المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عالمُ الجِنِّ والشَّياطِينِ



الفارس الخرساني
20-11-2008, 01:19 PM
http://www.up.3rbfnon.net/uploads/images/3rbfnon.net-2aee7fab17.gif (http://www.up.3rbfnon.net/)


عالمُ الجِنِّ والشَّياطِينِ




الدكتور عمر سليمان الأشقر
جمعه ورتبه ونسقه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود









بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا كتاب من كتب العقيدة النفيسة للدكتور عمر سليمان الأشقر ( حفظه الله ) تكلم فيه المؤلف عن عالم الجن والشياطين ، وأهم الموضوعات الرئيسة التي تعرض لها هي :
التعريف بعالم الجن والشياطين - إثبات وجود الجن -طعام الجن وشرابهم ونكاحهم -مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم وموتهم -مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم.... -قدرات الجن وعجزهم.... -دواب الجن ومراكبهم -تكليف الجن.... -العداء بين الإنسان والشيطان وأسبابها -أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان.
وهذا الكتاب لم يكن موجودا على النت ، وقد بحثت عنه طويلا ، والأمكنة الموجود فيها كانت مضروبة ، أو تحتاج لتسجيل في الموقع ، أو فيها باسورد للكتاب .
وفي النهاية استطعت الحصول على نسخة ( pdf( ومعرفة الباسورد ففكتها بعون الله تعالى ، وهي نسخة مصورة جيدا للطبعة الأولى للكتاب وعدد صفحاتها (194) صفحة .
وقد وجدت كتب الدكتور عمر في موقع على النت
(. 3 G E D H . C O M)
وهي موجودة في الموقع كملفات نت مفتوحة ، وليس فيها مقدمة الكتاب ، فقمت بإنزالها ملفاً ملفاً ، وجمعتها ، ورتبتها ونسقتها ، وفهرستها على الورد ، وقمت بوضعه في الشاملة 3 وفهرسة عناوينه الرئيسة ليعم النفع به ، ولا سيما أن كتب الدكتور (عمر ) من الكتب النافعة والقيمة فيما أرى.
وهذا الموضوع بالذات قد زلت فيه أقلام كثيرة ، وابتعدت عن هدي الكتاب والسنة وأقوال الأئمة السابقين المعتبرين
خاصة وأن عالم الجن والشياطين عالم مجهول بالنسبة لنا ولكن ورد الخبر السمعي القطعي بوجودهم ، فكان بهم من لوازم الإيمان بالغيب .
قال تعالى بشأنهم :{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) [الجن/1-15]
وقد كتبت فصلا مطولا في كتابي (( أركان الإيمان )) عن الإيمان بالجن وصفاتهم وعلاقتهم بالإنس ، وهو في مكتبة صيد الفوائد .
نسأل الله تعالى أن يقينا وإياكم شرور الجن والإنس ، وأن ينفع به مؤلفه وجامعه وناشره والدال عليه في الدارين .
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 25 شعبان 1429 هـ الموافق ل 27/8/2008 م





التعريف بعالم الجن والشياطين



الجن عالم مستقل :
الجن عالم غير عالم الإنسان وعالم الملائكة ، بينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الاتصاف بصفة العقل والإدراك ، ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر، ويخالفون الإنسان في أمور أهمها أن أصل الجان مخالف لأصل الإنسان .
لماذا سمّوا جنّاً :
وسمو جنّاً لاجتنانهم ، أي : استتارهم عن العيون ، قال ابن عقيل : " إنما سمّي الجن جنّاً لاجتنانهم واستتارهم عن العيون ، ومنه سمي الجنين جنيناً ، وسمّي المجنّ مجناً لستره للمقاتل في الحرب " (1) .
وجاء في محكم التنزيل : ( إنَّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) [ الأعراف : 27 ] .
أصلهم وخلقهم


المطلب الأول



أصلهم الذي منه خلقوا


أخبرنا الله – جلّ وعلا – أن الجنّ قد خُلقوا من النار في قوله : ( وَالْجَآنَّ خلقناه من قبل من نّار السَّموم ) [ الحجر : 27 ] ، وفي سورة الرحمن : ( وخلق الجانَّ من مَّارجٍ من نَّارٍ ) [ الرحمن : 15 ] . وقد قال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغير واحد في قوله : ( مَّارجٍ من نَّارٍ ) : طرف اللهب ، وفي رواية : من خالصه وأحسنه (2) : وقال النووي في شرحه على مسلم : " المارج : اللهب المختلط بسواد النار " (3) .
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خلقتْ الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم ) (4) .


المطلب الثاني



ابتداء خلقهم


لا شك أن خلق الجن متقدم على خلق الإنسان ؛ لقوله تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من صلصالٍ من حَمَإٍ مَّسنونٍ – والجآنَّ خلقناه من قبل من نَّار السَّموم ) [ الحجر : 26-27 ] ، فقد نصّ في الآية أن الجان مخلوق قبل الإنسان . ويرى بعض السابقين أنهم خلقوا قبل الإنسان بألفي عام ، وهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة .


