ThA CaLiPh
24-2-2008, 05:00 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اخواني الأعزاء إن سقوط الأندلس لمصيبة عسى الله أن يخلفنا خير منها و ها أنا أسرد لكم قصة الفردوس المفقود وأحسب أن جزءاً كبيراً من هزائمنا اليوم، بل جميعها ، وليد غياب الإدراك لهذا المنطق التاريخي الصارم والقاسي معاً، ووليد احتقارنا " للوعي التاريخي" الذي بدونه لا تستطيع أمة صناعة مستقبلها والتحكم في حاضرها. إن القرآن الكريم يعرض علينا مصائر الأمم السالفة لا من أجل الحكايات، بل لنملك "حاسة الوعي التاريخي والحضاري"، هكذا يقول لنا القرآن الكريم: انظروا جيداً إلى الماضي لتسيروا بثقة إلى المستقبل.
ضياع الأندلس
إن ضياع الأندلس صورة "مأساوية" لضياع مجد المسلمين وحضارتهم وعزهم في التاريخ، لكنها كذلك صورة للتخاذل العربي والإسلامي عن النصرة وانشغال المسلمين بأنفسهم وبالدنيا، وعمق التشتت والانقسام والتناحر في الأمة وما أشبه اليوم بالأمس !!
شاء القدر للأندلس أن تكون بين البحر وبين الجبهات الصليبية المتعددة، التي كانت تتربص بها الدوائر، فظلت مدة ثمانية قرون أي منذ افتتحها القائد المسلم الأمازيغي طارق بن زياد تغالب النصرانية بالإسلام، وتقاوم تحرشات الصليبين، لكن دولة الإسلام كانت ماضية نحو الاضمحلال والتفرق بفعل الأمراض الداخلية التي إذا تفشت في حضارة أهلكتها، وبفعل العوامل الخارجية المتمثلة في الممالك النصرانية التي كانت تتجمع لغزوها، وتنتزع تباعا قواعد وثغور دولة الإسلام، حتى إذا كان القرن الثامن الهجري لم يبق في دولة الإسلام الشامخة في الأندلس سوى مملكة"غرناطة الصغيرة" تواجه منفردة أعداءها الصليبيين الذين تجمعوا حول قصعتها.
وطوال عهود المواجهة والتحدي الصليبي، ظل المسلمون في الأندلس يستنجدون بأبطال المغرب الأقصى، ويستمدون منهم العون وهؤلاء ماكانوا يبخلون بإرسال الجيوش والمقاتلين، فعندما اشتد الخناق على إشبيلية وقرطبة من النصارى الصليبيين وجه الأمير المرابطي "يوسف بن تاشفين" من سبتة أسطولاً من سبعة آلاف جندي نحو الجزيرة الخضراء، ثم قصد حصن ( ألفونسو السادس ) ملك ( قشتالة )، والتقى الجمعان عند مكان اسمه "الزَّلاقة"، حيث جرت الموقعة التاريخية الشهيرة بهذا الاسم أوائل رمضان 479هـ و انتصر فيها المسلمون.
ولكن دولة "الموحدين" التي ورثت المرابطين سرعان ما دبّ في أوصالها الوهن والضعف، إلى درجة أن المأمون بن المنصور الموحدي عقد في عام 624هـ معاهدة مع ملك ( قشتالة ) الصليبي ( فرناندو الثالث )، يتعهد له فيها بدفع جزية كبيرة، ويسلم عشرة من الحصون التي يختارها الصليبي، ويبني له كنيسة في مراكش، وإذا أسلم نصراني يتعهد الموحدون بإعادته إلى النصارى، وإذا تنصّر مسلم ليس للمسلمين عليه سبيل. وهكدا لم يجد مسلمو الأندلس من يحمي ديارهم من الصليبيين، ودخل أمراء الممالك الأندلسية في صراعات على النفوذ والسلطة والشهوة، ودبّ بينهم الخلاف الذي أغرى بهم الأعداء، وبدأ البعض منهم يعطي الولاء للصّليبيين لمعاونتهم ضد إخوانهم المسلمين، فهذا محمد بن عبد العزيز بن عامر حاكم بلنسية يتحالف مع الملك القشتالي ( ألفونسو السادس ) ويدفع له الجزية ويتنازل له عن الكثير من الحصون والقلاع الاستراتيجية، مما ساعد ( ألفونسو ) على الاستيلاء على طليطلة عام 478هـ. وهذا محمد بن يوسف بن الأحمر الذي أسس مملكة غرناطة، يعقد اتفاقية مع ( فرناندو الثالث ) ملك ( قشتالة )، يتعهد له فيها أن يكون من أتباعه، ويعترف بسلطته على مملكة غرناطة، ويدفع له الجزية، ويصبح عضواً في ( الكورتيس ) القشتالي (البرلمان)، بل يتعهد بمساعدته على قتال المسلمين، فاشترك جيش غرناطة وفق الاتفاقية مع جيوش ( قشتالة ) في حصار اشبيليةعام 646هـ، ما أدى إلى سقوطها بيد النصارى !!
