حكاية يارا!
من ملفات التعليم الحقيقية
٢٤ سنة في التعليم! تمر بنا مواقف مؤلمة أحيانًا يظهر فيها غباء بعض الأهل في التربية للأسف...من ذلك، تلميذة علمتها من زمن بعيد، انطوائية جدًا، تجيب عن الأسئلة بأسلوب بارد، أي قد ينتهي الوقت المخصص للاختبار وهي لم تُكمل الإجابات ولا تهتم، أما التواصل الشفهي فتكاد تُشعرك بأنك تتكلم مع جدار أو شبح لن يرد عليك مهما حاولت، لكن بعد ذلك توضحت الأمور كلها، هذه الفتاة سنسميها مجازًا يارا، احترامًا لخصوصية حالتها، أمها معتوهة لو هناك تصنيف مثل هذا لمن يفتقد الوعي في التربية والتعامل، مثلًا ابنتها نالت ١٤ من ٢٠ في مسابقة، تصفعها أو تلكمها في كتفها أو تدفعها وتكاد ترميها أرضًا، وهي تخبرها بأنها حمارة! وتلعنها وتلعن اللحظة التي جاءت بها بحمارة مثلها إلى الدنيا، والأمر لا يختلف لو نالت البنت ٨ من ٢٠ ولا يختلف حتى لو نالت ١٩ من ٢٠... البنت كرهت أمها وكرهت نفسها وحياتها...
لكن مرة جاءت الأم إلى المدرسة معها قالب كاتو صغير في علبة، سألها واحد من الزملاء ساخرًا هل تحب أن يحضر لها الشاي أو العصير؟ لم تفهم السخرية بل ردت في لهفة تطلب العصير! دخلت الإدارة وطلبت من المديرة استدعاء ابنتها، فاليوم عيد ميلاد يارا، والأم تشعر بأنها ظلمت ابنتها (قليلًا) وتريد أن تصالحها، جاءت يارا، رأت أمها ورأت قالب الكاتو، وبدأت الأم تغني: هابي بارث داي تو يو... وجاءت تحضن ابنتها التي دفعتها عنها في غلظة وأدارت وجهها وانصرفت... انهارت الأم في البكاء والمديرة والناظرة العامة في محاولة لتهدئتها، ثم انصرفت الأم مكسورة الخاطر، أما البنت فكانت سعيدة!
مشهد بكاء الأم شهدته بنفسي وقد كنت قادمًا للدوام، لكن في الصف يارا تبدو مثل لبؤة تناولت فريسة، ابتسامة شريرة وضحكات جافة، بل مشاركات صفية!! ظلت يارا تلميذتي ثلاث سنوات، كلمتها كثيرًا بكلام للعموم لا لها مباشرة عن الأم، عن الأم الواعية والأم الجاهلة، عن اختلاف طبقات البشر، عن خطئنا حين نظن أننا سنأخذ كل شيء عن الحياة من أمنا بل هناك حالات هي ضعيفة ولو كانت قوية تصرخ وتمتدُّ يدها بالضرب، لكنها ضعيفة الوعي ضعيفة الإدراك والحل أن نشفق عليها ونقودها من يدها مثل طفلة، وكلام كثير ربما يدخل في باب الهراء!
يارا تلميذتي ٣ سنوات متتالية، آخر مرة علمتها كانت من ٥ سنين وأشهر، رأيتها مرة واحدة فقط بعد ما لم تعد تلميذتي، ربما منذ ٤ سنوات، كانت تمشي مع امرأة وجهها مألوف لي، وقد قدمتها يارا تقول في (اعتزاز):
هذه ماما... هذه ماما...
اكتفينا بتحية صامتة عابرة، بعدها وضعت الأم يدها في يد ابنتها، كأنها تطلب منها أن تسير بها في هذه الحياة وهي خلفها مسترشدة بها، وبوعيها...
يارا، عزيزتي الطفلة، أأنتِ الطفلة حقًّا أو أنَّكِ الأم، وأمكِ الطفلة الحقيقية!!
د. عمر قزيحه
في 23-11-2025م
الساعة: 8:07 دقائق مساء.
رد مع اقتباس



المفضلات