السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه القصة من وحي الخيال .... إستمتعوا بها
..............................
...الجزء الأول...
توقفت سيارة أجرة عتيقة الطراز أمام هضبة مرتفعة , يشق نجيلها العشبي الممتد على مرمى البصر , طريق ضيق يوصل المار لأعلى الجبل ..
كانت شمس أيار ترسل أشعتها في حنو ولطف , واشتركت مع نسمات الصباح الندية في خلق جو من السحر والألفة , وتعانق النسيم مع وشوشات البنفسج العطري , لتصنع معا صورة خلابة للطبيعة والأريحية ..
ترجل من سيارة الأجرة فتى شاب في السابعةعشرة من عمره , طويل القامة , رياضي الجسد , يخفي عينيه بمنظار أسود رغم أشعة الشمس الحانية , ويحمل حقيبته الصغيرة على كتفه , كان طفولي الملامح , هادئ القسمات , على رأسه استقر شعر بني ناعم كثيف , وحباه الله بزوج من العيون الخضراء الواسعة , تشبه العشب الممتد , وبرز من وسطهما أنف مستقيما , وشفتان رفيعتان بلا مبالغة.
ملئ صدره بالهواء المنعش النقي , والتفت لصاحب السيارة وانحنى نحو نافذته المفتوحة وسأله في بساطة :
ـ كيف أصل لكوخ السيد (هاريس) ؟
لاك السائق سيجاره , وغمغم مشيرا بسبابته للأمام :
ـ اذا قطعت هذا الطريق للأعلى ستجده أمامك , كوخ قديم .
ابتسم الفتى قائلا :
ـ أشكرك جزيل الشكر .
وتراجع للخلف لتمض السيارة في هدوء ..
استدار يتأمل طريق الجبل الضيق , وخطى أولى خطواته للكوخ ..
هب النسيم الرقيق يداعب مقدمة شعره في حنان , وابتسم في حبور لمرأى الفراشات تتراقص على أنامل الياسمين , وكأنها تشارك الصباح فرحته بالطبيعة الساحرة , وواصل طريقه في استمتاع , وذاكرته تعود به تدريجيا لأيام بسيطة انقضت ..
لقد عانى مؤخرا من نوبة اكتئاب حادة , عزف خلالها عن المضي للمدرسة وامتنع عن مقابلة أصدقاءه القدامى , وفضل الإنزواء بعيدا عن كل النشاطات التي اعتاد ممارستها ..
لم يكن الأمر سهلا عليه , لقد فقد والداه في حادث مروري أليم وهو بعد في الثامنة , فقرر عمه الوحيد إيقاءه تحت وصايته ورعايته إلى أن يصبح قادرا على العيش بمفرده , ولأول مرة يشعر (ويلي ستيوارت) , المرح الحيوي النشيط , بطعم المرارة والوحدة , فعمه رجل غريب الأطوار , يعيش وحيدا , صموتا , هادئ هدوء القبور , بالكاد يتحدث , وتقريبا لا يغادر منزله إلا نادرا , مكتفيا في عيشه على إيراد بضع عقارات ورثها عن أبيه , يقض جل وقته في مرسمه الخاص , منخرطا في رسم لوحات سيريالية لا تثير اهتمام أحد , تغلب عليها الألوان الغامضة , وحين نقول غامضة .. فإننا نعني الغموض بكامل معانيه , فمن العسير تمييز ألوان لوحاته , وفي المرات القليلة التي تمكن فيها (ويلي) من اختلاس النظر للوحات عمه , كاد يصاب بالجنون المطبق , من استخدامه العجيب للألوان , ومن منظر الفوضى الهائلة في مرسمه , وأقسم على عدم دخول هذا المرسم مادام بكامل وعيه ..
حاول (ويلي) جاهد التأقلم على هذا الوضع الجديد دون فائدة , فيوما بعد يوم يشعر بالخواء والكآبة تحتويه , وعمه لا يشعر به أبدا..
قد يظن البعض أن هذا العم رجل قبيحا , غير مهندم , يتدلى كرشه أمامه وبالكاد يصفف شعره , لكنه على النقيض تماما , كان رجل في النصف الأول من عقده الثالث , يولي أناقته حيزا كبيرا , وسيم للغاية على نحو يدير رؤوس الرجال قبل النساء , بشعره الأصفر الذهبي , المنسدل في نعومة إلى ماتحت أذنيه , وحاجباه الرفيعان في أناقة , وتحته جوهرتان واسعتان بلون الفيروز الصافي , يحتار الناظر في تصنيف لونها , الذي يخيل إليك أنه يتنقل بين اللون الأزرق الصاف , والأخضر النقي , في مزيج مذهل , وأنف كالسيف يشق منتصف وجهه , وشفتان رقيقتان بلون الزهر , واستدق تحتهما ذقن رفيع , في وجه مستطيل نحيل , يشع وسامة وجمالا ..
لم يكن عمه عنيفا بخيلا , أو رجل تكره معاشرته .. بل بالعكس , فهو ينفق على المنزل وعلى (ويلي) في سخاء , ولكنه يفعل كل هذا في صمت وهدوء , إلى أن ضاق (ويلي) ذرعا به وبحياته ونمط معيشته المملة .. إلى أن سقط (ويلي) في بؤرة الكآبة والعزلة , فأقترح عليه عمه (وليم ستيوارت) قضاء بضع أيام في الجبل , في منزل رجل عجوز يدعى (هاريس) , في الحقيقة كانت بادرة طيبة من عمه الغامض , دفعت بدماء الحيوية والنشاط لجسده , ودبت الأمال في قلبه ليواصل حياته في منزل عمه , إلى أن يتمكن من الاستقلال بحياته بعيدا عن عمه , وصمته ولوحاته المجنونة ...
يتبع...
رد مع اقتباس

المفضلات