حصار غرناطة
وما جاء القرن التاسع الهجري، حتى كانت ممالك الأندلس قد دخلت تحت مظلة الصليب، ولم يعد بيد المسلمين سوى مملكة غرناطة التي دبت فيها نار الحرب الأهلية، فحاصرها الصليبيون بقيادة ( فرديناند الخامس )، بعد سنوات قليلة من المقاومة البطولية من طرف محمد بن سعد المعروف "بالزغل"، وجنود المسلمين والسكان، ودخل ( فرديناند الخامس ) سهول غرناطة، بجيش قوامه أربعون ألف رجل وعشرة آلاف فارس، وأعمل في المسلمين كل أنواع الفتك والتنكيل ؛ فأتلف المحاصيل وأحرق المنازل وذبح السكان العزل وشدد الحصار على آخر معقل من معاقل الإسلام في الأندلس، وأوفد المسلمون الرسل يتوسلون النجدة من مصر، لكن دون جدوى !!
كانت جميع قواعد الأندلس الأخرى في ( مالقة ،والمرية ،ووادي آش ،والحامة، وبسطة ) قد أصبحت نهائيا تابعة لمملكة ( قشتالة )، وعين فيها حكام من النصارى، وخضع أهلها وأصبحوا يدينون بالطاعة لملك النصارى، بل ارتد عدد من المسلمين إلى النصرانية، وفر آخرون نحو المغرب خشية القتل والمطاردة، وهرع آخرون إلى غرناطة للاحتماء حتى غصت بالوافدين الجدد. وكان سلطان غرناطة يراقب هذه الحوادث، ويشعر أن سقوط مملكته مسألة وقت ليس إلا، لكنه أدرك خطأه في التآمر ضد عمه "الزغل" الذي كان أقوى عضد يمكن الاعتماد عليه في مثل تلك الظروف الحالكة السواد. وسرعان ما ظهرت علائم النهاية حين بعث ( فرديناند ) إلى أبي عبد الله محمد بن يوسف يطلب إليه تسليم الحمراء والبقاء في غرناطة تحت طاعته وحمايته، فاكتشف أنه خدع حين تحالف مع ملك ( قشتالة )، فجمع الكبراء في المملكة الذين أجمعوا على رفض التسليم والدفاع حتى الموت عن دينهم وأرضهم، وأعلنت غرناطة حالة الحرب، وحمل أبو عبد الله شعبه على القتال، وخرج في قواته يحاول استعادة القواعد والحصون المسلمة المجاورة، وثار أهل البشرات المطلة على بحر الزقاق (مضيق جبل طارق) وما حولها على النصارى، ووقعت بين هؤلاء وبين المسلمين عدة معارك انتصر فيها المسلمون، فغضب ( فرنديناند ) لهذا النصر غير المنتظر، وخرج بعد عام من ذلك- أي عام 896هـ- في جيش ضخم مزود بالمدافع والذخائر الوفيرة، وسار إلى غرناطة، ونزل بمرجها الجنوبي وأنشأ لجيشه في تلك البقعة مدينة صغيرة مسورة سميت "سانتافي" أو الإيمان المقدس، رمزاً للحرب الدينية ضد الإسلام، ومازالت هذه القلعة إلى اليوم، وبدأ حصار غرناطة من جديد في جمادى الآخرة سنة 896هـ (مارس 1491م).
