بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا أما بعد:

أحببت أن أنقل لكم ما رأيت في سفري فنبدأ وبالله نستعين :

قررت أن أذهب في سفر عند أصدقائي بمدينة الدار البيضاء وخارجها في البادبة فانطلقت وكان يوما مشمسا بدراجتي النارية مسافرا إلى مدينة الدار البيضاء عند صديقي وبعدها نتوجه مباشرة خارجها في البادية في منزل صديقي لنخيم هناك بضعة أيام ووصلت وصلينا الجمعة بكلية الهندسة التي كان يسكن بها أحد الإخوة وتناولنا الغذاء ، وبعد العصر إنطلقنا خارج المدينة إلى المكان المقصود وهو مكان رائع جدا يبعد عن المدينة حوالي 25 كيلومترا عن المدينة وهو مكان رائع لتأمل الطبيعة والبحر والسماء وكل شيء ، وعند انطلاقنا بدأت المشاكل حيث بدأت تسقط الأمطار ونحن في الطريق على الدراجة النارية وبدأت حبات المطر مع الريح تضرب أوجهنا بشدة وكأنها حجر وكنا قد قطعنا نصف الطريق وبدأت ملابسنا تتبلل ويدخل الماء أجسادنا فرأينا مكانا فتوقفنا فيه وانتظرنا قليلا حتى تخف حدة المطر ، وبعد مدة ركبنا الدراجة وبدأنا المسير فعادت شدة المطر وبدأت الدراجة النارية تصدر صوتا وكأنها ستتوقف فقلت لصديقي يوسف: الله يستر تتوقف في هذا المكان الخالي والمطر لا يتوقف ، وفعلا وقفت الدراجة وبعد محاولات متكررة تم تشغليها ، ولم نعد نبالي بالمطر وكل همنا أن نصل إلي بيت صديقي وهناك بقربه أحد الإخوة الطيبين يقوم بإصلاح الدراجات النارية وفعلا وصلنا عنده وجلسنا وأكرمنا غاية الإكرام ورأى الدراجة وقال لنا أن هذا بسبب الماء وقام بإصلاح ما كان ، وصلينا صلاة المغرب في المسجد بجانبه وللأسف المساجد في البوادي غير ممتلئة حيث تجد فقط في الصلوات خمس أشخاص أو سبعة إلى تسعة ولا يكتمل الصف الواحد وهذا رأيته في عدة مساجد في البوادي ، وبعد صلاة العشاء ذهبنا إلى المنزل وتناولنا العشاء ، ونمنا وبدأ المطر يسقط بغزارة تلك الليلة ونحن نائمون وكان صوت المطر جميلا ، وأصبح الصباح وذهب المطر لكن كانت هناك رياح شديدة وجاء إلينا عبد الحفيظ وهو جار للبيت وهو أخ طيب وأفطرنا معا وتغذينا عنده وبتنا عند الأخ رضوان بمكان آخر قريب وفي اليوم التالي توقف المطر وخرجنا في جولة أنا والأخ يوسف على الدراجة النارية ورضوان والأخ عبد الحفيظ على دراجته النارية ومررنا قرب البحر وأماكن أخرى والتقينا أحد الإخوة الطيبين إسمه شعيب واتفقنا على أن نتعشى في بيت الأخ يوسف نحن الخمسة وفعلنا وكانت ليلة رائعة ولما قترب منتصف الليل ذهب الإخوة الآخرين إلى ديارهم ولما نمنا وكنا ننوي أنها ستكون آخر ليلة بالمكان وأننا سنذهب في الصباح إلى مدينة الدار البيضاء وبعدها أفترق مع الأخ يوسف وأتوجه مباشرة إلى مدينتي عائدا من سفري لكن قدر الله عز وجل غير ذلك، فلما نمنا تلك الليلة بدأت رياح عاصفة وأمطار وانقطع الكهرباء فاستيقظت بعد منتصف الليل وكان صوت الرياح مفزعا تمسع لصوته صراخا كأنه يريد التكلم فأخذت أسأل الله عز وجل من خير تلك الرياح وأستعيذ بالله من شرها ولما استيقظنا لصلاة الفجر منعتنا الأمطار الغزيرة من الذهاب للمسجد حيث أن الطرق أصبحت كلها وحل وأحدثت برك مائية ، فصلينا في البيت والأمطار لا تتوقف غزارتها ودائما البوادي تكون معرضة لخطر كبير عندما تتساقط بها الأمطار بغزارة بعكس المدن ، وقمنا بإعداد الفطور وجلسنا ننتظر أن تتوقف الأمطار قليلا وإذا بها حبستنا ووصل وقت صلاة الظهر ولا زالت لم تتوقف فجاء إلينا الأخ عبد الحفيظ جار المنزل وجلس معنا وصلينا الظهر في البيت وحُبسنا فلم نتناول وجبة الغذاء ذلك اليوم حيث أننا حُبسنا ولا نستطيع الخروج لأي دكان ولا يوجد شيء في البيت ، وبقيت الأمطار تتساقط بغزارة مُفزعة ولم تتوقف حتى صلاة العصر ، فقررنا الخروج من المنزل فقال لي صديقي يوسف هذه فرصة وسنذهب لمدينة الدار البيضاء ، فقال له الأخ عبد الحفيظ لا تذهبوا فالجو يدل على استمرار الأمطار وحتما ستقعون فيها وأنتم في طريقكم إلى المدينة ، فنظرنا إلى السماء فإذا هي سوداء مُفزعة وعلمنا أنه لا مفر من المطر ، نظرنا عن اليمين فإذا هي سوداء، عن الشمال فإذا هي سوداء ، أمامنا من وراءنا كلها سوداء محملة ، فقررنا حينها المبيت ولكن ليس في بيت يوسف إنما في بيت الأخ رضوان القريب من هذه القرية ففررنا من منزل الأخ يوسف ثم ذهبنا على الدراجة النارية عند الأخ رضوان ، وأرسلنا رضوان بدراجته النارية ليُحضر الأخ عبد الحفيظ معه إلى البيت لنجلس عنده تلك الليلة ، ففررنا من قدر اللهِ إلى قدرِ الله ، فلما دخلنا بيت الأخ رضوان بعد العصر نحن الأربعة بدأت مرة أخرى الأمطار بالتساقط وكنا حينها نموت جوعا فجاء إلينا الأخ رضوان بشيء من الأكل ومعه الشاي ، فقتلنا الجوع وأعميناه -yes0" class="inlineimg" /> ففر بعيدا .