المطلب الثالث



صفة خلقة الجن


نحن لا نعرف من خلقتهم وصورهم وحواسهم إلا ما عرفنا الله منها ، فنعلم أن لهم قلوباً قال تعالى : ( ولقد ذرأنا لجهنَّم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلُّ ) [الأعراف : 179] .
فقد صرح – تبارك وتعالى – بأن للجن قلوباً ، وأعيناً وآذاناً ، وللشيطان صوتاً ، لقولـه تعالى : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك ) [ الإسراء : 64 ] . وثبت في الأحاديث أن للشيطان لساناً ، وأن الجان يأكلون ، ويشربون ، ويضحكون ، وغير ذلك مما تجده مبثوثاً في هذا الكتاب .
المطلب الرابع
أسماء الجن في لغة العرب وأصنافهم
قال ابن عبد البر : " الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب :
1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا : جنّي .
2- فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس ، قالوا : عامر ، والجمع : عمّار .
3- فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا : أرواح .
4- فإن خبث وتعرض ، قالوا : شيطان .
5- فإن زاد على ذلك ، فهو مارد .
6- فإن زاد على ذلك وقوي أمره ، قالوا : عفريت ، والجمع : عفاريت " (5) .
وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ ( الجن ثلاثة أصناف : فصنف يطير في الهواء ، وصنف حيّات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ) . رواه الطبراني ، والحاكم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، بإسناد صحيح (6) .
--------------------------------
(1) آكام المرجان في أحكام الجان : ص7 .
(2) البداية والنهاية : 1/59 .
(3) شرح النووي على مسلم : 18/123 .
(4) صحيح مسلم : 4/2294 . ورقمه : 2996 .
(5) آكام المرجان : 8 .
(6) صحيح الجامع : 3/85


__________________________________________________




http://www.up.3rbfnon.net/uploads/images/3rbfnon.net-ffdc08b505.gif (http://www.up.3rbfnon.net/)


