بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صاحبته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين

مع الجزء الثاني من موضوع الشباب والمراهقة:


* المراهقة في المجتمعات الغربية:
هذا الذي أتمنى أن يكون في بادئ هذه المحاضرة من تعريف المراهقة ، شاب لم يتلقَ توجيهاً صحيحاً ، في مجتمع متفلت ، الشهوات مستعرة ، الفتن يقظة ، كل شيء غير معقول ، وغير صحيح يمكن أن يصل إليه ، والأب غافل ، والأم غافلة ، في هذا المجتمع يمكن أن تنشأ مشكلة اسمها المراهقة ، يعني شاب منحرف فقط ، أو شاب فاسق ، أو شاب سفيه ، أما نحن عندنا : ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ .
(( أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع أشد ، أحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ، أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، وأبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ـ هذه المراهقة المتأخرة ، بالخمسين ـ وأبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ، وأبغض المتكبرين ، وبغضي للفقير المتكبر أشد ، أبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد )) .
[ ورد في الأثر ] .
ابن أحب فتاة في العالم الغربي ، فاستأذن والده بالزواج منها ، قال له الأب : لا يا بني ، إنها أختك وأمك لا تدري ، أبوه كان زير نساء ، أحب فتاة ثانية فاستأذن والده فقال : إنها أختك أيضاً وأمك لا تدري ، أحبّ الثالثة استأذن والده للزواج منها ، قال له : لا يا بني إنها أختك أيضاً وأمك لا تدري ، فضجر هذا الشاب وحدّث أمه بما جرى مع أبيه قالت له : خذ أياً شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري .
هذه مراهقة ، هذه المراهقة في بلادهم .


* أخطاء الأبناء بسبب جهل الآباء فالأبوة مسؤولية كبيرة جداً:
قصة واقعية ، رجل أرسل ابنه إلى أمريكا ليدرس ، يبدو أن هذا الابن أحبّ فتاة من هذه البلاد رائعة الجمال ، أحبها حباً جماً ، فلما عرض على والده الزواج منها أقام عليه الدنيا ، وهدده أن يتبرأ منه ، وأن يحرمه من كل شيء ، بعد شهر أرسل الابن رسالة إلى والده ، يا أبتِ لو أنها أسلمت هل توافق ؟ قال له : أوافق ، فاختل توازن الشاب من الفرح ، ما الذي فعله ؟ اشترى عشرة كتب باللغة الإنكليزية عن الإسلام ، والقرآن ، والسنة ، والسيرة ، والفقه ، قال لها : إن قرأت هذه الكتب وأسلمت أتزوجك ، وهي تحبه أيضاً ، هي ذكية جداً طلبت إجازة أربعة أشهر حتى تقرأ الكتب قراءة دقيقة ، بعيدة عن ضغوط هذا الشاب ، ومضت عليه هذه الأشهر الأربعة كأربع سنوات ، فلما انقضت اتصل بها ، فسمع الخبر الذي اختل له توازنه ، قالت له : لقد أسلمت ولكن لن أتزوجك لأنك بحسب ما قرأت لست مسلماً ، هذه المشكلة .
المراهقة شاب شارد ، متفلت ، لا يوجد ضوابط ، الشهوات يقظة ، الفتن مستعرة الوضع العام متفلت ، طبعاً استيقظت شهواته ، وبحث عن إرواء هذه المتعة بشكل مشروع أو غير مشروع ، هذا بشكل أو بآخر مراهق .
الإنسان إذا تفلت تتغير أخلاقه ، ويصبح قاسياً ، ومتطاولاً على أهله ، أنا مضطر أن أقول هذه الكلمة هي مؤلمة لكنني أنطلق دائماً من أن الحقيقة المرة أفضل مرة من الوهم المريح ، الحقيقة المرة : معظم أخطاء الأبناء بسبب جهل آبائهم ، الأبوة مهمة كبيرة جداً الإنسان أحياناً يتزوج وينجب أولاداً فقط ، هذا الابن يحتاج إلى توجيه ، يحتاج إلى توعية ، يحتاج إلى تدريس من مستوى رفيع ، يحتاج إلى متابعة ، يحتاج إلى عناية ، فحينما تحقق نجاحاً في كل شيء ، وتخسر أولادك لم تحقق شيئاً .
قال أحد العلماء المعاصرين: لو بلغت منصباً ككلينتون ، وثروة كأوناسيس ، وعلماً كأنشتاين ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .


