عبرة وداع يوم لقاء الحبيب.."قصة قصيرة"

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 20 من 21

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية ساتو ميواكو

    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المـشـــاركــات
    1,054
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Post عبرة وداع يوم لقاء الحبيب.."قصة قصيرة"



    ينزوي في ركنِ البيت قد اعتلى وجهه الصغير ملامح الاستفهام وهو يرى والده يعد العدة للسفر كعادته..

    لم يا والدي..؟!

    أتحب الابتعاد عني..هل تكرهني..لماذا ترحل إذن..؟!
    هذا ما حدث به الطفل الصغير نفسه..فالتفتت والده إليه..حينها ران صمت مطبق لدقائق..دقائق الوداع..مما دفع عبرات الفراق لتسيل على وجنتي الصغير واندفع مرتمياً في أحضان حبيبه المُغادر مردداً على مسامعه عدة أسئلة:
    أتعود أبي..أتعود إلي..؟
    لم يجب الوالد فكرر الصغير ما قاله:
    عد أرجوك أنا بانتظارك..
    ربت الوالد على ظهر صغيره مشجعاً:
    سأعود من أجلك إن شاء الله فلا تقلق..
    تشبث الصغير بذراع والده هاتفاً بجزع:
    لا تتركني أرجوك..
    عندها قوى الوالد من عزيمة صغيره بقوله:
    كن رجلاً وامسح دموعك..
    وصل إلى الباب مردداً:
    سأعود يا أمجد..سأعود..فكن بانتظاري..
    وقبل أن ينطق أمجد بكلمةٍ أُخرى حث والده الخطى هارباً من ألم الفراق وصغيره من خلفه يهتف برجاء:
    أبي..انتظر..أبي..!!
    لم يلتفت الوالد لصغيره وكأنما أصيب بالصمم وأمجد من خلفه يهتف بألم:
    سأنتظرك بالتأكيد فقط عد..!
    وأشاح بوجهه مغطياً عينيه بكفيه الصغيرتين محاولاً منع دموعه من الانهمار إلا أنها أبت إلا الفرار من جحر عينيه الصغيرتين..
    وركض داخل المنزل مغلقاً الباب خلفه بقوة الحزين المجروح..
    أما خلفَ ذلك المنزل فقد سار والده مطأطأ الرأس جريح الخاطر يحثُ الخطى للابتعاد عن مكان مفارقته لوحيده..
    صاعداً بخطواتٍ كسيرة بعدها بساعة سلالم تلك الباخرة البغيضة التي منعته من جلوسه مع صغيره والأُنس به..


