انفصـــــام

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: انفصـــــام

مشاهدة المواضيع

  1. #1
    محمد الهـاشمي
    [ ضيف ]

    Post انفصـــــام

    بقلم
    محمد الهـاشمي




    تحاورا كثيرا لكن دون فائدة ترجى .. احتد الجدال بينهما حتى تجاوز في مرات عديدة حد الصراخ و الدموع .. أصر كل منهما على رأيه و صمم و قرر و اقتنع .. قليلاً ما كانت تبدو المودة بينهما لكنها لا تستمر غير لحظات و تعود الأمور إلى سابق عهدها و شراسة طبعها و لا تجدى ساعتها أية محاولة يائسة للتواصل كانت تبدو لهما نذير خير وتلاق.. كان يرى أن الشهرة ليست الا وسيلة لمآرب اخرى و يقسم انها مآرب نظيفة.. هي سلم يرقى به إلى غاية لا يعتليها دونه فهي حتمية و لا شك لكن صاحبه الذي يقف له بالمرصاد باغته :

    - و من أين تأمن ساعتها مغبة الانزلاق و السهو .. ؟

    - لكني يقظ ..

    - اليقظة و الغفوة من فلتات العقل .

    - لكن ارادتي هنا.. في نفسي .. لا تخمد لها جذوة و لا يخبو وميضها مادمت أريد .

    - فبم تحلم ؟

    ألقى همومه إلى الوراء بعيداً .. سرح بخيال متوثب .. استطاع بيسر ان يرسم ملامح حلمه الذي بات يلازمه كظله و انطلق و هو يرى بود كبير في وجه صاحبه هدوء المستمع و صمت الخبير .. فأثار في نفسه تردداً جعله يتلعثم قائلاً :

    - لست الآن على يقين مما أريده بدقة .. و ..

    - لكنك حتماً تريد .

    - لابد..

    - اذن لتدع عمداً كل شيء من نفسك و عندها سوف يأتيك بغتة كل ما تريد ان تقرره .

    - لكنني عندما أصل هذا الحد يختلط كل شيء برأسي .

    - اذن .. فلتكتب .

    - ألا تعلم ان هذه مهنتي و رغبتي الاكيدة التي تغوص في أعماقي و أغوص في أعماقها .. لكني للآن ما كتبت كل ما أحب .

    تأمله صاحبه و أدرك أنه لا يريد البوح بما في نفسه .. فراح يحثه على النهوض و تبديل المكان و هو ينظر تحذيراً من أمراض القلب و الرئة حفظ تفاصيل رسمه و حروفه على غلاف علبة السجائر المتحفزة بين أصابعه بينما بدا صاحبه شارداً مستغرقاً في متابعة ما تنفثه سيجارته من دخان كثيف .. ما ان انطلقا حتى طرح النقاش بساطه .. تغاضى عن زحام الكائنات من حوله تسد كل سبيل أمامه للراحة حتى أنفاسه بات يخشى لحظة لا يستطيع فيها أن يتنفس بحرية و كما يحلو له ان يفعل عند كل الم يحز في نفسه و اختلس نظرة الى صاحبه فعرف منها ضجره الذي اعتاده منه فبادره :

    - الواقع مر ثقيل .

    - ان كان دون ذلك فليس بواقع .

    - لكن الظمأ ينهشنا لأن نلبسه ثوباً حلواً .

    - إن ابرة صلبة حادة توشك ان تهد صخرة عنيدة .

    فالتفت إليه معترضاً :
    - لست ممن يرضى بالقليل ..

