جمود معيار الحياة.. في معتقل سوري (قصة تجربة)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 20 من 20

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية Intrax

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    326
    الــــدولــــــــة
    سوريا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Post جمود معيار الحياة.. في معتقل سوري (قصة تجربة)

    جمود معيار الحياة.. في معتقل سوري (قصة تجربة)


    السابع والعشرين من شهر آب.. أي بعد إثني عشر يوماً من يوم ميلادي الواحد والعشرين.. تم إعتقالي بالإضافة إلى كثير من الأشخاص بتهمة المطالبة بالحرية، ربما كنا نسنحق ما جرّمنا به. كنت طوال العشرين يوماً أفكر في خروجي.. وأنني حال خروجي سأدون ما حصل داخل هذا المعتقل وما حصل لي ولأصدقائي الذين تعرفت عليهم في الداخل، غير أنني حين خروجي أصبت باليأس فحققت أهدافهم فور خروجي.. ما يرغبون به هو بث الرعب في قلوبنا.. كنت أبكي لساعات كثيرة كبكاء طفل يتوق للعودة إلى رحم أمه .. أبكي لا أجد مكان أجلس فيه وحدي أواسي ألمي فيه.. أذكر فيه اسم الله ووالدي.. والدتي عائلتي التي كنت بأمس الحاجة لها.

    الثامن والعشرين من شهر آب وبعد يوم كامل من التحقيق والترهيب والذل.. تم الوصول إلى أننا نحن من سببنا الخراب لهذه البلد وأنهم هم من قاموا بعمارها طوال هذه الأربعين عاماً، ولأننا كنا مختلفين عنهم بكل شيء فبنظرهم نحن العبيد لا يحق لنا النظر للأعلى، لا يحق لنا المطالبة بحق مشروع، لم نكن نطالب بالحرية منذ البداية ولم نكن نرغب بها ولكن ما كنا نرغب به حقاً هو العيش بكرامة العيش دون خوف من أشخاص لا يخافون، كنا نرغب بالدفاع عن شرفنا عن كرامتنا، ولأنهم أشخاص لا يعرفون الله.. أشخاص حاقدين يسعون للقضاء علينا.. كانوا كوحوشٍ مستميتة بلا مخالب مهووسة بالقتل مهووسة بذل العباد وممارسة كفرهم في وجوهنا، أشخاص لا أعتقد أنهم عرفوا الله يوماً ما!! لم يعلموا أننا نحن أصحاب الحق وهم أصحاب الباطل، لم يكن في بالهم أن تنتفض الثورة ويقوم الشعب بالإلتفاف حولها بالنسبة للخوف الذي زرعوه في قلوبنا على مدى الأربعين عاماً نحن من أخرجنا فرنسا والعثمانيين منذ قرون ألن نستطيع الآن أن نتخلص منهم وبسهولة.

    التاسع والعشرين وقبل يوم أو أكثر من عيد الفطر، وبالنسبة لنا نحن المسلمين نسعد بقدومه، ولكننا في الداخل كنا نتمنى تأخر العيد هذه السنة علنا نخرج من هنا ونعود إلى أهلنا ولكن وللأسف.. كنا كما ذكر المحقق لي سابقاً أننا قمنا بحرمان الأمن من إحياء ليلة القدر ومن الأستمرار في عباداتهم.. في هذه اللحظة ورغم خوفنا منهم شعرت برغبة غامرة في الضحك من صميم قلبي.. كيف لأشخاص كفار لا يعرفون الله.. لا يعرفون أحد، أغبياء لدرجة الهذيان أن يقوموا بأحياء ليلة القدر، كيف له أن يتكلم هكذا ونحن المظلومون وهم الظالمون، يعتقدون أنهم هم المظلومون، نحن من قمنا بخراب البلاد وتهديد أمنها ولكن في داخل المعتقل وجدت أشخاص شرفاء، أشخاص وهبوا حياتهم لتحرير البلد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، تخلوا عن كل شيء مقابل الحصول على كرامة وطنهم.

    الثلاثين من شهر آب والموافق وللأسف من أول أيام العيد.. مصطفى شاب في الثلاثينات يتحرق شوقاً للقاء أهله.. يرغب في الخروج من هنا ليقوم بتحرير بلده من أشخاص لم يعرفوا الحضارة والتطور أخبرني أنه كان عندما يخرج للتظاهر يشعر بأنه على قيد الحياة، ماالخطأ في الدفاع عن حريته وكرامته ولماذا كانت حرية المواطن محط نظر نظام بكامله.. مالخطأ في الدفاع عن شرفه برغبته بتحرير أرضه ووطنه. كان كل ما يخشاه أهلي في ذلك الوقت أن أخرج من هناك وأنا فاقد لإبتسامتي.. كان هنالك أفكار جامحة في رأسي كان لا بد من تنفيذها وكان عليهم وبدورهم المعتاد القضاء علينا.. كيف لا وهذه أرضهم أو باب رزقهم.. كيف لشخص أو مجموعة أشخاص من عائلة واحدة أعتقدوا أنهم بوصولهم للحكم أنهم أستورثوا الأرض من أصحابها واستوطنوا فيها.

    الواحد والثلاثين من شهر آب وما زلنا نقضي أيامنا الأولى في المعتقل في زنزانة لا تتعدى أبعادها الثلاثة أمتار طولاً بمترين عرضاً كنا فيها حوالي الثلاثين شخصاً نحاول جاهدين أن ينام نصفنا ويقف نصفنا الآخر في محاولة منا لتجاوز الأزمة.. كانوا يسعون دائماً لنشر التفرقة والفتن بيننا ولكن ولحسن حظنا كنا أصحاب وعي أستطعنا تنظيم أنفسنا بشكلٍ جيد. ولكن ولسوء الحظ فقد كان علينا قضاء حاجتنا ثلاث مرات فقط كل يوم بعد كل وجبة طعام .. الذل الذي مررنا به أثناء ذلك لم أستطع تحمله.. أثناء التبول يقومون بالدخول عليك أو برمي الماء من الأعلى.. نعم كنت كطفل صغير أضاع طريق العودة إلى منزله، ما الخطأ في ذلك.. هل تأخرنا في يقظتنا.. هل كان علينا الإستمرار في سباتنا.. ظلم وفساد وعدوان وقضاء على الفكر وبرجوازية ورأسمالية وكل ذلك وأكثر كان موجود لدينا في سوريا .. تعرضنا للأضطهاد للظلم للقسوة أشخاص لم يعرفوا يوماً الرحمة لا يخشون أو لم يتوقعوا يوماً أن تنقلب الأمور لغير صالحهم، كان الهواء يدخل إلى ما يمكن تسميته منفردة فيها ثلاثين شخص كان يدخل الهواء حسب مزاجهم.. يمنعون عنا الهواء متى أرادوا ويقطعونه متى أنزعجوا.. ممنوع الكلام ممنوع النوم ممنوع أداء العبادات ممنوع أي شيء. لذا كان لزاماً علينا الصبر والصبر في ظل هؤلاء الكفرة الذين يخشون من مجموعة من عامة الشعب ليخرجوا ويرددوا كلمة حرية بشكل سلمي.



    يتبع...

  2. 2 أعضاء شكروا Intrax على هذا الموضوع المفيد:


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...