المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وأخذ يكتب ويكتب... وكأن الزمن يداهمه ويفر من بين يديه... (قــصـة شوق وحنين)



.. القلب الكبير ..
7-4-2008, 09:16 PM
النوافذ المغلقة



تردد قبل أن يمسك قلمه... تأمل بعض اللوحات المعلقة على جدار غرفته الرطب، وغرق في شرود عميق حتى كادت يداه تلامسان المدفأة، فقد غزا الصقيع مفاصله المتعبة.
أطل من النافذة، كان الشارع خالياً إلا من بعض المارة الذاهبين إلى تأدية صلاة الفجر... أضواء المآذن أدخلت قليلاً من الدفء إلى جسده المسكون بالصقيع، جرجر قدميه وعاد ليجلس خلف طاولته الخشبية لف نفسه بغطاء صوفي أرسلته له أمه من القرية قبل هجمة الشتاء القاسية وأخذ يكتب ويكتب... وكأن الزمن يداهمه ويفر من بين يديه... حتى الحروف تنفر من بين أصابعه لاهثة واهنة، كأنها تسخر منه وتضن عليه بملامستها، فناجين القهوة الكثيرة التي سكبها في جوفه جعلت يديه ترتعشان وكلما راهن على قلم جفَّ حبره، دفعته حروفه التي لا تنطفئ... فبدّل قلمه بآخر أكثر حرارة وهو يسأل نفسه:
لماذا أكتب؟...! فلا عين تقرأ ولا أذن تسمع!! لقد مل الناس من الكتابة ودخلوا عصر السرعة والإعلانات والمهرجانات والتقدم...
لمن أكتب...؟ للأزهار المسيجة بالسكون... أم للأشجار المثخنة بالجراح بعد أن تحولت إلى فحم المقاهي... للأمهات اللاهثات خلف قوت أطفالهن... للآباء الذين سرقتهم الحيرة المريرة، أخذ رشفة من قهوته المرة وترك القلم... يبدو لي أن سوق الكتب يعاني من حالة ركود عامة. استدار نحو المدفأة... تسلقت نظراته للوحة لفتاة.. تخيلها ملفوفة بالحرير على سريره البارد تحتضن بقايا جسده الراعش وتداعب بيديها الناعمتين شعره الأشيب، أراد أن يدفئ صقيع قلبه وروحه العارية.. فجرحته خشونة طاولته الخشبية... غمغم في نفسه وأسند رأسه إلى الطاولة، ها أنا يداهمني الفشل حتى في الأحلام.
وصلت إليه أصوات المؤذنين... ترك القلم فما زالت الكلمات تضن عليه وتجافيه، ترك غرفته بصمت وهام على وجهه في شوارع المدينة هبت عليه نسائم الياسمين
الغافي... وجد نفسه يراقب النوافذ المغلقة وهام مع خيالات قديمة.. هل من نافذة تفتح..فيشاهد فيها حلمه الواعد؟ هل من ريح تروي عناقيدة البالية..تعثرت قدماه بحفرة مملوءة بالماء الآسن، ضحك من نفسه فقد اتسخت ثيابه، فقال: أحلام في الوحل ها... ها، فجأة... حارس ليلي لا يعرف كيف انتصب أمامه مثل الشيطان وبصوت غليظ ومرتاب سأله الحارس:
لماذا أنت هنا؟! هل تبحث عن شيء أضعته؟! وتابع الحارس وبحدة: ما بك لا تجيب؟! ظل صامتاً وعيناه تلوبان في كل الاتجاهات، أمسكه الحارس من يده سار معه عدة خطوات ثم أشار إليه ليجلس معه في ((الكولبة)) تنهد بعمق وهو ما زال في حيرة لا يعرف ماذا يقول، أخذ الحارس يتحدث إليه بالإشارة محاولاً أن يعرف سر صمته وماذا كان يفعل قرب حافة النهر، وقد ظن أنه أصمّ وأخرس ضحك وهو يقول بصوت واهنٍ عميقٍ... إني أبحث عن أحد لأبوح له بقلقي الداخلي، قهقه الحارس ورفع حاجبيه وهو ينظر بتمعن والشك يحوم في رأسه وسأله: هل تشكو من شيء؟ من وجعٍ ما؟! تنهد بعمق...
صمت قليلاً قبل أن يجيب: لا أعرف. قلّب الحارس يديه وزم شفتيه وهو يسكب لـه كأساً من الشاي، شاي على كيفك... روّق يا أخ نص الألف خمس مئة... يبدو إنك رجل مهموم...
أراحته كلمات الحارس تمدد على أريكة وأسند ظهره على المحرس أخرج بعض الوريقات أراد أن يدوّن عليها ملاحظات خطرت بباله عن الياسمين والنوافذ وعن الحارس وكلماته وشايه الساخن، وحفرة الماء الملوثة... انتفض الحارس واقفاً حين رأى الأوراق والقلم بيده وقال: لا أرجوك أنا أكره ضرر الناس!! أربكه تصرف الحارس وقوله، فقال له: سامحك الله يا أخ... قال الحارس: محسوبك أبو شادي... الله يستر على عيوب الناس، توقفت الحروف في ذهنه حائرة متيقظة، تناول كأس الشاي دفعة واحدة، حدّق في عيني الحارس الصافيتين وقال وهو يقف: لا عليك، لا عليك... أنا أبحث عن كلمات ضاعت مني وأريد إعادتها لمسارها فوق أوراقي المكومة، أوجعته الكلمة... خنقت عباراته المسارات التي تتناقلها فضائيات العالم، وانكسار ملامح المفاوضين.
مفاوضات وطاولات ومحافل وسجاد يفرشه الآخرون فوق جراحنا تنهد بعمق وحدّق بالحارس، لم يفهم الحارس قصده، لكنه أومأ برأسه علامة الموافقة وكان محتاراً، مشوشاً وقال في نفسه: ((ربما يعاني من مرض نفسي كما تتحدث ابنتي الجامعية عن المرض)) أراد أن يخفف عنه، ربت على كتفه مواسياً، كلنا معرضون للمضايقات... المهم أن يكون أمل الإنسان بربه كبيراً وأن يحافظ على قواه العقلية، هز برأسه وابتسم بمرارة وقال: لا تخف أنا لست هارباً من سجنٍ أو مشفى كما قلت لك، لقد ضاقت جدران غرفتي عليّ فخرجت في هذه الليلة الباردة، وكانت مصادفة حلوة أني تعرفت إليك أيها الرجل الطيب، تنحنح الحارس بزهو... أعاد الكاتب أوراقه إلى حقيبته الصغيرة دون ترتيب.. حيّا الحارس وأراد متابعة سيره... أوقفه الحارس وهو يقول: أرجوك دعنا نكمل سهرتنا معاً.. لا.. لا تتركني وحيداً لقد آنستني في وحدتي الدائمة، ما رأيك عندي قهوة ستعجبك، وأضاف ونبرة حزن بادية في صوته: ((اسمع يا سيدي: يقول أنهم سيتخلون عنا ليأتوا بحراس جدد... تصوّر بعد هذه السنين... سأعود وأجلس في البيت وهات يا صراخ، الزوجة من جهة والأولاد من جهة..
كان الحارس يتكلم وهو يتابع بصمت محلقاً خارج المحرس الذي اختنق بدخان لفافة الحارس الخائف من التقاعد.

