السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


كيف حالكم أعضاء المنتدى الكرام، إن شاء الله بخير


بسم الله الرحمان الرحيم.



إذا خشع جبار الأرض رحم رب السماء



الإمام الجهبذ منذر بن سعيد القاضي والواعظ ، فمن هو يا ترى؟


نبذة مختصرة عن الإمام وإلا فسيرته رحمه الله تحتاج إلى صفحات :


درس بالأندلس، وتلقى علومه على كبار العلماء في المشرق ، ولما عاد إلى الأندلس أنكر على الناس اتباعهم للمذهب المالكي وتعصبهم له ، تولى القضاء ، وأعجب به الخليفة الناصر، فولاه الصلاة والخطابة بمسجد الزهراء .

منظره جليل وخُلقه حميد ، متواضع وعدل، لم يحكم بالجور أبدا، لهذا كان يعظ الناس فتنفذ كلماته إلى أعماق نفوسهم .


قال الشيخ بوخبزة التطواني حفظه الله وهو يدافع عن هذا الإمام ، منذر بن سعيد في قطعة له يرد فيها على متعصبة المذهب المالكي:


عذيري من قوم يقولون كلما***طلبت دليلا هكذا قال مالكُ


ورد عليه بعض فقهاء تطوان المتعصبين للمذهب فقالوا:


رأوك جهولا عاجزا غير منصف***دهاك ظلام في الجهالة حالكُ
فألقمت صخرا لا تطيق تضيره***فلا تعد واصمت هكذا قال مالكُ


وانظر إلى التعصب الذي دفع هؤلاء لسب الإمام الجهبذ منذر بن سعيد رحمه الله.

فرد عليهم الشيخ بوخبزة التطواني حفظه الله إنتصارا للحق وكتب تحته في ترجمته من تاريخ تطوان للفقيه الرهوني ( عمدة الراوين)ردا عليه فقال:


جهلت عداك الحق قولة منذر***فأوسعته سبا وقولك آفك
وما الحق إلا بالدليل ومن يقل***بتقليد ساه فهو للنور تارك
وحاشا إمامي مالكا فهو عالمُ***وصنعك جهل بالهداية فاتكُ


هكذا الشيخ بوخبزة حفظه الله لا يتردد في ضرب كل مقلد متعصب ، ومنذر بن سعيد يستحق أن يُنتصر له رحمه الله تعالى


من خطبة خطبها منذر بن سعيد أمام الناصر في حفل استقبال:
" أما بعد حمد الله ، والثناء عليه ، والتعداد لآلائه، والشكر لنعمائه ، والصلاة على محمد صفيه وخاتم أنبيائه ، فإن لكل حادث مقاما ولكل مقام مقال، وليس بعد الحق إلا الضلال.
وإني قد قمت في مقام كريم، بين يدي ملك عظيم ، فاصغوا إلي معشر الملأ بأسماعكم، وأتقنوا عني بأفئدتكم.
إن من الحق أن يُقال للمحق صدقت، وللمُبطل كذبت، وإن الجليل تعالى في سمائه، وتقدس بصفاته وأسمائه، أمر كليمه موسى ، صلى الله جل وعز على نبينا وعليه وعلى جميع أنبيائه، أن يُذكر قومه بأيام الله جل وعز عندهم، وفيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة، وإني أذكركم بأيام الله عندكم، ........إلخ رحمه الله رحمة واسعة



وقد خطب منذر بن سعيد خطبة عظيمة في يوم الجمعة عندما حضر الناصر في جامع الزهراء فأدخل في خطبته قوله- تعالى- :{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ .وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ .وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ .وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ .أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ .وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ .إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} واسترسل يقول : ولا تقولوا : {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ .إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ .وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }{قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} .


وقد قيل : إن الناس ضجوا بالبكاء وتأثر الخليفة بهذه الخطبة .





قال الحسن بن محمد : قحط الناس في بعض السنين آخر مدة الناصر , فأمر القاضي منذر بن سعيد بالبروز إلى الاستسقاء بالناس , فصام أياما وتأهب , واجتمع الخلق في مصلى الربض , وصعدالناصر في أعلى قصره ليشاهد الجمع , فأبطأ منذر , ثم خرج راجلا متخشعا , وقام ليخطب , فلما رأى الحال بكى ونشج وافتتح خطبته بأن قال :سلام عليكم , ثم سكت شبه الحسير , ولم يكن من عادته , فنظر الناس بعضهم إلى بعض لا يدرون ما عراه , ثم اندفع , فقال : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الآية استغفروا ربكم وتوبوا إليه , وتقربوا بالأعمال الصالحة لديه , فضج الناس بالبكاء , وجأروا بالدعاء والتضرع , وخطب فأبلغ , فلم ينفض القوم حتى نزل غيث عظيم . واستسقى مرة , فقال يهتف بالخلق : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُإِلَى اللَّهِ الآيتين فهيج الخلق على البكاء .




قال : وسمعت من يذكر أن رسول الناصر جاءه للاستسقاء , فقال للرسول : ها أنا سائر , فليت شعري ما الذي يصنعه الخليفة في يومناهذا؟ فقال : ما رأيته قط أخشع منه في يومه هذا , إنه منفرد بنفسه , لابس أخشن الثياب , مفترش التراب , قد علا نحيبه واعترافه بذنوبه , يقول : رب هذه ناصيتي بيدك , أتراك تعذب الرعية وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم , أن يفوتك مني شيء. فتهلل منذر بن سعيد , وقال : يا غلام احمل الممطَرَة معك , إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء .

في أمان الله