بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

وبعد:

ودخل المجرم غرفة التحقيق ، إنه مجرم خطير وإرهابي كبير، قاتل الصراصير والعقارب ، ومُفجر الحيات والأوزاغ ، ومُرهب الفئران والخفافيش ،فهلموا لنسمع حكاية قاتل الصراصير مفجر الخفافيش .

ومعذرة ، فالقلم بحاجة لأن يكتب ليُخرج ما في خاطر صاحبه .

كان يا ما كان ، ولكن ليس في قديم الزمان ، إنما في جديد الزمان قبل ثلات أسابيع من سيدهم أكتوبر لسنة 2010 بتاريخهم الميلادي.

وقد بدأت هذه القصة بسبب تلك الشركة الملعونة التي جعلت خُطاي تقودني إليهم وجعلت خطاهم تقودهم إلي ، وكان أمر الله قدرا مقدورا.

وفي يوم جميل مشرق على تغاريد العصافير ، وكان يوم إثنين وكنت أنتظر فيه صديقا في الصباح كي نذهب بلمفاتنا التي أصبحتُ لا أطيق النظر إليها من شدة كرهها ونسخها ، فذهبنا بملفاتنا إلى إحدى الشركات بحي صناعي ، ولما وصلنا وكانت تلك شركة لتجميع ما يخص كهرباء السيارات إسمها " لخبطة من الحروف باللغة الفرنسية"، فدفعنا ملفاتنا هناك بالسيرة الذاتية المسماة "حبر على ورق" ثم رجعنا ، وبعد صلاة الظهر وبعده بغذاء لذيذ حان وقت القيلولة"قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" ، وكما يقولون بالعامية " تغذى وتمدى ، وتعشى وتمشى" .

وأنا في قيلولتي إذ أسمع صوتا يُزعجني سُحقا له، إنه صوت الجوال وما أدراك ما الجوال كلما سمعته يرن قلت اللهم سلم واجعله خيرا ، وبعد طول رنين وأنا أبحث عنه بجانبي كالأعمى من شدة سكرة النوم كالذي يبحث عن قطة سوداء في ليلة ظلماء ، لما وجدته لأسكت ذلك الصوت المزعج المُفزع فرأيت فيه رقما غير معروف ، وفي الأخير قررت أن أجيب ، فقلت : السلام عليكم ، فردت علي امرأة : آلو
أنا أقول: السلام عليكم، وهي تقول لي : آلو
فقلت: نعم
فبدأت تتحدث معي كمسجل كمبيوتر ، كلمتين بالعربي والباقي عرنسي أي فرنسي
فقالت لي: إن شركة " لخبطة بالفرنسية" تدعوك غدا في الصباح في الساعة التاسعة للحضور.
فقلت لها: حسنا إن شاء الله، السلام عليكم

وفي المساء وبعد أن نسيت شعر رأسي لسنة وزيادة فأصبح كالقفة مدلدلا وراء قفاي ، ذهبت إلى صديقي الحلاق ، وقلت له: يا رجل لو ذهبت عندهم غدا بهذا الشعر أظنهم سيهربون ، فاللحية +الشعر الطويل في مثل هذه الأماكن تساوي عندهم: لغم متحرك قابل للإنفجار في أي لحظة .
فنظرت في المرآة فترددت ، فقت للحلاق: سنة وأنا أربي شعر والآن بضغطة زر يختفي ، فقلت له: مهلا مهلا يا رجل هناك حل وسط ، بما أني أرتدي فوقه الطاقية قلت له أن يقص الشعر المدلدل وراء قفاي وأن يقصره ويترك الآخر الذي أستره بالطاقية، ففعل.

وجاء صباح يوم الثلاتاء ، فصليت صلاة الإستخارة ، وذهبت لأقطف بعض أوراق النعناع من الخارج لأضيفها إلى الشاي لأتناول مشروب الطاقة -_-، ثم لبست جلبابي وانطلقت ماشيا ولكن هذه المرة على الأقدام أجوب طرقات المدينة متأملا إلى أن اقتربت إلى المكان ، فرأيت شابا يمشي في الطريق فسألته أين بالضبط تقع تلك الشركة لأني ذهبت إليها مرة واحدة يوم أودعت فيها ملفي برفقة صديقي ، فقال لي الشاب : أنا أيضا ذاهب لعين المكان لنفس الغرض، فتراققنا ولما وصلنا وجدنا باب الشركة مغلق وأمام الباب خمس متبرجات وشابين وبهذا صرنا تسعة ، فخرجت إلينا امرأة من الشركة فقالت لنا: كم عددكم؟؟
فقال لها رفيقي الذي تعرفت عليه في الطريق: نحن تسعة.
فقالت: لا يزال ينبغي أن يحضر ثلات أشخاص آخرين.
وبقينا بالخارج ننتظر حوالي نصف ساعة حتى يئست تلك المرأة من حضور الآخرين فأدخلتنا إلى الشركة ، فلما دخلنا وهي شركة تعمل أربع وعشرين ساعة على أربع وعشرين ساعة بالأفواج ، فلما دخلت ونظرت رأيت العجاب المُعجب ، فالشركة مملوءة فقط بالنساء والشباب يتم عدهم على رؤوس الأصابع ، علما أن هذا العمل لا يصلح إلا للشباب وكذلك يعملون بالليل أحيانا كل أسبوع ثالت إلى الفجر .

فلما دخلت أخذ الكل يرمقني بنظراتهم المتعجبة من وجودي هناك،هههههه ، وكأني بهم يقولون " بيعمل الفتى ده هِنا إيه ، وشوف شكله عامل في روحه إيه، شوفي شوفي يا ولية دا أهبل ولا في دماغه حاجة" علشان خاطر إخواننا المصريين -__-.