إثبات وجود الجن
المطلب الأول








لا مجال للتكذيب بعالم الجن



أنكرت قلة من الناس وجود الجنّ إنكاراً كلياً ، وزعم بعض المشركين : أن المراد بالجن أرواح الكواكب (1) .
وزعمت طائفة من الفلاسفة : أن المراد بالجن نوازع الشر في النفس الإنسانية وقواها الخبيثة ، كما أن المراد بالملائكة نوازع الخير فيها (2) .
وزعم فريق من المحْدَثين ( بفتح الدال المخففة ) : أن الجن هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها العلم الحديث .
وقد ذهب الدكتور محمد البهي إلى : أن المراد بالجن الملائكة ، فالجن والملائكة عنده عالم واحد لا فرق بينهما ، ومما استدل به : أن الملائكة مستترون عن الناس ، إلا أنه أدخل في الجن من يتخفى من عالم الإنسان في إيمانه وكفره ، وخيره وشره (3) .
عدم العلم ليس دليلاً :
وغاية ما عند هؤلاء المكذبين أنه لا علم عندهم بوجودهم ، وعدم العلم ليس دليلاً (4) ، وقبيح بالعاقل أن ينفي الشيء لعدم علمه بوجوده، وهذا مما نعاه الله على الكفرة : ( بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) [ يونس : 39] . وهذه المخترعات الحديثة التي لا يستطيع أحد أن يكابر فيها ، أكان يجوز لإنسان عاش منذ مئات السنين أن ينكر إمكان حصولها لو أخبره صادق بذلك ؟ وهل عدم سماعنا للأصوات التي يعج بها الكون في كل مكان دليل على عدم وجودها ، حتى إذا اخترعنا ( الراديو ) ، واستطاع التقاط ما لا نسمع بآذاننا صدقنا بذلك ؟!
يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في ظلاله متحدثاً عن النفر من الجن الذين صرفهم الله إلى رسوله ، فاستمعوا منه القرآن .
" إنَّ ذكر القرآن لحادث صَرْفِ نفر من الجن ليستمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكاية ما قالوا وما فعلوا ، هذا وحده كافٍ بذاته لتقرير وجود الجن ، ولتقرير وقوع الحادث ، ولتقرير أنّ الجن هؤلاء يستطيعون أن يستمعوا للقرآن بلفظه العربي المنطوق ، كما يلفظه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولتقرير أن الجن خلق قابلون للإيمان وللكفران ، مستعدون للهدى وللضلال ، وليس هنالك من حاجة إلى زيادة تثبيت أو توكيد لهذه الحقيقة ، فما يملك إنسـان أن يزيد الحقيقة التي يقررها سبحانه ثبوتاً .
ولكنّا نحاول إيضاح هذه الحقيقة في التصور الإنساني .
إنّ هذا الكون من حولنا حافل بالأسرار ، حافل بالقوى والخلائق المجهولة لنا كنهاً وصفةً وأثراً ، ونحن نعيش في أحضان هذه القوى والأسرار ، نعرف منها القليل ، ونجهل منها الكثير ، وفي كل يوم نكشف بعض هذه الأسرار ، وندرك بعض هذه القوى ، ونتعرف إلى بعض هذه الخلائق تارة بذواتها ، وتارة بصفاتها ، وتارة بمجرد آثارها في الوجود من حولنا .
ونحن ما نزال في أول الطريق ، طريق المعرفة لهذا الكون ، الذي نعيش نحن وآباؤنا وأجدادنا ، ويعش أبناؤنا وأحفادنا ، على ذرة من ذراته الصغيرة ؛ هذا الكوكب الأرضي الذي لا يبلغ أن يكون شيئاً يذكر في حجم الكون أو وزنه !
وما عرفنا اليوم – ونحن في أول الطريق – يُعدّ بالقياس إلى معارف البشرية قبل خمسة قرون فقط عجائب أضخم من عجيبة الجن ، ولو قال قائل للناس قبل خمسة قرون عن شيء من أسرار الذرة التي نتحدث عنها اليوم ، لظنه مجنوناً ، أو لظنوه يتحدث عما هو أشد غرابة من الجن قطعاً !
ونحن نعرف ونكشف في حدود طاقتنا البشرية ، المعدة للخلافة في هذه الأرض ، ووفق مقتضيات هذه الخلافة ، وفي دائرة ما سَخّرَه الله لنا ؛ ليكشف لنا عن أسراره ، وليكون لنا ذلولاً ، كيما نقوم بواجب الخلافة في الأرض ، ولا تتعدى معرفتنا وكشوفنا في طبيعتها وفي مداها مهما امتد بنا الأجل – أي بالبشرية – ومهما سُخّر لنا من قوى الكون ، وكُشِفَ لنا من أسراره – لا تتعدى تلك الدائرة ؛ ما نحتاج إليه للخلافة في هذه الأرض ، وفق حكمة الله وتقديره .
وسنكشف كثيراً ، وسنعرف كثيراً ، وستتفتح لنا عجائب من أسرار هذا الكون وطاقاته ، مِمّا قد تعدّ أسرار الذرة بالقياس إليه لعبة أطفال ! ولكننا سنظل في حدود الدائرة المرسومة للبشر في المعرفة ، وفي حدود قول الله سبحانه : ( وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] قليلاً بالقياس إلى ما في هذا الوجود من أسرار وغيوب لا يعلمها إلا خالقه وَقَيّومه ، وفي حدود تمثيله لعلمه غير المحدود ، ووسائل المعرفة البشرية المحدودة بقوله : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدُّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ]
فليس لنا والحالة هذه أن نجزم بوجود شيء أو نفيه ، وبتصوره أو عدم تصوره ، من عالم الغيب والمجهول ، ومن أسرار هذا الوجود وقواه ، لمجرد أنه خارج عن مألوفنا العقلي ، أو تجاربنا المشهودة ، ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها ، فضلاً عن إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا !
وقد تكون هنالك أسرار ، ليست داخلة في برنامج ما يُكشَف لنا عنه أصلاً ، وأسرار ليست داخلة في برنامج ما يُكْشَف لنا عن كنهه ، فلا يُكْشَف لنا إلا عن صفته أو أثره ، أو مجرد وجوده ؛ لأن هذا لا يفيدنا في وظيفة الخلافة في الأرض .
فإذا كَشَفَ الله لنا عن القدر المقسوم لنا من هذه الأسرار والقوى ، عن طريق كلامه – لا عن طريق تجاربنا ومعارفنا الصادرة من طاقتنا الموهوبة لنا من لدنه أيضاً – فسبيلنا في هذه الحالة أن نتلقّى هذه الهبة بالقبول والشكر والتسليم ، نتلقاها كما هي ، فلا نزيد عليها ، ولا ننقص منها ؛ لأن المصدر الوحيد الذي نتلقّى عنه مثل هذه المعرفة لم يمنحنا إلا هذا القدر بلا زيادة ، وليس هنالك مصدر آخر نتلقى عنه مثل هذه الأسرار ! " .
والقول الحق أن الجن عالم ثالث غير الملائكة والبشر ، وأنهم مخلوقات عاقلة واعية مدركة ، ليسوا بأعراض ولا جراثيم ، وأنهم مكلفون مأمورون منهيون .



