السلام عليكم ويا مرحبا بكم ويا أهلا وسهلا ، تحية عطرة لكم معاشر المسومسيين
نعم ، مع أن النت سيء للأسف ، ومع أنني مشغول ، إلا أن إيفان قرر أن يشارك ، وبقصة طويلة جدا ، نمر فيها بمحطات عديدة ، برحلة طويلة ، ببحث وإصرار ، بحكمة ودهاء ، شخص يقال له من شدة حكمته لقمان ، قال عنه علي رضي الله عنه : " ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم؟ أوتي العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف. "
تبدأ قصتنا في محطتنا الأولى أصفهان الفارسية ، في قرية يقال لها ( جي ) ، حين ولدت زوجة يوذخشان طفلا صغيرا سموه روزبه ( أو مابه ) ، كبر الفتى واشتد عوده لكنه في عين أبيه لا يزال صغيرا ، أحبه أبوه حبا جما لدرجة أنه جعله يبقى في البيت خوفا عليه ...
بالمناسبة لعلكم تتسائلون ( من هؤلاء ؟ وما علاقتهم بالقصة ؟؟ ) ، لا تتعجلوا واصبروا
كان روزبه وعائلته مجوسيين ، وكان روزبه مجوسيا بحق ، وارتقى في منزلته حتى وصل لأعلى المنازل ، كانت منزلة يتمنى جميع الناس الوصول إليها ، كان خادما لإله المجوسية ، النار المقدسة !!!! ( الله هو الإله الواحد )
كان يوذخشان هو عمدة القرية ، وكان من أغنى الأغنياء ، وكانت له مزرعة كبيرة يعتني فيها بالماشية ، ذات يوم انشغل يوذشخان ، ولم يكن هناك أحد ليهتم بالماشية ! ، قرر أن يرسل ابنه روزبه كي يعتني بالماشية ، وكان روزبه متفرغا من خدمة النار ... ذهب روزبه إلى المزرعة ،لكنه لم يكن يعلم بأن اسمه سيتغير إلى سلمان ، ولم يكن أبوه يعلم أن ابنه لن ينتسب إليه بعد الآن !
ذهب سلمان ( روزبه ) إلى المزرعة لكي يعتني بالحيوانات وفي طريقه مر بكنيسة ، سمع أصواتهم وهم يدعون ويصلون ، فأعجبه دعائهم وصلاتهم ، فقال في نفسه : "هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه " !!
بكل بساطة ، خادم النار ، صاحب أعلى منزلة في السلم المجوسي ، يتنازل بكل أريحية ! لأنه عرف أن الدين النصراني أفضل من المجوسي ، ولأن ( الله اطلع على أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب )!
جلس سلمان عندهم حتى زال النور وحل الظلام ، ونسي أمر مزرعة أبيه ، وقبل أن يعود إلى منزله وإلى أبيه الذي جن جنونه لأن ابنه العزيز تأخر في العودة سأل الرهبان هناك ( أين أصل هذا الدين ؟ ) فقالوا : ( في الشام ) ، عاد سلمان إلى المنزل فما رأى الأب ابنه حتى انقض عليه يسأله ( أين كنت ؟ ولماذا لم تفعل ما أمرتك به ؟؟ ) فقص عليه سلمان ما حدث معه ، ظن سلمان أن أباه سيشاطره الرأي ، لكن أباه خالفه وقال له ، ( ديننا خير من دينهم ) لكن سلمان أصر على رأيه ، سلمان لم يتوقع أن أباه الحنون الذي يخاف عليه سيتحول إلى وحش غاضب ! أمر يوذخشان بتقييد سلمان ، لكن سلمان لم يكترث وبعث إلى أولئك النصارى يخبرهم أنه إذا أتاكم تجار من الشام فأخبروني ، فعندما أتو أخبروا سلمان ففك قيوده وذهب إليهم لكي يذهب معهم إلى الشام !
