إن المنزل هادئ جداً و فارغ , لا يوجد فيه أحد غيري أنا و دلال , فالسائق في أجازة فاليوم هو الجمعة , أما الخامة فأخذتها جدتي لأن عندها ضيوف كُثر اليوم و هي في حاجة لها كما قالت .


كان اليوم هادئاً بمعنى الكلمة , إلى أن انتهيت من صلاة العشاء , و ذهبت إلى غرفة المعيشة حيث توجد دلال , و أثناء وصولي للغرفة تفاجأت بانقطاع التيار الكهربائي , واستغرق الأمر دقائق معدودة حتى استوعبت الأمر, و بدأت عيناي تعتادان على الظلام , و فجأةً شعرت بشيء ينشب أظفاره في ساقي بقوة فقفزت بقوة في الهواء .


و سمعت صوت يقول :

"أحمد ... أنا خائفة "


آه إنها أختي دلال , لقد أوقفت قلبي .


أمسكت يدها و سرنا سوياً إلى غرفة المخزن حيث تضع أمي الشموع و المصابيح اليدوية , تعثر و اصطدمت بكل شيء في طريقي , ابتداء من ألعاب دلال المتناثرة و انتهاءاً بقطع الأثاث , إلى أن وصلت إلى الغرفة المطلوبة و أخذت منها كل ما أحتاج , جلسنا بعدها في غرفة المعيشة و كل منا ينظر إلى الأخر بصمت , حاولنا أن نشغل أنفسنا ببعض الألعاب و لكن دون جدوى , فسرعان ما عاد الصمت و كان الجو الحار و الظلام هما سيدا الموقف .


حاولت مراراً و تكراراً الاتصال بالسائق ليأخذنا لبيت جدي , و لكنه لم يكن يرد في بادئ الأمر من ثم أقفل جهازه , إنه يوم إجازته فهل يرد على أحد ؟؟ لا أظن , حسناً سأريك عندما تعود سأريك .


كان المكان صامتاً و مثيراً للرعب , و ما زاده رعباً صوت جلبة قادم من المطبخ ظننته وهماً ولكن دلال التصق بي فتيقنت أنه واقع لا خيال .


فقلت لها بصوت متماسكاً قدر الإمكان :

" ربما هو قط دخل المنزل أو ... ريح ... لا تخافي "


وأي ريح و نحن في عز الصيف ؟


و عاد الصوت ثانيتا يبدو أن صاحبه يتخبط في كل ما أمامه .


نهضت من مكاني و أمسكت بالمصباح اليدوي و استجمعت قواي ,و اقتربت من مصدر الصوت شيئاً فشيئاً , ودلال متشبثة بقدمي , لمحت جسد إنسان طويل ممتلئ نسبياً , حاولت الاقتراب بحذر و لكني ارتبكت و أوقعت الزهرة , أثرت بها ضجة كانت كفيلة بلفت انتباه ذلك الرجل لي , ألتفت ذاك الأخير لي , وبدأ بالاقتراب مني .


و مع كل خطوة يقترب فيها مني كنت أخطو خطوة إلى الوراء , و كانت شجاعتي و صوتي يهربان عني بخطوات بل بأميال , و لكن تثبث دلال بي بكل قوتها جعلني أستعيد شيئاً مما هرب مني , أغلقت ضوء المصباح الخافت لعله يضيع مكاني , ولكن ما من فائدة , حملت دلال بين ذراعي , و أخذت نفساً , و أطلقت قدمي للرياح و كان ذاك الرجل يصرخ ويقول :

" توقف ... لا تهرب ... توقف "


هههه وكأني سأستمع إليه , و تابعت الجري , تعثرت ... و اصطدامت ... تعثرت مرة أخرى إلى أن وصلت إلى طريق مسدود , رائع باب الغرفة مقفل ... ماذا أفعل ؟؟


نظرة سريعة إلى ما حولي و إذ بي ألمح جسماً كروياً بجواري بعد أن اعتادت عيناي على الظلام , كرة نعم إنها كرتي , أنزلت الصغيرة من يدي فتحت المصباح , حددت مكان الرجل و ركلة قوية للكرة سددتها إلى الرجل الذي وقع أرضاً و بدأ يتلوى من معدته .


ما إن هممت بالابتعاد عنه حتى سمعته يقول :

" أحمد تعال ... ماذا فعلت بي هداك الله "


وقفت في مكاني و لتفت له و وجهي مليء بعلامات الاستفهام و قلت بصور مرتاب :

" من أنت ؟؟؟ "

من شدة خوفي لم تميز أذني صوت الرجل , فاقتربت منه و وجهت ضوء المصباح لوجهه و بدأت أحملق به فقلت :

" يا إلهي عمي فارس !؟!؟ أهذا أنت ؟ّ!؟! "


ما الذي فعلته به ؟ انطلى وجهي باللون الأحمر و بدأت أتلعثم في كلامي معه :

" عمي ..أنا .... أنا أسف ... صدقي أنا لم أميز صوتك ... اعذرني أرجوك "


و تلاها سيل من الاعتذارات و التبريرات و الخجل الذي كساني حينها .


بعدها قلت :

" لما لم تقل أنه أنت منذ البداية ؟ لقد أوقفت قلبي "


فقال :

" أنا أسف ثم إني لم أكن أعرف أنك عداء ماهر ... و أنك سترمني بالكرة "


طأطأت رأسي خجلاً لفعلتي , و بالأخص لهربي , فلم أكن شجاعاً لحماية أختي و لم أكن صاحب حكمة في تصرفي , هذه المرة كان الرجل هو عمي و لو كان غيره فماذا كنت سأفعل ؟ و كيف سأتصرف ؟ قطع حبل أفكاري صوت عمي قائلاً:

" أحمد ... أنت معنا "


فقلت :

" نعم نعم أنا معك ...صحيح لمَ أنت هنا "


فقال :

" آه نعم لقد طلبت مني جدتك أن أحضر لأخذكما لها خصوصاً بعد أن علمت أن الكهرباء مقطوعة عن هذه المنطقة من صديقتها "


و استطرد قائلاً :

" حاولت الاتصال بك و لكن هاتفي شحنه فارغ ... و دخلت من باب المطبخ الخلفي الذي أملك مفتاحه "


و عند هذا الحد انتهى الحوار , و انطلق بنا عمي لمنزل جدي التي استقبلتنا استقبالاً حاراً , أخذنا حماماً بارداً , و تناولنا عشاءاً لذيذاً من يديها , و قضينا تلك الليلة في غرفة الضيوف , ونمت و أنا أحمد الله على انقضاء هذا اليوم على خير .



و عند هذا الحد انتهى الفصل الخامس
و بقي الجزء السادس و الأخير
الذى أتنمى أن ينال اعجابكم

قصصي السابقة من فصل واحد