قال في نفسه: كنت أبحث عن إنسان أتحدث إليه وها أنا أمثّل عكس حالتي... تناول آخر رشفة من القهوة المرة... وضع الفنجان جانباً... أمسك بيدي الحارس وقال: قهوتك رائعة أيها الرجل الطيب لقد أيقظت أفكاري وتابع سيره... كان الحارس يتابعه بذهول وشفقة وقلق.
سار دون أن يرفع رأسه نحو النوافذ المغلقة فيما كانت الشمس قد بدأت ترسل أشعتها الخجولة وتمنح المدينة وساحاتها الصامتة القليل من الدفء.

.. القلب الكبير ..
8-4-2008, 01:23 AM
أرجو منكم عدم مجاملتي..

وآرائكم تهمني..

دمتم بود

Tema
8-4-2008, 06:55 AM
السلامـ عليكمـ....

قصة جدااا رائعه...

والبداية مشوقه...وكثر شيء عجبني الوصف..

وفقت أخوي بوصف حالة هذا الرجل عندما تقابل مع الحارس...

وشيء رائع جداا إن حاله الحارس مشابهه ومطابقه لحاله الرجل..

لكن النهاية غامضة شوي...


وجد نفسه يراقب النوافذ المغلقة وهام مع خيالات قديمة


سار دون أن يرفع رأسه نحو النوافذ المغلقة ......!!!

ألف شكر أخوي على هذه القصة المميزة...

دمت بود...

تيماراا..^^

.. القلب الكبير ..
8-4-2008, 12:09 PM
السلامـ عليكمـ....



قصة جدااا رائعه...


والبداية مشوقه...وكثر شيء عجبني الوصف..


وفقت أخوي بوصف حالة هذا الرجل عندما تقابل مع الحارس...


وشيء رائع جداا إن حاله الحارس مشابهه ومطابقه لحاله الرجل..


لكن النهاية غامضة شوي...




......!!!


ألف شكر أخوي على هذه القصة المميزة...


دمت بود...



تيماراا..^^



نعم أحسنت حذفت بعض العبارات التي كنت اتوقع ان يفهما البعض فهما خاطئ..

العبارة المقصودة بها..

كان يحلم بخيلات ان مرأة تخرج لها من احدى النوافذ..تلوح له...×××..

Demor
8-4-2008, 03:09 PM
اسلوب كتابي راقي ....

لقد أدخلت كلمة غريبة ... : الكولبة ؟؟؟

ماذا تعني؟..

Demor