وصل سلمان إلى الشام ، وذهب إلى الأسقف النصراني هناك كي يخدمه ويتعلم منه تعاليم الدين النصراني ، لكن ذلك الأسقف كان فاسدا ، وكان يأخذ صدقات الناس ويكتنزها لنفسه ، سلمان لاحظ ذلك ، ولم يسكت عنه عندما مات ذلك الرجل ، بل صرح بذلك ، ودل الناس على خزنته التي يحتفظ بها بنقوده ، فإذا بها سبعة دلاء مملوءة ذهبا وفضة وما تطيب به الأنفس وتلذ الأعين ، فصلبوا ذلك الأسقف ورموه بالحجارة ، وجاؤوا برجل آخر ، قال سلمان عن ذلك الرجل : "فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه."
كان ذلك الأسقف الجديد شخصا استثنائيا ، أتدرون لماذا ؟
لأنه أحد تلك الـ(ـبقايا من أهل الكتاب) !
مكث سلمان يخدمه ويتعلم منه تعاليم الدين الصحيح ، الدين الذي يقول بأن الله هو إله واحد ، وليس ثلاثة ، الدين المستقيم الذي لم يحرف أو يبدل ..
بعد فترة من الزمن حضرت الأسقف الوفاة ، وقبل أن يموت سأله سلمان : يا فلان، إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه ، إلا رجلاً بالموصل ، وهو فلان، فالحق به
ذهب سلمان إلى القس الذي في الموصل وأخبره بقصته ، فجعله يمكث عنده و يتعلم أسس الدين ، لكن كل نفس فانية ، وإنك ميت وإنهم ميتون ، فلما حضرته الوفاة سأله سلمان نفس السؤال فدله على رجل في نصيبين
قص سلمان قصته عند صاحب نصيبين ، فجعله يمكث عنده ، ولكن بعد فترة حضرت صاحب نصيبين الوفاة فدله على رجل في عمورية ( أميرداغ الآن )
وحضرت صاحب عمورية الوفاة ، فسأله سلمان نفس السؤال ، لكن صاحب عمورية قال ( لا أعلم أحدا أصبح على ما نحن عليه حتى آمرك أن تأتيه ) ..
إلى أين يذهب سلمان الآن ؟ ولم يبق هناك أحد معروف لكي يقيم عنده ؟
( لكن قد أظلك زمان نبي !!! ، مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل ، به علامات لا تخفى ..
1- يأكل الهدية
2- لا يأكل الصدقة
3- بين كتفيه خاتم النبوة
فإذا استطعت أن تلحق به فافعل ) !!
إنها البشارة النبوية التي أعادت الروح لسلمان ، لكنه ما لبث أن عاد إلى حاله ، فهو لا يعرف شيئا عن أرض العرب ، أو عن تلك الأرض ذات الحرتين والنخل !
لكنه لم ييأس ، وعمل حتى اكتسب بعض الماشية والنقود ، فمر عليه عدة تجار عرب من بني كلب ، تخيلوا أنه أعطاهم كل ما يملك من أجل أن يسافر معهم إلى أرض العرب !!
سافر إلى أرض العرب ، دون أن يعرف أيها تحوي تلك الأرض ذات الحرتين ، والمصيبة الكبرى أن أولئك التجار غدروا بسلمان في وادي القرى ، وباعوه لرجل يهودي على أنه عبد !
كيف يذهب الآن إلى الأرض ذات الحرتين التي وصفها له صاحبه وقد صار عبدا رقيقا ؟ سلمان لم يكن لديه الوقت للتفكير بهذا ، فقد كان مشغولا بأعمال الرق ، وسيده الظالم لم يكن يعطيه وقتا حتى يستطيع التفكير ..
باعه سيده إلى سيد آخر من بني قريظة ، وذلك السيد كان يسكن في مدينة أخرى ، تلك المدينة كانت ذات حرتين ، وفيها نخل كثير ، إنها ذات المدينة التي وصفها صاحب عمورية لسلمان ! ، فما رءاها سلمان حتى عرف أنها ذات المدينة التي سيهاجر لها ذاك النبي !!