اخواني الأعزاء إن سقوط الأندلس لمصيبة عسى الله أن يخلفنا خير منها و ها أنا أسرد لكم قصة الفردوس المفقود وأحسب أن جزءاً كبيراً من هزائمنا اليوم، بل جميعها ، وليد غياب الإدراك لهذا المنطق التاريخي الصارم والقاسي معاً، ووليد احتقارنا " للوعي التاريخي" الذي بدونه لا تستطيع أمة صناعة مستقبلها والتحكم في حاضرها. إن القرآن الكريم يعرض علينا مصائر الأمم السالفة لا من أجل الحكايات، بل لنملك "حاسة الوعي التاريخي والحضاري"، هكذا يقول لنا القرآن الكريم: انظروا جيداً إلى الماضي لتسيروا بثقة إلى المستقبل.
ضياع الأندلس
إن ضياع الأندلس صورة "مأساوية" لضياع مجد المسلمين وحضارتهم وعزهم في التاريخ، لكنها كذلك صورة للتخاذل العربي والإسلامي عن النصرة وانشغال المسلمين بأنفسهم وبالدنيا، وعمق التشتت والانقسام والتناحر في الأمة وما أشبه اليوم بالأمس !!
شاء القدر للأندلس أن تكون بين البحر وبين الجبهات الصليبية المتعددة، التي كانت تتربص بها الدوائر، فظلت مدة ثمانية قرون أي منذ افتتحها القائد المسلم الأمازيغي طارق بن زياد تغالب النصرانية بالإسلام، وتقاوم تحرشات الصليبين، لكن دولة الإسلام كانت ماضية نحو الاضمحلال والتفرق بفعل الأمراض الداخلية التي إذا تفشت في حضارة أهلكتها، وبفعل العوامل الخارجية المتمثلة في الممالك النصرانية التي كانت تتجمع لغزوها، وتنتزع تباعا قواعد وثغور دولة الإسلام، حتى إذا كان القرن الثامن الهجري لم يبق في دولة الإسلام الشامخة في الأندلس سوى مملكة"غرناطة الصغيرة" تواجه منفردة أعداءها الصليبيين الذين تجمعوا حول قصعتها.
وطوال عهود المواجهة والتحدي الصليبي، ظل المسلمون في الأندلس يستنجدون بأبطال المغرب الأقصى، ويستمدون منهم العون وهؤلاء ماكانوا يبخلون بإرسال الجيوش والمقاتلين، فعندما اشتد الخناق على إشبيلية وقرطبة من النصارى الصليبيين وجه الأمير المرابطي "يوسف بن تاشفين" من سبتة أسطولاً من سبعة آلاف جندي نحو الجزيرة الخضراء، ثم قصد حصن ( ألفونسو السادس ) ملك ( قشتالة )، والتقى الجمعان عند مكان اسمه "الزَّلاقة"، حيث جرت الموقعة التاريخية الشهيرة بهذا الاسم أوائل رمضان 479هـ و انتصر فيها المسلمون.
ولكن دولة "الموحدين" التي ورثت المرابطين سرعان ما دبّ في أوصالها الوهن والضعف، إلى درجة أن المأمون بن المنصور الموحدي عقد في عام 624هـ معاهدة مع ملك ( قشتالة ) الصليبي ( فرناندو الثالث )، يتعهد له فيها بدفع جزية كبيرة، ويسلم عشرة من الحصون التي يختارها الصليبي، ويبني له كنيسة في مراكش، وإذا أسلم نصراني يتعهد الموحدون بإعادته إلى النصارى، وإذا تنصّر مسلم ليس للمسلمين عليه سبيل. وهكدا لم يجد مسلمو الأندلس من يحمي ديارهم من الصليبيين، ودخل أمراء الممالك الأندلسية في صراعات على النفوذ والسلطة والشهوة، ودبّ بينهم الخلاف الذي أغرى بهم الأعداء، وبدأ البعض منهم يعطي الولاء للصّليبيين لمعاونتهم ضد إخوانهم المسلمين، فهذا محمد بن عبد العزيز بن عامر حاكم بلنسية يتحالف مع الملك القشتالي ( ألفونسو السادس ) ويدفع له الجزية ويتنازل له عن الكثير من الحصون والقلاع الاستراتيجية، مما ساعد ( ألفونسو ) على الاستيلاء على طليطلة عام 478هـ. وهذا محمد بن يوسف بن الأحمر الذي أسس مملكة غرناطة، يعقد اتفاقية مع ( فرناندو الثالث ) ملك ( قشتالة )، يتعهد له فيها أن يكون من أتباعه، ويعترف بسلطته على مملكة غرناطة، ويدفع له الجزية، ويصبح عضواً في ( الكورتيس ) القشتالي (البرلمان)، بل يتعهد بمساعدته على قتال المسلمين، فاشترك جيش غرناطة وفق الاتفاقية مع جيوش ( قشتالة ) في حصار اشبيليةعام 646هـ، ما أدى إلى سقوطها بيد النصارى !!