وواصلت الأمطار تساقطها بشكل مُفزع حتى أن بعض الأماكن في البيت بدأت تتساقط من خلالها نقط يسيرة من السقف ، والغالب في البيوت التي في البوادي أنها تكون مسقفة بالزنك وقليل منها بالإسمنت وعند حدوث رياح قوية قد يطير السقف كما حصل لبعض البيوت ، بل حتى تلك التي بالإسمنت سقط بعضها ، فصلينا المغرب في البيت وصلينا العشاء في البيت ، ولم نكن ننوي المبيت هناك لكننا حُبسنا ، وأخذنا نشاهد إحدى القنوات الدينية وبدأ الأخ عبد الحفيظ بالخوف لأنه يريد الذهاب لزوجته وابنته وأمه وقد تركهم لوحدهم ولم يستطع الذهاب فالأمطار قوية والمكان بعيد على القدمين ، وقال لنا بأن زوجته تخاف عند حدوث مثل هذه الأمطار وفي الأخير اتصلنا من هاتف الأخ رضوان على أخو عبد الحفيظ ليُعلم والدته بأن عبد الحفيظ قد حُبس معنا ولن يستطيع الرجوع وأنه سيبيت إلى الغد ، فتعشينا وضحكنا ونسينا كل شيء وحان وقت النوم فنمنا والأمطار لا تتوقف ثانية واحدة ، فقال لنا الأخ رضوان الله يستر إن لم تتوقف هذه الأمطار فمن المحتمل أن يحدث هنا شيء سيء ، ثم نمنا نحن الأربعة والأمطار تتساقط بغزارة فوق السقف محدثة صوتا جميلا لكنه في نفس الوقت مُفزع لغزارتها ، فأخذنا ندعو الله أن يجعل تلك الأمطار صيبا نافعا وأن تكون حوالينا لا علينا ، وكلما استيقظت خلال النوم أجد المطر لا يتوقف ، وعند النوم إنقطع التيار الكهربائي فأصبح ضوءنا هو الشمع ويا له من ضوء جميل، وبعد منتصف الليل حوالي الثالتة والنصف شعرت بالأخ رضوان قد أفاق وذهب ليُطالع الأمر بالخارج ثم يرجع ولما وصل الفجر إستيقظنا وصلينا الفجر والصبح في البيت ، فقال لنا الأخ رضوان لم أرد أن أخبركم فإن بالخارج فيضان وسيل من المياه جاءت به الأمطار ودخل على قريتنا وإن لم نجد حلا لوقف هذه المياه الهائجة ونغير مسارها إلى الطريق فقد تغرق القرية ، وقال لنا بأن في الخارج بمجرد أن تضع قدميك يصل إليك الماء إلى ركبتيك وكلما تمشيت نحو الطريق يزداد ارتفاع الماء ، وبعد ذلك بعد الفجر مباشرة سمعنا مكبر صوت المسجد يقول به الإمام يا أهل الديار إستيقظوا واخرجوا من منازلكم لتروا فإن القرية تغرق ، يا أهل الديار أفيقوا لا تناموا ، يا أهل الديار أفيقوا لا تناموا فإن الأزقة قد سدت وهجم الماء على القرية وعلى بعض البيوت.

