"الرجل الطيب"



- قصّة قصيرة –





"لم أكن صادقـًا .. ولو لمرّة, مع نفسي!"



هكذا بدأ هذا الشخص كتابة شيء ما, على ورقةٍ ما..



سأحاول, ولو للمرة الأخيرة .. أن لا أكذب, نعم ..



شخص..متعب مثلي, سيتكلم أخيرًا..

..

في البداية, يجب أن أقول.. أن أحدًا لا يعرفني, ولا أريد بدوري أن أعرف!



لذلك سيكون اسمي:"س"..



س, في العقد الرابع من عمره, أعزب, وقد مر بتجربة زواج انتهت بالفشل من المحتمل أن يرويها.. يتميز بجسم رياضي, وملامح هادئة, وسحنة مهيبة..



محترم من قبل الجميع حتى الأطفال..يحبونه!, يشتري لهم الحلوى والألعاب طوال السنة..



يتأنّق في ملبسه, ولا يظهر مشاعره, ولا مشاكله, ولا أيّة ظروف قد يمرّ بها..



لذلك, وبالرغم من كل شيء..فإن الآخرين..يعتقدون أنه شخص غامض, وأنه – بالفعل – يستحق الاستكشاف!



..



"في الواقع..أنا.. أعتقد أن الآخرين.. لم يتوقّعوا أبدًا, بأني شخص مختلف قليلاً.., عمّا يتصورونه.. لم يستطيعوا التخمين, بأن وراء كل جزء أبيض منّي .. جزء أكبر, أسود..تمـامًـا.."



..



كان هذا الشخص.. معلّمـًا, للمرحلة المتوسطة, وكان المعلم المحبوب, وكان مع ذلك حازمـًا, وكل هذا – طبعـًا-

قد حصل في الماضي, لأنه لم يعد معلّمـًا الآن, ولا حتّى عاطلاً..عن العلم.



..



الكثير من أصدقائي لا أراهم.. إلا عندما يكونون بحاجة إلى توسّطي بينهم وبين أحد المسئولين, لأجل العثور على وظيفة أو ترقية وأمور أخرى, وكنت لا أرفض أي طلب, مطلقـًا..



وأصدقائي الآخرون, يأتونني عند الحاجة إلى مال, يستدينونه منّي..



وأنا – بالطبع – لا أرفض طلبهم, حتى لو اضطررت لتكرار ما قاموا به معي, وحتى لو كنت أعلم أن الشخص الذي سألني..لن يعود إليّ مرة أخرى أبدًا..



لأنني – يا أصدقاء – أقوم بذلك ليس من أجلهم..



وأنا في داخلي, أصغر شيئًا فشيئًـا..



..



كنت أيضًا, أنصح طلابي.. بالصّلاة في وقتها, بل وأؤمهم في بعض المرات..



إلا أني في الحقيقة , وغد لا يصلي, وربما هذا الشيء الذي لا يعلمه الكثيرون عني, فأنا إمامهم دائمـًا.



..



أنا..



شخص.. قد انتهت صلاحيّته, لم أعد قادرًا على احتمال نفسي التي بين جنبي, ولا حتى الناس الحمقى.



..



كلما وسّعت على أناس, ضيّقت على قلبي.



..



ذات ليلة من ليالي الشتاء, كنت أمام النار أتدفّأ, وكان الوقت متأخرًا قليلاً ..



لذلك حقّ لي أن أتعجّب عندما سمعت جرس المنزل يرن, فهرعت إلى الباب وفتحته وأنا أستطلع من وراءه جاءني صوت صديقي الذي لطالما سمعته وهو يقول بطريقة ملتاعة:

"أنا سالم يا عزيزي! سالم فحسب"

قلت وأنا أبتسم: "أهلاً بالعزيز سالم, أهلاً به, حللت أهلاً و وطئت سهلاً يا رفيقي, تفضّل!"



..



بعد حوالي ثلاث ساعات, الوقت كان متأخرًا, كان سالم, قد ارتشف الكثير من فناجين القهوة وهو يسرد لي ضائقة ماليّة صعبةً جدًا يمرّ بها..وبطريقة لم أعتدها منه أبدًا.



