المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ِِ/[ تفسير ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ) لابن جبرين ]/



بوفهد الاتحاد
3-5-2009, 08:28 PM
( من تفسير الشيخ ابن جبرين ) حفظه الله

قال تعالى:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الآية الأولى من هذا المقطع من بقية الآداب وما بعدها يتعلق بالاعتقاد أدب الله- تعالى- المؤمنين وعلمهم الأخوة فيما بينهم في

قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ

وفي تعليمه لهم عدم السخرية وعدم اللمز وعدم التنابز بالألقاب، وعدم العمل بالظن أو بكل الظنون،
والنهي عن التجسس والنهي عن الغيبة،

بعد ذلك نهاهم عن التفاخر عن الفخر بالآباء والأجداد ونحو ذلك.

في ضمن هذه الآية خاطب الله- تعالى- فيها الناس كلهم ما خص الخطاب كما في الآيتين قبلها بالمؤمنين؛ وذلك ليدخل فيها المؤمن والكافر.

فيتبين:


لكل أحد أنه لا فخر إلا بالتقوى، وأنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بتقوى الله تعالى.

ففي هذه الآية يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى

قيل: إن المراد خلقهم من أصل واحد من آدم وزوجته، أي أن أصلكم كلكم يرجع إلى أصل وأب واحد؛

ولهذا يناديهم يا بني آدم في قوله: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ

وفي قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ؛

ليدخل فيه جميع البشر.

إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى

أي من رجل خلق من تراب وهو آدم وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا خلق زوجته منه


وإذا كان الأصل واحدا فلا فخر، لا فخر بالحسب ولا بالنسب ولا بغير ذلك، إنما الفخر بالتقوى؛

ولهذا قال: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ

وردت أحاديث في النهي عن مثل هذا الفخر

مثل قوله صلى الله عليه وسلم:

لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا أو ليكونن أهون على الله من الجُعل

وفي قوله صلى الله عليه وسلم:

إن الله قد أذهب عنكم عُبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب

وقد أخبر- صلى الله عليه وسلم- ببقاء هذا الفخر في أمته في قوله صلى الله عليه وسلم: أربع في أمتي من أمر الجاهلية الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالأنواء، والنياحة

فجعل من أمر الجاهليةالفخر بالأحساب وجعل منها الطعن في الأنساب. لا شك أن ذكر الجاهلية يعد تنفيرا من هذه الخصال.


ومنها: الفخر؛ فالتفاخر بأفعال الآباء والأجداد لا يفيد، لا يفيد الإنسان إنما يفيده فعله وعمله هو؛ ولهذا يوبخ من يفتخر بآبائه يقول بعضهم:

كن ابن مـن شئت واكتسـب أدبـا
يغنيـك محـموده عـن النسـب

أي إذا اكتسبت أدبا واكتسبت علما أغناك عن أن تقول أنا ابن فلان أو آبائي فيهم كذا وكذا فلا فخر إلا بالتقوى،

ثم لا شك أن الآباء إذا كان لهم شرف فينتسب إليهم ويدعوا لهم وله أن يذكرهم ذكرا حسنا، ولهذا ورد أي في حديث أبي سفيان أول ما سأله هرقل عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال كيف نسبه فيكم؟
فقال: هو فينا ذو نسب، يعني أنه من أصل شريف وذلك ليكون له رفعة في قومه وإن كان لا ينفعه في الأصل أو في الآخرة إلا فعله.

ولما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالدوافع للنكاح قال: تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك المراد بالحسب شهرة النسب شهرة الآباء والأجداد وأفعالهم ونحو ذلك.

وهذا مما يتفاخر به بعض من يتقدم إلى قوم ليخطب منهم ولكن قد يُفسدها حسبها وشرفها، وكذلك الرجل


فعلى هذا يقول الله:

إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا

يعني أن الله- تعالى- جعلهم قبائل قبيلة آل فلان قبيلة تميم وقبيلة أسد وقبيلة خزيمة وقبيلة مضر وقبيلة ربيعة وهكذا لماذا؛ لأجل التعارف لا لأجل التفاخر،

أن يُعرف هذا الإنسان فيقال مثلا: هذا من ربيعة، وهذا من مُضر، وهذا من أسد، وهذا من تميم وهذا من غسان.
العرب العاربة والعرب المستعربة هم الذين احتفظوا بأنسابهم فمنهم من يفتخر بنسبه ومنهم من يحفظ نسبه؛ لأجل أن يُعرف ويتميز عن غيره، أما غير العرب فالأكثر أنهم لا يتميزون لا يميزون أنسابهم إنما فقط يمكن الرجل يعرف آباه وجده وجد أبيه، ولا يدري ما بعدهم ولا يتميز قبيلة عن قبيلة إلا القليل.
ومع اختلاط العرب بالترك وبالفرس في صدر الإسلام لما انتقل كثير من العرب وسكنوا في خراسان وفي كثير من البلاد، بلاد فارس وفي الهند وغيرها، ضاعت أنسابهم فاحتاج الرواة إلى أن ينسبوهم إلى البلدان منهم من احتفظ بنسبه ومنهم من نسب إلى بلده كالبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم.
مسلم احتفظ بنسبه أي بأنه من قبيلة قشير، قبيلة عربية. وكثر- أيضا- في رواة الحديث الموالي الذين ليس لهم نسب بالعربية وإنما هم من العتقاء وصاروا- أيضا- ينسبون إلى بلدانهم أو نحو ذلك.