المطلب الثاني




الأدلة الدالة على وجود الجن



1- وجودهم معلوم من الدين بالضرورة :
يقول ابن تيمية (5) : " لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ، ولا في أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم ، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن . أمّا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فهم مقرّون بهم كإقرار المسلمين ، وإن وجد فيهم من ينكر ذلك ، كما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك ... كالجهمية والمعتزلة ، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرّين بذلك .
وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالضرورة ، ومعلوم بالضرورة أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة ، بل مأمورون منهيون ، ليسوا صفات وأعراضاً قائمة بالإنسان أو غيره ، كما يزعمه بعض الملاحدة ، فلما كان أمر الجن متواتراً عن الأنبياء تواتراً تعرفه العامة والخاصة ، فلا يمكن لطائفة من المنتسبين إلى الرسل الكرام أن تنكرهم " .
وقال أيضاً : " جميع طوائف المسلمين يقرون بوجود الجن ، وكذلك جمهور الكفار كعامة أهل الكتاب ، وكذلك عامة مشركي العرب وغيرهم من أولاد حام ، وكذلك جمهور الكنعانيين واليونان من أولاد يافث ، فجماهير الطوائف تقرّ بوجود الجن " (6) .
وذكر إمام الحرمين : " أن العلماء أجمعوا في عصر الصحابة والتابعين على وجود الجن والشياطين ، والاستعاذة بالله تعالى من شرورهم ، ولا يراغم هذا الاتفاق متدين متشبث بمسكة من الدين " (7) .
2- النصوص القرآنية والحديثية :
جاءَت نصوص كثيرة تقرر وجودهم كقوله تعالى : ( قل أوحي إليَّ أنَّه استمع نفرٌ من الجن ) [ الجن : 1 ] ، وقوله : ( وأنَّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقاً ) [ الجن : 6 ] . وهي نصوص كثيرة ذكرنا غالبها في ثنايا هذه الرسالة ، وإن كانت كثرتها وشهرتها تغني عن ذكرها .
3- المشاهدة والرؤية :
كثير من الناس في عصرنا وقبل عصرنا شاهد شيئاً من ذلك ، وإن كان كثير من الذين يشاهدونهم ويسمعونهم لا يعرفون أنهم جنّ ؛ إذ يزعمون أنّهم أرواح ، أو رجال الغيب ، أو رجال الفضاء ...
وأصدق ما يروى في هذا الموضع رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم للجن ، وحديثه معهم ، وحديثهم معه ، وتعليمه إياهم ، وتلاوته القرآن عليهم ، وسيأتي ذكر ذلك في مواضعه .
رؤية الحمار والكلب للجن :
إذا كنا لا نرى الجن فإنّ بعض الأحياء يرونهم كالحمار والكلب ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم صياح الديكة ، فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهيق الحمار ، فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنه رأى شيطاناً ) (8) .
وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمار ، فتعوذوا بالله ، فإنهن يرون ما لا ترون ) (9) .
ورؤية الحيوان لما لا نرى ليس غريباً ، فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الأحياء على رؤية ما لا نراه ، فالنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية ، ولذلك فإنّه يرى الشمس حال الغيم ، والبومة ترى الفأر في ظلمة الليل البهيم ....



المطلب الثالث




الرد على الذين يزعمون أن الجن هم الملائكة



سبق أن ذكرنا الحديث الذي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أن الملائكة خلقوا من نور ، وأن الجن خلقوا من نار ) ، ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأصلين ، وهذا يدل على أنهما عالمان لا عالماً واحداً .
ومن نظر في النصوص المتحدثة عن الملائكة والجن ، أيقن بالفرق الكبير بينهما ، فالملائكة لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، والجن يكذبون ويأكلون ويشربون ، ويعصون ربهم ، ويخالفون أمره .
نعم هما عالمان محجوبان عنا ، لا تدركهما أبصارنا ، ولكنهما عالمان مختلفان في أصلهما وصفاتهما .
--------------------------------
(1) مجموع الفتاوى : 24/280 .
(2) مجموع الفتاوى : 4/346 .
(3) تفسير سورة الجن : ص 8 .
(4) ليس لهم أن يحتجوا بما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان ينكر مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم للجن وتكليمهم له ، فإن إنكاره هنا للمشافهة لا للجن ، ومع ذلك فغير ابن عباس كابن مسعود – يثبت مشافهة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ .
(5) مجموع الفتاوى : 19/10 .
(6) مجموع الفتاوى 19/13 .
(7) آكام المرجان : ص 4 .
(8) رواه البخاري : 6/350 . ورقمه : 3303 . ورواه مسلم : 4/2092 . ورقمه : 2729 . وأبو داود في سننه . انظر صحيح سنن أبي داود : 3/961 . ورقمه : 4255 .
(9) صحي سنن أبي داود : 3/961 . ورقمه : 4256 .


__________________________________________________




http://www.up.3rbfnon.net/uploads/images/3rbfnon.net-da908e5147.gif (http://www.up.3rbfnon.net/)


الشيطان والجان








المطلب الأول



التعريف بالشيطان



الشيطان الذي حدثنا الله عنه كثيراً في القرآن من عالم الجنّ ، كان يعبد الله في بداية أمره ، وسكن السماء مع الملائكة ، ودخل الجنة ، ثمّ عصى ربه عندما أمره أن يسجد لآدم ، استكباراً وعلواً ، فطرده الله من رحمته .
والشيطان في لغة العرب يطلق على كل عاتٍ متمرد ، وقد أطلق على هذا المخلوق لعتوّه وتمرده على ربّه ( شيطان ) . وأطلق عليه لفظ ( الطاغوت ) : ( الَّذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والَّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطَّاغوت فقاتلوا أولياء الشَّيطان إنَّ كيد الشَّيطان كان ضعيفاً ) [ النساء : 76 ] . وهذا الاسم معلوم عند غالبية أمم الأرض باللفظ نفسه ، كما يذكر العقاد في كتابه ( إبليس ) ، وإنما سمي طاغوتاً لتجاوزه حده ، وتمرده على ربه ، وتنصيبه نفسه إلهاً يعبد .
وقد يئس هذا المخلوق من رحمة الله ، ولذا أسماه الله ( إبليس ) . والَبَلَس في لغة العرب : من لا خير عنده ، وأبلس : يئس وتحيّر .
والذي يطالع ما جاء في القرآن والحديث عن الشيطان يعلم أنه مخلوق يعقل ويدرك ويتحرك و .... ، وليس كما يقول بعض الذين لا يعلمون : " إنه روح الشّر متمثلة في غرائز الإنسان الحيوانية التي تصرفه – إذا تمكنت من قلبه – عن المثل الروحية العليا " (1) .