حصار غرناطة
وما جاء القرن التاسع الهجري، حتى كانت ممالك الأندلس قد دخلت تحت مظلة الصليب، ولم يعد بيد المسلمين سوى مملكة غرناطة التي دبت فيها نار الحرب الأهلية، فحاصرها الصليبيون بقيادة ( فرديناند الخامس )، بعد سنوات قليلة من المقاومة البطولية من طرف محمد بن سعد المعروف "بالزغل"، وجنود المسلمين والسكان، ودخل ( فرديناند الخامس ) سهول غرناطة، بجيش قوامه أربعون ألف رجل وعشرة آلاف فارس، وأعمل في المسلمين كل أنواع الفتك والتنكيل ؛ فأتلف المحاصيل وأحرق المنازل وذبح السكان العزل وشدد الحصار على آخر معقل من معاقل الإسلام في الأندلس، وأوفد المسلمون الرسل يتوسلون النجدة من مصر، لكن دون جدوى !!
كانت جميع قواعد الأندلس الأخرى في ( مالقة ،والمرية ،ووادي آش ،والحامة، وبسطة ) قد أصبحت نهائيا تابعة لمملكة ( قشتالة )، وعين فيها حكام من النصارى، وخضع أهلها وأصبحوا يدينون بالطاعة لملك النصارى، بل ارتد عدد من المسلمين إلى النصرانية، وفر آخرون نحو المغرب خشية القتل والمطاردة، وهرع آخرون إلى غرناطة للاحتماء حتى غصت بالوافدين الجدد. وكان سلطان غرناطة يراقب هذه الحوادث، ويشعر أن سقوط مملكته مسألة وقت ليس إلا، لكنه أدرك خطأه في التآمر ضد عمه "الزغل" الذي كان أقوى عضد يمكن الاعتماد عليه في مثل تلك الظروف الحالكة السواد. وسرعان ما ظهرت علائم النهاية حين بعث ( فرديناند ) إلى أبي عبد الله محمد بن يوسف يطلب إليه تسليم الحمراء والبقاء في غرناطة تحت طاعته وحمايته، فاكتشف أنه خدع حين تحالف مع ملك ( قشتالة )، فجمع الكبراء في المملكة الذين أجمعوا على رفض التسليم والدفاع حتى الموت عن دينهم وأرضهم، وأعلنت غرناطة حالة الحرب، وحمل أبو عبد الله شعبه على القتال، وخرج في قواته يحاول استعادة القواعد والحصون المسلمة المجاورة، وثار أهل البشرات المطلة على بحر الزقاق (مضيق جبل طارق) وما حولها على النصارى، ووقعت بين هؤلاء وبين المسلمين عدة معارك انتصر فيها المسلمون، فغضب ( فرنديناند ) لهذا النصر غير المنتظر، وخرج بعد عام من ذلك- أي عام 896هـ- في جيش ضخم مزود بالمدافع والذخائر الوفيرة، وسار إلى غرناطة، ونزل بمرجها الجنوبي وأنشأ لجيشه في تلك البقعة مدينة صغيرة مسورة سميت "سانتافي" أو الإيمان المقدس، رمزاً للحرب الدينية ضد الإسلام، ومازالت هذه القلعة إلى اليوم، وبدأ حصار غرناطة من جديد في جمادى الآخرة سنة 896هـ (مارس 1491م).