    غيظ صاحبه و ضاق منه بما يرى فأبى الا ان يصمت .. لكن لما رأى منه استهانة بما يشعر سأله :

    - أتعرف حقاً كيف هي المعاناة .. و قد أوتيت ما تريد من شهرة حلمت بها و متعة لم تطمح اليها ؟

    رأى انه أكثر عليه و اشتد في تأنيبه و بالغ في تلميحاته .. فانتهره و سخط على نفسه ان أظهر له الود .. هرولت خطواته بغية الابتعاد عنه و هو يشق الطريق بين أجساد متلاحمة لا يقدر أن يفلت بضآلته من بينها .. عندما أحس أنه بمأمن من ملاحقته .. انتظم في مشيته .. فأثقل عليه شعور بالوحدة مخيف.. فرآه متابعاً له خطوة بخطوة .. زايلته الوحشة .. غير انه استمسك بغضبه و لم يدعه يفلت منه خشية ان يطمع منه في المزيد .. رأى في وجهه أنه مصمم على ما يريد ان يعلن عنه .. فأطمعه في الصمت و هو يجاهد رغبته في الاستماع .. لكنه صاحبه الذي يفهم سره لا يفوته أن يفهم كل حيلة .. فقال :

    - أستطيع أن أغفر لك هفوة .. لكن ما لا أغفره لك تهادن و تراوغ .

    - ماذا تعني.. ؟

    - ألم يجرك مسؤولك اليوم إلى ارضائه و كنت أراك تمحو و تكتب كيفما يهوى هو حتى اني أجزم الآن ان ما أراده هو هو نفسه ما كتبت .. ؟ !

    - لكني ألمحت .. و دسست بين السطور ما أريد .

    سخر منه صاحبه .. ففرت من وجهه قوة يزود بها عن نفسه أمام هجومه المستميت .. و لم يجد بداً من مهادنته .. فعاتبه بلطف :

    - كثير ممن تراهم أمامك و تجل قدرهم يضطرون لمثل ذلك .

    - لكنك ملكت الوسيلة و أدركت الغاية .

    - و ما جدوى تلك الغاية و وسائلها تخذلني .

    - هكذا عهدتك .. تلتوى أساليبك حتى لا أجد فيما تجيب شيئاً يرضيك .. ان من تراهم أراهم .. لكن ثق بي هذه المرة انك لا تراهم كما ينبغي .. مع أني أراهم على حقيقة وجودهم .

    - كيف و هم أمامنا سواء بسواء .

    لما رأى منه صاحبه جرأة كاذبة .. اجتاحه كموجة لا ترحم غريقها :
    - انك ما دفعت في يوم لأن تضيق بك الدنيا على سعتها او تقهر في عيشك او تنادي بما تكره حقيقته في أعماقك أو تعاني قيداً في أرضك و بيتك و حتى في حساب نظراتك .

    قال لصاحبه مستخففاً بثورته شاحذاً نفسه للرد :
    - الكل يعاني .. و أنا منهم .. و لقد صبرت عليك و أثقلت عليّ .. فلعلك نسيت .

    ضعف صاحبه و تقلص في مكانه و سمعه يتابع :
    - أنت الآخر تهادن و تراوغ و تختلق الأساليب الملتوية و تعجز أن تملى ارادتك و تجهر بما في نفسك .. و تذكر انك تماديت كثيراً في نفاق هذا المسؤول المتغطرس حتى انك عجزت أن تكتب كلمة واحدة بلسانك و أني أجزم الآن ان ما اراده هو هو نفسه ما كتبت أنت .

    - لكنك أنت من فعل .

    فصاح به ناهراً إياه مؤكداً على حقيقة ما حدث :
    - بلى أنت و لست أنا ..

    تعالى صياحه و انتفخت أوداجه و اتسعت حدقتا عينيه و ارتفعت يده لتلطم وجه صاحبه و هوت بقوة فارتطمت بوجه ساعي مكتبه الذي أذهلته الصفعة بعد أن ظل واقفاً بكوب من الشاي لفترة طويلة .. و لم يكن أمامه بالغرفة غيره .
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد الهـاشمي ; 16-6-2009 الساعة 12:53 PM سبب آخر: تصحيح لغوي

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...