وبكل حال فالله- تعالى- ذكر الحكمة من جعلهم شعوبا وقبائل، القبيلة يراد بها الأقربون ويقال لهم العشيرة والفخذ، في العشيرة قال تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ يعني أقاربكم، وهذا بيان أن الإنسان يحتفظ بعشيرته ويعرفهم ومعرفة عشيرته وأقاربه؛ لأجل صلة الرحم أي لأجل الصلة ولأجل البر بهم لا لأجل الافتخار بهم.
وكذلك القبيلة لأجل الانتساب إليهم وكذلك الشعوب.

الشعوب هم القبائل الكبيرة.
شعوبا يعني قبائل كبيرة مثل ربيعة ومضر وتميم وحنظلة وحنيفة ويربوع.
ذكروا أن قبائل العرب المستعربة هم ذرية إسماعيل الذين أخذوا العربية عن غيرهم ولكنهم أصبحوا عربا.

وأما العرب العاربة فأصلهم في اليمن ثم امتدوا إلى الشام ذكر ابن كثير في تفسير قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ حديثا فيه أن سبأ رجل ولد له من العرب ولد له عشرة من الولد فتشاءم منهم أربعة، وتيامن منهم ستة، فأما الذين تشاءموا يعني صاروا في الشام فلخم وجزام وعاملة وغسان، وأما الذين تيامنوا فملحج وكندة والأزد والأشعريون وحمير وأنمار.
فاحتفظوا بها؛ لأجل أن يعرفوا لِتَعَارَفُوا ثم قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ .


هذا بيان لما يفتخر به، أي لا تفتخروا بالآباء والأجداد ولكن افتخروا بالتقوى

جاء في حديث: أن قوما قالوا: يا رسول الله أي الناس أكرم؟ قال: أكرمهم عند الله أتقاهم. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا: ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني قالوا: نعم، قال فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا

يعني أن الخصال التي كانوا في الجاهلية يتمادحون بها تبقى في الإسلام.
خيارهم في الإسلام هم خيارهم في الجاهلية بشرط أن يكونوا فقهاء، يعني عالمين بما ينفعهم وعالمين بما يلزمهم من أمر الله تعالى.

فالخصال التي كانوا يتمدحون بها في الجاهلية إذا كانت خصال حميدة فإنها- أيضا- يمدح بها في الإسلام، فيمدح في الجاهلية والإسلام بالكرم والجود ونحوه.
يقول بعضهم:
ويظهر عيب الناس في المرء بخله
ويسـتره عنهـم جميعـا سـخاؤه

فالكرم والجود مما يمدح به في الإسلام والجاهلية، كذلك الشجاعة والإقدام يمدح بها في الجاهلية وهكذا في الإسلام، كذلك الأخلاق والآداب، كذلك لين الجانب وحسن الخلق هذه من الخصال التي يتأدب بها، يقول تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

التقوى:

هي توقي عذاب الله- تعالى- وتوقي غضبه ومعصيته والبعد عن ذلك.

وفسرت بتفاسير، ذكرها ابن كثير - رحمه الله- في أول سورة البقرة عند قوله: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .
ومنها تفسير بعضهم بقوله: التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
وفسرها بعضهم بمثال، يعني مثال حسي، قال: إذا كنت حافيا ومشيت في أرض فيها شوك فكيف تمشي؟
قال: أتوقى ذلك وأنظر مواضع قدمي فلا أضع قدمي إلا في مكان ليس فيه شوك ولا أذى.
فقال: هذا هو التقوى، يعني توقي هذا الأذى ونحوه، نظم ذلك بعضهم بقوله:
خــلِّ الـذنـــوب صغيرهــا
وكبـــيرهــا ذاك التقــــى

.. وكن كمـاشٍ فــوق أرض
الشـوك يحــذر مــا يـــرى

لا تـحـــقـرن صـغـــيرة
إن الجبــال مـن الحــــصى

فهذا بيان حقيقة التقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .

فارس الاسلام
4-5-2009, 02:48 AM
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
جزاك الله كل خير اخى
ما شاء الله موضوع رائع
اللهم تقبله منك و اجعله فى موازين حسناتك
اللهم انفعنا بما علمتنا و علمنا ما ينفعنا
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين

مارياّ
4-5-2009, 05:07 PM
جزاك الله كل خير على هذا الموضوع المفيد وشكرا لك ..

سعود سعد
4-5-2009, 07:58 PM
موضوع رائع ..

اللهم اشف الشيخ//. ابن جبرين .. وألبسه الصحة والعافيهــ..
..~{ آمييــن }~..