المطلب الثاني



أصل الشيطان


سبق القول أن الشيطان من الجن ، وقد نازع في هذه المسألة بعض المتقدمين والمتأخرين ، وحجتهم في ذلك قوله تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) [ البقرة : 34 ] . وهذه الآية وأمثالها يستثني الله فيها إبليس من الملائكة ، والمستثنى لا يكون إلا من جنس المستثنى منه عادة .
وقد نقلت لنا كتب التفسير والتاريخ أقوال عدد من العلماء ، يذكرون أن إبليس كان من الملائكة ، وأنه كان خازناً للجنة ، أو للسماء الدنيا ، وأنه كان من أشرف الملائكة ، وأكرمهم قبيلة .... إلى آخر تلك الأقوال .
قال ابن كثير : " وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف ، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها ، والله أعلم بحال كثير منها ، ومنها ما يقطع بكذبه ؛ لمخالفته للحقّ الذي بأيدينا .
وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة ، وليس لهم من الحفّاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالبين ، وانتحال المبطلين ، كما لهذه الأمة من الأئمة ، والعلماء ، والسادة ، والأتقياء ، والبررة ، والنجباء من الجهابذة النقاد ، والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث ، وحرروا وبينوا صحيحه ، من حسنه ، من ضعيفه ، من منكره ، وموضوعه ، ومتروكه ، ومكذوبه ، وعرفوا الوضاعين ، والكذابين ، والمجهولين ، وغير ذلك من أصناف الرجال . كل ذلك صيانة للجناب النبوي ، والمقام المحمدي خاتم الرسل ، وسيد البشر – صلى الله عليه وسلم – أن ينسب إليه كذب ، أو يحدث عنه بما ليس فيه " (2) .
وما احتجوا به من أن الله استثنى إبليس من الملائكة ... ليس دليلاً قاطعاً ، لاحتمال أن يكون الاستثناء منقطعاً ، بل هو كذلك حقا ، للنصّ على أنّه من الجن في قوله تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ...) [ الكهف : 50 ] .
وقد ثبت لدينا بالنص الصحيح أن الجن غير الملائكة والإنس ، فقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( أن الملائكة خلقوا من نور ، وأن الجن خلقوا من مارج من نار ، وأن آدم خلق من طين ) . والحديث في صحيح مسلم .
قال الحسن البصري : " لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين " (3) . والذي حققه ابن تيمية : " أن الشيطان كان من الملائكة باعتبار صورته ، وليس منهم باعتبار أصله ، ولا باعتبار مثاله " (4) .
هل الشيطان أصل الجن أم واحد منهم ؟
ليس لدينا نصوص صريحة تدلنا على أن الشيطان أصل الجن ، أو واحد منهم ، وإن كان هذا الأخير أظهر لقوله : ( إلاَّ إبليس كان من الجن ) [ الكهف : 50 ] .
وابن تيمية رحمه الله يذهب إلى أن الشيطان أصل الجن ، كما أنّ آدم أصل الإنس (5) .


المطلب الثالث



قبح صورة الشيطان


الشيطان قبيح الصورة ، وهذا مستقر في الأذهان ، وقد شبه الله ثمار شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم برؤوس الشياطين ، لما علم من قبح صورهم وأشكالهم ( إنَّها شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم – طلعها كأنَّه رُؤُوسُ الشَّياطين ) [ الصافات :64-65] .
وقد كان النصارى في القرون الوسطى يصورون الشيطان على هيئة رجل أسود ذي لحية مدببة ، وحواجب مرفوعة ، وفم ينفث لهباً ، وقرون وأظلاف وذيل (6)


المطلب الرابع



الشيطان له قرنان


في صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تَحَرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، فإنّها تطلع بقرني شيطان ) (7) .
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز الشمس ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب ، ولا تَحَيُّنوا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، فإنّها تطلع بين قرني شيطان ) (8) .
والمعنى أن طوائف المشركين كانوا يعبدون الشمس ، ويسجدون لها عند طلوعها ، وعند غروبها ، فعند ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس ، حتى تكون عبادتهم له .
وقد جاء هذا مصرحاً به في صحي مسلم ، فقد سأل عمرو بن عبسة السلمي الرسول عن الصلاة . فقال صلى الله عليه وسلم : ( صل صلاة الصبح ، ثم أقصر الصلاة حتى تطلع الشمس ، حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثمّ صلَّ ، فإن الصلاة مشهودة محضورة ) .
ثم نهاه عن الصلاة بعد العصر ( حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ) (9) .
وقد نهينا عن الصلاة في هذين الوقتين ، والصحيح أن الصلاة في هذين الوقتين جائزة ، إذا كان لها سبب كتحية المسجد ، ولا تجوز بلا سبب كالنفل المطلق ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحَيّنوا ) ؛ أي لا تتقصدوا .
ومما ورد فيه ذكر قرن الشيطان حديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ، فقال : ( ها إنَّ الفتنة هاهنا ، إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان ) (10) . والمراد بقوله : ( حين يطلع الشيطان ) ؛ أي جهة الشرق .
--------------------------------
(1) دائرة المعارف الحديثة : ص357 .
(2) تفسير ابن كثير : 4/397 .
(3) البداية والنهاية : 1/79 .
(4) مجموع الفتاوى : 4/346 .
(5) راجع مجموع الفتاوى : 4/235 ، 346 .
(6) دائرة المعارف الحديثة : 357 .
(7) صحيح مسلم : 1/567 . ورقمه : 828 .
(8) رواه البخاري : 6/335 . ورقمه : 3272 ، 3273 . ورواه مسلم إلى قوله : (حتى تغيب) : 1/568 .ورقمه : 829 .
(9) رواه مسلم : 1/569 ، ورقمه : 832 .
(10) رواه البخاري : 6/336 . ورقمه : 3279 .


