الحَمْدُ للهِ الذَّي لَولَـاهُ مَا جَرى قَلْم ,, وَ لَـا تَكلْمَ لِسَان ,, وَ الصَلَـاةُ وَ السَلَـام على
سَيدِنَا مُحَمْد صَلْى اللهُ عَلِيه وَ سَلْم أَفْصحَ النَاسِ لِسَاناً وَ أَوضَحهُم بَياناً ,, ثُمَ أَمَّا بَعْد :

إِنَّ رَوعَة البَيانِ وَ سِحْرَ الكَلَـامِ ليَعجَزانِ عَنْ التَعْبِير فِي هَذَّا المَجال لَـأنَهُ تَحْدَث فِيهِ الكَثِير وَ طَوقَتهُ الَـأقلَـام أَكثَر مِنْ مَرة وَ مَا أنا إِلَّـا قَطرة فِي بَحرٍ أُحَاول أَنْ أَسْتَعِير بَلَـاغةِ القَول وَ سِحْرَ الَـأداءِ وَ رَوعةِ المَنطِق ,,, عَلَكُم تَطرَبون


اللُغَة وِعَاءُ الفِكْر ، وَ مِرَاةُ الحَضارةِ الـإنَسانِية التَي تَنْعكِسُ عَليهَا مَفاهِيمُ التَخاطُبِ بَين البَشر ، وَ وَسِيلَة للتَواصُلِ السَهل ، وَ عَلِيه فَقْد إهتَم بِهَا الـإِنسَان ، وَ طَور ألِيَاتِهَا لِيُمَكِنُهَا مِن الضَرُورِيَات ، لِتُصبِح قَادِرَة عَلْى إحتِواء كُل جَدِيد مُفِيد .

وَ اللُغَة العَربِية : مِن اللُغَات السَامية المُتَجذِرَة فِي التَارِيخ الـإِنسَانِي ، وَ هِي لُغَة القُرآن الذَّي شَرفَها اللهُ بِنزُول كَلَـامهُ المُقدس ، وَ قَال عَنْهَا عَز وَ جَل :


" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "

" سُورَة : يُوسِف الـآية : 2 " .



هَذَّا التَشرِيف العَظِيم لِهَذه اللُغَة يَستَوجِب مِنا نَحْنُ العَرب أَنْ نُحَافِظ عَليهَا وَ نُقوِّيهَا ، وَ نَجعَلها لُغة مُعَاصرة بِكُل المَقايِيس


وَ مِن هُنَا لَـابُد مِن أَن يلقى مِنا قَول الَـإمَام إبن تَيمِيه رَحِمَهُ الله جُل الَـإهتِمَـام :

" أَعلَمُ أَنَّ إعتِيَاد اللُغَة يُؤثِرُ فِي العَقْلِ وَ الخُلقِ وَ الدِينِ تَأثِيرَاً قَويّاً بيّنَاً ، وَ يُؤثر أَيضَاً فِي مُشَابهةِ صَدرِ هَذِه الـُأمَّةِ مِن الصَحابِةِ وَ التَابِعين ، وَ مُشَابهَتهم تَزِيد العَقلَ وَ الدِينَ وَ الخلقَ ، وَ أَيضاً فإنَّ نَفْس اللُغة العَربِية مِن الدِين ، وَ مَعرِفتِها فرضٌ وِاجبٌ ، فإنَّ فَهْم الكِتَاب وَ السُنَّة فَرضٌ ، وَ لَــا يُفْهَم إلَّـا بِفَهْم اللُغَة العَربِية ، وَ مَـا لَـا يَتِمُ الوَاجِب إلَّـا بِه فَهُو وَاجِب ".



جَمعتُ لَكُم فِي هَـذهِ المِساحَه بَعضَ الَـأشعَار مِمن مَجد أَصحَـابُهَا اللغُه العَربيه وَ مَنحُوهَـا بَعض حَقِهَـا
فَلَـا أَحـول بينَكُم وَ بينهَـا وَ أَترُكَكُم مَعهَـا :