ثم دخلنا إلى قاعة بها كراسي ورفيقي بدت عليه أمارات الخوف والفزع لأنه أحس بأنه سيكون هناك امتحان ، فبدأت أنظر إليه وأضحك ضحك عجيب ، لأن الفتى بدى لي سيموت خوفا واصفر وجهه وكذلك الآخرين ، فقال لي: أنا لا أدري في ماذا سيكون الإمتحان ، فقلت له: يا رجل أوتظنني أعرف شيئا عنه ، والله الذي يريدون فعله يفعلوه ويخلصونا ، وأنا لا يهمني هذا الإمتحان وما هو إلا مجرد لعب يلعبون به علينا.

فجاءت امرأة أخرى لتُوزع علينا أوراقا وقالت لنا: هذا امتحان كتابي " يا عالم هو العالم ده مافيهش إلا النسوان"
فكانت مدة الإمتحان نصف ساعة في مادة الرياضيات،هههه" يا دي النيلة المنيلة"ولكنها كانت فقط عمليات الضرب والجمع والقسمة والناقص لكنها عمليات طويلة جدا وممنوع استخدام الآلة الحاسبة ، ويستحيل تنتهي منها كلها في نصف ساعة إلا إذا كان دماغك عبارة عن آلة حاسبة .

ثم انتهى الوقت وجاءت الأخت ما شاء الله عليها تسحب منا الأوراق ، وقد قدمت ورقتي نصفها فارغ والنصف مليان، ولا واحد أجاب عن كل التمارين لأن الوقت قصير ، فنظر إلي رفيقي رفيق الحدث نظرة السقيم ، وقال لي: هل أجبت عن ذلك؟؟
فضحكت وقلت له: "يا راجل الإمتحان ده تمثيل ومسرحية ، أنا عارف شغل الشركات مثل دي"

ثم خرجت تلك المرأة ، وأخيرا دخل علينا ذكر من الذكور وهو مدير الشركة ، وأخذ يشرح لنا عن العمل والتوقيت والأجر ولخبطة من الخزعبلات ، وقال لنا: بأن العمل حسب الأفواج يعني أسبوع تعمل من السادسة صباحا إلى الثانية بعد الظهر، والأسبوع بعده تعمل من الثانية بعد الظهر إلى العاشرة ليلا، والأسبوع الثالت بعده من العاشرة ليلا إلى السادسة فجرا، وهكذا دواليك تدور الدائرة كل أسبوع فيصير نومك متقلبا " أسبوع تصبح كالخفافيش، وأسبوع تصبح كالدب القطبي عندما يدخل في سباته بالنهار ".

ولما بدأ المدير يتحدث عن الأجور توالت الفضائح ، وبدأت المتبرجات في الخلف بالخوف ، فلما نظرت إلى رفيقي بجانبي وأصبحت كلما أنظر إليه لا أتمالك نفسي من الضحك فوجدته ينظر إلي نظرة السقيم وعيناه تتقلبان كالشبح ، ثم انتهينا من المدير ، فقال لنا: إذهبوا مع الأخت فلانة ستشرح لكم بعض الأشياء واذهبوا لدياركم وسنتصل عليكم لاحقا، ثم خرجنا من قاعة الإمتحان إلى حيث تعمل الأخوات ما شاء الله عليهن ، ومرة أخرى النظرات ترمقني وكأني بهن يقلن: " الله، هو الإرهابي ده طلع لنا منين، أعوذ بالله، ده جاي يعمل ولا جاي يعمل فيها إمام، لأى بقى الأشكال المعقدة دي ماتلزمناش"-__-وإنهم ليقولون.

ثم خرجت من الشركة أنا وشابين ترافقنا في الطريق، وكما يُقال فالحديث ذو شجون فاخترت طريقا غير طريقي ثم ودعتهم وسرت مُكملا طريقي لوحدي ماشيا ، وبعد حين إذ أرى رجلين واقفين على الرصيف وينظران إلي نظرات غريبة من بعيد، فقلت ربما يودون سؤالي عن طريق ما، فلما وصلت بجانبهما ناداني أحد منهما ،
فقلت: السلام عليكم ، فقال: وعليكم السلام وصافحته ، ثم سلمت على صاحبه وصافحته
فقلت له: نعم ماذا هناك؟؟؟
فقال لي: نحن من الأمن ونود أن تذهب معنا إلى الإدارة العامة للأمن ولن نأخذ من وقتك الكثير ،" وطبعا هؤلاء من رجال المخابرات ولا يلبسون لباس رجال الأمن ."
فقلت لهم : لقد سبق وأن أتيت برجلي عندما كنت أعد جواز السفر
فقال لي: لن نأخذ من وقتك الكثير
فقال لي: من أين أتيت الآن؟
فقلت له: من إحدى الشركات " إنها شركة ملعونة سحقا لها"
فقلت له: أنا متعب هل من الضروري أن أذهب معكم
فقال لي: إن شئت أن نؤجل أجلنا، لكنه من الضروري الحضور عندنا .
ففكرت فقلت في نفسي الأفضل أن أذهب معه حتى أنزع عن رأسي وجع رأس الشركة ووجع رأس هؤلاء في مرة واحدة وأرتاح، فقد وقع الفأس على الرأس لا محالة كما يقولون.
فقلت له: حسنا فلنذهب .

.................................................. ....

يُتبع بالموضوع القادم إن شاء الله تعالى، فانتظرونا وبانتظار تصويتكم.

حكاياتي نسج من الواقع
أخوكم: عثمان بالقاسم