل ما كتب
لكن لا أحب النهايات المأساوية المطلقة نهائيا لذلك صوتت بعدم تحمسى
لقراءة الكتاب 😅
دام قلمك ..
فى أمان الله

جزاك الله خيراً أختي الكريمة على ردك الجميل Icon-yes0

وبالفعل حين نعيد قراءة شيء قرأناه منذ مدة نجد أننا صرنا ننظر إليه بشكل مختلف، تتكون لدينا نظرة أخرى توافق ما صرنا إليه من السن والنضج والتجارب في الحياة :Emoji Smiley-111::Emoji Smiley-69:

حفظك الله ورعاك ^__^

farstorrent
2-1-2020, 03:16 PM
جزاك الله كل خير

أنــس
4-1-2020, 09:36 PM
أحببت طريقة سردك للموضوع والتدرج في الأفكار.
رغم أنني سمعت الكثير عن المنفلوطي إلا إنه لم يثير فضولي في قراءة شيء كتبه يوماً ما، ربما لأنه دائماً "لا يعجبني العجب" عندما أختار شيئاً أقرأه😂😂
ولكنك عرضت فكرة مهمة جداً وهي مدى تأثير أول شيء نقرأه في حياتنا، تماماً كأول فلم أو مسلسل نشاهده، ربما بعدها لن نجد أفضل منه أو يوازيه بالجمال والإثارة، ربما لأننا نخلص لأول حب من كل شيء.

موفق..

شكراً جزيلاً لك أختي الكريمة على ردك الجميل ^__^

وبالفعل يتأرجح الإنسان في تقييماته لما يقرأ ويشاهد بين التقييم الموضوعي والتقييم الذاتي، ولذلك فلا وجود في الواقع لرأي محايد بنسبة 100% :Emoji Smiley-03:

أنــس
4-1-2020, 09:37 PM
جزاك الله كل خير

وأنت من أهل الجزاء ^__^

سلمى1415
5-1-2020, 01:16 AM
السلام عليكم
أهلا و سهلا
فعلا مع أن ميولي كانت للمواد العلمية إلا أنني قرأت كتابه و كان عمري آنذاك 14 سنة و أذكر جيدا أنه كان لدينا تعبير في اللغة العربية و انتقيت بعض جمله التي خدمت الموضوع بشكل ممتاز, حتى أنني اتبعت بعضا من أسلوبه ....و اندهشت الأستاذة كثيرا بعد قراة التعبير ......
حتى و إن كان محتوى بعض الكتب يثير التهكم و السخرية إلى أننا نستطيع بسهولة الاستفادة من الجزء المميز فيها ولو كان بسيطا
أصلا القراءة و حب الاطلاع يولدان الإبداع و الوعي .....و هذا ما أراه يندثر في جيلنا....
شكرا بعدد النجوم لطرحك هذا الموضوع
دمت في رعاية الرحمن