جلست، طلبت فنجاناً من القهوة..راقبت بخاره المتصاعد
أحزنها أنه ما عاد يرسم لوحات جميلة لحياتها مثلما كان..
ارتشفت مرارتها..راقبت المحيطين بها..سمينات يلتهمن خيبتهن
مع قطع الكعك، وجار يشعل السيجارة بأخرى..استأذنته بأخذ
آخر سيجارة أشعلها..أراحتها على المنفضة الصغيرة أمامها..
أخذت ترمق دخانها الملتوي بجزع، الذي بات يرسم أبشع ذكريات
لزوجها وقت اكتشاف خيانته، وهنا تسلل صوت ذو خشونة خبيثة
لطبلتي أذنيها قاطعة خيالاتها البائسة.

-رؤيتكِ وحيدة تعد سابقة خطيرة، أعدك لن أخبر أحداً بذلك،
فما يحدث في فيغاس يظل فيها (قالها واضعاً سبابته على شفتيه الغليظتين).

كظمت غيظها لتسأله : استغربت وحدتي و لم تستغرب السيجارة ؟
لسنا في فيغاس إن لم تلاحظ ذلك.

-ما كنت لتلوثي رئتيك،فلم استغرب وجودها.هل نسيتي أن معرفتي بك قديمة ؟
على فكرة. من تقصدين بها ؟ هل هو زوجك ؟
أقصد السيجارة.

أنهى جملته جالساً قبالتها..التقت عيناهما فتكسر وجهها الجامد
عن ضحكة صفراء ذات مغزى.

-صدقت ما كنت لألوث رئتي بها،تكفي سنوات عمري التي تلوثت
بوجوده،أردت أن أرى دخانها يضيع بفضاء المكان و أردت أن أراها
و هي تحترق لعلها تحرق معها ذكرياتي الرديئة، ثم أريد أن
أرى رمادها لأسحقه مثلما سحقني.

رفعت السيجارة من طرفها الذي كادت تلتهمه النيران..
وباشمئزاز..ألقت بها إلى الأرض..داستها بجذل قاسٍ.

سألها متدثراً بالشجاعة:
- هل لي أن أعرف ماذا حل بحبكما ؟
حدقت فيه بنظرة نارية قائلة:
- بهتت ألوانه، خمدت نيرانه، أم نسيت من أخمدها ؟
- لا تكلميني بتلك الطريقة، فمازالت نيران حبي لكِ مشتعلة
حتى إنها لتكاد أن تحيلك رماداً مثل هذه السيجارة.
- وهل أتيت لتبعثر ببحر عيني رماد عشيقتك المشتعل ؟
بصقت سؤالها بوجهه ثم أكملت:
- لا ترد أرجوك يكفي و أنا بدوري لن أخبر أحداً بخيانتك، معتبرة
أن ما حدث في فيغاس يظل فيها.

نقدت النادل، حرصت أن تدوس رماد السيجارة المبعثر مرة
أخرى، تركته و غادرت دون أي بصيص من الأمل بعودتها.

( من القصص القصيرة التي قرأتها )