( هناك في أعماق الروح , في أعماق أعماقها .. قلبٌ يتألم .. يُعاني .. يقبع الحزن الخفي في داخله السّعيد , إنّه الألم الأكبر والوحيد الذي لايعلم به أحد)







في رُدهة ذلك القصر , غرفة مظلمة , تظمّ أحد أركانها طفلة صغيرة , باردة , وحيدة , تنظر برجآء الى السّمآء

رجاء بات يُحلّل كل مايسقط عليه من أفراح الى أتراح



وقفت عند باب الرّدهة تتأمّل السّائرين ,

لماذا يتجاهل الجميع النظر الى عينيها الصادقتين ..؟

تدقق النظر في شفافيّتهم المُعْتِمة ; علّها تجد الاجابة ,

فتشرب اليأس حتى الثمالة .. وتبقى تلك الطفلة سكرى تلك الطّعون .

...

تتأمل في مُغلّفات الحلوى التي يلتهمونها بشراهة ,

فتخرج لسانها وتلعق شفاهها علّها تجد حلاوة ماترى وتتأمل .. لكنهم يذهبون متناسين خلفهم لذّة مغلفات فارغة قد لعقوا بقاياها .



...


سألها أحدهم ذات مرّة بعد أن انتبه الى وجودها صُدفة في طريقه , وعيناها مغرورقة بالدموع

هل تريدين من حلوى الشام التي معي ؟

!

فشرقت بدموعها مُهللة بتلك البشرى

فقطع لها وعداً - رخيصاً في نظره , عظيماً في عينيها -
بأن يُحضرها لها المرة القادمة..


ملئ النوم جفونها لأول مرة بعد سنوات ..
رأت في أحلامها > غُرفتها مشرقة بنور سماء تُحييها

وفئران حجرتها يتقافزون بين قدميها فرحين بمستقبلهم الزاهر

ورأت غازلاً يحيك لها سُترة صوفيّة حمراء تُغطيها

ومرّ بها ساقٍ يحمل لها ماءً عذباً بارداً

وجاورتها عجوز تجلس على كرسيها المتحرك ,


تقص عليها رواية الأحـــلام ..


...

استيقظت من نومها - تجلو الغبار من عينيها - على طرق الباب , بعد أن غاب المسافر عنها شهراً ..
مُتَمسّكةً بالأمـــل ركضت نحو الباب , يُسابقها الغازل والساقي والعجوز لفتحه ..

فرأت المسافر ينظر اليها بابتسامة صفراء ,

ثم نعق : اعذريني أصابني الممل فتسليت بالحلوى الشاميّة في طريقي , ولم أنتبه لنفسي حتى انتهت كلها





...



تدارك النظر إليها فرآها مُسجية وجهها قاصرة طرفها فاغرة فاها رافعة حاجبيها

فأشاح بناظره عنها , وقال : سأمرّ هنا ربما بعد أشهر .. حسناً ان كنتي لاتزالين تُريدينها !


سكتت لبُرهة ثم بسطت أساريرها وابتسمت

: لابأس , لاتُرهق نفسك رجاءً , لم أكن أشتهيها على أية حال !


أغلقت الباب , وكل ماحولها يتلاشى ..

حتى الفئران عادت لجحرها المظلم ..

وعادت هي لرُكنها , وحيدة , باردة ,

تتأمل السماء ..










تمت ,
12/1/1431هـ



بُكآء السماء