الحَمد لله وَ الصلَاة و السلَامُ علَـى رسُـول الله و علَـى آلِه وَ صحبِه وَ من وآلَاه


و بَعد :

لقد من الله علينـا بنعم كثيرة لَا تعدُّ و لَا تُحصَى . و مِن أَعظَمِها نعمَة الإَسلَام

و الصحة و الأَبدان ، و الأمن و الإِستقرَار ، وَ هذه النعمُ مِن ضروريَّات الحَياة كَضرُورة

الطَّعـامِ و الشرابِ و العـافِية و لِلْأبدان ،و قد جاء الأَمن فِي القُرْآن وَالسنَة مقرُوناً

بالطَّعام الذي لَا حياةَ لِلإنسَان و لَا بَقاَء لهُ بِدونِه و قَدْ امتَن اللهُ بهِ علَى عِباده وَأَمرهمْ

أَنْ يشكرُوا هذِهِ النعم بِإِخلَاص العبَادة لهُ

فقالَ تعالَى " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِّنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِّنْ خَوْفٍ "

[ سورة قريش : الآيات 3-4]

و قالَ تعالَى فِي الوعد بِحسنِ الجزاءِ وَعظيمِ الْمثوبةِ لَلْمؤمنِينَ:

" الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الَأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ "

[سورة الأنعام : الآية 82 ]

فَالذِين وحدواْ اللهَ و آمنُواْ بهِ حَق الِإيمان و لمْ يخلِطواْ توحِيدهم بشرك هم الآمِنونَ

الْمُهتَدونَ في الدُّنيا وَالآخِرَة .
**
فَفي رِحاب الَأمنِ و ظِله يأمن الناَس علَى دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم

وأعراضهم ومحارمهم ويسيرون ليلا ونهارا لا يخشون إلا الله .

وفي رحاب الأمن وظله تعم الطمأنينة النفوس ويسودها الهدوء وتعمها السعادة

قال عليه الصلاة والسلام :

" من اصبح آمنا في سربه -بيته- معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له

الدنيا بحذافيرها "

[ رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة وحسنه السيوطي ]

و قال الشاعر :

إذا اجتمع الإسلام والقوت للفتى ... وكان صحيحا جسمه وهو في أمن

فقد ملك الدنيا جميعا وحازها ... وحق عليه الشكر لله ذي المن .
**
لذا تعين البحث عن وسائل حفظ الأمن وتطبيقها كما جاءت في كتاب الله

وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليعم الرخاء والطمأنينة

وتدوم علينا نعمة الأمن والاستقرار بحول الله وقوته ومشيئته وتوفيقه .

ومن وسائل حفظ الأمن ماشرعه الله من إقامة الحدود على المجرمين التي فيها

زجر الناس عن الجرأة على المعاصي التي نهى الله عنها و بذلك حفظ الإسلام

الدين و النفس و العقل و المال و النسب و العرض

و إليكـمـ التفصيـل .. ||



لحفظ الدين حرم الله الردة وهي الكفر بعد الإسلام بأن يتكلم بكلمة الكفرأو يعتقدها

أو يشك شكا يخرجه عن الإسلام أو يشرك بالله في القول أو الاعتقاد أو العمل

كدعوة غير الله أو الذبح لغيره أو التوكل على غيره في جلب النفع أو دفع ضر

أو حصول نصر أو غير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله وحده أو يستحيل ما حرم الله

أو يحكم بغير ما أنزل الله أو يترك الصلاة ونحو ذلك من أنواع الردة وهي تحبط

الأعمال .
**
و لحفظ الدين وجب قتل المرتد عن الإسلام لأنه يعتبر جرثومة ضارة وعضو أشل

في المجتمع .

قال صلى لله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه "

[ رواه البخاري وغيره ]

و ذلك ليحفظ على الناس دينهم فيفوزوا بالسعادة الأبدية و في ذلك ردع بالغ عن

تبديل الدين و إضاعته .