بحث عنها وهو لا يعلم أين هي ، فساقه الله لها سوقا !!! تلك هي الرحمة الإلهية ، التي تقول لنا ألا نيأس وألا نقنط منها ، حتى لو احترق كوخنا ، حتى لو غدروا بنا وباعونا عبيدا لليهود ، يجب ألا نيأس وألا نقنط ، وألا نستكين !
مكث سلمان هناك ، وبعث الله نبيه في مكة وهو لا يدري ، إذ كان مشغولا بخدمة سيده ، ومضت الأيام وكان سلمان عل نخلة يقطف منها التمر ، فجاء ابن عم ذلك اليهودي وقال له : "قاتل الله بني قيلة (الأنصار) ، والله إنهم الآن لمجتمون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي !" فما سمع سلمان ذلك حتى ارتجف وارتعد وظن أنه سيسقط على سيده ! ، فنزل من النخلة وقال لابن عم اليهودي : ماذا قلت ؟ ماذا قلت ؟ ، لكن سيده لكمه لكمة شديدة وهو يقول : " مالك ولهذا ؟ أقبل على عملك ! " ، فقال سلمان : ( لا شيء ، إنما أردت أن استثبت -أتأكد- مما قال )
عزم سلمان على أمر ما ، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه تمرا كان قد جمعه ، وقال له : " إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم "
أعطى النبي أصحابه الصدقة ولم يأكل منها ، فقال سلمان في نفسه : " هذه واحدة " ...
سلمان يريد أن يتأكد من العلامات التي قاله له صاحب عمورية ، فهو تأكد الآن من الثانية ويريد أن يتأكد من الأولى ، فجمع المزيد من التمر وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : "إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها" فأكل منها وأكل الصحابة معه ، فقال سلمان "هاتان اثنتان"
وفي أحد الأيام كان رسول الله في جنازة أحد أصحابه ، وكان جالسا ، فاستغل سلمان الفرصة وسلم عليه ، ثم استدار لينظر لعله يرى خاتم النبوة ، فلما رآه النبي وقد استدار عرف أنه يريد رؤية الخاتم ، فخلع ردائه ورأى سلمان خاتم النبوة !
ها هي جميع العلامات ظهرت ، فلا شك أن هذا هو النبي الحق ، لقد لحق سلمان بالنبي أخيرا بعد رحلة طويلة ، لم يتمالك سلمان نفسه من الفرحة فذهب يقبل النبي وهو يذرف الدموع ، دموع الفرح !
بعد أن هدأ سلمان قص قصته على النبي والصحابة فأعجبوا بها ، وقالها لابن عباس الذي قالها لأحد التابعين والذي قالها ... حتى وصلت لنا
ها هو سلمان قد اعتنق الإسلام أخيرا ، وعثر على الحقيقة المخفية ، حقيقة الإسلام ، لكن هناك مشكلة واحدة ..
سلمان لا يزال عبدا رقيقا لدى سيد يهودي ، وبسبب ذلك فاتته غزوتا بدر وأحد ، أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وقال لسلمان : " كاتب - اشتري نفسك - يا سلمان " ، فذهب سلمان إلى اليهودي وكاتبه بثمن غريب ..
1- 300 نخلة يزرعها في أرضه
2- 40 أوقية من الذهب
ساعد الصحابة سلمان بالنخل ، فيأتي أحدهم ويعطيه 30 فسيلة ، وآخر يعطيه 20 ، وثالث يعطيه 5 إلى أن اجتمعت لديه 300 فسيلة ، فقال النبي له "اذهب يا سلمان ففكر لها -احفر حفرا لزرعها- فإذا فرغت فأتني فاكون أنا أضعها -الفسيلة- بيدي"
حفر سلمان بمساعدة الصحابة 300 حفرة ، ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضعها الرسول واحدة واحدة والصحابة يحفون التراب عليها ، وبمعجزة من المعجزات الإلهية لم تمت أي من تلك الفسائل ونمت كلها !