__________________________________________________




http://www.up.3rbfnon.net/uploads/images/3rbfnon.net-088deabac6.gif (http://www.up.3rbfnon.net/)


طعام الجن وشرابهم ونكاحهم








المطلب الأول



طعامهم وشرابهم



الجن – والشيطان منهم – يأكلون ويشربون ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صل الله عليه وسلم – أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها وقال له : ( ولا تأتيني بعظم ولا روثة ) ، ولما سأل أبو هريرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك عن سرّ نهيه عن العظم والروثة ، قال : ( هما من طعام الجن ، وإنّه أتاني وفد جن نصيبين – ونعم الجن – فسألوني الزاد ، فدعوت الله لهم : أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعماً ) (1) .
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تستنجوا بالروث ، ولا بالعظام ، فإنّه زاد إخوانكم من الجن ) (2) .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاني داعي الجن ، فذهبت معه ، فقرأت عليهم القرآن ) ، قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد فقال : ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم ، أوفر ما يكون لحماً ، وكل بعرة علفٌ لدوابكم ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم ) (3) .
وكون الروث طعاماً للجن أو لدوابهم ليس العلة الوحيدة للنهي عن الاستنجاء بالروث ، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم علة أخرى ، فقد صرح بأن الروث رجس (4) .
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ الشيطان يأكل بشماله ، وأمرنا بمخالفته في ذلك ، روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أكل فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله ) (5) .
وفي صحيح مسلم : ( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله ، قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه ، قال : أدركتم المبيت والعشاء ) (6) . ففي هذه النصوص دلالة قاطعة على أن الشياطين تأكل وتشرب
وكما أن الإنس منهيون عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من اللحوم ، فكذلك الجن المؤمنون جعل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم طعاماً كل عظم ذكر اسم الله عليه ، فلم يبح لهم متروك التسمية ، ويبقى متروك التسمية لشياطين كفرة الجن ، فإن الشياطين يستحلون الطعام إذا لم يذكر عليه اسم الله ، ولأجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الميتة طعام الشياطين ؛ لأنه لم يذكر اسم الله عليها .
واستنتج ابن القيم من قوله تعالى : ( إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشَّيطان ) [ المائدة : 90 ] أن المسكر شراب الشيطان ، فهو يشرب من الشراب الذي عمله أولياؤه بأمره ، وشاركهم في عمله ، فيشاركهم في شربه ، وإثمه وعقوبته .
ويدل على صحة استنتاج ابن القيم ما رواه النسائي عن عبد الله بن يزيد قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " أما بعد : فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان ؛ فإن له اثنين ، ولكم واحد " (7) .



المطلب الثاني



تزاوج الجن وتكاثرهم


الذي يظهر أن الجن يقع منهم النكاح ، وقد استدل بعض العلماء على ذلك بقوله تعالى في أزواج أهل الجنة : ( لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ ) [ الرحمن : 56 ] . والطمث في لغة العرب : الجماع ، وقيل هو الجماع الذي يكون معه تدمية تنتج عن الجماع .
وذكر السفاريني حديثاً يحتاج إلى نظر في إسناده ، يقول : ( إن الجن يتوالدون ، كما يتوالد بنو آدم ، وهم أكثر عدداً ) (8) .
وسواء أصح هذا الحديث أم لم يصح ، فإن الآية صريحة في أن الجن يتأتى منهم الطمث ، وحسبنا هذا دليلاً .
وأخبرنا ربنا أن الشيطان له ذرية ، قال تعالى مبكتاً عباده الذين يتولون الشيطان وذريته : ( أفتتخذونه وذريَّته أولياء من دوني وهم لكم عدو ) [ الكهف : 50 ] ، وقال قتادة : " أولاد الشيطان يتوالدون كما يتوالد بنو آدم ، وهم أكثر عدداً " (9) .



المطلب الثالث




دعوى بعض أهل العلم أن الجن لا يأكلون


ولا يشربون ولا يتناكحون
وقد زعم قوم أن الجن لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يتناكحون ، وهذا القول تبطله الأدلة التي سقناها من الكتاب والسنة .
وذكر بعض العلماء أن الجن أنواع : منهم من يأكل ويشرب ، ومنهم من ليس كذلك ؛ يقول وهب بن منبه : " الجنّ أجناس ، فأمّا خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ، ولا يشربون ، ولا يموتون ، ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس يأكلون ، ويشربون ، ويتوالدون ، ويتناكحون ، ويموتون ، قال : وهي هذه السعالي والغول وأشباه ذلك " . أخرجه ابن جرير (10) .
وهذا الذي ذكره وهب يحتاج إلى دليل ، ولا دليل .
وقد حاول بعض العلماء الخوض في الكيفية التي يأكلون بها ، هل هو مضغ وبلع ، أو تشمم واسترواح ، والبحث في ذلك خطأ لا يجوز ؛ لأنّه لا علم لنا بالكيفية ، ولم يخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بها .