[ حفظ النفس ]

لحفظ النفس حرم الله القتل وسفك الدماء - دماء المسلمين وأهل الذمة المعاهدين -

و توعد على ذلك بالوعيد الشديد

قال الله تعالى :

"وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ

عَذَابًا عَظِيمًا " [سورة النساء آية 93 ]

لذا فالقتل كبيرة من كبائر الذنوب وهو أحد السبع المهلكات

قال صلى الله عليه وسلم :

" اجتنبوا السبع الموبقات "

وذكر منها :

" قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق " [ رواه البخاري ومسلم ]

وهي نفس المسلم المعصوم. والحق الذي يبيح قتلها هو القصاص

" النفس بالنفس "

والزنا بعد الإحصان - الزواج - والكفر بعد الإسلام

وقال صلى الله عليه وسلم :

" لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " [ متفق عليه ]

وقال صلى الله عليه وسلم :

" من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة " [ رواه البخاري ]

فإذا كان هذا في قتل المعاهد وهو الذي اعطي عهدا من اليهود والنصارى

فكيف بقتل المسلم ؟
**
ولحفظ النفوس واحترامها وجب قتل القاتل عمدا ليأمن الناس على أنفسهم

قال تعالى :

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى

بِالْأُنْثَى " [ سورة البقرة آية 178 ]

وقال تعالى :

" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [ سورة البقرة آية 179 ]

أي تنحقن بذلك الدماء وتنقمع به الأشقياء لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل لا

يكاد يقدم على القتل وإذا رؤي القاتل مقتولا إندعر بذلك غيره وانزجر فلو كانت عقوبة

القاتل غير القتل لم يحصل انكفاف الشر الذي يحصل بالقتل .

و من الأمثال العربية : [ القتل أنفى للقتل ]

و هكذا سائر الحدود الشرعية فيها من النكاية والانزجار ما يدل على حكمة الحكيم

الخبير بمصالح خلقه .



[ حفظ العقل ]

لحفظ العقل حرم الله كل مسكر وكل مخدر ومفتر كالخمر والحشيش والدخان

قال الله تعالى :

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [ سورة المائدة آية 90 ]

والخمر ما خامر العقل أي غطاه بالإسكار سواء كان رطبا أو يابسا أو مأكولا أو

مشروبا ، وهي أم الخبائث وجماع الإثم ومفتاح كل شر فمن لم يجتنبها فقد على الله

و رسوله واستحق العذاب بمعصية الله ورسوله وسميت أم الخبائث لأن شاربها

إذا سكر فعل كل جريمة وهو لا يشعر، وحرم الله الخمر لما اشتملت عليه من

المفاسد وتحطيم الشخصية وإطفاء جوهرة العقل .

فالخمر تذهب المال وتذهب العقل ولو لم يكن فيها من المخازي إلا ذهاب المال

ونقص الدين وتشويه السمعة وسقوط العدالة لكفى العاقل أن بجتنبها

فكيف و أنها أم الخبائث و الرذائل ؟
**
و لحفظ العقل وجب جلد شارب الخمر ثمانين جلدة ليرتدع الناس عن هذه الجريمة

فتبقى عقولهم سليمة ليعقلوا بها عن الله أمره ونهيه فيفوزوا بالسعادة ويسلموا

من الشقاوة .



[ حفظ المال ]

لحفظ المال حرم الله السرقة وهي أخذ مال الغير المحترم خفية بغير رضاه وهي

من كبائر الذنوب الموجبة اترتب العقوبة الشنيعة وهي قطع اليد حفظا للأموال

واحتياطا لها فيرتدع السراق إذا علموا أنهم ستقطع أياديهم إذا سرقوا فيأمن الناس

على أموالهم

قال سبحانه وتعالى :

" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

[ سورة المائدة الآية 38 ] .
[ حفظ النسب ]
لحفظ النسب حرم الله الزنا ووسائله من النظر المحرم والكلام المحرم والسمع

المحرم لما في الزنا من انتشار الأمراض ، وانتهاك الأعراض ، واختلاط الأنساب ،

فينسب الولد إلى غير أبيه ويرث من غير أقاربه فيحصل بذلك من الظلم والمفاسد ما

الله به عليم ،


قال تعالى :


" وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً " [ سورة الإسراء 32 ]

و النهي عن قربانه أبلغ من مجرد النهي عنه أي لا تحوموا حوله ولا تعملوا الوسائل

الموصلة إليه .
**
و لحفظ الأنساب وجب جلد الزاني البكر مائة جلدة مع تغريبه عن بلده الذي واقع فيها

