السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أسيد بن الحضير
- أسلم على يد مصعب بن عمير بعد أن قرأ عليه شيئاً من آيات القرآن، و ذكر له حقيقة الإسلام، فانبسطت أساريره و أشرق وجهه و دخل في الإسلام، فكان إسلامه سبباً في إسلام سعد بن معاذ.

- كان من ساداتِ الأَوْسِ ، هو و سعد بن معاذ، و كان يلقبه قومه بالكامل لرجاحة عقله و نبالة أصله، و لأنه ملك السيف و القلم.

- أولع اسيد بن الحضير بالقرآن منذ سمعه من مصعب بن عمير، و اقبل عليه إقبال الظامئ على الماء و جعله شغله الشاغل. فكان لا يُرى إلا مجاهداً غازياً في سبيل الله أو عاكفاً يتلو كتاب الله. و كان رخيم الصوت مبين النطق مشرق الأداء، تطيب له قراءة القرآن إذا سكن الليل و نامت العيون و صفت النفوس. و كان الصحابة الكرام يتحينون أوقات قراءته و يتسابقون إلى سماعه. و قد استعذب أهل السماء تلاوته كما استعذبها أهل الأرض، ففي جوف ليلة من الليالي كان أسيد جالساً في مربده و ابنه يحيى نائم إلى جانبه، و فرسه التي أعدها للجهاد
مرتبطة غير بعيد عنه.و كان الليل وادعاً ساجياً وأديم السماء رائقاً صافياً، فتاقت نفس أسيد لأن يعطر هذه الأجواء بطيوب القرآن، فانطلق يتلو ( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه >>> يوقنون) فإذا به يسمع فرسه و قد جالت جولة كادت تقطع بسببها رباطها، فسكتَ، فسكنتِ الفرس و قرّت. فعاد يقرأ ( أولئك على هدى >>> المفلحون) فجالتِ الفرس جولة أشد من تلك و اقوى، فسكتَ... فسكنت. و كرر ذلك مراراً فكان إذا قرأ أجفلت الفرس و هاجت،و إذا سكتَ سكنت و قرت. فخاف على ابنه يحيى أن تطأه فمضى عليه ليوقظه، و هنا حانت منه التفافة إلى السماء فرأى غمامة كالمظلة لم تر العين اروع و لا ابهى منها قط، و قد علق بها أمثال المصابيح فملأت الآفاق ضياءً و سناءً، و هي تصعد إلى الأعلى حتى غابت عن ناظريه. فلما أصبح مضى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قصَّ عليه ما رأى فقال صلى الله عليه و سلم :" تلك الملائكة كانت تستمع لك يا اسيد ... و لو أنك مضيتَ في قراءتك لرآها الناس و لم تستتر منهم".

- و كما أولع أسيد بكتاب الله فقد أولع برسول الله. و كان كثيراً ما يتمنى أن يمس جسده جسد رسول الله صلى الله عليه و سلم و أن يكُبَّ عليه لاثماً مقبلاً. و قد أتيح له ذلك ذات مرة.
ففي ذات يوم كان اسيد يطرف القوم بملحه (طرائفه و نكته) فغمزه رسول الله صلى الله عليه و سلم في خاصرته بيده ( طعنه بها) كأنه يستحسن ما يقول. فقال أسيد: أوجعتني يا رسول الله فقال صلى الله عليه و سلم:" اقتص مني يا أسيد" (بأبي هو و أمي) فقال أسيد : إن عليك قميصاً و لم يكن علي قميص حين غمزتني فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم قميصه عن جسده فاحتضنه أسيد و جعل يقبل ما بين إبطه و خاصرته و هو يقول : بأبي أنت و أمي يا رسول الله إنها لبغية كنت أتمناها منذ عرفتك و قد بلغتها الآن.

جمعنا الله و إياه رضي الله عنه في جنان خلده و بصحبة نبيه صلى الله عليه و سلم.
في أمان الله