فخرج الناس ليروا ماذا سيفعلون ، والأمطار لا تتوقف ، ودخل الماء على بيت إحدى العجائز فأصبح كالمسبح وذهب الشباب لمساعدتها وبما أن وسادات بيتها قد تبللت وضعتها بالخارج لتقطع طريق الماء وبدأ الشباب بحفر بعض الأماكن ليمر منها الماء وجاءت بعض شاحنات الحرث للمساعدة وأخدت تحفر وتحاول تمرير المياه من طريق آخر كي يمر هذا الواد الضخم الذي أحدثته الأمطار بجانب طريق السيارات خارج القرية ، فنظرت إلى الماء وإذا به يجري بقوة شديدة وإن زاد ارتفاعه أكثر فستكون مشكلة كبيرة أكثر مما نحن فيه وبدأ الناس بالتعاون في الخارج ليُغيروا مسرى هذا المارد العملاق الذي صنعته الأمطار بقدر الله عز وجل، فقال لنا الأخ عبد الحفيظ أنه خائف على زوجته وأنه يريد الذهاب ويخشى أن الأمطار قد أثرت على بيته ، فقرر أن يذهب بالرغم من وجود الأمطار ونسبة كبيرة من الماء فذهب معه الأخ رضوان ليُريه الطريق فغاصت قدمه في الماء واتسخت ثيابه وبالرغم من ذلك ذهب لبيته ولم يستطع الأخ رضوان أن ينقله بالدراجة النارية لأنها ستغرق ، وبعد صلاة العصر بدأ ارتفاع الماء يقل شيئا فشيئا حيث أنه وصل إلى متر ومتر ونصف في بعض الأماكن ، وتوقفت الأمطار بعد صلاة العصر فقال لي صديقي يوسف هذه أفضل فرصة للفرار ، فقررنا الذهاب فقلنا للأخ رضوان أن يُخرج لنا دراجتي النارية وأن يُرينا الطريق فقال لنا أنا أيضا سأفر معكم