وأعطى رسول الله سلمان قطعة صغيرة من الذهب ، وقال له "خذها فإن الله سيؤدي بها عنك " ، فأخذها سلمان وذهب بها ليزنها فوجدها تزن 40 أوقية !!
وهكذا خرج سلمان من الرق والعبودية إلى الحرية الأبدية ، وطلق فارسا والمجوسية للأبد ، حتى أن بعض الأعراب سألوه عن نسبه وهم يفتخرون بأصولهم القيسية والتميمية ، فقال سلمان هذا البيت الشعري الجميل :
بعدها بسنين قليلة حصلت غزوة الخندق ، وتآلبت القبائل على محمد رسول الله ، سلمان بحكمته وخبرته لم يقف مكتوف الأيدي ، ذهب ليلقي نظرة فاحصة على مدينة رسول الله من أعلى الجبل ، فوجدها محمية بالجبال والحرات من كل جهة ، إلا جهة واحدة فقط ، ففكر سلمان وخرج بفكرة عظيمة كانت العامل الأساسي بعد الله في الانتصار في تلك الغزوة ، فإذا كانت المدينة محمية من جميع الجهات إلا واحدة ، لم لا نحمي تلك الجهة أيضا ؟
كانت فكرة سلمان هي حفر حفرة طويلة في كل الجهة المفتوحة ، ليجعل من الصعب على جيوش الكفر أن يقتربوا ، تلك الفكرة مع أنها استهلكت طاقة الصحابة بشكل كبير ، لكنها أيضا وفرت عليهم جهداً كبيرا في محاربة تلك الجيوش ...
انتهت غزوة الخندق بانتصار المسلمين انتصارا كاسحا على المشركين ، وشهد سلمان بقية الغزوات مع رسول الله ، وكان تقيا زاهدا ، فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد عمر رضي الله عنه ، كان سلمان يشتري سعف النخل بدرهم فيصنع به سلالاً وأوعية ، فيبيع الواحدة منها بثلاثة دراهم ، فيشتري بأحدها بعض السعف ، وينفق بالآخر على أهله ، ويتصدق بالباقي !
ومرت فترة كان فيها أميرا على المدائن ، فكان من أتقى وأزهد الناس ، فقيل أنه في أحد الأيام جاء مسافر من الشام إلى المدائن ، فرأى سلمان وظنه من عامة الناس وقال له : ( احمل أمتعتي عني ) فحملها سلمان دون أن يقول له أنه الأمير ، فرأى بعض سكان المدائن سلمان وهو يحمل الأمتعة الثقيلة ، فتسابقوا ليحملوا عنه تلك الأمتعة ، فعرف الشامي المسافر أنه الأمير فانحنى واعتذر وقام ليأخذ الأمتعة ، لكن سلمان رفض تركها واستمر في المشي حتى وصل لمنزله ...
وفي أحد الأيام كان مريضا ، فنادى على زوجته وقال لها : ( أخرجي الشيء الذي خبأته عندكٍ ) فأخرجت صرة فيها بعض المسك ، فقال لها سلمان ( رشي بعضه حولي ، فعندي ضيوف يحبون رائحة المسك ! ) ففعلت ما قاله لها وخرجت ، فلما عادت وجدته قد لفظ آخر أنفاسه ، فهنيئا لك الجنة يا سلمان ، وطيبك الله بمسك الجنة الذي لا يزول .
المراجع :
ويكيبيديا
إسلام ويب
الإسلام سؤال وجواب
طبعا هذه أول مرة أصمم ( فرشاة + كلام + صور
)
إن لم تعجبكم فلا تنتقدوا رجاءً ، لأنها لم تعجبني أيضا
المفضلات