المطلب الرابع




زواج الإنس من الجن (11)


لا زلنا نسمع أن فلاناً من الناس تزوج جنية ، أو أن امرأة من الإنس خطبها جني ، وقد ذكر السيوطي آثاراً وأخباراً عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكح بين الإنس والجن (12) . يقول ابن تيمية (13) : " وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما ولد ، وهذا كثير معروف " .
وعلى فرض إمكان وقوعه فقد كرهه جمع من العلماء كالحسن وقتادة والحكم وإسحاق . والإمام مالك – رحمه الله – لا يجد دليلاً ينهى عن مناكحة الجن ، غير أنّه لم يستحبه ، وعلل ذلك بقوله : " ولكني أكره إذا وجدت امرأة حاملاً فقيل من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد " (14) .
وذهب قوم إلى المنع من ذلك ، واستدلوا على مذهبهم بأنّ الله امتنّ على عباده من الإنس بأنّه جعل لهم أزواجاً من جنسهم : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مَّوَدَّةً ورحمة ً ) [ الروم : 21 ] .
فلو وقع فلا يمكن أن يحدث التآلف والانسجام بين الزوجين لاختلاف الجنس ، فتصبح الحكمة من الزواج لاغية ؛ إذ لا يتحقق السكن والمودة المشار إليهما في الآية الكريمة .
وعلى كلٍّ فهذه مسألة يزعم بعض الناس وقوعها في الحاضر والماضي ، فإذا حدثت فهي شذوذ ، قلما يسأل فاعلها عن حكم الشرع فيها ، وقد يكون فاعلها مغلوباً على أمره لا يمكنه أن يتخلص من ذلك .
ومما يدل على إمكان وقوع التناكح بين الإنس والجن قوله تعالى في حور الجنة : ( لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ ) [ الرحمن : 56 ] ، فدلت الآية على صلاحيتهن للإنس والجن على حد سواء .
--------------------------------
(1) رواه البخاري : 7/171 . ورقمه : 3860 . والطعم : الطعام . قال ابن حجر ( فتح الباري : 7/73 ) :" في رواية السرخسي: ( إلا وجدوا عليها طعاماً )
(2) صحيح سنن الترمذي : 1/8 . ورقمه : 17 .
(3) رواه مسلم : 1/332 . ورقمه : 450 . صحيح سنن الترمذي : 3/104 . ورقمه :2595 . إذا كنّا نهينا عن إفساد طعام الجن فيحرم علينا من باب أولى إفساد طعام الإنس .
(4) هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه : 1/256 . ورقمه : 156 .
(5) رواه مسلم : 3/1598 . ورقمه : 2020 .
(6) صحيح مسلم : 3/1598 . ورقمه : 2018 .
(7) صحيح سنن النسائي : 3/1154 . ورقمه : 5275 .
(8) رواه ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في : العظمة ، عن قتادة .
(9) لقط المرجان : ص51 .
(10) لوامع الأنوار : 2/222 .
(11) إن شئت التوسع في هذه المسألة فارجع إلى آكام المرجان : ص66 .
(12) لقط المرجان : ص53 .
(13) مجموع الفتاوى : 19/39 .
(14) آكام المرجان : ص67 .


__________________________________________________



http://www.up.3rbfnon.net/uploads/images/3rbfnon.net-3260aaeac9.gif (http://www.up.3rbfnon.net/)


أعمار الجن وموتهم



لا شك أن الجن – ومنهم الشياطين – يموتون ؛ إذ هم داخلون في قوله تعالى : ( كلٌّ من عليها فانٍ – ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام – فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان ) [ الرحمن : 26-28 ] .
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( أعوذ بعزتك ، الذي لا إله إلا أنت ، الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون ) (1) .
أما مقدار أعمارهم فلا نعلمها ، إلا ما أخبرنا الله عن إبليس اللعين ، أنه سيبقى حيّاً إلى أن تقوم الساعة : ( قال أنظرني إلى يوم يبعثون – قال إنَّك من المنظرين ) [ الأعراف : 14-15 ] .
أما غيره فلا ندري مقدار أعمارهم ، إلا أنهم أطول أعماراً من الإنس .
ومما يدّل على أنهم يموتون أن خالد بن الوليد قتل شيطانة العزى ، ( الشجرة التي كانت تعبدها العرب ) ، وأن صحابياً قتل الجني الذي تمثل بأفعى ، كما سيأتي بيانه .
--------------------------------
(1) رواه مسلم في صحيحه : 4/1906 . ورقمه : 2451 .


.ــــــــــــ.




مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم



الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها ، ويكثر تجمعهم في الخراب والفلوات ، ومواضع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر ، ولذلك – كما يقول ابن تيمية – يأوي إلى كثير من هذه الأماكن ، التي هي مأوى الشياطين : الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين . وقد جاءت الأحاديث ناهية عن الصلاة في الحمام ؛ لأجل ما فيها من نجاسة ، ولأنها مأوى الشياطين ، وفي المقبرة ؛ لأنها ذريعة إلى الشرك .
ويكثر تجمعهم في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق ، فقد أوصى سلمان أصحابه قائلاً : " لا تكونن ، إن استطعت ، أول من يدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشياطين ، وبها ينصب رايته " (1) .
والشياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس ، وتطردها التسمية ، وذكر الله ، وقراءة القرآن ، خاصة سورة البقرة ، وآية الكرسي منها ، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تنتشر ، وتكثر بحلول الظلام ،ولذا أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة ، وهو حديث متفق عليه .
والشياطين تهرب من الأذان ، وفي رمضان تُصَفّد الشياطين .
والشياطين تحب الجلوس بين الظل والشمس ؛ ولذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجلوس بينهما ، وهو حديث صحيح مروي في السنن وغيرها .
--------------------------------
(1) رواه مسلم في صحيحه : 4/1906 . ورقمه : 2451 .


ــــــــــــ




دواب الجن ومراكبهم



في حديث ابن مسعود في صحيح مسلم : أنَّ الجن سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم الزاد ، فقال : ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً ، وكل بعرة علف لدوابكم ) (1) .
فأخبر أن لهم دوابّ ، وأن علف دوابهم بعر دواب الإنس .
وأخبرنا ربنا أن للشيطان خيلاً يجلب بها على أعدائه من بني آدم قال تعالى : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ) [الإسراء : 64] .
حيوانات تصاحبها الشياطين :
من هذه الحيوانات الإبل ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الإبل خلقت من الشياطين ، وإن وراء كل بعير شيطاناً ) . رواه سعيد بن منصور في سننه بإسنادٍ مرسل حسن (2) . ومن أجل ذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل ، فعن البراء بن عازب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصلوا في مبارك الإبل ، فإنها من الشياطين ، وصلوا في مرابض الغنم ، فإنها بركة ) (3) .
وعن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل ، فإنها خلقت من الشياطين ) (4) .
وهذه الأحاديث ترد على من قال : إنّ علة النهي عن الصلاة في مبارك الإبل نجاسة أبوالها وروثها ، فالصحيح أن روث وبول ما يؤكل لحمه غير نجس .
وقد تساءَل أبو الوفاء ابن عقيل عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الكلب الأسود شيطان ) ، ومعلوم أنه مولود من ********* ، و ( أن الإبل خلقت من الشياطين ) مع كونها مولودة من الإبل .
وأجاب : أنّ هذا على طريق التشبيه لها بالشياطين ، لأن الكلب الأسود أشرّ الكلاب وأقلعها نفعاً ، والإبل تشبه الجن في صعوبتها وصولتها ، كما يقال : فلان شيطان ؛ إذا كان صعباً شريراً (5) .
ويدل لصحة قول ابن عقيل أن الأحياء في عالمنا الأرضي مخلوقة من الماء ، كما قال تعالى : ( وجعلنا من الماء كُلَّ شيٍ حَيٍّ ) [ الأنبياء : 30 ] ، والشياطين مخلوقة من النار .
--------------------------------
(1) رواه مسلم : 3/332 . ورقمه : 450 .
(2) صحيح الجامع : 2/52 .
(3) رواه أبو داود . انظر صحيح سنن أبي داود : 1/37 . ورقمه : 169 .
(4) صحيح سنن ابن ماجة : 1/128 . ورقمه : 623 .
(5) آكام المرجان : ص22 . لقط المرجان : ص42 .


__________________________________________________

Al_Ymamah
21-11-2008, 09:56 AM
للشيطان لساناً ، وأن الجان يأكلون ، ويشربون ، ويضحكون





يمــه و يضحكون بعد؟!!

ههههههه يحليلهم خفيفين دم...ظريفين خخخخ

يمه بسم الله الرحمن الرحيم



::::::::::::::::::::



في الحقيقة أخوي موضوعك أقل مايقال عنه "روووووعة"

أحب السوواليف هذي عن الجن و العفاريت يالله أحب أسمع عن عالمهم و حياتهم

صحيح يخرعون بس يونسون>>>لا والله دخل فيني جني هالليله هههه

عالمهم غاااامض ولهم بعض القدرات سبحان الله

أنا ماقريت الموضوع كله قريت بدايته و تحمست

ان شاء الله راح أكمل قرايته



في أمان الله

%هيبارا%
21-11-2008, 09:26 PM
جزيت خيرا . . . على جمع المعلومات المهمه
موضوع اكثر من رائع . . بارك الله فيك

الفارس الخرساني
22-11-2008, 01:02 PM
السلام عليكم
وشكرا لكم على المرور اخواني واخواتي
وان شاء الله يكون الموضوع عجبكم

هيتومي
22-11-2008, 03:31 PM
بارك الله فيك على الموضوع المفيد
واعاذنا الله من الجن والشياطين صالحهم وطالحهم

أمة اللـه
25-11-2008, 06:38 PM
جزاك الله خيرا وجعله فى ميزان حسناتك