الجريمة لمدة سنة

قال تعالى :

" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ

اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ "

[ سورة النور آية 2 ]

أي لا ترحموهما في إقامة الحد الذي شرعه الله وليحضر الجلد جماعة من الناس

ليشتهر ولينزجر الناس ويرتدعون عن الزنا ، كما يجب رجم الاني المحصن - المتزوج -

بالحجارة حتى يموت بالآية المنسوخة لفظها الباقي حكمها وبالسنة الصحيحة ،

والجلد والرجم بعد ثبوت الزنا بأربعة شهداء ، أو بإقراره على نفسه أربع مرات ،

أو بظهور الحمل من الزنا في المرأة .



[ حفظ العرض ]

لحفظ العرض حرم الله قذف الأبرياء بالزنا و توعد على ذلك بالوعيد الشديد

قال تعالى :

" إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ

عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "

[ سورة النورالآيات 23 ، 24 ]

وقال تعالى :


" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا

لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ

غَفُورٌ رَّحِيمٌ " [ سورة النور الآيات 4 ، 5 ]

بين الله تعالى في هذه الآيات أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا

والفاحشة أنه ملعون في الدنيا والآخرة وله عذاب عظيم وعليه الحد في الدنيا

ثمانون جلدة وتسقطه شهادته ، وأنه فاسق ساقط العدالة

و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" اجتنبوا السبع الموبقات "

و ذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات .

والقذف هو الرمي بالزنا بأن يقول لامراة مسلمة عفيفة يا زانية فإذا قال ذلك أحد من

رجل أو امرأة لرجل أو امرأة وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم على ذلك بينة .

و البينة ما قال الله تعالى أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة

أو ذلك الرجل فإذا لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو طالبه بذلك الذي

قذفه .

وكثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا

والآخرة

و لذا قال صلى الله عليه وسلم :

" وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم "

[ رواه البخاري وقال حديث حسن صحيح ] .



[ خلاصة الموضوع ]

وبإقامة هذه الحدود المتقدمة يأمن الناس على دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم

وأموالهم وأعراضهم فيرتدع الناس عن هذه الجرائم ويفوزوا بالسعادة في دينهم

و دنياهم و آخرتهم.

و هذا بخلاف القوانين الوضعية التي غيرت أحكام الله وحدوده وبدلتها بقوانين من

وضع البشر الناقصين من كل وجه حيث جعلت جزاء المجرمين المعتدين على الناس

بانتهاك حرماتهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم السجن أو الغرامات المالية فقط فكانت

النتيجة انتشار الجرائم و الفوضى وانتهاك الحرمات والاعتداء على الأنفس والأعراض

من غير مبالاة ولا حياء ولا وازع ولا رادع فصار الناس في تلك الدول المعطلة لحدود

الله لا يأمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم .

و قد قال الله تعـالى :

" وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ " [المائدة 44] ،

و قال تعـالى :

" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون " [المائدة 50]

فما جاءت به الشريعة الإسلَامية من الحدود و تنوعها بحسب الجرائم من محاسن

الإسلَام و هي من وسائل حفظ الأمن لأن الجرائم و التعدي على حقوق الله

و حقوق عباده من أعظم الظلم الذي يخل بالنظام و يختل به الدين و الدنيا فوضع

الإسلَام للجرائم حدوداً تردع عن مواقعتها و تخفف من وطأتهـا من القتل و القطع

و الجلد و أنـواع التعزيرات و كـلهـا فيهـا من المنافع و المصـالـح الخـاصة و العامية

ما يرى بـه العـاقـل حسن الشريعة .



المرجع " كتاب " : |[ وسائل حفظ الْأمن |]

لــــ / .. عبد الله بن جـار الله بن إبراهيم الجـار الله

أسأل الله أن أكـون قد أفدتكم بمـا تقدمت به من معلومـات

و ذلكـ بذكـر وسائل حفظ الأمن في مجتمعنـا الإسلَامي

إلـى لقـاءٍ يتجدد إن شاء الله في مواضيع أخـرى ..

و الصلَاة و السلَام على سيدنـا محمد و علـى آلـه و صحبه و سلِّـم