تسبيحة الصباح والمساء
عندما يُشَقِّقُ الفجرُ ستائرَ الظلام ، ويتسللُ الضياءُ من سُقوفِ الغَمام
وترجِعُ الأرواحُ من مَوْتَةِ المنام ،وَتَتَفَتحُ الأعينُ على غَزْوِ النورِ للحياة
وتَتَشَنَّفُ الآذانُ بتسبيح الطيورِ في الوُكُنات وتتأهبُ الشمسُ للزحفِ على المرتَفعاتِ والبِطاح
ويصْدحُ بلبلُ الفجرِ حي على الفلاح أفتحُ عينَيَّ مع الصباحِ الوَليد ، على كَبَدٍ أو عِراكٍ مع الحياةِ
جديد حيْثُ أرى كيف تُحاصرُني الأَزمات ، وتثْقُلُ على قلبي الكُرُبات ويَضيقُ صدري بما هو آت
فأَفِرُّ إليك واقفاً على بابِك ، ساجداً عندَ أعتابِك مفوِّضاً إليك أمري ، شاكياً ما يَضيقُ به صدري
فتَنْبسِطُ أمامَ ناظِريَّ الرِّحاب ، وأرى بابَك أوسعَ الأبواب فأعبُرُ منه إليك ، مُتَوكِّلاً في عُبوري عليك
فًتمُدُّ إلى مركبِ نجاتِي يديك وتزرعُ روحي المُعَشَّقةَ بيمينِك ، على ضِفافِ الأمان ، ولطائفِ الوعدِ
والاطمِئْنان يا مالكَ القلوبِ والنفوس ، سُُّبوْحٌ قُدُّوس ، سبحانَك سُبحان .
...
عندما تميلُ الشمسُ بصُفْرتِها لتغرقَ في السُّكون ويَتَلاشى الشفقُ كأَنه آخرُ شَهْقةٍ من شهقاتِ المَنُون
وتُخَيِّمُ على كلِّ شيءٍ رَهْبةُ الظَّلام ، حاملةً إلى مقبرةِ الزمنِ ؛ يوماً آخَرَ من الأيام تمتلئُ نفسي بألوانٍ غامضةٍ
من الأَحزان ، ويخفقُ قلبي وَجِلاً مِن أسرارٍ يُخَبِّئُها الزمان وأغيبُ بُرْهَةً في مُحيطِ الخَفاء ، وأسقطُ كورقةٍ في
مَهَبِّ الفناء وفجأةً أفتحُ عيْنَيَّ الُمغْمَضَتين ؛ خلالَ السُّقوط ، على أنوارِك تَنْتشلُني من بَراثِنِ القنوط فأوقنُ أَنَّ
من ابتعد َ عنك تردّى وهَلَك ، وَمَنْ آبَ إليك عرَفَ سبيلَ الأنسِ بك فسَلَك ، لأنكَ أنت الملِكُ المُهيمنُ على كلِّ ما
ملَك وأهْرَعُ إليك بِكَ أَسْتجير ، مُستعيناً على وُعورةِ الطريقِ بتسبيحاتِ المَسير ، يا مالكَ نفسي وَمَنْ إليه
المصير أنت العالِمُ بما كانَ وما يكونُ وما سيكون وسِعَ سَمْعُكَ الأصوات ، وأطَّلَعْتَ على كلِّ الخَفِيّات وأحاطَ
علمُك بكلِّ حركةٍ وسُكون ، فسُبحانَ الذي بيدِه مَلَكوتُ كلِّ شيءٍ وإليه تُرجعون
المفضلات