فأخرجنا الدراجات النارية عند الباب وقطعنا العقبة الأولى ووصلت إلى مرتفع لم أستطع أن أدفع دراجتي النارية فجاء بعض أهل القرية وكالعادة طيبون فساعدوني لرفع دراجتي عن ذلك المرتفع ثم أكملنا الطريق جانبا حتى وصلنا إلى طريق السيارات وإذا بنا نرى ماردان عملاقان من المياه عن يمين وشمال يجريان بقوة تطيح الصخر والحجر وهما يمران عن جانبي الطريق وقد أحدثا ممرا عميقا بين الطريق من كلا الجانبين فقام أهل القرية بوضع طريق مؤقت فوق الواد ما بين قريتهم وطريق السيارات فصعدت فوقه فخرجت دراجتي النارية ودراجة صديقي إلى طريق السيارات أخيرا وانتهت العقبة الثانية وإذا بنا نرى مرة أخرى أمامنا على الطريق مياه قد غطت طرفا من الطريق فانتظرنا أن تمر شاحنة أو سيارة لنرى مدى عمق ما أمامنا فجاءت شاحنة فمرت فإذا بالمكان عميق فتراجعت وقلت ليوسف أنا سأدخل تلك الأرض وسأتمشى معها جانبا إلى أن ينتهي هذا الواد من اليمين ثم أدخل الطريق وأخذت أتمشى وأرى عن يساري المارد العملاق الذي لا يريد الإنتهاء ويجري بقوة ، وتمشيت وتمشيت دون جدوى والمارد هو المارد لا ينتهي فاستسلمت وقررت أن أدخل وسط المارد أنا ودراجتي حتى أرجع لطريق السيارات مرة أخرى ، فوضعت رجلي فإذا بهما تتبللان ويتبلل حذائي وجوربي فقمت بوضع العجلة رويدا رويدا وإذا بها تغطس إلى القاع فتراجعت ولم أكن أظن أنه عميق إلى هذه الدرجة ولكن المياه قد حفرت الطريق ، فقال لي بعض الشباب من أهل القرية سندخل نحن الثلاتة الواد وأنت ناولنا الدراجة النارية وسننقلها إلى طريق السيارات فدخلوا إلى الواد وتبللت ثيابهم فناولتهم الدراجة فنقلوها جزاهم الله خيرا لن أنسى لهم ذلك ، فنجت دراجتي النارية وبقيت أنا في الخلف أفكر بطريقة لعبور هذا المارد فرأيت مكانا به صخرة وسط المارد ، فتراجعت إلى الوراء كي أقوم بقفزة إلى الصخرة فتذكرت ألعاب القوى -__-، فقفزت إلى الصخرة ثم قفزت من الصخرة إلى الطريق والحمد لله وانتهت العقبة الثالتة ، فمضينا وبعد قليل وجدنا مرة أخرى أمامنا طريق لا يُدرى عمقه من غير ذلك فانتظرنا أن تمر سيارة أو شاحنة تدلنا على الطريق فجاءت سيارة فمرت وإذا به ليس عميق كثيرا ، فتوكلت على الله وأسرعت وراء السيارة داخلا وسط الماء بالدراجة وقطعت المسافة دون أي مشاكل وانتظرت الأخ رضوان في الجانب الآخر فرأيته آتيا بدراجته فلما وصل إلي توقفت دراجته وبعد جهد عملت أخيرا وانطلقنا مرة أخرى إلى أن وصلنا مكانا رأينا به كثير من الناس وسط الطريق يصيحون لا تمروا من هنا فالطريق مقطوع وبه مخاطر ووجدنا سيارة أجرة لم تعد تعمل وأخرى قد سكت محركها ويدفعها الشباب فوجدنا طريقا جانبيا قد حفرته إحدى شاحنات الحفر فمررنا به ، وإذ به يأتي دوري لتتوقف دراجتي النارية عن العمل بسبب الماء ومع تكرار المحاولات عملت وانطلقنا ووصلنا إلى إحدى المساجد فصلينا به المغرب واتفقنا مع الإخوة بالمبيت في بيت الأخ يوسف والعشاء عنده وكانت تلك آخر ليلة هناك لن أنساها اجتمعنا فيها مع ثلة من الإخوة الطيبين وكان جو البادبة رائع جدا به تصفو النفس ويزداد الإيمان بعكس المدن ، وفي الصباح حان الفراق الذي لا أحبه فودعت شعيبا ورضوان وعبد الحفيظ وانطلقت أنا ويوسف نحو مدينة الدار البيضاء وفي الطريق رأيت بعيني هاتين منزلا قد غرق في الماء بأكمله وطريقا قد غطته طبقة سميكة وعالية من الوحل فلم يعد يمر منه أحد وهذا كله في يومين ، ولما وصلت لمدينة الدار البيضاء ودعت صديقي وتابعت الطريق نحو مدينتي وإذا بي أجد طريقا مقطوعا وعليه رجال الأمن ، وهذا بسبب قنطرة قد سقطت، فغيرت طريقي وتهت في مدينة الدار البيضاء هذه المدينة العملاقة التي تشبه الأخطبوط وبعد مسافة وجدت طريقا آخر إلى مدينتي فسرت فيه مسرعا وكل ثيابي مبللة وجسمي ولا أفكر حينها إلا في الوصول إلى المنزل .

وما رأيت هو جزء يسير مما حصل ، وإلا ففي بعض الأماكن قد غرقت منازل وأخرى مات فيها أناس ومنهم من سقط عليه بيته ليلا وهو نائم ومنهم من كان مسافرا في حافلة فإذا بالحافلة كلها تغرق ويموت كل ركابها والله المستعان.


وهذا بلا شك آية من آيات الله يُظهر مدى ضعف العبد ، فما حصل نذير لقوم مفسدين ، وابتلاء لقوم مؤمنين ، ألا فلنتقي الله عز وجل ولنعد لديننا ، وما أصابتكم من مصيبة إلا بما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير .

وصلى اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.