.. سالم, هو صديقي, ومنافسي, والشخص الذي يحسده الآخرين على صحبتي.





وكنت في الواقع, لا أحب ثناءهم عليه, وكأنه أنا.., بل, وكنت أشعر بالضيق عند اقتران اسمي مع اسمه.



وهذه – بحقّ – كانت فرصة جميلة..فوق ما يمكن مخلوق تصوّره..





..



بعد أن قال:"يا رفيقي الأوحد, أعلم أنّي قد أثقلت عليك, وحمّلتك ما لا طاقة لك به..إلا بعون من الله..إلا أنّي أرجوك..أرجوك حقًّا..أن تساعدني, وسأكون مدينًا لك, بحياتي"



نظرت له باحترام وأنا أقول بجديّة:"عزيزي! هذا الكلام لا يجب أن يجري بين صديقين مثلينا! أنت تعلم بمكانتك عندي وأنّي أفديك بكل ما أملك..لذلك, لا تعتذر كثيرًا..وسأنفّذ كل ما تطلبه..لكن بالمناسبة يا سالم..تذكرت أمرًا.."



وصمتّ .



قال مرتاعًـا:" وما هو؟ "



قلت له وكأني أفضي بسر ما :"إنها لمناسبة طيّبة أن نكون أنا وأنت لوحدنا وفي هذا الهدوء الذي لا يقطعه سوى حسيس النار.., في الحقيقة.. لقد كان ما يحصل..منذ مدة طويلة.. هو أنّ أحدًا.آه..لا أدري كيف أخبرك"



قال وهو يحاول تمالك نفسه:"تكلّم! قل ما عندك..أنا أسمعك!"



قلت وأنا أبادله نظرته الجادة:"أنا أعتذر..في البداية, لأني لم أخبرك من قبل بهذا, ولكن.."



ثم أخبرته..بالكثير الذي لم يحصل أبدًا..



وأكملت:

" ولو توقّف الأمر على محمد..لكان الأمر هيّنًا! ولكن عزيزي!..."



في هذه اللحظة لم يحتمل توقّفي عن الكلام فقال بغضب حقيقيّ وصوته يشبه الصراخ:"فلان! أنت تعلم أنّي أثق بك!..يجب أن تتوقف عن قول مثل هذا الحديث! أو أن تكمله دفعة واحد, وأنا سأطيق ذلك...كن رجلاً وأكمل حديثك!"



قلت وأنا أوجّه عينيّ إلى لا شيء:"إذن تعدني أن هذا الكلام لن يخرج من فم آخر سوى فمي؟"



قال وهو يكاد يرتعد من البرد, وأمور أخرى بالطبع:"أعدك..بل أقسم على ذلك"



شعرت بنشوة فظيعة ثم سعلت بشدّة قبل أن أقول:"يا حبيبي..إن الأعداء, لا يلبسون ثيابًا تظهرهم كأعداء, أتفهم ما أقول؟! إن أصدقاءك.. مخادعون! , إنهم يشتمونك من ورائك, وأنا في الحقيقة..تعبت من الدفاع عنك, لذلك, أرجوك..توقف عن مصاحبتهم, وأظنك تعلم من أعني.. "



ثم حكيت له, أو حكت له , بتفصيل أكبر..وبانفعال أكبر, حتى قال:



"كنت أعرف..أرجوك..فلتتوقف .. كنت أعلم كل هذا, سحقـًا للمنافقين!"



قلت وأنا أربّت على كتفه الذي يغطيه الفراء:"صبرًا..هذا زمن النفاق"

..





وأنا.. أصبحت وحدي, الطيب, المعاون, الذي يقدّره الجميع.



..





جاء شخص آخر.. , وأكمل:



"لقد مات صاحبنا, ودفنه الناس..ونسوه"





- تمّت -






* احم ..


هذه القصة كشيء بسيط أقدّمه إلى الجميع هنا , ثم إلى كل من قرأ لي قصةً لم أكملها بعد..أرجو أن تقبلوها..كاعتذار أو أي شيء آخر.