أَولُ قَصائدنَا هِي للعَلَـامه /
مُحمد الخَضِر الحُسَين
قَال فِيهَا

شَبيهانِ: الهِلَـالُ إِذَّا تَهادَى *** وَ فِكْرٌ باتَ يَرْتادُ السَّدادا
بَناتُ الْفِكْرِ آبِدَةٌ وَلَوْلَـا *** عَنانُ الْقَوْلِ لَمْ تُسْلِسْ قِيادا
رَعى اللهُ الـأَديبَ يَرومُ مَعْنى *** فَيُسْعِدُهُ الْبَيانُ بِما أَرادا
أُبَجِّلُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْوِ ظِلاًّ *** بَنى الْعَيْشُ الـأَنيقُ بِهِ وَشادا
فَهاتِ السَّيْفَ يَخْطُرُ في مَضاءٍ *** وَ خَلِّ الْغِمْدَ عِنْدَكَ وَ النِّجادا
وَ يَنْزَعُ بي إلى الـآدابِ وَجْدٌ *** إذا قُلْتُ اشْتَفى بالوَصْلِ زادا
فَأَنْسى" مَعْبَدا"وَ"عُرَيْب" دَهْراً *** وَلَـا أَنْسى "الْبَديع"وَ لَـا "الْعِمادا"
وَأَسْلوا الرَّوْضَ وَالوَرْقاءُ تَشْدو *** بِهِ وَالْغَيْثُ حاكَ لَهُ بِجادا
وَ لَـا أَسْلو الطُّروسَ تَدورُ فيها *** رَحَى الْبَحْثِ ابْتِكاراً وَانْتِقادا
وَ لَمْ أَنْضُ الْقَريحَةَ في نَسيبٍ *** وَ لَـا عَذْلَـاً شَكَوْتُ وَ لَـا بُعادا
فَما أَهْوَى سِوى لُغَةٍ سَقاها *** قُرَيْشٌ مِنْ بَراعَتِهِمْ شِهادا
أداروا مِنْ سَلاسَتِها رَحيقاً *** وَ هَزُّوا مِنْ جَزالَتِها صِعادا
وَ طَوَّقَها كِتابُ اللهِ مَجْداً *** وَ زادَ سَنا بَلَـاغَتِها اتِّقادا
تَصيدُ بِسَحْرِ مَنْطِقِها قُلوباً *** تُحاذِرُ كالجَآذِرِ أَنْ تُصادا
قَنَتْ حِكَماً رَوائِعَ لَوْ أَعارَتْ *** سَناها النَّارَ لَمْ تَلِدِ الرَّمادا
سَرَتْ كالمُزْنِ يُحْيي كُلَّ أَرْضٍ *** وَ يُبْهِجُها وِهاداً أَوْ نِجادا
وَما للَّهْجَةِ الْفُصْحى فَخارٌ *** إذا لَمْ تَمْـلـإِ الدُّنْيا رَشادا
وَ راعَ حِلى الْفَصاحَةِ غَيْرَ عُرْبٍ *** فَحَثُّوا مِنْ قَرائِحِهِمْ جِيادا
تَخوضُ بَيانَها الْفَيَّاضَ طَلْقاً *** وَ كانَتْ قَبْلَهُ تَرِدُ الثِّمادا
وَ كَم ضاهى "ابْنُ فارِس" وَ هو يُوري *** زِنادَ الشِّعْرِ وائِلَ أو إِيَادا
أَتاها الْعِلْمُ يَرْسُفُ في كَسادٍ *** وَ خَطْبُ الْعِلْمِ أنْ يَلْقى كَسادا
فَأَلْفى مِنْ مَعاجِمِها عُباباً *** غَزيرَ النَّبْعِ لَـا يَخْشى نَفادا
فَأَوْدَعَها نَفائِسَهُ وأَضْحى *** شِعارُ الْعِلْمِ إِعْراباً وَضادا
عَذيري مِنْ زَمانٍ ظَلَّ يَجْني *** عَلى الْفُصْحى لِيُرْهِقَها فَسادا
حَثا في رَوْضِها الزَّاهي قَتاماً *** وَأَنْبَتَ بَيْنَ أَزْهُرِها قَتادا
وَلَوْلَـا أَنَّ هذا الذِّكرَ يُتْلى *** لَرَدَّ بَياضَ غُرَّتِها سَوادا
أَجالَتْ طَرْفَها في كُلِّ وادٍ *** فَلَمْ ترَ في سِوى مِصْرٍ مَرادا
فَتِلْكَ مَعاهِدُ الْعِرْفانِ تُدْني *** إلَيْهِمْ خَيْرَ ما يَبْغونَ زادا
وهذا مَجْمعٌ يَحْمي تِلَـاداً *** ويَبْني طارِفاً يَحْكي التِّلَـادا
كَأَنَّ عُكاظَ عادَ بِها اشْتِياقٌ *** إلى الْفُصْحى فَكانَ لَها مَعادا
جَرى ماءُ الحَياةِ بِوَجْنَتَيْها *** فَهَنَّأْنا الْيَراعَةَ والمِدادا
وَقُلْنا لِلْمَنابِرِ: ذَكِّرينا *** عَلِياًّ حينَ يَخْطُبُ أوْ زِيادا
فَيَا لُغَةَ النَّبِيِّ سَقاكِ عهْدٌ *** مِنَ الـإِصْلَـاحِ يَنْتَظِمُ الْبِلَـادا
فَما مِنْ حاجَةٍ لِلْعِلْمِ إِلَـاَّ *** يُقيمُ لَها بِحِكْمَتهِ سِدادا
يَصونُ هِدايَةَ اللهِ اعْتِزازاً *** بِها وَأَضاعَها قَوْمٌ عِنادا
تَراءى الزَّيْغُ يَنْفُضُ مِذْرَوَيْهِ ***ويَمْسَحُ عَنْ لَوَاحِظِهِ رُقادا
وَمَنْ يَصُنِ الهُدى مُلِئَتْ يَداهُ *** نَجاحاً كلَّما اسْتَوْرى زِنادا




