بسم الله الرحمن الرحيم


وقال دمنة لأخيه كليلة: لقد حدّثتني عن الاتحاد والتعاون وأهميتهما، وعن الانشقاق والانشغال بالنفس ورعونتهما، فكيف السبيل إلى تغيير وجهة نظر الملك، وحمله على اتخاذ موقف إيجابي من الظروف الراهنة؟
فأجاب كليلة: اعلم أنّ حُكم كل مَلِكٍ لا يقوم إلا على أمرين: بطانته وشعبه؛ فهذان يؤثر أحدهما في المَلك فيسري التأثير في الآخر. فالمَلك الصالح يختار بطانة صالحة تعينه على العدل وعمل الخير، والملك اللاهي أو الظالم يقرّب إليه بطانة سوء تزيد في سياسة الظلم للناس. أما الشعب فهو مرآة المَلك، فكيفما يكون الشعب يكن المَلك، وما المَلك إلا صورةٌ عن الناس الذين يحكمهم، وقديمًا قيل: الناس على دين مليكهم؛ وقيل أيضًا: مثلما تكونوا يُوَلَّ عليكم. ومن خير ما يُذكر في ذلك قصة الضفادع والأفاعي. فسأل دمنة: وما قصة الضفادع والأفاعي؟ فقال كليلة:



** قصة الضفادع والأفاعي **

زعموا أنه قامت قرب مستنقعٍ مملكة للضفادع، عاشت فيها أفرادها في وفرة من الغذاء ومنحة من الأمن. وحدث ذات يوم أن نزح زوجان من الأفاعي من الجبل، واستأذنا ملك الضفادع في المقام في أرضه، فأذن لهما في ذلك، وأقطعهما جانبًا من ضفة المستنقع، وشرط عليهما ألا يتعرضا لأحد من أفراد مملكة الضفادع بسوء. ومرّ الزمان ووضعت أنثى الثعبان بيضًا، فما لبث أن فقس، فازداد عدد الثعابين ونموا يومًا بعد يوم، غير أنّ السلام لم يزل قائمًا بينهم وبين مملكة الضفادع.
وفيما ضفدع سفير من مملكة أخرى يغادر بعد أن أنهى زيارته، إذ اعتدى عليه أحد الثعابين والتهمه، وشهد الوقعة ضفدع آخر فأسرع إلى إبلاغ إخوانه بما رأى وعاين. وسُئلت الأفاعي عن فعلتها فزعمت أنّها لم تنقض العهد لأن ذلك الضفدع غريب عن المملكة ولا تنطبق عليه شروط المعاهدة. وكان بجوار الضفادع والأفاعي مملكة ثالثة للتماسيح، فتوسطت بينهما في الصلح، لا عن رغبة في عمل الخير ولكن خشية أن تستأثر الأفاعي بالضفادع دونها. ولمّا كانت مملكة الضفادع قد سبقت جيرانها في التمدّن والتقدم، آثر رعاياها حياة الدعة والراحة واغتروا بعلومهم وثرواتهم، فقام قائدهم ومليكهم خطيبًا، فأخذ يعدد مآثره ومآثر أسلافه ورعيته من حوله يهتفون بحياته، فزاده ذلك غرورًا إلى غروره، وناشد التماسيح أن تخلّي بينه وبين الأفاعي ليرمي بها في الماء ويخلص الغابة من شرّها. فلم تملك التماسيح إلا أن تستجيب لإلحاحه، فسحبت سفراءها ووسطاءها، وتركت الضفادع مزهوّين بتاريخ وحضارة شغلاهما عن التحضير للمعركة القادمة. وانقطعت أخبار المستنقع عن التماسيح ثلاثة أيام، فأرسلوا في اليوم الرابع سفيرًا إلى الأفاعي ليستطلع الأنباء، فاستقبله زعيم الثعابين ببشاشة، وحلف عليه ليشاركنّه في الغداء. ولمّا سأله السفير عن الضفادع وأخبارهم، وصل الطباخون يحملون قدور الطعام التي حَوَتْ آخر ما تبقى من سلالة الضفادع الزاهرة.


(يُتبع)