    انطلقت صافرة الباخرة معلنةً آخر أنفاس الوداع في أحضان الأحبة..
    سارت الباخرة تمخر عباب المُحيط وقد استند الولد بمرفقه إلى سور الباخرة مُشيعاً بنظراته الحي القابع قرب الميناء..
    وخلف تلك النافذة اختفت الباخرة في الأُفق والصغير يتابعها بنظراته وعبراته الساخنة تبلل وجنتيه الشاحبتين مزيدة ألمه ألماً..
    قرع جرس الغداء على متن الباخرة فسارع الجميع الخطى نحو غرفة الطعام..
    إلا من والد أمجد الذي أسند رأسه إلى سور الباخرة وقد التمعت العبرات في عينيه بحسرة..
    وبينما هو كذلك إذ بيدٍ حانية توضع على كتفه وصاحبها يربت عليه بإشفاق..
    التفت والد أمجد ببطء إلى صاحب اليد وإذ برجلٌ بشر الوجه جميل المبسم يقول:
    هلم معنا للطعام يا عمر..
    أشاح الأخير بوجهه مُغمغماً بصوت مبحوح آلمته الغصة:
    أي طعام ذاك ف ظل أحزاني..؟!
    وأردف قائلاً وهو يبتلع ريقه بصعوبة:
    ودعت صغيري وسافرتُ ببعثةٍ علمية الله يعلم مدى خطورتها..!
    جلس رفيقه بجواره مبتسماً بعطفٍ وقال محاولاً بثَ الأمل في تلك النفس الكسيرة:
    كلنا يتعرض لمثل تلك المواقف فيتوجب عليه حينها أن يكون جَلدَاً ويواجه الأمر برويةٍ وصبر وإلا فحينها لن يكون عليه إلا أن ينجرفَ مع مرارةِ الأمر ويهلكَ معه..
    حدق عُمر النظر في وجهه لوهلةٍ ثم ابتسم قائلاً:
    يالك من متفائلٍ يا صاح..!
    مد رفيقه إليه يده قائلاً بمداعبة:
    إن مرارة الجوع قاتلة هلا دللتني على ما أسد به جوعي..؟
    ضحك عُمر مصطنعاً المرح:
    لا بأس بمجيئي كذلك إذن..؟
    وسار الاثنان يبعثان الأمل في نفوس كليهما عل عودةً قريبة..!
    مرت الشهور كأنها الدهور على أمجد الصغير الذي لم يستطع خلالها التأقلم على وضعه الجديد لكـنـه جاهد وصابر حتى وقعت عينهُ ذات يومٍ على اسمٍ مألوفٍ لباخرةٍ غادرت مُنذُ ثمانية أشهر لم يُسمع عنها خبرٌ منذ رحيلها...
    ذلك الاسم ما كان إلا اسم باخرةِ والده وقد خُط تحتها موعدُ عودتها من رحلتها..
    " نودُ أن نُبشركم أعزاءنا بأن باخرة الأول من رمضان في رحلة عودتها وستصل غداً.."
    قفز الصغير في الهواء في الهواء صارخاً بفرح:
    أبي..أبي..يا لفرحتي..!!
    نظر بعض المارة له مابين ضاحكٍ بسخرية ومُبتسمٍ باستهزاء وكأنها دعابة مكملين سيرهم بهدوء..
    ركضَ الصغير مساءاً بعد قراءته للخبر حاملاً كيساً من الحلوى متجهاً به نحو الميناء..
    بعد تَسَلُلٍ للميناء جلسَ الصغير مواجهاً البحر دون حاجز ضاماً ركبتيه لصدره ممسكاً بكيسِ الحلوى قابضاً عليه بقوة وعيناه تلمعان ببريق النصر مبتسماً بنشوة وكأنه صيادٌ ظفر بصيدهِ بعد عناءٍ طويل..
    في الباخرة نقرَ عُمر سور الباخرة بإصبعه بتوتر مما دفع رفيقه لمقاطعته قائلاً:
    هون عليكَ يا عُمر..لم التوتر وكل هذا الاضطراب.. فها أنت ذا سترى صغيركَ أخيراً..؟
    نظر عُمر للفراغ وتمتم بصوتٍ يكاد يكون مسموعاً:
    أعلم لكن أأكون مسروراً أم..؟!
    وصمت برهةً ثم استطرد وكأنما يحاولُ جمع شتات أفكاره:
    أتعلم أنا قلق حيال ابني..قلقٌ جداً..!!
    ابتسم الآخر قائلاً:
    اطرد عنك هذه الهواجس انه الشيطان لا غير..
    لم ينبس عُمر ببنت شفة فأكمل رفيقه مُحاولاً بث الأمل في عُمر:
    تفاءل بالخير تجده مازلت الدنيا بخير..اقتنعت الآن صغيرك سيكون بخيرٍ بإذن الله..
    وردد عُمر وهو شارد الذهن:
    بإذن الله..
    في مكانٍ آخر استند أمجد بظهره لصندوقٍ كبير من صناديق الميناء وقد أخذ النوم يداعب جفونه وسط قوة الريح وبرودة الجو ثم ذهب في سباتٍ عميق..
    اشتدت الرياح قوة مما دفع الصغير لفتح عينيه بصعوبة ليُفاجأ بكيس الحلوى الذي جهزه لوالده يتدحرج أمامه باتجاه المحيط..
    قام الصغير راكضاً بفزع صارخاً بذعر:
    لا..لا..كيسي..!
    وصل الكيس لحافة الميناء وأمواج البحر الهائج تتلاطم بالميناء بقوة فطار الكيس هاوياً في أعماق المُحيط بلا عودة..
    اتسعت عينا الصغير بحزن وهو مازال يركض ثم أغلق عينيه مفسحاً لعبراته المجال لتسيل..
    وفجأة..
    تعثر الصغير بحبلٍ غليظ لربط البواخر فسقط مُتدحرجاً حتى وجدَ نفسه يهوي في الفراغ فلم يكن منه إلا أن أطلق صرخةَ رعبٍ هائلة حملت بين ثناياها كل آلامه وأحزانه وخوفه لكنها لم تفتأ أن اختفت وسط هيجان البحر وصرير الرياح القاتلة..


    أشرق ذلك الصباح ببطءٍ كتوقف تلكَ الباخرةِ التي رست على الميناء وركابها يتدافعون للنزول وقد ارتسمت على محياهم معالم الفرح والبهجة إلا من عُمر الذي سبقَ رفيقه في النزول ولم تكد قدماه تطأُ أرضَ الميناء حتى تبادر إلا مسامعه حوارٌ هامسٌ بين عاملين في الميناء:
    _أعلمت ما حدث البارحة..؟
    _آه..أنت تقصدُ ابن العاشرة الذي طفت جثته على شاطئ الميناء..!
    _يا للمسكين يقولون بأنه كان ينتظرُ والدهُ منذُ ثمانية أشهر..
    لم ينتظر عُمر ليسمع باقي الحوار وألقى بحقيبته جانباً راكضاً نحو مكان وقوف سيارة إسعاف وتجمعٍ للعاملين في الميناء..
    زاحمهم عُمر وقلبه يصرخ:
    ليس هو..بالتأكيد ليس هو..ليس هو أيضاً..ليس بعد ذهابها..لن يذهب هو أيضاً..؟!
    لكنـ بعد ماذا..كان الأوان قد فات لا يستطيع تكذيبَ عينيه بعد الآن إنهُ مُمدد أمامهُ بجسدٍ مُزرقٍ مُتجمد قد حفر الرعب معالمهُ على وجهه..
    لقد رحلَ هو الآخر..رحل..وتركهُ وحيداً..
    انهار عُمر على جسد ابنه يضمهُ إلى صدره صارخاً بمرارةِ الدُنيا وحسرتها وبعبراتِ وداعٍ يومَ لقائه بحبيبه صرخ:
    عُــــــــــــــــــد..أمــــــــــجـــــــــــــد ..!!
    لم يعد قادراً على تمييز ما يفعلُ بعد الآن لقد مات قلبه مرتين وفي المرةِ الثانية مات ولم يعد..!
    " تمت"
    التعديل الأخير تم بواسطة ساتو ميواكو ; 12-4-2009 الساعة 11:40 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...