أؤكد لكم أن الشقاء الذي يعانيه الأب حينما يرى ابنه متفلتاً صعب أن يوصف ، لا يوصف ، أشقى الناس ، فالذي يريد أن يسعى بأسرته عليه أن يعتني بأبنائه .
قال عالم من علماء الخليج ويحمل اختصاصاً نادراً في صناعة القادة ، قال أنه ما لم تعتنِ بابنك من السنة الأولى وحتى السابعة لم تستطع أن تجعله كما تتمنى ، وقال كلمة باللغة الخاصة بهم قال : بعد سبع سنوات العوض بسلامته .
فحينما يكون الطفل صغيراً ينبغي أن نعتني به ، بأخلاقه ، بعاداته ، بوسائله ، بدراسته ، بتهذيبه ، حتى إذا كبر يكون هذا الابن كما نتمنى ، وبعيد عن مشكلة المراهقة .


* على الإنسان أن يصادق ابنه دائماً:
لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه ، أي كن صديقاً له .
هناك مرحلة لا يصح فيها أن تؤدبه إطلاقاً ، طفل صغير ، هناك آباء لو أن ابنهم بكى في الليل يضربه ، عمره سنتان ، لاعب ولدك سبعاً ، أما من سبع سنوات إلى أربع عشرة سنة إنّ تكلم كلمة غير صحيحة ، كلمة غير لائقة ، أو معه حاجة ليست له ، يجب أن تبالغ بتأديبه ، لكن بعد أن بلغ الرابعة عشرة شعر بكيانه ، لا هو راشد يرضيك ، ولا هو صغير تعلمه ، أثناء شراء الألبسة يقول لك : هناك سن محير ، وهذا السن بعد الرابعة عشرة يحير ، تعالمه كراشد يخيب ظنك ، يعامله كطفل لا يحتمل .
لذلك هنا جاء التوجيه وراقبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه


أقول دائماً الثقافة الإسلامية ، أو بتعبير آخر الثقافة الشرق أوسطية الأب محترم ، لكن البطولة لا أن تكون أباً محترم أن تكون أباً محبوباً ، أؤكد على هذه الحقيقة ؛ كل أب وكل أم محترمان في ثقافتنا ، القرآن يؤكد ذلك ، وعاداتنا ، وتقاليدنا ، لكن البطولة لا أن يحترمك أبناؤك أن يحبوك ، يعني إذا أتيت إلى البيت يجب أن يكون العيد ، هناك عيد لأب سيء حينما يخرج ، فالعيد حينما تدخل لا حينما تخرج ، هناك أب يكون العيد بعد الخروج ، تنفس الصعداء خلصنا منه ، وهناك أب العيد يكون مع الدخول .
الحقيقة صعب تتصوروا أن النبي عليه الصلاة والسلام يؤكد أن الخيرية المطلقة للمؤمن في البيت ، لأنه خارج البيت بالتعبير العصري "بزنز" ، تتأنق ، تبتسم ، تصافح ، ينحي نصفين ، مصلحتك ، من أجل مكانتك ، بالبيت لا يوجد قيود ، تجده بالخارج عصفور بالبيت والعياذ بالله .
فالنبي الكريم يقول :
(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي )) .
[أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين ] .
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً ، من أن أكون لئيماً غالباً )) .
[ ابن عساكر عن علي بسند فيه مقال كبير ] .