قَصِيدةٌ لِـ مُحْمَد بَهجَة الـأثري ,, بَلْغَت 150 بيتًاَ
إليكُم مِنهَا :

شَعْشَعَ كأسُها ورَفَّ الضِياءُ *** وَ علَـاهَا مِن السَّنا لـألـاءُ
وَ صَفا ماؤها كَما شَفّ ماسٌ *** ألقت في الضُحى عليه ذُكاءُ
لذةُ الطعم ما الشِهادُ لديها ؟ *** ما رُضابُ العذراءِ ما الصهباءُ ؟
كلّ لطفٍ مُفَرَّقٍ في سواها *** هو فيها وَ كلّ حسنٍ رداءُ
مثل وَشْي الربيع زانتْ يدُ *** الله حِلـاهُ وَ أبدعت ما تشاءُ
لغةٌ أم مَزاهرٌ أم مناجـاةُ *** عذارى فواتنٍ أم غناءُ ؟

نَعَر الناعرون لكن إليهم *** وحدَهم عادَ ما فَروا وَ أساؤوا
هي في أُفقها الرفيعِ وَ هم *** في غائطِ الـَأرض رُكّعٌ وَ قِماءُ
خلَّهم عنك قرقروا أو أصاتوا *** أيّ حسناءَ ما لها أعداءُ
جهِلوها وَ هم مِراضُ قلوبٍ *** نخر الحقدُ لبّهم وَ الداءُ
إنقِلَـابُ الزمان أغرى الزرازير *** فصَالُوا وَ أَستَوقح الَـأدعِياءُ
لغةُ المرءِ ذاتُه إن تهُنْ *** هَانَ وَ أضوى وَ ذلّت الكبرياءُ
الحِفاظَ الحِفاظَ يغلي به الصـ *** ـدرُ وَ تُحمى بِبأسه الحَوباءُ

" لغةُ الوحيِ " جلّ ذا النعتُ نعتاً *** أين لِلُّسنِ هذه السيماءُ ؟
شَرفٌ فِي السَماءِ وَ الَـأرضُ سَامِى *** كلّ عَلياءَ مِن ذُراه علـاءُ






أَمَّـا رَوائِع اللغُه العَربِيه فَهِي لَـا تُعد إذ تَذخَـرُ لُغتِنَا بالكَثيرُ مِنهَـا تَخـيرتُ لَكُم مِنهَـا هَذه الَـأبيات
وَ هِي لـإسمَاعيل بن أبي بكر المَقرِي

وَ العَجِيبُ فِيهَا أنكَ عِندَمَا تَقرَأهَا مِن اليَمِين إلى اليَسارِ تَكُون مَدْحَاً
وَ عِندَما تَقرَأها مِنْ اليَسارِ إِلى اليَمِين تَكُون ذَماً


مِن اليَمِين إلى اليَسارِ في المَدْحَ

طَلبُوا الذَّي نَالُوا فمَا حُرِمُـوا ..... رُفِعَتْ فَما حُطتْ لَهُم رُتبُ
وهَبَوا وَ مَا تَمَّتْ لَهم خُلقُ .... سَلِمُوا فَمَا أَودى بِهـم عطَبُ
جَلبُوا الذَي نَرضَى فَما كَسَدوا .... حُمدتْ لهم شيمُ فما كَسَبوا



مِنْ اليَسارِ إِلى اليَمِين فِي الذَم

رُتَبٌ لَهُم حُطتْ فَما رُفِعتْ .. حُرمُوا فَما نَالُوا الذِي طُلِبُوا
عَطَب بِهم أَودى فمَا سَلِمُوا ... خُلقٌ لهم تمَّتْ وَ ما وهبُوا
كَسَبوا فَما شِيمٌ لَهُم حُمِدَتْ ... كَسَدُوا فَما نَرضَى الذَّي جَلْبُوا




وَ هَكذَّا تَرنمَ القَلمُ عَلْى قِيثَارةِ اللُغَه ، مُتَجَولَـاً حِينَا ، وَ مُتَأمِلَـاً أحْيَاناً ,, فَالمَـوضُوع كَالدَوحَةِ المُثْمِرَة ، أَغْصَانُهَا وَارِفَـة وَ ثِمَارُهَا مُمتِعَةٌ لَذِيذة ,, فَحْقاً تَحْتَاجُ إِلى صَفحَاتٍ وَ صَفْحَات كَي نَأَتِي عَلْى ثِمَارهَا ، فَما بَالُنَا بِظلَـالِهَا الوَارِفَة .


دُونَكُم الردود فَـأوفُوهَـا حَقْهَـا وَ أمتِعُونَـا